بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 مايو 2010

الثلاثاء 11 مايو 2010م

قراءات قصصية ونجيب محفوظ بمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية
نظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية ندوة قراءات قصصية يوم الثلاثاء 11 مايو الساعة السابعة والنصف مساءً، حيث علق الأديب يحيى فضل سليم نقديا على خمس قصص لعدد من المبدعين السكندريين من أجيال مختلفة، وهى قصص "قصة كون" لأسماء الشيخ، "آه لو كان رجلا" لإبراهيم الرف...اعى، "أين مهر بهية؟" لحسنى الجنكورى، "القديمة تحلى" لصلاح بكر، "فاهمة" لمحمد العبادى.
صرح منير عتيبة مدير المختبر أن الفقرة النقدية فى الندوة سيقدم خلالها الناقد على عوض الله كرار قراءة فى رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ .
******************
قصة كون
قصة: أسماء الشيخ

في قاعة الحكمة الضالة بساقية الصاوي اختبر مساحة متر في متر ؛ عليه احتلالها؛ و ملئها بالصور. نسقها بروح اسكندر الفاتح...... الروح الهادرة تشكل الأمور من حولها موج هي مركزه. تتسع الدوائر وتتشابك ويبقى المركز بقوته واتزانه. في منتصف مستعمرته وضع ملكة لقطاته جميعا. تدور حولها بقية الصور في قرص متحرك كقرص تليفون الثمانينيات. ولناقصي البصيرة علق سهما مضيئا في فراغ دائرته ينير طريق البصر للصورة الأم...............
* * *
قبل أن ترقع الإسكندرية أحياء وهو يشقها وتشقيه....الترام....كان الكون خاليا إلا منه والإسكندرية. يقطعها شمالا ويمينا؛ تتلقاه بين طرفيها ككرة تنس حائرة. تتذكر الإسكندرية يوم هبوطه عليها من السماء......صرخت ليطفىء أحدهم زر تشغيله حيث حركته المستمرة تحقن بكل أرجائها صداعا نابضا. العمال السماويون على لطفهم لم يستجيبوا؛ وضعوه بحنو وفور ملامسته أرضها اندفعوا راحلين حتى لا يفوتهم طعام العشاء. وتركوا الإسكندرية لألمها الوحيد........
* * *
منذ أنهك كلاهما والترام لا يصل إلا لفكتوريا؛ ويرتد شائخا بطيئا يمازح صاحبته المتجددة و ينثر حكاياتهم على الجانبين...........
* * *
أقامت فوق عمارة يونانية تطل على كلية الطب؛ تتابع تطور الأجساد المتدثرة بالبالطو الأبيض. يلفت نظرها ما يزيد بينهم وحسب. تزداد النساء والجينز وأغطية الرأس والسجائر. "هي" دائما وجود مؤنث يسكن أعلى العمارة اليونانية. كانت أوكتافيا الحزينة زوجة أنطونيو؛ وسيرينا الطيبة أخت مارية القبطية. حاليا هي أودري هيبورن الخفيفة. وعلى تنوعها تبقى دائما المرأة الصولو حيث الحلم المحتمل الوقوع والواقع المرن القابل للتحليم. تتابع كلية الطب وتنتظر قلب الترام ليعشقها............
* * *
لم تشرق الفرصة لأحد فيتأمل أسفل الترام عن كثب؛ لكن مع فرضية قلبه والمشاهدة؛ سيذهلك الحفر المتقن لتماثيل القديسين الفزعى. يبدو دافيد المحفور ورعا. سيطفو التسامح على مخيلتك عندما ترى إلى جواره مولد فينوس مزينا بالأوركيد النضر. رجال الحفرية كرجال مايكل انجلو؛ لكن أقل خشونة وانفعالا. مكتوب أسفل لوحاتهم بخط كوفي أنيق ملحمتهم المندثرة. تشكو الكلمات للجدارية النحاسية إلى جوارها قسوة السلطان وتحكمه وهرب صاحب اللوحات لقلب الترام . سجن نفسه واستقر؛ وحتى لا يضيع العمر هباء كدسه بالرسم..............
* * *
يوم هبط الترام اختبأت هي في ركن واختبأ هو في آخر..........عمال سماويون هاربون من استمرارية العمل لشقائه. بعد نزاعهم العقيم على الترام؛ عقدت الإسكندرية معهم صفقتها المسّكنة فلتعيش "هي" في الشمال وليعيش "هو" في الجنوب ؛ فيهدؤا جميعا...........
كانت في توق لاسترخاء وبهجة؛ ومن خبرتها السحابية.... لا أفضل من سباحة منعشة . ملأت شمالها مياه وزبد وأسمته بحر...........
* * *
فوق صفحة الترام تلتقي أودري هيبورن في فستانها الأسود الصباحي ومايكل أنجلو في زيه الملطخ بالألوان . يتذكرون فضاء الإسكندرية الملىء وامتلائه الفارغ. يتحمس أنجلو لكليوباترا وتشجيعها للفن وتدافع أودري عن زوجة أنطونيو المخلصة. يتنكر أنجلو من ملل النساء ولا تجادله فهي إلى الآن لا تملك تفسيرا لانتقالها في ثلاثة أجساد وتفكيرها الملّح في التخلص من أودري. تظهر هيامها بسلفادور دالي لتشاغبه ويخبرها أن خياله مريض؛ ترفع حاجبها في مكر وتقول إن التقليدية هى مرض الفن الوحيد. يعيدهم وحدة المرض إلى الإسكندرية وصداعها السابق ويتفقوا على الاختلاف التقليدي بين السماء والأرض............
* * *
فوق أعلى نقطة لمبنى طب أسنان أحاط جفنيه سورا على لقطة مركزة تحفر أعماقه؛ تصنع عالما صغيرا ثابتا على فورانه...... اللقطة في عينيه مكتملة ؛ هي الخط النصفي بين شروق وغروب أمامه ثانية واحدة فيها ظلام ناقص التمام وفجر باهت. قبّل عدسته الرقمية لتلين وتنقل مشهده فأكرمته.....نقلت ثانيته النادرة وثبتت الترام على أودري هيبورن ومايكل أنجلو يلامسان كوؤس النبيذ..................
* * *
في مستعمرته بأرض الحكمة الضالة وتحديدا تحت مساحته المنسقة بروح إسكندر الفاتح وضعوا نجمة صغيرة تكريما لأفضل استخدام فوتوشوب في المسابقة............

(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية- 11 مايو2010م)
********************
رغيف
قصة: إبراهيم رفاعى

قناعتى؛ حتى وقت قريب، أننى قوى بما يكفى أن أجوع دون أن أفقد إيمانى. ومع انتصاف الليل كنت على المحك. قررت ألا ألامس الأرغفة المخصصة لإفطار أبنائى فى الصباح. المعدة خاوية. لكننى طمأنت ذاتى أن مرور الوقت سينسينى الجوع.
ساقتنى قدماى إلى حيث تقبع الأرغفة المخصصة للإفطار وقد تناثرت فوق جريدة عنوانها الرئيس "الدعم لمستحقيه".
بمرارة تسرب نفس عميق بين شفتي. نظرت إلى الأرغفة. خطوت خطوة للخلف. فركت يدي "انتصر الفارس بداخلى" قلتها بارتياح متمتما "دع العيش لمستحقيه". تنفست الصعداء. شعرت بالزهو.
لا أدرى كم من الوقت مضى قبل أن يستقر رغيف كامل فى معدتى دون مضغ. وغالبنى نعاس من أشبع جوعه، لأستفيق فى الصباح على صياح زوجتى:
- مين اللى كل الرغيف يا.. أولاد؟
بينما ترمقنى بطرف عينها، والجميع يدفع التهمة..
- مش أنا..
- مش أنا والله..
أيقنت من خبراتى السابقة أن الموقف يتجه إلى أزمة. سحبت الغطاء فوق رأسى.
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية- 11 مايو2010م)
*********************

أين مهر بهية؟
قصة: حسنى الجنكورى
خضعت بهية فى زيجاتها الثلاث المتعاقبة لسلطة أزواجها، والذين دفعوا جميعهم مهورا غالية لها، ولم تعش أرملة قط، ولتظل رهينة محبس بيت الزوجية، ولتمنح أزواجها توكيلا عاما قبل أن يتسلموا كل أختامها، محافظة على التقاليد العتيدة لـ(كفر الجبايسة).
لم تفتر الحميمة بينها وبين أبنائها بالكَفْر، وتعاطفهم معها، يغضون الطرف كلما حيف بهم من ظلم وقهر من أزواج الأم؛ لتسير المركب.
لكن ما أثار حفيظة (مظلوم) وأحزانه ما يتناقله أهل الكفر عما يدور فى بيت أمه بهية لنقل توكيلها العام إلى ابن زوج أمه، وليحتفظ زوج الأم بالأختام دون التوكيل إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا، وتحتدم الأفكار المتصارعة برأس مظلوم لتضج مضجعه، ويتهاوى مرهقا، وتسقط منه رأسه، ليرى ابن زوج أمه يعلن عن رغبته فى تسلم أختام بهية، ولكنه يتطلع إلى التأييد من أبيه، موافقة أبناء بهية لإصباغ الشرعية، وليصير زواجا مباركا مستقبلا.
يهرول مظلوم غاضبا إلى شيخ البلد ليستفتيه فى تلك الزيجة المزعومة بعد فيرد عليه:
- يكفينا الإيجاب والقبول لانعقاد عقدة النكاح يا بنى.
- وماذا يا مولانا عن الشهود والمهر والتكافؤ؟
- هى شروط شكلية مكملة.
- لا يا مولانا، إنها ركن من أركان الزواج وليست شكلية.
متأففا:
- لقد أفتيتك يا مظلوم وأثقلت علىّ، لتبحث عن الشرع لدى غيرنا.
ويصيح مظلوم: لا.. لا.. زواج باطل.. باطل
وتنتفض زوجته فزعة بجواره على صراخه، وتهزه بقوة لتوقظه وهو ما زال يردد.. باطل.. باطل.. باطل.
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية- 11 مايو2010م)

***************************

القديمة تحلى
قصة: صلاح بكر

دائما استيقظ متأخرا.. حين سمعت نداءً يداهمني .. أتجه إلى الصوت :
ـ أنا معجبة بكلماتك
ـ أنا معجب جدا بك
عيناها الساحرتان تعودان بي إلى عشرين عاما مضت.. نسير في زقاق ألفت السير فيه.. أغطيها بجسدي حتى لا يلدغنا البعوض. الجسد العاجي أطل من الثياب.. أرسم معها نخلة بجوار "كوبري الناموس" تضع ( كاباً ) فوق رأسها.. أستعيد الأمس، صوتها الدافيء:
ـ اسمي سليمى ... (وتكشف عن نهدين بريئين ..)
ـ أعيش بمدينة الجزائر ..
أنسى سنية، وأيامها القديمة، وهي تغني " طلعت فوق السطوح أنده على طيري "
عندما تحمم الكتاكيت، و( تزغط ) البط، وهي تضع البط تحت ساقها، وتفتح المنقار، وتغني :
" من فوق شواشي الدرة جمرية بتغني " ..هذه السنوات مرت متثاقلة ...
أسمع ثرثرة سليمى.. أحاول فهم كلماتها الفصيحة.. البنطال الضيق ينطق: " انسى سنية "
سآخذها معي إلى مقهى الجرجاوي نرى المطربات العاريات.
وضعت ساقا على ساق كزهرة نبتت بالرصيف، تدخن بشراهة، وصديقي ينظر إليها بنهم .. أعيش حلمي، الحلم العربي.. بيتي من طين.. بساط رطب.. أبتعد.. أبتعد مع الأصوات.. ثوبي الذي اهترأ.. صوتها يخرج من النوافذ :
ياست يا أم البنــات .. ارضي الجفون حبه زغللي عين الجدع .. اتلمي يا شـــــــــابه
أبي يعود في المساء بجلبابه المترب مع العشاء.. لفظ أنفاسه، وهو ينصت للمذياع : لا تتنحى .. لا تتنحى ..أصوات الحارة و كلمات العجائز.. الزعيم ينادي بأعلى صوته : "ارفع رأسك يا أخي ؛ فقد مضى زمن الاستعباد ".. السذج يحيون الرئيس " أنت العسل و احنا البلاليص "
نعبر الحدود الوهمية.. أصل إلى مدينتها.. تعيد خصلة شعرها إلى موضعها.. تذكرني بصاحب الخبز الحافي.. عائش بكياني.. كان معي في طفولتي نجمع البيض من تحت الدجاج الأشيب.. ندرس الجراحة بالضفادع.. نقطف الزهور.. نطارد النحل ..
تأخذ بذراع صديقي.. تودعني ..أنتظرها .. وساحة الميدان تتسع بالهواء الساخن، والمارة بلا هدف. كان الليل يتلاشى ، وتلاشت الأصوات ؛ لأعود إلى بيتي .. إلى بيت أم سنية ..
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية- 11 مايو2010م)
*****************


فاهمة
قصة: محمد العبادى

أقف على الكرسي العالي .. أخيرا صعدتُ للثقب المضئ في الباب .. أنظر منه .. أرى الأبواب الأخرى عبر الزجاج الملئ بالتراب.
***
اليوم حين صحوت متأخرة فزعْت ( أين هي؟ .. لم توقظني !! ) أخذت أناديها ( موعد المدرسة .. فات عليه ... ) فلم ترد, أبحث فلا ( الباب المغلق .. الميس ستقتلني حين ... ) أجدها.
***
إسمي "منى", في "سنة أولى" كتبتُها "منا", ال"ميس" غضبت جدا, قلت لها أني أريده مثل إسم صاحبتي"مها" لكنها لم تسمع.
***
" إياكِ أن تفتحي باب الشقة.. فاهمة؟"
" إياكِ أن تفتحي باب غرفتي و أنا غير موجودة .. فاهمة؟"
" إياكِ أن تلمسي التليفون ...
... أن تتحدثي مع الأغراب ...
... أن تخرجي من غرفتك و هناك آخرين في الشقة ...
"لن أسمح له أن يخطفك مني.. فاهمة؟"
ماذا أفعل بدونك يا أمي ؟؟.
***
رأيته مرة واحدة, يومها سمعت صوت جرس الباب, إختبأتُ في غرفتي, بعد قليل نادتني أمي, خفت أن أرد, جاءت إلى الغرفة و أخذتني معها " تعالي .. سلـّمي" حاجبين ثقيلين و أسنان صفراء, مد لي يده, لمسْتها ثم هربتُ إلى غرفتي, يده .. هل كانت خشنة؟
***
من عين الباب أنظـُر, أسمع الخطوات الصاعدة, حكة القدم في كل درجة تقترب ( هي .. يجب أن تكون.. يجب ) لا, هو جارنا الرفيع الساكن بالأعلى.
أكرهه, هو والآخرين, بسببهم أبقى محبوسة في غرفتي لوقت طويل.
***
أصوات ضحك تأتي من نوافذ الجيران, طفل يصرخ, ميكروفون الجامع " ... رسول الله.. حي على الصلاة..." رائحة الطبخ, مع الجوع أفتح باب الثلاجة, أحب برودتها.
***
أقدام أخرى تحتك بالدرج, تقف أمام الباب.. خالتي.. تمد يدها نحو زر الجرس .. أفزعتني الرنة .. قفزت من فوق الكرسي .. أجري لأختبئ في الداخل .. رنة أخرى .. طرقات على الباب.. ثم أسمع خطواتها تبتعد.
" إياكِ..."
***
أحب خالتي, تزورنا كثيرا, في الصيف كنت أبقى عندها حتى تعود أمي من العمل, تشبه أمي لكنها أصغر .. تشبه أمي لكنها .. ليست حزينة مثلها...
***
مر وقت طويل و أنا جالسة على الأرض, ظهري مسنود إلى باب غرفتها المغلق (جرس التليفون .. لا .. لا أرد) "الأكرة" المعدنية تلمع في الظلام.
قبل سنة المدرسة كنت أنام معها في هذه الغرفة, تحتضنني حتى الاختناق, أستيقظ في الظلام على قبلاتها لوجههي وفمي, ثم في يوم: " كبرتِ .. يجب أن تنامي في غرفتك"
***
جرس الباب مرة أخرى, صوت خالتي ( خائفة.. خائفة ), خالتي تدخل, تحتضنني, تسألني, لا أفهم, تمد يدها للأكرة اللامعة " غير موجودة .. غير...", فتحتْ الباب, نظرَتْ للسرير بعيون متسعة, إحتضنتني ثانية و لم تقل شيئا.
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية- 11 مايو2010م)

*******************


ليست هناك تعليقات: