بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 مايو 2011

أحلام الأفق الغائم.. قراءة في تقنيات التعبير القصصي بقلم: د.أحمد المصري

إن العلاقة بين الإبداع الكتابي والفن التشكيلي علاقة وثيقة فكلاهما يقف منذ وجد عند نقاط التقاء كثيرة فالأديب يرسم لوحاته بلغة منظورة ، وأهمية أي أديب قديماً كان أم حديثاً تقاس بمقدار ما يضيفه في نتاجه الأدبي من الصور الجديدة المبتكرة غير المسبوقة وغير المكرورة التي تضاف إلى عالم الإبداع، وقد بين الشاعر الكبير نزار قباني الصلة الوثيقة بين الشعر والرسم حين قال :-

"الشعر والرسم توأمان سياميان ملتصقان ببعضهما التصاقاً عضوياً ، ومن الصعب علىَّ أن أتصور شاعراً لا يرسم أو رساماً لا يحب الشعر"

وقد قال في موضع آخر :-

" أنا بالأصل رسام انتصر الخيار الشعري لديه على الخيارات الأخرى " (2)

وما قاله نزار عن الإبداع الشعري ينطبق تماماً على الإبداع القصصي وخاصة في إبداع الكاتبة المتميزة سهير شكري التي تترك ألوانها وفرشاتها لتمسك بقلمها "لترسم إحباطات أبطالها وآمالهم وما يحدث في حياتنا المعاصرة من وقائع أقرب للفنتازيا ، لكن إذا دققنا النظر فسنرى عالماً ذاخراً بالأحداث والمواقف سطر في لغة بارعة موحية بالمعاني والصور".(3)الدالة المعبرة ، ولأن سهير شكري فنانة تشكيلية متميزة فقد حرصت على توظيف لوحاتها لخدمة إبداعها القصصي بداية من تصميم الغلاف لمجموعتها القصصية بالإضافة إلى قيامها برسم لوحات كثيرة معبرة عن كل قصة على حدة وحتى آخر قصة في هذه المجموعة لتتعانق اللوحات مع الكلمات لتعبر ببراعة عن إحساس الكاتبة فلا نميز هل ترسم بالكلمة أم تكتب باللوحة.

وقد سبق لسهير شكري أن قدمت للقراء مجموعتها القصصية الأولى وعنوانها:(وما زلت أنام جالسة)وهي مجموعة قصصية اشتملت على أربع وثلاثين قصة يسيطر عليها إحساس حاد بالفقد تنوعت صوره وتعددت اتجاهاته ،كما غلب عليها الاعتماد على المفارقة الصارخة، والانحياز إلى الصوت الأنثوي كما وكيفا،بالإضافة إلى التأثر الواضح بالفن التشكيلي ومفرداته الخاصة التي ظهرت في أكثر من قصة لعبت الألوان واللوحات فيها دور البطولة.

أما المجموعة القصصية الثانية لسهير شكري وعنوانها:أحلام الأفق الغائم فقد حملت بين دفتيها ثلاثا وعشرين قصة وقد جاءت امتدادا لمجموعتها الأولى تحمل كثيرا من سماتها إلا أنها أكثر نضجا وأقل وقوعا في الأخطاء اللغوية التي لم تسلم منها مجموعتها الأولى.

وإذا توقفنا أمام عنوان هذه المجموعة القصصية(أحلام الأفق الغائم) فإننا نجده عميق المغزى يوحي بدلالات كثيرة حول طبيعة هذه الأحلام،وسبب إضافتها لهذا الأفق الغائم دون غيره،كما يدل على ضبابية الرؤية وصعوبة الوصول إلى الغاية المرجوة والهدف المنشود.

وفي سبيل حرص الكاتبة على إيصال خطابها الفني إلى المتلقي اعتمدت على بعض التقنيات التعبيرية التي أسهمت إسهاما واضحا في بلورة هذا الخطاب وإيضاح مضامينه الفنية بمهارة فائقة وقدرة واضحة تدل على موهبة حقيقية تميزت بها الكاتبة.

ومن أبرز التقنيات الفنية التي اعتمدت عليها الكاتبة:-

1- فن البورتريه

تطل سهير شكري الفنانة التشكيلية علينا من حين إلى آخر في أكثر من قصة مستوحاة من عالم الألوان واللوحات،مثلما نرى في قصص: (صورة،كروكيات،قاتل،فنانة) في مجموعتها القصصية الأولى،وقصص:(اللون الأحمر،حمامة بيضاء،صندوق أسود)في مجموعتها القصصية الثانية،وكلها قصص تحمل روح الإبداع التشكيلي وتدل عليه بوضوح وليس هذا بمستغرب على مبدعة جمعت بين الإبداعين الكتابي والتصويري غير أن الأثر الأكبر للفن التشكيلي في إبداع سهير شكري القصصي يكمن في توظيفها لفن البورتيريه لترسم بكلماتها شخصياتها في قصصها المختلفة رسماً بارعاً رائعاً فجاءت شخصياتها نابضة بالحياة تمردت على طبيعتها الورقية لتكتسب حياة حقيقية مفعمة بالحيوية والطبيعية التي اكتسبتها من ريشة فنانة مبدعة ترسم بمفرداتها حركة وحيوية ربما تعجز عن تحقيقها بعض اللوحات التشكيلية .

وقد حرصت سهير شكري في رسم شخصياتها على التركيز على عدة عناصر منها:

أ- المظهر الخارجي من ملامح شكلية وجسمية تمثل الهيئة الخارجية للشخصية.

ب- التكوين النفسي والصفات الداخلية والخبرات المكتسبة.

جـ- البيئة المحيطة بالشخصية مثل الجذور العائلية والمحصلة الثقافية .. وغيرها.

د- التحولات التي قد تطرأ على الشخصيات مع تطور الحياة وتغير الظروف.

ونستطيع أن نرى شيئا من هذه العناصر بوضوح في قصة (قاتلا أو مقتولا)حيث قدمت الكاتبة وصفا تصويريا لشخصياتها فهذه فتاة جميلة تتباهى بجمالها فتقول:" أنا طويلة ممشوقة القوام لي عينان عسليتان واسعتان ..رموشهم معقوفة ..أنفي دقيق شفتاي مكتنزتان..لوني خمري شعري طويل مموج يصل إلى ركبتي لونه مثل الليل."

وهذا شاب وسيم نراه بعيون الفتاة الجميلة السابقة حين تقول:

"جلس على يمين طاولتنا شاب وسيم حليق الشعر..متورد الوجه..عيناه خضراوان أبيض البشرة كالأجانب"

في حين تصف نفس الفتاة والدة هذا الشاب وصفاً يعطينا انطباعاً قوياً عن شخصيتها فتقول :-

امرأة عجوز متصابية .. مواد التجميل الثقيلة تصنع قناعاً فوق وجهها .. أظافرها طويلة مطلية بلون أحمر قان .. ترتدي فستاناً قصيراً أظهر ساقيها الممتلئتين .. صدر مفتوح .. أكمام عارية تكشف عن ذراعين مترهلتين شعرها قصير مصبوغ بلون أصفر صارخ .

ونلاحظ من هذا الوصف الدقة الشديدة في رسم صورة تفصيلية لشخصيات القصة يغلب عليها التصوير الفوتوغرافي والتركيز على المظهر الخارجي والملامح الجسدية والشكلية للشخصيات وإن كان هذا المظهر الخارجي يعطي صورة واضحة لدواخل هذه الشخصيات وتكوينها النفسي.

2- اعتماد الحلم والخرافة

كثيراً ما تعتمد سهير شكري في قصصها على الحلم تارة ، والخرافة تارة ، واللامعقول تارة ثالثة ، وهي أمور خارجة عن المنطق العقلي تعطي الحركة السردية حرية كبيرة للتنقل في كل الاتجاهات ، مما يمنحها القدرة على تشكيل وقائع تعلو على الواقع ذاته ، وهو أمر قريب مما تتيحه الأحاديث النفسية بطاقاتها التخيلية الواسعة وقد ظهر هذا الأمر بوضوح في مجموعتها القصصية الأولى في غير قصة مثل : دراجة بثلاث عجلات ، أحلام ، خطيب ، أنيسة ، وغيرها . أما في مجموعتها القصصية الثانية فقد اتسعت مساحة الأحلام التي تحاول أن تشق هذا الأفق الغائم الذي يضع العقبات في طريقها فيحولها في كثير من الأحيان إلى أحلام مهيضة .

ومن أبرز هذه الأحلام الضائعة: حلم الثراء والارتقاء الطبقي الذي نراه في قصة عيد ميلاد التي تحكي قصة أمل الفتاة الفقيرة التي تدرس بكلية الآداب وتتطلع إلى تغيير واقعها والتمرد على طبقتها فتتقمص شخصية فتاة غنية وتحلم بالثراء والرفاهية إلا أنها سرعان ما تصحو من أحلامها على صوت أمها التي تطالبها بعدم الذهاب لكليتها ومساعدتها في تنظيف فيلا الهانم التي تعمل عندها ليتحطم حلم الثراء الجميل على صخرة الواقع المرير .

وهناك حلم الزواج والاستقرار الذي يتحطم هو الآخر تحت وطأة ظروف اجتماعية قاسية مثلما نرى في قصة فريدة التي وجدت نفسها مضطرة إلى بيع شبكة خطوبتها لعلاج والدتها المصابة بمرض خطير لكن خطيبها اتهمها بالنصب وأصر على استرداد ثمن الشبكة وتركها ليتزوج غيرها ، وما لبثت والدتها أن فارقت الحياة وتركتها تسدد دينها ليتحول حلمها بالزواج إلى كابوس مزعج يطاردها كل ليلة .

وهناك حلم الهجرة إلى أمريكا وهو حلم مبهر بالثراء والاستقرار ورغد العيش يدفع فتاة جميلة للزواج من شاب وسيم يقنعها بالسفر معه إلى أمريكا ، وبالفعل ينجح في إقناعها واصطحابها معه إلى أمريكا لتكتشف بعد سفرها أنها قد تعرضت لخدعة كبيرة تخسر فيها كل شيء لتعود مرة أخرى إلى مصر دون أدنى نجاح في الوصول إلى ما كانت تحلم به وتتمناه .

وهناك حلم الحب والحنان الذي نراه في قصة أنقاض يراود فتاة طالما استعصى عليها تحقيق هذا الحلم ، وعندما يقترب الحلم من التحقق وتعثر على فارسها الذي طال انتظاره تتحطم البناية التي يقطن بها لتنجو هي بأعجوبة وتفقد الحب والحلم والحبيب تحت الأنقاض .

وكثيراً ما يتحول إلى الأسطورة أو الخرافة مثلما نرى في قصتي : أسطورة لحفيدتي ، وعلامات ، فالأولى تتحدث عن أميرة تصدت لملك ظالم فانتهى الأمر بقطع رأسها ، ولكن سرعان ما زال الظلم وجاء الطوفان الذي لم ينج منه إلا القليل الذين أعادوا إعمار البلاد وظلوا يحتفلون بهذه الأميرة الشجاعة في كل عرس من أعراسهم . أما الثانية فهي تتحدث عن قدرة خاصة تمتلكها عرافة جزائرية عجوز تمكنها من التعرف على بعض الأسرار الخاصة حتى ولو كانت بعض العلامات الجسدية المستورة عن أعين الناس .

3- تقنية المفارقة

من أبرز السمات الواضحة في هذه المجموعة القصصية المفارقة الصارخة التي تظهر من آن إلى آخر لتبرز التناقض بين حالين متقابلين بينهما نوع من التناقض ، وتقوم فكرة المفارقة هنا على استنكار الاختلاف والتفاوت بين وضعين من شأنهما التماثل أو التجانس وتظهر هذه المفارقة بوضوح من خلال هذه النهايات الصادمة وغير المتوقعة في كثير من قصص هذه المجموعة مثل :-

الخليفة المنتظر التي تحكي عن مرض الخليفة وكبر سنه مما يدفع أنصاره إلى استدعاء وريثه من الخارج ليحل محله لكنهم يفاجئون بأن الوريث لا تنطبق عليه صفات الخلافة شكلاً ولا مضموناً لكن المفاجأة الأكبر تكمن في وفاة الوريث وبقاء المريض.

وفي قصتها : عيد ميلاد تحكي لنا قصة فتاة مدللة منعمة تستعد للاحتفال بعيد ميلادها بصورة تتفق مع طبقتها الاجتماعية الراقية ولكي تضمن سرعة إنجاز مهامها التي حددتها بعناية تطلب من خادمتها أم محمود أن تنبه على ابنتها أمل بعدم الذهاب إلى كليتها للمساعدة في الإعداد لعيد الميلاد لكن تسلسل الأحداث ينقطع فجأة لنكتشف أن محدثتنا منذ بداية القصة هي أمل التي تحلم بأن تكون مكان هذه الفتاة المدللة . كذلك تطل المقابلات والمفارقات بوجهها علينا في أكثر من قصة مثل : القهر هماً ، نذر أنقاض وغيرها .

4- تقنية الرسائل

لجأت سهير شكري إلى استخدام تقنية الرسائل في قصتها سليم وليلى فقدمت لنا قصة في شكل رسائل متبادلة بين سليم وليلى بلغة رقيقة تفيض شاعرية وجمالاً عن طريق استخدامها لمستويات لغوية متعددة لا يشعر المتلقي فيها بأي خلل وإنما يشعر أنه أمام لغتين : لغة كتبها سليم ولغة كتبتها ليلى لا لغة واحدة كتبتها سهير شكري ، وقد لجأ عدد من الكتاب في العصر الحديث إلى توظيف فن الرسائل في سردهم القصصي أو الروائي لعل من أبرزهم واسيني الأعرج الذي قامت رواية أنثى السراب على هذا الفن وقد علل توظيفه للرسائل في روايته بقوله :-

فن الرسائل فن عربي جميل تقول من خلاله كل ما تريد أن تقوله الذات والأشواق والحب والعلم والثقافة والفكر ، فمن هذه الزاوية قررت الاستفادة منه بعين معاصرة وقلت إنني أستطيع من خلال هذا الفن أن أوصل شجوني الداخلية أولاً ، وأوصل أحلامي وانكساراتي وعلاقاتي بالأدب وحبي ورؤيتي للأدب وللحب في الحياة ووجدت أن هذا الفن أعطاني أشياء كثيرة .

ولو طبقنا ما قاله واسيني عن الرسائل على ما كتبته سهير شكري في قصتها سليم وليلى فإننا سنجد تطابقاً كبيراً في الهدف والغاية وبراعة التوظيف .

5- الانحياز إلى الصوت الأنثوي

ثمة علاقة وثيقة بين المرأة والإبداع السردي هذه العلاقة شهدت أطواراً مختلفة ومراحل متعددة ، بدأت هذه المراحل بمرحلة الإلهام وهي مرحلة كانت المرأة فيها موضوعاً للإبداع السردي ومحركاً له وسبباً في وجوده ، وتلت هذه المرحلة أو تزامنت معها مرحلة أخرى هي مرحلة التلقي وفيها تكتفي المرأة بقراءة هذا الإبداع والتفاعل معه ، ثم جاءت المرحلة الثالثة التي شهدت انتقال المرأة من التلقي إلى الإنتاج ومن الاستقبال إلى المشاركة والإبداع ، وقد شهدت هذه المرحلة بزوغ نجم عدد كبير من المبدعات الرائعات اللائي أثرين الإبداع السردي بأعمال متميزة استحوذت على اهتمام النقاد فكثرت الدراسات ، وتعددت الرؤى وظهرت مصطلحات جديدة يأتي في مقدمتها الأدب النسوي وهو مصطلح أثار جدلاً كبيراً ولقى استجابات متفاوتة بين مؤيد ومعارض ، فهناك من يراه مصطلحاً دقيقاً للتعبير عن لون إبداعي ينتمي إلى المرأة ويعبر عنها ، وهناك بعض المبدعين والمبدعات الذين يتحفظون على هذا المصطلح ويرون أن هناك سرداً واحداً ، دون نظر إلى من أنتجه ، بل ذهب بعضهم أنه ليس صواباً أن نعد كل ما تكتبه المرأة إبداعاً نسائياً فقد تكتب المرأة مثل الرجل .

وبغض النظر عن هذه الاختلافات فإننا نرى بعض السمات الواضحة في كتابات المرأة يأتي في مقدمتها الانحياز إلى الصوت الأنثوي ، وقد ظهر هذا بوضوح عند سهير شكري حيث أفسحت أكبر مساحة نصية للصوت الأنثوي سواء احتل هذا الصوت منطقة الراوي ، أم منطقة الشخوص الفاعلة أم المنفعلة ، إن متابعة كتابات سهير شكري كماً وكيفاً يوثق هذه التقنية فمجمل الوقائع كانت تتفجر من الشخصية النسوية ، سواء أكانت الشخصية حاضرة حضوراً مباشراً أم كانت حاضرة تقديرياً ، ومن حيث الكم فإن كم الشخوص الذكورية قليل جداً ، بل إنها قد تستبعد تماماً من السرد لتتحول علاقة الأنثى بالذكر إلى علاقة الأنثى بالأنثى ، وكأن الاستبعاد إشارة إلى الاستغناء وبالتالي فإنها تعتمد على الشخوص النسائية وتعلي من شأنها كماً وكيفاً مدافعة عنها أحياناً ومبررة لأخطائها أحياناً أخرى ، وربما سعت لتحميل الذكر مسئولية هذه الأخطاء ، وكثيراً ما تتحول مواجهتها للسلطة الذكورية إلى تقديم صورة شائهة لصاحب هذه السلطة حتى لو كان أقرب الناس إليها مثل الأب أو الزوج أو الحبيب أو الأخ أو الأبناء .

ظهر هذا بوضوح في مجموعتها الأولى ( وما زلت أنام جالسة ) التي قدمت صورة سلبية للرجل أباً وزوجاً وابناً ، فالزوج بخيل أو هارب أو عاجز أو قاس أو انتهازي ويظهر هذا بوضوح في قصص : هروب ، عهد قديم ، بخيل ، العشاء الأخير .

والابن يمثل العقوق في أبشع صوره ويظهر هذا جلياً في قصة : ونيس .، والأب يمثل القسوة والعنف والقهر مثلما نرى في قصتي : أبوة ، قطرات ماء . وقد استمرت هذه الصورة السلبية مسيطرة على سهير شكري في مجموعتها القصصية الثانية فالرجل يمثل السلطة الغاشمة المستبدة كما نراه في قصة أسطورة لحفيدتي يمارس كل صنوف القهر ولا يردعه إلا فتاة رقيقة تكشف له ظلمه وتفضحه أمام الناس فيقتلها ليتخلص منها لتحل عليه اللعنات ويثور عليه الناس وينتهي ملكه .

وهناك الحبيب الذي يتخلى عن حبيبته عندما تواجه ظروفاً صعبة ويتركها بكل نذالة بعد أن يحصل منها على ثمن الشبكة ليتزوج من غيرها ويتركها لديونها مثلما نرى في قصة فريدة .

وهناك الحبيب المخادع الذي يوحي لحبيبته أنها أغلى شيء في حياته وأنه لا يستطيع الحياة بدونها ثم تكتشف خيانته وهروبه منها ليتزوج غيرها ويسافر بعيداً تاركا هذه المخدوعة لآلامها وأحزانها مثلما نرى في قصة بريق الهوى .

وأمام هذه الصورة السلبية للرجل تأتي الصورة المشرقة للمرأة التي تتحدى القهر والظلم مثلما نرى في قصة أسطورة لحفيدتي ، وكذلك المرأة التي ترفض التخلي عن أمها في مرضها فتخسر خطيبها من أجل بر أمها كما نرى في قصة فريدة ، وتتجلى صورة المرأة في أبهى صورها عندما نرى الأم في قصة حمامة بيضاء حيث تمثل الأم كل معاني الحب والحنان والطهر والبراءة التي لم يمنعها الرحيل من الحلول الدائم في حياة ابنتها ليمتد العطاء بعد الموت .

6- رمزية اللغة

تلجأ سهير شكري كثيرا إلى اللغة المكثفة الموحية التي يستأثر الرمز بنصيب وافر منها ليختصر كلمات كثيرة في إشارات دالة تشع في كل جانب من جوانب هذه المجموعة القصصية،ومن أبرز القصص التي لجأت الكاتبة فيها إلى توظيف الرمز:قصتها الأولى في هذه المجموعة:(أبراج الصمت) حيث يلعب الرمز دورا ملحوظا في إبراز القهر وفضح السلطة الغاشمة المتمثلة في العنتيل وجنوده، كما يبرز ضحايا هذه السلطة المنسحقين تحت وطأتها ويرمز لهم هذا الرجل الذي يحمل جثة ولده على ظهره ولا يجد مكانا لدفنها،بل إن هذه الجثة قد ترمز بدورها إلى الأحلام الضائعة والآمال المتبددة.

ويمتزج الرمز بالسخرية في قصة (صندوق أسود)حيث يعبر الرمز عن فضائح السلطة وسعيها الدؤوب في إلهاء الناس بتوافه الأمور، بالإضافة إلى تدمير صحتهم بأطعمتها المسرطنة ومياهها الملوثة

وهكذا استطاعت سهير شكري في مجموعتها القصصية الثانية أن توظف قلمها وريشتها معاً في رسم لوحة رائعة تموج بالحياة والصدق والإبداع .

وأخيراً فهذه قراءة محدودة لمجموعة قصصية متميزة ، وهي قراءة لا تدعي لنفسها الإحاطة الكاملة بتجربة الكاتبة في مجموعتها ، ولكنها تلقي الضوء على بعض التقنيات التعبيرية التي تميزت الكاتبة في توظيفها وأفسحت المجال للمتلقي للتفاعل مع هذه التجربة والحكم عليها .

ليست هناك تعليقات: