بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 5 مايو 2010

الثلاثاء 16 مارس 2010م.






الشعراء يقرأون القصص بمختبرالسرديات بالمكتبة
كتب اسلام ممدوح
فى محاولة لمد جسور التلاقى بين الشعراء وكتاب القصة بمدينة الإسكندرية، نظم مختبر السرديات بالمكتبة يوم الثلاثاء 16 مارس ندوة تحت عنوان "الشعراء يقرأون القصص"، بدأ الأديب منير عتيبة مدير المختبر المداخلة النقدية لهذا اليوم بقراءة فقرات من كتاب رواية ما بعد الحداثة للدكتورة مي محمود الكاتبة والأكاديمية العراقية ثم قرأ مبدعو الإسكندرية خمس قصص هى "نظرية أم إبراهيم" لسهير شكرى، و"عم عثمان الكمسارى" لحسام حسن، و"ثوب لم أرتديه" لسعيدة نور الدين، و"ألوان" لإسلام على حسن، و"أصداف بهية" للدكتورة نادية البرعى، وقدم قراءات نقدية لهذه القصص بالترتيب الشعراء أيمن صادق، محمد محمود طعيمة، أشرف دسوقى على، أمينة عبد الله، عصام آدم. كما قدم عتيبة الشكر للأديبة الشابة مروة الحمامصى لقيامها بإنشاء مدونة ومجموعة على الفيس بوك باسم مختبر السرديات مكتبة الإسكندرية.






عم عثمان الكمسارى
(قصة بالعامية المصرية)
قصة: حسام حسن

عم عثمان الكمسارى غاوى شعر عشان كده بينسى ركاب كثيره بيزوغوا منه.. واشمعنى فكرة القصيدة بتيجى فى عربيه رقم 3 اللى كان فيها ركاب بيلهموه الشعر.. عم عثمان بيقول عربيه رقم 3 فى القطر عربية الناس الطيبين.
ومن كتر ما بتلف فى القطر رايح جاى.. جاى رايح.. بتروح فى الشقة تلف فى الأوض زى القطر.
عربية رقم 1 فى القطر عربية مجهولة عند عم عثمان الكمسارى.. ما بيحبش يقطع فيها تذاكر بيقول ناسها مش طيبين.
أما العربية الأخيرة راكب فيها الحب لوحده.. عربيه برضه مجهولة يمكن عشان التذكره فيها غاليه جدا أو يمكن عم عثمان مش معاه تذاكر للحب.

قراءة نقدية بقلم الشاعر/محمد محمود طعيمة

قديما كان الأدب بمختلف فنونه؛ قصص روايات شعر وخطابه، متحد فى الأديب، فالأساطير هى روايات تحتوى قصص ولهجتها خطابية فى صياغة شعرية غاليتها بعامية اللغة الرسمية فيما بعد. وأنا كشاعر أعبر هنا عن رؤيتى لقصة الأديب حسام حسن "عم عثمان الكمسارى" يجمع بينى وبين القاص الكتابة بالعامية، والتكثيف فى القصيدة عندى والأقصوصة عند القاص، والأغراض فكلانا يعبر عن الأحوال الحالة والمعاصرة وانعكاساتها على الناس.
والكتابة العامية؛ بعيدا عن الجدال ما بين الفصحى والعامية وتخوف أنصار الولى من الثانية، فلا أراها معركة بل لزوم الحال للتواصل مع القطاع الأعرض من المتلقين دون رفض لأى جهود لمحو الأمية الهجائية والأبجدية قبل الثقافية لتكون هناك لغة مشتركة ما بين المبدع والمتلقى، فى توصيل رسالة من.. إلى جموع الناس، فجهاز الاتصال أو أدواته حاليا هى العامية سواء فى القص أو الشعر، وغالبية الأعمال الأدبية الروائية عند طرحها فى أعمال فنية تصاغ حواراتها بالعامية سواء بالسينما أو المسرح أو التليفزيون لتجد محيطات من التلقى بعد الجداول الصغيرة.
ونأتى للومضة القصصية "عم عثمان الكمسارى"، إن وصف القصة بالقصيرة أو الطويلة أو الرواية راجع إلى كم سطورها أى الشكل العام أما الكيف بأدواته فلا يختلف طالت أم قصرت سطور النص الأدبى، والعبرة هنا فى القدرة الفنية للكاتب على صياغة بلاغية تنتج الدهشة فى كلتا الحالتين إن "الحدوتة" مثلا وهى فى كلمات قليلة ممكن أن تنفرج صفحات فى مسرح أو سينما أو تليفزيون طوال شهر رمضان مثلا. وفى هذا الصدد يبرز دور الإسكندرية الريادى فى مجالات الأدب المختلفة، فعبد الله النديم كان صحفيا وخطيبا وزجالا وشاعرا، كذا بيرم التونسى السكندرى أيضا، بل إن الانقلاب الشعرى القصصى صاحبه سكندرى أيضا عندما فجر "كاليماخوس" ميديا الملاحم إلى الإبيجراما، كان هذا منذ 2300 سنة، وقولته دالة على زخم وحيوية اسكندرية/المدينة الحضارية من أساس نشأتها إذ يقول "إن إيقاع العصر السريع الحالى 300 ق.م لا يتلائم مع ملاحم هوميروس وإنما يقتضى قصيدة قصيرة مكثفة" وأسماها كولردج (1862-1934م) من بعد بالإبيجراما، وكاليماخوس هو أول أمين لمكتبة الإسكندرية القديمة.
أديبنا الشاب "حسام حسن" ساير تجريب القصة الومضة بل وأراها من القصص النواة التى تفجر بكلمات قليلة وبمعادل موضوعى كم معانى يحيط بالموضوع إحاطة أقرب إلى الشمول. جعل من القطار معادلا للمجتمع، ومن درجاته معادلا لطبقات المجتمع، ومن "عم عثمان الكمسارى" الشخصية التى تتعدد عليها دلالات درجات القطار وموقفه منها بإظهار انتمائه لإحدى هذه الدرجات/الطبقات والتى تلهمه الشعر، وهى طبقة/درجة من أسماهم بالناس الطيبين.
دائما عندما يريد الكاتب أن يجمع فى إطار واحد عدة شخصيات متابينة فى المشارب والمصالح والمهن يختار مقهى فى "خان الخليلى" أو بنسيون يسمى "ميرامار" أو عمارة عتيقة كما قى "يعقوبيان"، وكان حسام حسن بارعا فى حميمية اختياره للقطار ليمثل مجتمعا يحوى فى فترة زمنية عابرة شخصيات متعددة متباينة قد تتغير أحوالهم المعيشية فيتبادلون درجات القطار ويظلون فى الفترة الزمنية للقطار كما هم فى عرباتهم وما تمثله، أقول وقد لا أكون مصيبا فى قصد المؤلف ولكن ميزة النص هنا أن يعدد التلقى وأنا واحد من المتلقين.
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية فى 16 مارس2010م)



نظرية أم ابراهيم

قصة: سهير شكرى

توقظنى أمى وكأنى بعثت من مقبرة... أتصبب عرقا ....أصحو مسهدة العين مقروحة الفؤاد. إنه الكابوس يطاردنى ..... يلح على سؤالى العقيم السقيم يفسد على حياتى .
هل حقا داروين القرد إبن القرد ونظريته الملعونه أننا ننحدر من جدنا القرد باشا الأكبر . أتفحص أمى وأبى وأخوتى أراهم قرودا... أين خبئوا ذيولهم ؟
كوب الماء بيدى قرد صغير!!!!
هل خبئنا ذيولنا لنوهم أنفسنا بالارتقاء !!؟؟؟
لماذا إختار داروين القرد بالذات . لما لا يكون أصلنا ذئاب أو ثعابين .. أو خراف .
ألم يمكروا ويلقوا بأخيهم إلى الجب ويتباكوا لأبيهم ويتهمون الذئب ظلما وعدوانا ألم يكونوا هم الذئاب .؟؟؟ يعاودنى السؤال الملح أين ذيولنا!!؟؟؟ . أسال أهلى .. جيرانى .. الناس فى الشوارع . . الكل يتهمنى بالجنون حتى أهلى.
الأطباء شككوا فى قواى العقلية .. أدخلونى المصحة ... قيدونى .. ساقونى برجال عتاة أدخلونى حجرة رئيس المصحة رأيت خلفه صوره لقرد كبير حينما دققت النظر إليه.. حدق فى عينى .. أخرج لى لسانه ... قفز وأولانى ظهره .
وأخذ يهز ذيله فى حركات راقصة ..... دون أن أدرى مددت يدى خلفى أحسست بذيلى يتحرك..... أمسكته .
قادنى هذا إلى إعادة التفكيرحتى بلغت الخلق والتكوين وما هى السلسلة الغامضة التى مررنا بها من الأمشاج والأخلاط وأنا مازلت قابضة على ذيلى .
أدخلونى إلى العنابر وجدتها تعج براقصات .. مصليات ... صارخات صامتات ..متسلقات ومنهن من تمشى على أربع .
وجدت سيدة هادئة تمسك بيدها مسبحة دون أن أشعر أرتميت فى أحضانها أبكى . . قالت لى أنها أم إبراهيم . سألتها عن داروين ونظريته لعلى أجد لديها إجابة تريح تفكيرى .. فوجئت بها تنبئنى بأنها عالمة ولها نظرية مسجلة بإسمها... هللت فرحة .. أنا أجلس هنا مع عالمة .. لعلى أجد ضالتى عندها . أكدت لى فى نظريتها أن القرد أصله إنسان و سخط قردا لأنه لا يستحق إنسانيته .
قمت منتفضه أجمع كل نزلاء العنابر .. أخطب فيهم " لقد سخطنا قرودا عندما خفنا من عصا القراداتى وقمنا بعجين الفلاحة . لقد تورمت جلودنا من كثرة سياطه وشاخت طفولتنا .
كل يوم يحضر مدير المصحة بوجهه العنيد الكئيب معه جنوده العتاه يقبضون علينا .. يقيدوننا .. يغرزون فى لحومنا المسامير .. يحقنوننا بمواد لا نعرف كنهها . يصعقوننا بالكهرباء ونحن نرتعد خوفا ونئن ألما حتى الموت .
جمعت كل المرضى المستسلمين .. تركنا العنابر .. نزلنا الى حديقة المصحة .. إلتقطنا كل الحجارة والحصى..... تسلقنا الأشجار.
أصبحت المصحة خالية من المرضى ..... لم يبق إلا الإدارة والحراس ماذا يفعلون!!؟؟ على من يمارسوا هواياتهم فى التعذيب والإذلال ..؟؟
إنزعجوا .... حدث هرج ومرج بحثا عنا ... نزلوا الى الحديقة نظرنا إليهم من فوق الأشجار ..... رأيناهم صغارا تافهين بعد أن ضاع الخوف منا.

قراءة نقدية بقلم الشاعر/أيمن صادق

- هل خبَّأنا ذيولـَنا لنوهم أنفسنا بالإرتقاء؟!
بهذا السؤال انتشلتنى سهير شكرى من وطأة جُمل ٍ عادية وممطوطة إلى فضاء من الدهشة والإبداع ، صاحبانى فى معظم الأحيان ، ولم أستطع أن أكتم شهقة الإعجاب بالفكرة التى اعتلتها الكاتبة والتى جعلتنى أتسلـَّق رؤيتها مستفـّزَّا ً بالمتعة ، وقد استطاعت الكاتبة – إلى حد كبير – أن تحكم قبضتـَها على الفكرة وتوجهها إلى حيث رؤاها وقناعتها الإبداعية ، والتى اختزلها كما أرى هذا السؤال القضية.
إنـَّه سؤال صادم إذ ينكأ حجم البشاعة التى تبلـَّد الإحساس بها ، ويضع "إنسانـَنا " أمام تشوّهه الذى لا يبصره ، فليس أبشع من أن يفرّط الإنسان فى كينونته ، ولا أكثر تشوّها من أن تستلب حريته ، فلا عجب إذن من أن يستطيل ذيلـُه فيقوم "بعجين الفلاحة " أو " نوم العازب " ، أو تستطيل أذناه فيتحمـَّل قهر َ القرداتى وظلمـَه ، فقد " سـُخط (قرد)لأنه لا يستحق إنسانيته" كما قالت الكاتبة ، لكن المصيبة الأعظم أن لايدرى بهذه " القردنة" ، ومن هنا يتوهـَّج السؤال –هل خبَّأنا ذيولنا لنوهم أنفسنا بالإرتقاء؟
تقول الكاتبة " مددت يدى خلفى ، أحسست بذيلى يتحرك ..أمسكته"
إنه أول عتبات الخلاص أن نرانا على حقيقتنا ، أن نرى الخطيئة حتى نتوب ، وأن نواجه المرض حتى نشفى ، وأن نحس بالذيل حتى نتمرد ونثور، وقد جاء الفعل يتحرك "بذيلى يتحرك" ليكسب المعنى عمقا دلاليا يتسع بحجم "الآن" ، فتحـرُّك الذيل ِ يعنى حيوية المهانة واستمرارها ، وإذا تنبهنا أن حركة الذيل فى أغلبها تتسم بالعشوائية ، أمكننا أن نرى فى أى مستنقع تتخبط محاولاتـُنا للخروج؟! ، ويأتى الفعل الماضى " أمسكته " فى الجملة السابقة مدببا لينغرز فى كبد الإكتشاف ، وليؤطَّر مع "قمت منتفضة" – قرب نهاية القصة – جغرافية الوجع/الفكرة التى تحركت بها الأفعال المضارعة فى السرد.
وإذا كانت النهاية تتسق والرؤية التى اتجهت إليها الكاتبة بأن يصير الإدارة والحراس "صغارا تافهين بعد أن ضاع الخوف منا"، فقد كنت أنتظر – ولا أدرى لماذا ؟!- أن يتخلـَّص المرضى بعد ثورتهم من الذيول أو أن يكتشفوا عدم وجودها.
القصة كان يمكن أن تقترب من الكمال الذى يسعى إليه كل مبدع إذا تجنبت الحشوَ الذى تهد َّل على قوام قصة ٍ تتأنـَّق بلغة أكثر رشاقة وتركيزا ، وأكثر عناية بالنحو.
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية فى 16 مارس2010م)










ألوان
قصة: إسلام على حسن

عندما يشعر باقتراب اللحظة يبدأ في عد عدته.. دوما هو جاهز.. حضوره جلي في المناسبات.. بائع كشاكيل.. مساطر وأقلام وقت الدراسة.. فوانيس مع اقتراب شهر رمضان.. صفحات الجرائد تمتلئ بالأخبار عن إمكانية تحقيق الحلم والوصول للبطولة الكبيرة.. لا يكترث بالمانشيتات ولا بالسيارات التي زينت بالأعلام والتي ترفرف مع جريانها وأصوات الأبواق تدوي في تناغم.. العدة جاهزة ومكانه خلف سور الجامعة بمكان قصي ينتظره.. منذ الصباح وحتى اقتراب ميعاد المباراة هو هناك .. يطلب منه الزبون رسم العلم فوق وجهه.. يصعر له خده.. يبدأ في التنفيذ.. الفرشاة في يد والأصباغ الثلاثة بجانبه.. تستلقي فوق الوجوه والوجنات والجباه.. مرآة صغيرة كي يرى الزبون وجهه مبتسما في بلاهة.. فيبتسم هو الآخر.. برغم عدم اقتناعه بما يفعله إلا أنه كان يشعر بدوره المهم في صناعة البهجة ولو بمقابل مادي.. تبتسم يده حينا تتلقى الأوراق النقدية.. زبون والثاني واليد تتسع ابتسامتها.. فتاة لم يتخيل وضع اللون الأسود فوق صفحة وجهها الأسمر فيقول مداعبا :
- انتي سمرا خلقة إيه لزوم اللون الأسود؟
فتضحك مصرة على وضع اللون المتبقى لإكمال اللوحة.. شخص آخر كثيف الشعر طلب أن يلون وجهه كاملا :
- حياخد شوية وقت .
- لسة بدري على الماتش .. خد راحتك .
يطلي الوجه بحذر كي لا تتداخل الألوان.. بهدوء وبلا كلل حتى ينتهي.. النهار على مشارف الانتهاء وكذلك الألوان.. صيحات المارة والهتاف لتشجيع الفريق.. المقاهي التي حجزت أماكنها مبكرا لاستقبال الحدث.. أحس بامتلاء جيبه.. بدأ في لم عدته استعدادا للرحيل حينما لمح ذلك الطفل الصغير هناك.. يرمقه وفي يده كرة ممسكا بها.. أشار له أن يأتي فأتى الطفل متوجسا.. ربت على رأسه ذات الشعر المنكوش :
- مش عايز ترسم علم؟
هز له الطفل رأسه موافقا .. وبما تبقى بالفرشاة من ألوان أخذ يرسم فوق وجهه الصغير وهو يضحك من ملمس الفرشاة على خده فتدغدغه :
- بتحب مين من اللاعبية ؟
رد الطفل :
- أبو تريكة .
- يبقى لازم تتدرب كتير علشان تبقى زيه .
و لما فرغ من الرسم .. أخرج مرآته :
- إيه رأيك؟
صاح الطفل من السعادة ومضى جاريا يشاهد العلم في مرايا السيارات الواقفة .
أحس بحقه في مشاهدة المباراة وقد مضى شوطها الأول والفريق مهزوم.. جلس بأحد المقاهي في آخر الصف ووسط الوجوه الملونة.. وهو الوحيد الذي لم يلون وجهه.. تساءل عن السبب فلم يجد إجابة.. يتابع المباراة بشغف.. صيحات المتفرجين للهجمات الضائعة.. يصرخ معهم.. الوقت يمر ولا زالت النتيجة كما هي. لاحظ أن الألوان فوق الوجوه تبهت كلما مر الوقت.. شعر برغبة في إفراغ مثانته.. ساقته قدماه إلى دورة المياة.. يتلقى المشهد بالداخل فيتضاءل كمدا.. ثلاثة شبان يغسلون وجوههم بما علقت بها من ألوان.. تملكه الحزن وهو يرى الألوان تنساب مع المياه.. تمتزج في لوحة مشوهة قبل أن تغيب في الظلمة.. ترك المكان ناسيا سبب مجيئه.. تحركه قدماه نحو الشارع الصامت الذي فقد الهتاف ونفير السيارات .. أحس بالشرخ داخله يتسع تدريجيا.. لكن ابتسامة أزاحت ملامح الحزن وهو يرى ذلك الطفل الصغير هناك يلعب بالكرة.. ولا زالت الألوان فوق وجهه.

قراءة نقدية بقلم الشاعرة/أمينة عبد الله
يفرض كل نص طريقة تلقيه وقراءته ، ولا يوجد قالب مثالى لإبداع نص أو تلقيه ، لذلك لم أبدأ بالعنوان ثم شكل الكتابة ثم ..... وهذه طريقة كنت اعتدتها فى قراءة النصوص ، لكن هنا اختلف الوضع ، فرضت على القصة قراءتها من الإيقاع فقد شكل الإيقاع دورا أساسيا تصاعديا فى بناء القصة ، عن طريق عدد من المفردات بها عدد من الأفعال زاد تركيزها من حيث تصاعد الحدث والصياغة الفنية وتجلى لحظة الكلوز أب التى حاول الكاتب صناعتها ولم تتحقق إلا فى المشهد الختامى للقصة ، حيث توالت الأفعال السريعة ( 28 فعلا فى 10 أسطر ) وقد أدرك فيهم الكاتب إدراك بطء الإيقاع لكن لم يستطع الكاتب التأكيد على حدث يومى ومحسوس من خلال طرفه المهمش كالتركيز على السيرك دون اللاعب _ المهرج _ ولكن يحسب للكاتب اصطياده للحدث ومعاصرته وإن خانه التوفيق فى التركيب اللغوى فى بعض الأحيان كالاعتماد على بعض الجمل السنيدة والصور المباشرة ولكن يحسب له المستوى المناسب من اللغة لشخصية القصة فلم تنضح عليها شخصية الكاتب وكان ذلك فى صالحهما _ القصة ، الكاتب _ ويحسب أيضا للكاتب اختيار مستوى اللغة فلم يكن نخبويا أو ذى ايقاع يوحى بالأهمية ولم تكن اللغة دونية بل كانت أقرب للغة الجرائد وهى الميديا الأساسية فى صنع الموضوع بأطرافه . يحسب على الكاتب اختيار العنوان فقد كان مدخلا مباشرا للنص ولم يعطى أى تعدد دلالى أو طرح أسئلة أو يضعنى كمتلقى فى مصاف الدهشة ولكن بشكل عام القصة يحسب لها أكثر ما يحسب عليها.
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية فى 16 مارس2010م)







ثوب لم أرتديه
قصة: سعيدة نور الدين

أحيك ثوبا بكل الألوان الوردية، ربما أستطيع ارتداءه يوما، مددت يدى أتحسس جرحى النازف خلف ستار السنين، تصرخ فى الأعماق ذاتى، التى تخلفت عن ركب الحياة مبتورة منه، أخذت حبة من المهدئ وأخرى من مضاد اكتئاب ومضادات أخرى للذهان والهوس، صرفها لى الطبيب من قبل، أسقط بعدها فى هوة بين النوم واليقظة، صفير، صراخ، ضجيج، أتخبط، أجدنى أحمل فوق كاهلى ثقلا، ذا حواف مدببة، تهتك جلدى، ليس له مقبض لأتحكم به علىّ أنزله، أتركه، أفر منه، يمزق أربطتى، يفصل أوصالى، يخمر رأسى، يخفى وجهى، يطمس ماهيتى، أتشبث علىّ أنهض من وطأته، تسعفنى صفعته، أترجرج داخل ثوبى، تلطمنى أمواج ورياح نفسى، أشرأب، أتلمس كبد السماء بين الشمس والقمر، تموج السماء بلهيب وضباب، ترسم وجوها لا أعرفها، أتمدد فى خط مستقيم بينها وبين الأرض، تتسع فقراتى، أشعر بانفصال عنقى، شج بصدرى، أجلد بآلاف السياط، أنهش بأنياب ومخالب لا أعرف من أين جاءت، تتسع الهوة، تلفنى أعمدة من دوامات الإعصار، تضيق.. تضيق، يدق قلبى سريعا، أهتز، أرتجف، أتشبث لأعود من هوتى، ولكن بقوة جذب أندفع داخل تيهى المظلم، لأظل هناك فى غيبوبتى.
أستيقظ مخلوقا آخر، لا أعرفه ولا يعرفنى، أرتدى عباءتى السوداء التى طالما أبرزت جمال قدى الممشوق، أنتعل نعلين كنت أنتعلهما فى المنزل فقط، وضعت غطاء رأس زيتى اللون، سرت لا أدرى إلى أين.
جلست على الرصيف المقابل لمحل للألبان، كان العاملون فيه يعرفوننى، فكثيرا ما مررت عليهم، يبهرهم ما أبدو عليه من أناقة، فأنا ذات منصب كبير، جلست هناك أتمتم، أبكى، أصرخ، أبصق، أضحك، التف حلوى الكبار والصغار، وعبر النوافذ تأثر الكثيرون، وآخرون يسخرون ويضحكون، ويستثيروننى بالألفاظ والحركات، يقذفوننى بالحجارة، أخشاهم، أفر منهم، ألقيهم بالحجارة أنا الأخرى، يطاردوننى، أجرى هربا، آوى إلى ركن حتى تهدأ أنفاسى المتلاحقة، المضطربة، أقرفص فيه، أضع رأسى بين يدي، أضعهما فوق ركبتى، أغفو، أتمدد ملتصقة بالحائط.

قراءة نقدية بقلم الشاعر/أشرف دسوقى على
كيف يقرأ الشاعر قصة ما, سؤال عز في السنوات الأخيرة أن يسأل مثله , حتي في المنتديات الثقافية المختلفة , ففي زحام وضغط الأفكار الأنوية التي تصيب الأنا بالتضخم , لم يعد أحد يقرأ أحدا بعد , وفي " زمن الرواية , لا زمن الشعر !" انكفأ الجميع علي ذاته , حتي لم يعد يقرأ , ولو نفسه !", لكن مختبرا للسرد أراد إحياء الفكرة ثانية /من خلال رؤية مغايرة , وكان رأيى الدائم , هو الدهشة , حينما أسأل لماذا أنت هنا والآن ؟, ورغم أن هذا السؤال يتكرر دائما وباستمرار , إلا أنه السؤال الوحيد المدهش والمفاجئ لي _ دائما - لأن وجودي في أي مكان وأي زمان , أعتبره طبيعيا , وأن غير الطبيعي هو العكس تماما , فالشاعر حينما يقرأ رواية أو قصة أو يشاهد فيلما سينيمائيا أو يتطلع إلي لوحة فنية , فهو يمارس فعلا شعريا , في الوقت ذاته ,فالفنون تتكامل وتتلاقح , وأذكر أنني بالأمس فقط كنت أكتب قراءة نقدية في إحدي الروايات النوبية , وما أن انتهيت من ذلك , حتي وجدتني أكتب قصيدة تشتعل وجدا صوفيا , لا علاقة له من قريب أو بعيد بموضوع الرواية التي كنت أقرؤها منذ برهة ! , لكن أعتبر أن ذلك أنموذجا دالا علي الفكرة التي أطرحها , الآن , أما قصة ثوب لم أرتدية لسعيدة نور الدين , أري أنها قصة تشبه قصيدة نثر حقيقية , الشجن الخاص يؤرقها , تحيك ثوبا _ يبدو أن زمن حياكته قد طال - ولم يأت موعد ارتدائه قط , ولن يجئ , إنه انتظار من نوع " في انتظار جودو " , تحت شجرة جرداء لا تقي حرا ولا زمهريرا ! , وكان عليها أن تعرف أن جودو , لن يأتي أبدا , فالبطلة هي سيزيفوس حامل الصخرة , وهي دونكيشوت الذي يحارب طواحين الهواء , حتي ما تناولته من دواء لم يكن مؤثرا , ولم يكن مثبطا لحالة الإعياء , بل بالعكس زادت الهلاوس والوساوس , ليكون همها العام هما بشريا عاما , يمكن قراءته في عالمنا المعاصر دون عناء , كانت الجمل قصيرة , لاهثة, أرادت القاصة من خلالها تصوير حالتها النفسية التي يمكن وصفها علميا بحالة اكتئاب حقيقية , Depression يمكن أن تتحول إلي حالة ذهانية يوما ما , تبدو البطلة واعية بالأزمة / المأزق والبطل المأزوم متخبط إلي حد الهوس , مقابل عالم " فضاء اجتماعي " غير فاعل إلا في تحطيم تلك الذات المتهرئة بالأساس , قد يكون تهرؤها نتاج لفشل رومانسي , أو ضغوط اجتماعية من نوع ما , فالثوب المحاك قد يكون أملا لحلم تتمني حدوثه في القريب , وإن كان هذا الحلم/الوهم في خيالها المريض فقط , حتي هي شخصيا لم تحتمل تصديق حدوثه , فنقضت غزلها ! استطاعت القاصة أن تضفي نوعا من الحياة والحركة ومنحت الشخصية حرية التعبير عن نفسها , والقدرة علي المصارحة والكشف , بحثا عن لحظة تنوير مباغتة , مراوغة قد لا تجئ. تمكنت من تأزيم الصراع بشكل رأسي من خلال التركيز علي الوساوس التي يموج بها العالم الداخلي للشخصية وكل ما يعتمل داخلها من مخاوف وهذاءات وضلالات تشي بتحول حالة الاكتئاب إلي حالة الذهان , وهو مرض عقلي بالأساس لا يمكن صاحبه من إدراك مشكلته عكس حالة الاكتئاب التي تكون بالضرورة لدي صاحبها حالة من الاستبصار بالمآل , وووعي بالأزمة ذاتها , وإذا كان الإيرلندي فرانك أوكنور قد رأي أن القصة القصيرة قد سميت كذلك , لا لأنها قصيرة , بل لأنها "عولجت علاجا خاصا , وتناولت موضوعا علي أساس رأسي لا أفقي" ورغم عدم تقديسنا لأشخاص أو رؤي أو مناهج , إلا أن أن القصة هنا استطاعت أن تجعلنا نقرأها من خلال تكنيك كتابتها الذي اعتمد الانتقال السريع من حالة إلي أخري , من غزل الثوب إلي الدخول في نوبة الهذيان , كان قلما واعيا , يتحرك في ثقة العارف بالمآل والذي يعرف منذ البداية ماذا يريد أن يقول , وكيف يجابه عالما داخليا يحيط بكل تفاصيله , قبل حتي التصدي لوقائع العالم الخارجي , لكن كانت المشكلة , أن البطلة تتحدث عن هذيانها بمنتهي الحكمة.
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية فى 16 مارس2010م)




ليست هناك تعليقات: