بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 26 نوفمبر 2010

جوائز مختبر السرديات







وقد شهدت ندوة واسيني الأعرج توزيع جوائز مسابقة مختبر السرديات في القصة القصيرة لعام 2010، والتي سلم جوائزها الخمسة الأديبان إبراهيم عبد المجيد؛ رئيس لجنة تحكيم الجائزة، وواسيني الأعرج؛ حيث فازت بالمركز الأول هبة الله محمد حسن السيد عن قصة "رجل سعيد جدا"، وحصل على المركز الثاني علاء عبد المنعم إبراهيم غنيم عن قصة "الخِباء"، وكان المركز الثالث من نصيب أحمد سعيد عيد محمد عن قصة "كأنه حي"، وفاز بالمركزين الرابع والخامس دعاء صابر علي عن قصة "ستائر المطر"، وأحمد ثروت السعيد عن "خمارة الشيخ خالد". وضمت لجنة تحكيم الجائزة الأديب سعيد سالم، والناقد شوقي بدر يوسف، والناقد الدكتور محمد عبد الحميد، والأديب منير عتيبة.
ونوّه منير عتيبة؛ المشرف على مختبر السرديات، إلى أنه سيتم تنظيم عدة ندوات بالمختبر لقراءة ومناقشة القصص العشرين الأولى في المسابقة، على أن يتم نشر القصص الخمس الفائزة في مجلة الثقافة الجديدة. وأضاف أن الفائزين يمثلون محافظات مختلفة؛ هي: القاهرة، والإسكندرية، وسوهاج، والشرقية، لافتا إلى أن 150 عملا تقدموا للمسابقة، في حين طابق 121 عملا الشروط.



الفائزون بجوائز مسابقة مختبر السرديات فى القصة القصيرة2010


الأول قصة " رجل سعيد جدا " للكاتبة هبة الله محمد حسن السيد من الشرقية والجائزة 5آلاف جنيه وشهادة تقدير.


والقصة :


وصلتني النقود بالأمس، وسأنفذ فكرتي الغريبة اليوم. نعم، أعلم أنني سأكون أشبه بشخص يلقي بكل ما يملك من النافذة ولكن يمكنك أن تعذرني؛ فأنا أسير كل يوم في نفس الشارع.أذهب إلى نفس العمل.وأقابل نفس الوجوه، وأعود إلى الشقة الباردة الخاوية ذاتها، باختصار أنا شخص عادي؛ عادي إلى درجة تصيب بالجنون؛ لذا لا أستطيع أن أمنع نفسي من الذهاب.حمى المغامرة تسري في عروقي وتهزني. وأجدني أحمل حقيبتي الصغيرة وأتجه بها إلى الفندق الكبير.من أول وهلةأحسست بالضآلة..الضآلة الشديدة؛ فماذا أكون أنا بجوار واحدة من تلك الثريات الضخمة المتدلية من السقف مثلا؟، وعندما وقفت أمام موظف الاستقبال لأحجز غرفة لي، أزداد داخلي الإحساس بأنني غير متناسب إطلاقا مع المكان؛ قطعة من القاذورات ملقاة على أرضية مكان شديد النظافة؛ لذا فعلى الرغم من كوني ارتديت أكثر ملابسي نظافة وأناقة فإن الخجل والحرج لم يفارقاني.وشعرت بمن يقف بجواري..ورأيته......... طويل جدا، ووسيم جدا ، وأنيق جدا.. جدا .. جدا، وبمقارنة سريعة بيني وبينه كان من الطبيعي جدا أن يتجاهلني موظف الاستقبال ويلتفت إليه، وفي ثوان كان هو قد حصل على مفتاح جناحه، وخادم يحمل له حقائبه؛ بينما أنا مازلت واقفا مكاني مفتوح العينين والفم.***جلست أتناول غذائي في قاعة الطعام، وبدأت نوعا ما آلف المكان وان شعرت أنه لم يألفني قط.. هذا المكان بحوائطه المصقولة اللامعة وأثاثه الفخم، يبدو باردا جدا وقاسي القلب. لمحت الوسيم الأنيق ذاته جالسا على طاولة في مواجهتي. لم يكن وحده. كانت معه فاتنة شقراء، وقد انهمكا في حديث تركا معه أطباق الطعام الشهي دون أن تمس.. يا له من رجل!! .. أتجلس معه امرأة بارعة الجمال مثلها ويعاملها بكل هذا الاشمئزاز.. ألقى مفاتيح كانت بيده على الطاولة بعصبية؛ ثم أدار وجهه للجهة الأخرى وصمت ولكنها واصلت الحديث؛ فما كان منه إلا أن قام و ترك لها المكان. وبقت هي تحاول أن تتجاوز نظرات الآخرين الفضولية، وخصوصا نظراتي أنا.***رأيته ثانية على العشاء. كان وحده، ولكن بعينيّ اللتين لا تكفان عن الدوران لمحت الشقراء جالسة على طاولة أخرى. وحدها أيضا. تختلس إليه النظرات. أو هكذا خيل لي. وهو.. هو بدا وكأنه ليس هنا إطلاقا.. حسبته شاردا.. لكنني لم البث أن لمحت السماعات المدلاة من أذنيه، وأصابعه الأنيقة تدق على الطاولة.انشغلت عنه للحظات بمتابعة امرأة وزوجها؛ امرأة فعلت كل شيء لتبدو كامرأة لكنها فشلت؛ وجه خرج لتوه من إحدى محلات الدهانات الشهيرة، وملابس ممزقة تحاول محاولات يائسة أن تبدو مغرية.سرعان ما مللتهما وعدت ثانية إليه.لم أجده في مكانه. كان هناك جالسا أمام البيانو الأسطوري الذي حسبته للزينة فقط، وبدأت النغمات تنساب من بين أصابعه الطويلة التي بدت وكأنها خلقت فقط لتسير على أصابع البيانو.. من الطبيعي جدا أن تنبهر النساء بهذا الرجل.. وسيم.. طويل.. ثري، بل ويعزف البيانو.بدا كأحد أبناء طبقة النبلاء في أوربا القرن التاسع عشر؛ هؤلاء الذين كنت أقرأ عنهم في الروايات فقط.. بارع جدا في العزف.. أتراه موسيقيا؟.. ربما.. لكنه يخالف الصورة التي في ذهني عن الموسيقيين.. كان الرجل رائعا، ولاحظت انبهار النساء وحسد الرجال.لم أكن وحدي إذن من يحسده!!!***بقي لي يومان في هذا المكان.. هل كان يستحق؟.. لا أعرف، ولكن ما أعرفه أنه بالنسبة لي كان مزيجا من الجنة والجحيم.، من الغبطة والحسد؛ مزيج غريب سرى في روحي والعجيب أنني انتشيت به..عندما ذهبت إلى قاعة الطعام بدأت أبحث عن الأنيق الوسيم ثانية. لم يكن موجودا للأسف. كانت مراقبة هذا الرجل قد صارت هواية لي. كأنني أراقب كائنا فضائيا أو بطلا خارقا هبط من السماء، ليسير أمامي على أرض الواقع.. دلف إلى القاعة في اللحظة التي بدأت أيأس فيها من قدومه، ومرة ثانية لم يكن وحده بل بصحبته سمراء هذه المرة. هذا الرجل يبدل النساء كما يبدل ملابسه؛ التي لم أره يرتدي أحدها مرتين أبدا.وبدا لي شيء طبيعي ألا أرى معه رجلا ولو لمرة واحدة.. من المستحيل أن يحتمل رجل السير معه إطلاقا.جلسا على طاولة خلفي، هكذا قمت وبكل بساطة لأجلس على المقعد المقابل لأحصل على زاوية رؤية أفضل..بدا أن تلك السمراء تروق له أكثر من الشقراء التي ترك لها المكان بالأمس. ارتفعت الضحكات وأنا أحاول أن ألتقط شيئا من شظايا الكلمات المتناثرة حولهما.. أخرج دفترا للشيكات من جيبه وكتب فيه عدة أرقام.. شببت برأسي واستطعت أن أتبين الرقم الرهيب الذي كتب فيه..ثم فصله من الدفتر وبكل سهولة أعطاه لها.***هذا هو يومي الأخير هنا؛ فغدا أرحل ولن يتبقى لي سوى ذكريات مبهمة عن هذا المكان. دلفت إلى القاعة وكالعادة بحثت عيناي عن صاحبي الذي ألفته من طول متابعتها له. لم يكن هناك.اعتقدت انه سيظهر بين لحظة وأخرى، وقد يكون في صحبته يابانية أو زنجية هذه المرة، لكنني انتهيت من غذائي ولم يظهر.احتسيت شايا وقهوة ولم يظهر.. تناولت عصيرا مثلجا ولم يظهر.أتراه رحل؟. تعكر مزاجي بشدة. كدت أسأل عنه موظف الاستقبال لكني اكتشفت أنني لا أعرف اسمه بل لا أعرف عنه أي شيء تقريبا.. هكذا عدت إلى غرفتي مكتئبا. أثناء صعودي إلى غرفتي لاحظت شيئا غير عادي يتعلق بغرفة بعينها.. رأيت مدير الفندق يدلف إليها متوترا ثم يغلق الباب خلفه. ماذا يحدث في تلك الغرفة؟. مر بجواري أحد عمال الفندق خارجا منها فتصنعت اللامبالاة تجاه الأمر.أمسكت المفاتيح بيدي وأخذت أأرجحها وأدندن بأغنية ما؛ فمر العامل بجواري دون أن يلاحظ شيئا، وما إن مر حتى اتجهت إلى الحجرة، وبكل هدوء فتحت فرجة صغيرة في الباب.لم يلاحظني أحد فلقد كانت الأعين كلها مركزة على جسد مسجى على السرير. كان هناك رجل ما- خمنت أنه طبيب- وقد انحنى على السرير ، وفي مواجهته يقف مدير الفندق بجواره رجل ضخم، عندما رفع الطبيب رأسه تبينت ملامح الشخص الراقد على السرير.انه الوسيم الأنيق.أتراه مريضا؟.. لكن الطبيب ألتفت إليهما قائلا:- "هذا يحسم الأمر.. لقد انتحر.."وسقطت المفاتيح من يدي وأحدثت دويا شديدا على الأرض.


الثانى قصة "الخِبــاء"للكاتب علاء عبد المنعم إبراهيم غنيم.من القاهرة3والجائزة آلاف جنيه وشهادة تقدير.



الثالث قصة "كأنه حى"للكاتب أحمد سعيد عيد محمد من القاهرةوالجائزة ألفا جنيه وشهادة تقدير.

الرابع قصة "ستائر المطر"للكاتبة دعاء صابر على من سوهاج والجائزة شهادة تقدير.



الخامس قصة "خمارة الشيخ"للكاتب خالدأحمد ثروت السعيد الإسكندريةوالجائزة شهادة تقدير.


أعضاء لجنة التحكيم
الأديب الكبير الأستاذ إبراهيم عبد المجيد رئيسا
الأديب الأستاذ سعيد سالم عضوا
الناقد الأستاذ شوقى بدر يوسف عضوا
الناقد الدكتور محمد عبد الحميد عضوا
الأديب منير عتيبة عضوا




وفي اطار مهرجان القراءة الكبرى لمكتبة الاسكندرية حصلت عضو مختبر السرديات مروة الحمامصي على شهادة تقدير لمشاركتها في مقال عن كتاب "مغامرات هكلبيري فن "للكاتب الأمريكي "مارك توين" وتظهر معها في الصورة الأستاذة الدكتورة" نازك فهمي "أستاذ الأدب الأمريكي بقسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب جامعة الاسكندرية وذلك يوم 22 نوفمبر 2010م .








الخميس، 25 نوفمبر 2010

الثلاثاء 23/11/2010م.


نخبة من المثقفين المصريين في ندوة واسيني الأعرج بمكتبة الإسكندرية
نظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية
مساء الثلاثاء 23نوفمبر ندوة للأديب الجزائري
واسيني الأعرج للحديث عن مشواره الأدبي
وأهم أعماله ورؤيته وتجربته الأدبية، بحضور عدد كبير من المثقفين المصريين؛ ومنهم: الأديب إبراهيم عبد المجيد، والكاتب الصحفي حلمي النمنم؛ نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، والدكتور محمد زكريا عناني؛ الأستاذ بكلية الآداب في جامعة الإسكندرية. وعقد على هامش الندوة حفل توزيع جوائز مسابقة مختبر السرديات في القصة القصيرة.
وقال الدكتور خالد عزب؛ مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية، إن استضافة مختبر السرديات للأديب الجزائري واسيني الأعرج تأتي على رأس سلسلة من الندوات التي تعرض للتجارب الأدبية العربية، مشيرا إلى أن المختبر سيستضيف الأديب العراقي الدكتور عبد الإله عبد القادر في شهر ديسمبر المقبل للحديث عن المسرح والرواية في العراق وتطورهما منذ أوائل القرن العشرين إلى الوقت الراهن.
وأكد عزب أن أكثر ما يميز الأعرج استدعائه الدائم للتاريخ في الأعمال الأدبية؛ حيث قدم الأمير عبد القادر في صورة شيقة من خلال رواية "كتاب الأمير"، كما أنه يستدعي ذاكرة الموريسكيين في العديد من أعماله.
من جانبه، أعرب واسيني الأعرج عن سعادته بدعوة مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية له وبالجمهور الكبير الذي حضر الندوة من المثقفين والطلاب والمهتمين بالأدب. واستنكر الأزمة التي تسببت فيها مباراة كرة قدم بين مصر والجزائر؛ قائلا: "المشكلة التي حدثت مخجلة وخيبة كبيرة، وكنت أرجو ألا يتركها المثقفون لتستفحل".
ونوّه إلى أنه ينتمي إلى جيل تشرب الثقافة واللغة الفرنسية على حساب العربية، إلا أنه درس العربية تنفيذا لوصية جدته له بدراسة لغة أجداده؛ حيث تعلمها في إحدى المدارس القرآنية "الكتاتيب" الصغيرة بالجزائر. وروى الأعرج قصة ولعه بالعربية، موضحا أنه أثناء دراسته بالمدرسة القرآنية، أطّلع صدفة على نسخة من كتاب ألف ليلة وليلة؛ إذ تركه أحدهم بطريق الخطأ، ومن هنا كان هذا الكتاب مدخلا له إلى الاهتمام بالأدب وباللغة العربية ليس فقط إرضاء لجدته، وإنما أيضا لجمال النص. وألمح إلى أن عشقه للعربية جعلته يتخلى عن الدراسة بالقسم العلمي في الثانوية العامة ليتجه إلى القسم الأدبي.
وأضاف أن رواية "كتاب الأمير" التي حصل من خلالها على جائزة الشيخ زايد لعام 2007، جاءت في إطار رده على نظرية صدام الحضارات التي روج لها الكاتب الأمريكي صامويل هنتنجتون؛ حيث تبرز الرواية جوانب إنسانية رائعة في حياة الأمير عبد القادر وفي تعامله مع العدو الفرنسي الذي كان يستعمر الجزائر آنذاك. وتدور أحداث الرواية حول الأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري في منتصف القرن التاسع عشر، إلا أنها تربط الماضي بالحاضر.
وأوضح الأعرج أن المعلومات والمواقف التاريخية التي ضمّنها في روايته مؤكدة؛ إذ استقاها من مراجع تاريخية، إلا أنه نفى عن نفسه أن يكون مؤرخا، أو أن تكون رواية "كتاب الأمير" تأريخا لحياة الأمير عبد القادر؛ قائلا: "كتبت عن لحظة منسية في أفق روائي، وإذا اعتبر الروائي نفسه مؤرخا عُدّ فاشلا". ولفت إلى أنه رفض العديد من الدعوات للمشاركة في ندوات حول الأمير عبد القادر نظرا لكونه غير متخصص في التاريخ.
وأشار الأعرج، في تعليقه على رواية "أنثى السراب"، إلى أنه يحمل في عمقه شيء من المرأة؛ حيث تربى في وسط نسائي نظرا لاستشهاد والده في القتال ضد المستعمر الفرنسي. كما نوّه إلى أن الإرهاب الذي شهدته الجزائر في تسعينات القرن الماضي كان له أثر في الكثير من أعماله مثل رواية "ذاكرة الماء".
وفي سياق متصل، قدّم عدد من المثقفين دراسات حول أدب واسيني الأعرج؛ وهم: الناقد شوقي بدر يوسف "واسيني الأعرج أيقونة.. الرواية العربية الجزائرية"، والدكتور أحمد محمود المصري "بين الحضور والغياب.. شاعرية اللغة في أنثى السراب"، والأديب منير عتيبة "في روايته كتاب الأمير.. واسيني الأعرج يطرق أبواب الحديد"، والأديبة منى عارف "إيقاعات متفردة للروائي الجزائري واسيني الأعرج".
وقال الناقد شوقي بدر يوسف إن الأعرج يعد من الأسماء الروائية التي لمعت وطالت بأعمالها السردية المتميزة واقع المشهد العربي وشكلت حالة وظاهرة من ظواهر السرد العربي في حداثته الآنية. وأضاف: "لا شك أن واسيني الأعرج الذي يقول عن نفسه إنه حفيد أولئك المورسيكيين الذين قدموا من الأندلس عشية سقوطها سنة 1492 وأن انتماءه إلى هذا التاريخ الوسيط قد شكل له عمقا ثقافيا، وبعدا إنسانيا متميزا انعكست ملامحه وتأثيراته الفاعلة على عالمه الروائي".
وشدد على أن الأعرج كتب أعماله الروائية والقصصية وهاجسه الذاتي في كل إبداعه السردي هو وطنه الجزائر بكل ما يحتويه من هموم وتاريخ وقضايا وإشكاليات، مؤكدا أنه يعد من المبدعين القلائل الذين نجحوا في أن يتجاوزوا حدود الوطن، وأن يفرضوا إنتاجهم الروائي المتميز الغزير على مستوى الوطن العربي والعالم الآخر بكل ثقله وتنوعه.
من جانبه، لفت الدكتور أحمد محمود المصري إلى أن واسيني الأعرج قدم إبداعه الروائي باللغتين: العربية والفرنسية؛ مما منحها انتشارا واسعا على الصعيدين: العربي والعالمي، وجعله نموذجا للأديب المبدع والمفكر الشامل الذي تتمثل في كتاباته وفي ثقافاته وحدة المعارف والحضارات والثقافات وتمر عبر وجدانه لتقطر فنا أدبيا روائيا بالغ الإبداع والعذوبة والحداثة والأصالة والمعاصرة معا.
وأضاف أن المتابع لأعمال الأعرج يكتشف بسهولة أنها تنتمي إلى المدرسة الجديدة التي تحترف التجدد والتنوع؛ فلا تقف عند القوالب الجامدة المتكررة، وإنما تبحث دائما عن الإبداع والتجديد وأهم وسائلها لتحقيق ما تصبو إليه هي اللغة بنسيجها الساحر والمبهر.
وأكد أن قوة واسيني التجريبية التجديدية تجلت بشكل واضح في رائعته المميزة "الليلة السابعة بعد الألف" بجزأيها (رمل الماية) و(المخطوطة الشرقية)؛ حيث حاور فيها ألف ليلة وليلة لا من موقع ترديد التاريخ واستعادة النص، ولكن من هاجس الرغبة في استرداد التقاليد السردية الضائعة، وفهم نظمها الداخلية التي صنعت المخيلة العربية في غناها وعظمة انفتاحها.
إلا أنه أشار إلى أن رواية "أثنى السراب" هي من أروع ما أبدعته قريحة واسيني الروائية، مضيفا أن عنوان الرواية يوحي بدلالات كثيرة يأتي في مقدمتها أن الرواية تتحدث عن امرأة بين الواقع والخيال، أو بين الحقيقة والسراب، كما أن السراب يشير إلى ضبابية الرؤية وما تحتوي عليه من خداع بصري وعدم القدرة على رؤية الأشياء بشكل صحيح.

واسيني الأعرج يهدي أعماله الكاملة لمكتبة الإسكندرية
كما أهدى الأديب الجزائري واسيني الأعرج مكتبة الإسكندرية أعماله الكاملة، لما تمثله المكتبة من منارة ثقافية عربية ودولية.
وقال الأعرج: "تعد مكتبة الإسكندرية بحق مفخرة عربية وعالمية"، معربا عن سعادته لزيارة المكتبة والإطلاع على المشروعات التي تقوم بها في كافة المجالات العلمية والثقافية، والتي تفتح آفاقا رحبة للعالم العربي، وتربطه بما يحدث من تطورات تكنولوجية وعلمية وفكرية في العالم.
من جانبه، أشار الدكتور خالد عزب؛ مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية، إلى إن هذا الإهداء يمثل إضافة كبيرة للمكتبة نظرا للمكانة الدولية الكبيرة لواسيني الأعرج، كما أنه يدعم التواصل بين المشرق والمغرب العربي ويفتح نوافذ جديدة بين الثقافتين المصرية والجزائرية كرافدين للثقافة العربية.
وتتضمن مجموعة الأعمال المهداة للمكتبة كتاب "على خطى سرفانتس في الجزائر"، ورواية "البيت الأندلسي" التي تمثل استعارة لما يحدث في الوطن العربي من معضلات كبرى تتعلق بصعوبة استيعاب الحداثة في ظل أفق مفتوح على المزيد من الانكسارات. كما تشمل المجموعة رواية "كتاب الأمير" التي حصل من خلالها الأعرج على جائزة المكتبيين الكبرى عام 2006؛ وهي تلك التي تمنح عادة لأكثر الكتب رواجا واهتماما نقديا في السنة.
وفي سياق متصل، أهدت الأديبة الجزائرية زينب الأعوج مكتبة الإسكندرية عددا من أعمالها الشعرية؛ ومنها: "مرثية لقارئ بغداد"، و"رباعيات نوارة لهبيلة"، إضافة إلى مجموعة من الأعمال الشعرية باللغة الفرنسية.
يذكر أن واسيني الأعرج من مواليد عام 1954 في تلمسان بالجزائر، وهو روائي يشغل اليوم منصب أستاذ كرسي بجامعتي الجزائر المركزية والسوربون بباريس، ويعتبر أحد أهم الأصوات الروائيّة في الوطن العربي. تنتمي أعمال واسيني، الذي يكتب باللغتين العربية والفرنسية، إلى المدرسة الجديدة التي لا تستقر على شكل واحد وثابت، بل تبحث دائما عن سبلها التعبيرية الجديدة والحية بالعمل الجاد على اللغة.
وفي عام 1997، اختيرت روايته حارسة الظلال (دون كيشوت في الجزائر) ضمن أفضل خمس روايات صدرت بفرنسا، ونشرت في أكثر من خمس طبعات متتالية بما فيها طبعة الجيب الشعبية، قبل أن تنشر في طبعة خاصة ضمت الأعمال الخمسة. وحصل الأعرج في سنة 2001 على جائزة الرواية الجزائرية على مجمل أعماله، كما حصل على جائزة الشيخ زايد للآداب في سنة 2007. تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية؛ من بينها: الفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والسويدية، والدنمركية، والإنجليزية، والإسبانية
.


















من أعمال الكاتب واسيني الأعرج :






الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

الثلاثاء 9 نوفمبر 2010م.

مبدعون سكندريون وناقد شاب فى مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية

نظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية يوم الثلاثاء 9 نوفمبر لقاءً أدبيا بعنوان "مبدعون سكندريون وناقد شاب" حيث يقدم الناقد السكندرى الشاب محمد العبادى قراءة نقدية فى عدد من قصص مبدعى الإسكندرية هم؛ إبراهيم رفاعى "مشروع كاتب"، إيمان السباعى "سليمة"، سحر الأشقر "عاملة إيه؟"، سهير شكرى "نذر"، منى سالم "السوبر يكسب"، منى عارف "الزائرة"، هبة خميس "أشياء تخصك". صرح الأديب منير عتيبة المشرف على المختبر أن تنظيم هذه الندوة يأتى فى إطار حرص المختبر على اكتشاف أصوات نقدية جيدة بمدينة الإسكندرية ودعم الجاد منها.
يقول محمد العبادى عن قصة إبراهيم رفاعى "مشروع كاتب": نص بسيط وخفيف الظل عن نائم قرر أن يكون كاتبًا, منبع خفة الظل في هذا النص هو عرض الكاتب لطريقة تفكير شخصيته, تذكرنا بمقولة ابن المقفع عن الأحمق الذي يظن في سهولة كتابة الأدب, وكان اختيار "إبراهيم أصلان" صاحب الكتابة السهلة الممتنعة ملائما , ليعطي الإيحاء لصاحبنا النائم أن الكتابة أسهل مما يمكن, و من أظرف ما دار في رأسه تقسيمه الكتاب إلى مستويات أقرب إلى ألعاب الفيديو, حيث يضع أصلان كمرحلة أولى, يليه إدريس .. وهكذا... جاءت لغة النص مناسبة جدا لطبيعة الشخصية, كذلك إختيار جملة تقليدية للغاية كجملة افتتاح قصته المزعومة "ذات مساء", وينتهى القصة باكتشاف المؤلف الناشئ طريقة جديدة للهروب من الأرق, هي الكتابة وليس القراءة!
ويعلق على قصة إيمان السباعى "سليمة" بقوله: يطالعنا النص بشخصيته الرئيسية و هي غارقة حتى أذنيها في عالم كابوسي. هي المثقفة الغريبة عن المدينة الكبيرة, و المغتربة عن كل ما يحيط بها, مغتربة حتى عن جنين بداخلها. لغة السرد المستخدمة في النص وطريقة تقسيم المقاطع غلفا النص بغموض يوازي غموض العلاقة بين صائدة الحكايات وبين سليمة ذات الملامح البدوية والطباع الغامضه, هي علاقة أقرب الى التماهي أو توارد الخواطر, مثال على تماهي الشخصيتين هو الفقرة الوسطى "أصل إلى البئر..." التي قد تحيرالمتلقي حين يحاول أن ينسبها إلى أي من الشخصيتين. من اللافت للنظر الغياب الكامل – ربما المتعمد – للرجل عن تفكير الراوية, حتى حين يقودها تيار الوعي لتذكر الحمل والجنين لا نجد أي إشارة للأب, وربما كان فقدان الرغبة في الأمومة هو انعكاس لمرارة قديمة تجاه الأب, وربما تجاه الرجل بشكل عام. رغم أن الغموض هو عنصر أساسي في النص, إلا أنه وصل في بعض المقاطع إلى حد التعمية والإبهام, خصوصا في النهاية المباغته, وفي المقاطع المنسوبة الى أغاني الرحى و البحث عن دلالتها.
ويعلق على قصة سحر الأشقر "عاملة إيه؟" بقوله: "عاملة إيه؟" في العادة هو سؤال تقليدي وبسيط, لكنه في هذا النص ليس بهذه البساطة, استطاعت الكاتبة أن تحول "عاملة أيه" هنا الي ما يشبه الزناد الذي استجاب لأبسط ضغطه ليطلق تيار الذكريات في عقل الشخصية الرئيسية.
وفى قصة سهير شكرى "نذر" يقول محمد العبادى: من الخصائص الأساسية للقصة القصيرة الكشف الخارق والمفاجئ في الخاتمة, نشعر في هذا النص أن الخاتمة الصادمة هي النقطة الأساسية . عبر وصفها لتفاصيل الرحلة, والتناقض الواضح بين حال السياح و ابناء البلد تقودنا الكاتبة لفخ معد جيدا وهو الخاتمة المتفجره غير المتوقعة, ومع القراءة الثانية تشعر أن بناء النص مجهز خصيصا ليتجه إلى هذه الصدمة, تبقى المشكلة التي تواجهنا في بعض الفقرات هي بطء الإيقاع ,ربما بسبب كثرة التفاصيل التي اعتمدت عليها الكاتبة لرسم حالة الكآبة المنذرة, سواء في الحالة المتردية لعائلة صاحب "النذر", أو في حالة أهل القاهرة.
أما عن قصة منى سالم "السوبر يكسب" فيقول: اعتمد بناء النص على خطين أساسيين .. بالأصح مجالين للاهتمام, الأول للفتيات المنفردات بالمولد, بينما الآخر للشباب المتجمعين على المقهى المجاور يشاهدون مبارة كأس السوبر. بدأ النص بتحديد المكان و الزمان, مولد أبو النور بالظاهرية من جهة, و الملعب الممتلئ بجماهير الكرة, ينقله تلفاز المقهى إلى قلب المولد , و بين هتافات البائعين من جهة, وشباب الكرة من جهة أخرى, تدخلنا الكاتبة في الجو العام لتلك اللحظة, معتمدة على الأصوات في البداية لتجذبنا الى قلب القصة. سرعان ما تنقلنا الكاتبة من وصفها للصوت الذي يبدو محايدا, الى وصف الصورة التي تشعر أنها تعمدت جعله أقل حيادية , يتضح ذلك تحديدا في وصفها للفتيات بشكل يحتوى على كثير من الاستهجان المختفي خلف تشبيهات بريئة, رغم ملابسهن المثيرة إلا أنهن بَدَوْن للراوي أقرب لخشونة "الصاعقة" منهن إلى أنوثة الفتيات المتجملات, كذا في الحوار بين الراوي وبائع الترمس الذي امتلأ بالحسرة على زمن مضى. على الرغم من قصر النص إلا أن الكاتبة نجحت في رسم صورة حيوية للمولد بتفاصيله المتعدده , لكن العنوان– رغم طرافته – بدا غير مرتبط بالنص, فلا علاقة تجمع بين العنوان والنص إلا الجملة الأخيرة, وهي جملة من غير المعتاد سماعها في سياق مباريات الكرة.
ويقول الناقد الشاب محمد العبادى عن قصة منى عارف "الزائرة": يظل الحنين إلى الماضي ( النوستالجيا ) دوما من أكثر الأراضي خصوبة لكاتب القصة, يبذر فيها كتابته بحثا عن ذاته الحقيقية في أعماق الذاكرة, تلك الذاكرة اللعوب التي تعمل دوما على إعادة تشكيل الماضي بحيث يبدو دوما بصورة أكثر جمالا و حيوية كلما استرجعناه. استطاعت الكاتبة هنا أن تكتب منطلقة من حنين الماضي لتوقع قارئها في فخ لا فكاك منه, حين يجد في النص مرآة تعكس حنينه لذكريات ماضيه الشخصي.
عنوان النص – رغم مباشرته- جاء مناسبا للنص, ليضيف للهالة الأسطورية المحيطة بالزائرة, يكمل تلك الهالة الابهام المتعمد التي تحيط به نفسها و يحيطها به الراوي الذي اغفل حتى ذكر اسمها. استخدمت الكاتبة الفعل المضارع في السرد, رغم أن الحدث في زمن الماضي, لكن مع اختيار الراوي الاول يصبح استخدام صيغة المضارع مناسب لإعطاء الإيحاء بحضور تلك الأحداث في ذهن الراوي وارتباطه العاطفي بها, حتى يبدو أن الراوي قد نسى –أو تناسي – كونها أحداث ماضية, فنجده يتعامل معها بصيغة الأحداث الحالية الممتد أثرها حتى الآن. استطاعت الكاتبة رسم طبيعة المكان بشكل ضمني , يستطيع المتلقي أن يستجمع تفاصيل البيت و محيطه من الإشارة إلى الشارع المؤدي إلى البحر, و حبات الفاكهة المجموعة من الحدائق المجاورة وغيرها كثير. في رأيي أن" مرت سنوات..." هي الجملة المفصلية – رغم عدم اعجابي باستخدام مثل هذه الصياغة المباشرة والتقليدية للتعبير عن مرور الزمن – هناك فرق بين طريقة السرد قبل وبعد هذه الجملة, كان التركيز الأكبر قبلها على الذكريات القديمة ذات الطابع الإيجابي للزائرة, أما بعدها فبدت الزائرة أقرب إلى عبء يتحمله أبناء العائلة على كره, ويظل جوهر القصة هو هذا الفارق بين الماضي بالهالة الأسطورية المحيطة به, والواقع الحالي بمرارته المفتقده للزخارف التي تضيفها الذاكرة. وتأتي خاتمة النص ملائمة لانطباعه العام, نجد أن الاختفاء المفاجئ لتلك الزائرة يعود بها مرة اخرى من دائرة العبء الى دائرة الحنين إلي الماضي, ليتململ الكل بحثا عن الذكرى المحملة بالحنين.
وأخيرا يقول عن قصة هبة خميس "أشياء تخصك": استطاعت الكاتبة- مستعينة بحرفيتها ككاتبة, وبعين الأنثى المعتادة على التقاط التفاصيل الدقيقة- أن تقدم لنا نصا عن عالم الأشياء والاحاسيس الصغيرة, التي تبقى دائما في الهامش ,حتى ننسى أهميتها خلال ركضنا المستمر عبر الحياة. اختيار الكاتبة لصيغة المخاطب في السرد أظهر النص كمناجاة داخلية تدور في عقل الشخصية الرئيسية .. ذلك الرجل الذي نتابعه عبر رحلته لاستبدال صديقته المحفظة الجلدية السوداء بتوأمتها. برعت الكاتبه في استخدام تقنية تيار الوعي لتظهر اهتمامه المكتئب بالأشياء على حساب الأشخاص, و بكل ما هو قديم على حساب اللحظة الراهنة, يظهر ذلك في العديد من التفاصيل التي صاغتها الكاتبه ببراعة , منها اصراره على نفس المحل المنزوي, ودخوله المتعجل "خوفا من الزحام", واهتمامه بعبد الوهاب الراديو و الصور, حتى اهتمامه بجمال البائعة شوهه صوتها الذي وصفه بأنه "منكر". جاءت لغة النص ملائمة في أغلب أجزاءه, ربما إلا من بعض العبارات التي تُشعر بخلل في إيقاع النص وتكثيفه , منها آخر عبارات النص, التي تشعرك أنها لم توجد إلا تبريرا للعنوان. يبقى جمال النص في وضعه للتفاصيل الدقيقه في مجال رؤيتنا, لتذكرنا بأهمية أشياء تخصنا.
أما القصص ونقدها بالتفصيل :

نـــــذر
قصة: سهير شكرى

أيقظته أمه مبكرا كى يلحق بالقطار ويوفى النذر لسيدنا الحسين كما طلب منهم شيخ القرية عند شفاء والده .
على الأرجح أنه لم ينم فعيناه مسهدتان والإرهاق باد على وجهه .
حمل السلة مملوءة بمخبوزات أمه رغم ظروفهم المالية المتصدعة فقد تخرج من الجامعة ومازال عاطلا كأمثاله من شباب القرية .
تودعه أمه .. توصيه بقراءة الفاتحة والدعاء لأخته التى تخطت الثلاثين ولم تتزوج بعد . ...
وصل القاهرة .. .. وجدها خانقة .. مكسوة بغلالة من دخان أسود ....
الناس وجوههم ساهمة..... من عيونهم يفيض حزنهم على رقابهم ... يتحركون كأن فى أيديهم الأغلال وفى أفواههم اللجام .... سيارات ملتحمة على الأسفلت فلا يبين . يجرون بعضهم بعضا كالسلاحف الكسيحة .
هرول ليركب الحافلة .... وصل حى الحسين ... شاهد الحوانيت بكل أنواعها وألوانها من السجاد والنحاس والتماثيل والمناديل والشيلان وبدل الراقصات المطرزة والشيش التى تفننوا فى زخرفتها .
السواح يتجولون ويشترون ... يأكلون ويشربون .... يسيرون فى همة ونشاط ... شحاذون ومجاذيب يتسولون حول مسجد حفيد الرسول ... هجموا عليه .... نزعوا كل ما فى السلة .. كادوا أن يمزقوه بعد أن مزقوا ملابسه.
حمل السلة فارغة ... دخل إلى الضريح .... صلى ركعتين .... دعا لأخته.. أحس بالإرهاق ... أسند رأسه على صدر الجدار يلتمس منه العطف والحنان
غفا للحظة .... استيقظ مفزوعا على صوت انفجار هائل زلزل أركان الضريح.... احتضن السلة الفارغة ... أطلق ساقية ليهرب من الهلاك . لكنه وجد حاجزا من الأمن يمنعه من الانطلاق ...... فتشوه.. وجدوا بالسلة قنبلة أخرى لم تنفجر بعد .
تعليق نقدى بقلم: محمد العبادى
من الخصائص الأساسية للقصة القصيرة الكشف الخارق والمفاجئ في الخاتمة, نشعر في هذا النص أن الخاتمة الصادمة هي النقطة الأساسية .
عبر وصفها لتفاصيل الرحلة, والتناقض الواضح بين حال السياح وأبناء البلد تقودنا الكاتبة لفخ معد جيدا وهو الخاتمة المتفجرة غير المتوقعة, ومع القراءة الثانية تشعر أن بناء النص مجهز خصيصا ليتجه إلى هذه الصدمة, تبقى المشكلة التي تواجهنا في بعض الفقرات هي بطء الإيقاع ,ربما بسبب كثرة التفاصيل التي اعتمدت عليها الكاتبة لرسم حالة الكآبة المنذرة, سواء في الحالة المتردية لعائلة صاحب "النذر", أو في حالة أهل القاهرة.

(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 9 نوفمبر2010)
**********************
الزائرة
قصة: منى عارف

ترامى في مدى الليل جلبابها ... يتهدل في أروقة الصمت.. تواري في صدرها بهدوء مريب شبه ابتسامة في حلم، كانت تأتينا قبيل الغروب بعد صلاة العصر ويهدأ في الأفق البعيد صوت الأذان ، يتأرجح ظلها في أول الشارع المؤدي إلى البحر وخلفها تتضاءل صورة تلك الصخرة المشهورة التي احتلت شرائط الأفلام القديمة منذ زمان ليس بقريب ولكنه ليس ببعيد أيضا.. كيف تنسى أشرعة السفن شطوط الأمان؟ كيف ننسى عناوين منازلنا القديمة..؟ وعند اقترابها من ممشى البيت تطير أختي الصغيرة تصعد سلالم الدرج الأحمر يداعب ضفيرتها الهواء لتخبر أمنا عن قدوم الزائرة كما أرادت هى أن نفعل كلما هلت.
بابنا كان دائما مفتوحا.. تحضر أمنا العشاء في صمت وترص لفائف بها الخبز الناشف وبقايا من طعام الأمس : برام الثريد والأرز واللحم.. تدخل إلينا بقامتها الفارعة تفرغ ما في جعبتها من جوافة وحبات السفرجل والبرتقال التي تكون قد التقطتها وجمعتها من الحدائق المجاورة.. سعيدة بحملها وكأنه كنز.. تشير لها أمي أن تجلس وتحضر لها طعام اليوم وعندما تفرغ من تناول الشاي لعدة مرات تتبادل أحاديث خاطفة عما كان وعما حل واللذين رحلوا بلا عودة، كنت أستمع إلى حكايتها بشغف كبير مثلما كان ينصت الهواء هكذا ويهدأ فجأة ، تكون هى محور الكلام ومركز الشد والجذب.. تضحك تارة وتبكي تارة أخرى.. وأمنا تشاور لنا أن ننصرف إلى ألعابنا ولهونا الطفولي ، ولكن هيهات تجذبنا بعينيها السوداوين وصوتها المرتفع وإلحاحها في تكرار كل السرد وإعادته علينا، تأسرنا بهذا الخيط ثم تنصرف فجأة كما جاءت فجأة ، تحمل لفائف الطعام .
لم نكن نعرف عنها الكثير ، وما عرفناه كان يكفي ، وكانت أمي دائما تحذرنا وتنصحنا.. علينا إكرام الضيف في أي وقت يحل ، ولكن نحذر من الغرباء ما حيينا
ـ ولكنك يا أمي ترحبين بها وتعطفين عليها
هكذا قالت اختي
ـ هذا شئ وهذا شئ آخر ، الذين يستحلون طعامنا قد يستحلون في المستقبل ما هو أكثر من ذلك
لم تشف إجابة أمي أحدا منا.
مرت سنوات وتوالت الأعياد وقل الجمع وأيام التجمع ، ما زالت تتردد علينا وكأنها تشم وقع أقدامنا في ذلك الدرج .... ستأتون غدا بعد الذبح ... ؟ ستأتون بعد الموسم ... ؟ لم نغير عادتنا حتى بعد وفاة الأب اليوم الثاني من رمضان، اليوم الثاني من العيد الصغير ، اليوم الثاني من عيد الأضحي ، يكون موعدنا.
وحقا هى ما أخلفت العهد كانت حريصة على اللقاء والود ، وفي الآونة الأخيرة كانت تفتعل البكاء وسرد المصائب ، فبتنا نشعر بذلك الشعور الكامن داخلنا بعدم الإرتياح بوجودها بيننا ، لا تربطنا بها صلة قرابة أو نسب أو رابطة دم، بل كان إلحاحها العجيب أن تختار أيام العزائم الخاصة بي وبإخوتي وأولاد خالي وخالتي للتواجد والتواجد عن كثب ، تارة تجلس في حجرة المعيشة تقلب الأوراق والجرائد وقنوات التليفزيون ، وتارة تتطلع من صالة الطعام على المفارش والأطباق ، لا تفعل شيئا سوى تحسس الأشياء وتغير أماكنها والتلصص على الكل .
تغمز لي أختي لكي أنهي الحديث الذي بدأته الزائرة وألوذ بالصمت ، والغريب أنها لا تحكي عن نفسها أي شئ ، تغمرنا بالأسئلة وتسجل إجاباتنا في صندوق الذاكرة ، لا تحكي عن أسرتها ولكن تعيد على مسامعنا تلك الحكايات القديمة عن المدرسة الداخلية وقفازاتها الحريرية وعن بيت في المندرة قدر ثمنه بمليونين من الجنيهات " لقد بعته أوائل الثمانينات ، يا ليتني أبقيته حتى اليوم "
لا يوجد في هيئتها ما يدل على ذلك .. !! ويشي جلبابها القديم بسوء الحال .. !! ولكنها ما زالت تردد أحاديث عن إرث بعيد دفنته في باطن الأرض، وعن جواهر أصلية تحمل أختاما وأراضي يزوغ فيها مرمى العين ويمتد .. !
ما زلت أتذكر آخر مرة تلحس بأصابعها بقايا الأطباق وتضع ما تبقى لدى أمي في أكياس حتى بدون أخذ الإذن ثم تتوجه إلى باب الخروج وسط دهشة الجميع وتصيح بصوت عال "لن أسلم على أحد".
مر العيد علينا بدونها تلك المرة ، الكل يتململ في مقعده ، همسات نتناقلها نتبادلها ربما ذهبت إلى غيرنا ولا يعكر ليلة الوقفة سوى مواء القطط الذي لا ينقطع خلف الأبواب المغلقة .

تعليق نقدى بقلم: محمد العبادى
يظل الحنين إلى الماضي ( النوستالجيا ) دوما من أكثر الأراضي خصوبة لكاتب القصة, يبذر فيها كتابته بحثا عن ذاته الحقيقية في أعماق الذاكرة, تلك الذاكرة اللعوب التي تعمل دوما على إعادة تشكيل الماضي بحيث يبدو دوما بصورة أكثر جمالا و حيوية كلما استرجعناه.
استطاعت الكاتبة هنا أن تكتب منطلقة من حنين الماضي لتوقع قارئها في فخ لا فكاك منه, حين يجد في النص مرآة تعكس حنينه لذكريات ماضيه الشخصي.
عنوان النص – رغم مباشرته- جاء مناسبا للنص, ليضيف للهالة الأسطورية المحيطة بالزائرة, يكمل تلك الهالة الابهام المتعمد التي تحيط به نفسها و يحيطها به الراوي الذي اغفل حتى ذكر اسمها.
استخدمت الكاتبة الفعل المضارع في السرد, رغم أن الحدث في زمن الماضي, لكن مع اختيار الراوي الأول يصبح استخدام صيغة المضارع مناسب لإعطاء الإيحاء بحضور تلك الأحداث في ذهن الراوي وارتباطه العاطفي بها, حتى يبدو أن الراوي قد نسى –أو تناسي – كونها أحداث ماضية, فنجده يتعامل معها بصيغة الأحداث الحالية الممتد أثرها حتى الآن.
استطاعت الكاتبة رسم طبيعة المكان بشكل ضمني , يستطيع المتلقي أن يستجمع تفاصيل البيت و محيطه من الإشارة إلى الشارع المؤدي إلى البحر, و حبات الفاكهة المجموعة من الحدائق المجاورة وغيرها كثير.
في رأيي أن" مرت سنوات..." هي الجملة المفصلية – رغم عدم اعجابي باستخدام مثل هذه الصياغة المباشرة والتقليدية للتعبير عن مرور الزمن – هناك فرق بين طريقة السرد قبل وبعد هذه الجملة, كان التركيز الأكبر قبلها على الذكريات القديمة ذات الطابع الإيجابي للزائرة, أما بعدها فبدت الزائرة أقرب إلى عبء يتحمله أبناء العائلة على كره, ويظل جوهر القصة هو هذا الفارق بين الماضي بالهالة الأسطورية المحيطة به, والواقع الحالي بمرارته المفتقده للزخارف التي تضيفها الذاكرة.
وتأتي خاتمة النص ملائمة لانطباعه العام, نجد أن الاختفاء المفاجئ لتلك الزائرة يعود بها مرة اخرى من دائرة العبء الى دائرة الحنين إلي الماضي, ليتململ الكل بحثا عن الذكرى المحملة بالحنين.
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 9 نوفمبر2010)
*********************
سليمة
قصة: إيمان السباعي


*ياريتى طير وانطير..وجناحى على الأرض هافى

على مقهى بوسط البلد أتابع مشهدا أليفا للبحر ..أراقب دخان سيجارتي يرسم أجنحة بيضاء في الفراغ" تواجد المرأة الحامل مع المدخنين يضر بالجنين ويسبب الإجهاض" أضع سيجارة أخرى بين شفتيّ..أتحسس جنينا فقدته عشرات المرات ولم أعد راغبة في استعادته.. أملأ رئتي بهواء البحر..
..كل صديقاتي اللائي انتقلن للمدينة الكبيرة مثلي يمارسن التدخين ويلاحقن نوارس بيضاء خرافية..نخبيء علب السجائر في حقائب منتفخة بالكتب ونتحدث بشراهة عن قصص حب لن تكتمل ونسأل عن "المحطة القادمة" لأننا غرباء.
نتسلّى باصطياد الحواديت من شوارع لا نهتم بمعرفة أسمائها..تمضي الأيام والشباك فارغة لذا خبأت سرها عن الصديقات الجائعات للحكايا..هذا الصيد الثمين لي وحدي
..أبتسم وأنا أمد يدي إليها وألتقط علبة مناديل ولا أقوى على الكلام فقط أراقب الوشم على الذقن المدورة الصغيرة والتجاعيد المحفورة والعينين الذهبيتين..كل شيء في هذا الجسد الصغير المتكوم على الرصيف تلفه عباءة سوداء يصيبني برهبة تكاد تجعلني أفر هاربة ..
............................................................................................
أصل إلى البئر غارقة في عرقي قدماي يكاد باطنهما ينسلخ من حرارة الرمل..أغسل وجهي وأبل عروقي..البئر حدودي التي لا أستطيع تجاوزها وإلا عرضت نفسي للدفن حية في تلك الرمال، الليلة قدري معه وجهه كوجوه كل الرجال الذين يمرون على البئر، شديد السمرة والتعب..يفرغ في جوفي تأوهاته التي خبأها لأميال طويلة يريح يده المتشققه على الجسد الحار وأنا أستعد كي أواري الجسد الصغير اللدن أرض البيت
* ما يَوْجْعَك غَيْر من مات ودَانَوا عَلَيْه اللحايد.كَلاّ غَرِيْب البلادات يعَاوِد بْطُول المدَايد
............................................................................................
أغلق الكتاب مبهورة الأنفاس ..تلاحقني صورتها فأكمل قهوتي وأترك صديقاتي على المقهى دون أن أخبرهم وجهتي..تبتسم فور رؤيتها لي:
انتي اسمك ايه؟
سليمة..سليمة انشالله يا بنيتي
نضحك سويا..أمد يدي بنقودي القليلة فتمد يدها ب"لفّة" وعلبة مناديل..في حجرتي أنظر إلى لفة القماش طويلا قبل أن أفتحها تطالعني مرآة بإطار فضي، وكردان نحاسي تعلو موسيقاه عند احتكاك حلقاته المعدنية ببعضها..يطالعني وجهي في المرآة مدورا جميلا بعينين ذهبيتين واسعتين ووشم مدقوق على الذقن فأفزع وأبعد المرآة ثم أعود وأقرّبها ..أراقب وجهي ..
...........................................................................................
المزيد من رحلات البحث وعلب السجائر الفارغة والكوابيس التي أرى فيها سليمة بعباءتها السوداء المطرزة بخيوط الحرير تلفها النار.. أحيانا نتبادل الأدوار .. فتحرق النار جسدي بينما تمد لي سليمة يدها بعلب المناديل وتطلب مني أن أجفف عرقي!
..بطني المتكوّرة تجبرني على إيقاف رحلات البحث عن سليمة التي اختفت ..صديقاتي يرفضن مجاراتي في البحث عنها ويلعنون كتب الساحرات التي أكلت رأسي ويشرحون لي لماذا تبدو ملامح وجهي غريبة "البنت بتخلّلي أمها حلوة.. !
وجهي يزداد شبها بي..سليمة ذهبت إلى البئر..يهمس لي الصوت بينما أسمع أولى صرخات جنيني..!

*من أغاني الرحى
تعليق نقدى بقلم: محمد العبادى
يطالعنا النص بشخصيته الرئيسية و هي غارقة حتى أذنيها في عالم كابوسي . هي المثقفة الغريبة عن المدينة الكبيرة, و المغتربة عن كل ما يحيط بها, مغتربة حتى عن جنين بداخلها.
لغة السرد المستخدمة في النص وطريقة تقسيم المقاطع غلفا النص بغموض يوازي غموض العلاقة بين صائدة الحكايات وبين سليمة ذات الملامح البدوية والطباع الغامضه, هي علاقة أقرب الى التماهي أو توارد الخواطر, مثال على تماهي الشخصيتين هو الفقرة الوسطى "أصل إلى البئر..." التي قد تحيرالمتلقي حين يحاول أن ينسبها إلى أي من الشخصيتين.
من اللافت للنظر الغياب الكامل – ربما المتعمد – للرجل عن تفكير الراوية, حتى حين يقودها تيار الوعي لتذكر الحمل والجنين لا نجد أي إشارة للأب, وربما كان فقدان الرغبة في الأمومة هو انعكاس لمرارة قديمة تجاه الأب, وربما تجاه الرجل بشكل عام.
رغم أن الغموض هو عنصر أساسي في النص, إلا أنه وصل في بعض المقاطع إلى حد التعمية والإبهام, خصوصا في النهاية المباغته, وفي المقاطع المنسوبة الى أغاني الرحى و البحث عن دلالتها.
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 9 نوفمبر2010)
***********************
عاملة ايه ؟
قصة: سحر الأشقر

هاتفتها ..

- عاملة ايه ؟
- الحمد لله .. لكننى أريد منحة من الله .

وقع الكلمات على قلبى , كان سبباً فى انبثاق صورة قديمة , لأولاد وبنات يمشون بحيوية ونشاط , يحملون فى

أياديهم حقيبة الأقلام وكارنيه الجامعة , كنتُ أحمل أنا الأخرى أقلامى والكرنيه , وبأحشائى نقرات تؤشر , بقرب لحظة مخاض , تشد قدمىّ للأرض بأشواك , تمنعنى من اللحاق بمن سبقونى للخيام المُجهزة للامتحانات, رغم المذاكرة والسهر والمعاناة , الأسئلة غير متوقعة , بعد طول انتظار ودعاءات تستجدى النجاح .. ظهرت النتيجة مُحملة بدور نوفمبر , ويدى تحمل طفلتى بعد ولادتها بأيام قليلة .. أضعها بجوارى.. أبدأ المذاكرة .. كأنها تغار من أوراقى .. تبدأ وصلة البكاء التى لا تنقطع .. أحملها .. أهدهدها .. أطعمها .. ترتاح بصدرى.. أتمدد بجوارها .. يغلبنى ضعف امرأة ما زالت بفترة النفاس .. يداهمنى النوم .. أغلق الكتب .. يتسرب الوقت من بين يدى .. يأتى موعد الامتحان .. فى هذه المرة .. الأسئلة كلها مما توقعته , وذاكرته بالدور الأول .. أبحث عن الإجابة .. لا أجد .. البعض مشوش , والآخر ليس له أثر .. تلحظ المراقبة دموعى .. تحدثنى برفق..
-عاملة ايه ؟
- الحمد لله .. لكننى أريد عدل الله .
تظهر النتيجة , أقدم أوراقى , أستلم عملى , فى نفس المكان الذى أجلس فيه الآن , بمكتب الإدارة , أهاتف ابنتى , أطمأن عليها وهى تستعد للإمتحان بنفس المادة , التى أبكتنى فى الماضى , ويدى الآ خرى توقع على بعض الأوراق , تحت اسم المدير العام .
تعليق نقدى بقلم: محمد العبادى
"عاملة إيه؟" في العادة هو سؤال تقليدي وبسيط, لكنه في هذا النص ليس بهذه البساطة, استطاعت الكاتبة أن تحول "عاملة أيه" هنا الي ما يشبه الزناد الذي استجاب لأبسط ضغطه ليطلق تيار الذكريات في عقل الشخصية الرئيسية.

(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 9 نوفمبر2010)
*********************
السوبر يكسب
قصة: منى سالم

مع قدوم مولد أبى النور كان بعض الباعة يزحفون ويفترشون الأرصفة على مدار اسبوعين وأنا اتفقد المنطقة يومياً.. وأرى بطول محطة الظاهرية حتى منطقة الحجر بالقرب من شركة النحاس تسير جماعات على هيئة حلقات الذكر وهى تردد مدد.. مدد.. حى.. كثر الباعة هذه الليلة.. طراطير.. صفافير قربوا يا ولاد
امتلأ الملعب عن آخره.. أضيئت الأنوار على أتم استعداد.. انطلقت الصفارة حلوه.. حلوه.. حلوه يا ولاد: خليكو مع بعضكم: إيد واحدة.. قرب شوف الساحر العجيب كده بص كده راحت.. حط إيدك فى جيبك يا استاذ تشوف العجب.. جوون.. جوون يا خسارة.. جات فى العرضة لسه يا ولاد الوقت بدرى سلاسل.. غوايش.. حاظاظه.. الخرزة الزرقاء تمنع الحسد
المولد هذه الليلة خال من الشباب.. الفتيات متجملات ملابسهن الاستريتش والبادى والجينز الملون.. (أى الدرتى) كأنهن فرسات فى الصاعقة فى أيديهن الموبايلات.. أعطينى الرنه السوبر يا جميل.. صوت يدوى.. ياه..ياه.. يا خسارة مع الشوطة الثانية.. يا واد يا لعيب.. حلوة أوى.. مع الطبلة والطار ترن الصاجات والأصوات.. الله حى.. الله حى.
قبل أن أسلك طريقاً آخر علا صوت ينادى قرب التوكه بنصف جنيه.. مسطره براية بنصف جنيه.. 2 قلم بنصف جنيه.. لوازم المدرسة كل حاجة بنصف جنيه.
والمراجيح تلف وتدور.. ريقى سال وأنا اتشمم رائحة الترمس وحب العزيز هات يا عم بنصف جنيه.. كان زمان وجبر.. الكيس بواحد "ون" أى جنيه، فين زمان.. حب العزيز الربع بقرش.. بكره تغنوا له حب العزيز.. بواحد "يورو" تركته واشتريت غزل البنات.. سكر نبات.. وكانت البنات فى المولد عرايس حلوين قوى.. طعمين قوى امتلأت القهوة على آخرها بالشبان.. والكل صاح جوون.. جوون بركلات الترجيح. السوبر يكسب.
تعليق نقدى بقلم: محمد العبادى
اعتمد بناء النص على خطين أساسيين .. بالأصح مجالين للاهتمام, الأول للفتيات المنفردات بالمولد, بينما الآخر للشباب المتجمعين على المقهى المجاور يشاهدون مبارة كأس السوبر.
بدأ النص بتحديد المكان والزمان, مولد أبو النور بالظاهرية من جهة, والملعب الممتلئ بجماهير الكرة, ينقله تلفاز المقهى إلى قلب المولد , وبين هتافات البائعين من جهة, وشباب الكرة من جهة أخرى, تدخلنا الكاتبة في الجو العام لتلك اللحظة, معتمدة على الأصوات في البداية لتجذبنا الى قلب القصة.
سرعان ما تنقلنا الكاتبة من وصفها للصوت الذي يبدو محايدا, الى وصف الصورة التي تشعر أنها تعمدت جعله أقل حيادية , يتضح ذلك تحديدا في وصفها للفتيات بشكل يحتوى على كثير من الاستهجان المختفي خلف تشبيهات بريئة, رغم ملابسهن المثيرة إلا أنهن بَدَوْن للراوي أقرب لخشونة "الصاعقة" منهن إلى أنوثة الفتيات المتجملات, كذا في الحوار بين الراوي وبائع الترمس الذي امتلأ بالحسرة على زمن مضى.
على الرغم من قصر النص إلا أن الكاتبة نجحت في رسم صورة حيوية للمولد بتفاصيله المتعدده , لكن العنوان– رغم طرافته – بدا غير مرتبط بالنص, فلا علاقة تجمع بين العنوان والنص إلا الجملة الأخيرة, وهي جملة من غير المعتاد سماعها في سياق مباريات الكرة.


(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 9 نوفمبر2010)
*****************
مشروع كاتب..
قصة: إبراهيم رفاعي
انتصف الليل .. آويت للفراش طالبا النوم دون جدوي.. اتخذت كل الأوضاع الهندسية وصولا للـــــنوم ....... أبــــــدا !!
الثانيه صباحا ..الثالثه .. لا جدوي ؟!!
قلت لنفسي: كن فطنا وخطط لتنام .. امسك بكتاب واقرأ ثم اقرأ... إلي أن تنام .
المصباح أضيء .. الكتاب لابراهيم أصلان " خلوه الغلبان " قرأت وقرأت .. قلت لنفسي: " ياه دي بسيطه خالص " ..
وراقت لي فكرة أن أكون قصاصا مثل.. إبراهيم أصلان أو يوسف إدريس .. ثم تراجعت وقلت لنفسي: خليك زي إبراهيم أصلان مبدئيا، ثم فكر في منافسة يوسف إدريس في مرحلة تالية "هيروح مني فين؟". كن فطنا! قلت لنفسي .
واستجمعت قواي متمتما: ما الفرق بينك وبين سي.. إبراهيم أصلان.. الشعر ممكن أنكشه.. ومسأله الشارب.. أمر غير جوهري , مسحت علي رأسي، راقت لي الفكرة.. القلم الرصاص أصبح له سن مدبب ليكتب معاني رقيقه محدده .. الأوراق البيضاء أمامي طرحت مستسلمة لموهبتي الوليدة.
وبدأت أكتب : "......ذات مساء ........ "
وعند أول ضوء:.. القلم .. والأوراق .. ملقاة علي أرضية الغرفة.
بينما جرس المنبه يعلن عن نهار جديد.. ومولد كاتب.. لم يكمل سطره الأول بعد...!!
تعليق نقدى بقلم: محمد العبادى
نص بسيط وخفيف الظل عن نائم قرر أن يكون كاتبًا, منبع خفة الظل في هذا النص هو عرض الكاتب لطريقة تفكير شخصيته, تذكرنا بمقولة ابن المقفع عن الأحمق الذي يظن في سهولة كتابة الأدب, وكان اختيار "إبراهيم أصلان" صاحب الكتابة السهلة الممتنعة ملائما , ليعطي الإيحاء لصاحبنا النائم أن الكتابة أسهل مما يمكن, ومن أظرف ما دار في رأسه تقسيمه الكتاب إلى مستويات أقرب إلى ألعاب الفيديو, حيث يضع أصلان كمرحلة أولى, يليه إدريس .. وهكذا... جاءت لغة النص مناسبة جدا لطبيعة الشخصية, كذلك اختيار جملة تقليدية للغاية كجملة افتتاح قصته المزعومة "ذات مساء", وينتهى القصة باكتشاف المؤلف الناشئ طريقة جديدة للهروب من الأرق, هي الكتابة وليس القراءة !
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 9 نوفمبر2010)

********************



الخميس، 4 نوفمبر 2010

الأديب الجزائري واسيني الأعرج في مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية


الأديب الجزائري واسيني الأعرج في مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية
يستضيف مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية يوم الثلاثاء الموافق 23 نوفمبر الجاري الأديب الجزائري العالمي واسينى الأعرج، حيث يتحدث عن مشواره الأدبي وأهم أعماله، ورؤيته وتجربته الأدبية.
وصرح الدكتور خالد عزب؛ مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية، أن استضافة الأديب الكبير واسيني الأعرج تأتي كجزء من الاهتمام بالثقافة الجزائرية وأدبائها ومثقفيها، خاصة أن الدكتور واسيني الأعرج له بصمة واضحة على الحياة الثقافية العربية، ومن هنا جاءت أهمية وجود حوار مفتوح بين المثقفين المصريين وهذا الأديب العالمي.
وقال الأديب منير عتيبة؛ المشرف على مختبر السرديات، إن اللقاء سوف يتضمن عرضًا مصورًا لمسيرة الدكتور واسيني الأعرج، يليه تقديم دراسة عن رواية "مسالك باب الحديد"، ودراسة أخرى للدكتور أحمد المصري، ثم يدلي الدكتور واسيني بشهادة عن مشواره في الكتابة، وفي نهاية اللقاء سوف يتم فتح الحوار والمداخلات بين الجمهور والأعرج.
الجدير بالذكر أن واسيني الأعرج من مواليد عام 1954 في تلمسان بالجزائر، وهو روائي يشغل اليوم منصب أستاذ كرسي بجامعتي الجزائر المركزية والسوربون بباريس، ويعتبر أحد أهم الأصوات الروائيّة في الوطن العربي. تنتمي أعمال واسيني، الذي يكتب باللغتين العربية والفرنسية إلى المدرسة الجديدة التي لا تستقر على شكل واحد وثابت، بل تبحث دائما عن سبلها التعبيرية الجديدة والحية بالعمل الجاد على اللغة.
وفي عام 1997، اختيرت روايته حارسة الظلال (دون كيشوت في الجزائر) ضمن أفضل خمس روايات صدرت بفرنسا، ونشرت في أكثر من خمس طبعات متتالية بما فيها طبعة الجيب الشعبية، قبل أن تنشر في طبعة خاصة ضمت الأعمال الخمسة. وحصل الأعرج في سنة 2001 على جائزة الرواية الجزائرية على مجمل أعماله، كما حصل في سنة 2006 على جائزة المكتبيين الكبرى على روايته "كتاب الأمير"، التي تمنح عادة لأكثر الكتب رواجًا واهتمامًا نقديًا في السنة، وجائزة الشيخ زايد للآداب في سنة 2007. تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية، من بينها: الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، السويدية، الدنمركية، العبرية، الإنجليزية والإسبانية.

الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

الثلاثاء 2 نوفمبر 2010م.

مبدعون سكندريون وناقد شاب فى مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية

نظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية يوم الثلاثاء 2 نوفمبر لقاءً أدبيا بعنوان "مبدعون سكندريون وناقد شاب" حيث قدم الناقد السكندرى الشاب محمد عمر قراءة نقدية فى عدد من قصص مبدعى الإسكندرية هم؛ آمال الشاذلى "المساحيق"، أسماء الشيخ "تداخلات صاخبة"، محمد عباس على "جنازة جسدى"، محمود حسن "بقايا حكايات لما جرى"، مروة الحمامصى "مثلثات ملونة".، صرح الأديب منير عتيبة المشرف على المختبر أن تنظيم هذه الندوة يأتى فى إطار حرص المختبر على اكتشاف أصوات نقدية جيدة بمدينة الإسكندرية ودعم الجاد منها.
فى تعلقه على قصة آمال الشاذلى "المساحيق" يقول الناقد الشاب محمد عمر تعتمد القاصة على المفارقة القصصية ، وكما تعمل المساحيق على تغيير الدلالة الحقيقية للشكل، يوضح النص الفجوة بين الدال والمدلول، الشكل الزائف ومدلوله الحقيقى من خلال تصوير مشهد من الحياة الاجتماعية وثمة رمزية تجدها بين ثنايا النص تحيل إلى الأنساق المجتمعية السائدة. وعن قصة أسماء الشيخ "تداخلات صاخبة" يقول تعمد القاصة أسماء الشيخ إلى اللعب بالعلاقة بين الراوى والمروى له عن طريق خلق ما يعرف بـ"القارئ فى النص"،مروى له افتراضى، يعابث الراوى، يتهمه بالقسوة، والتعاسة، وينتقده.. "أتسمعنى أيها الراوى التعيس" "قاسيا أنت أيها الراوى" ، هذا القارئ هو مروى له ويعتبر مجرد أداة بلاغية ووسيلة للسيطرة على استجابة القارئ الحقيقى الذى يظل خارج النص، وتكثيف تلك الاستجابة، مما يعود علينا نحن القراء الحقيقيين بالمتعة والنفع. ويرى أن محمد عباس على استخدم فى قصته "جنازة جسدى" أسلوب القصة المجازية ( الأليجورى)، وهى شكل متخصص من السرد الرمزى، وتنحو الأعمال التى تستخدم هذا الأسلوب إلى أن تكون قصصا تعليمية أو تهكمية مثل "رحلاث جليفر" لجوناثان سويفت و"مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل، ولكن فى هذه القصة تحدث المراوحة بين اليقين والشك، ويحاول الكاتب إضفاء نوع غريب من الصدق على واقعة خيالية: رجل قادم من جنازة جسده، يعيش روحا بلا جسد، لكنه ينتظر حتى يتأكد من الزوجة التى تحمل تضمينا معينا بوصفها حاملة اليقينيات، إلى أن يقابل أعرابيا فى الصحراء-وهى تيمة أليجورية تتكرر كثيرا- فيخبره أنه لم يدفن جسده بل روحه. ويرى أن محمود حسن فى قصته "بقايا حكايات لما جرى" أضفى على الانتقال الزمنى مظهرا طبيعيا بوصفه من عمل الذاكرة، عن طريق تقديمه لتيار وعى شخصيته الرئيسية، لكن المونولوج يأخذ شكل مساءلة للذاكرة من جانب الراوى الذى يتحدث بضمير المخاطب و ينثقى من الذاكرة ما يريد، وينتقل من مرحلة من المراحل الحياتية إلى مرحلة أخرى . الراوى هنا يعرف القصة بأكملها. وأخيرا يقول الناقد السكندرى الشاب محمد عمر عن قصة مروة الحمامصى "مثلثات ملونة" تسعى الكاتبة – عن قصد أو دون قصد- إلى تفكيك عملية التلقى لدى القارئ، بوضعه أمام فرضية النص ، ودفعه من خلال السرد إلى قبولها، فيدخل إلى عالم النص والكاتبة بمحض إرادته الحرة ، جو النص السريالى لا يحده المنطق الذى يسود حياتنا الواعية، وسريالية النص تجعل الاستعارة تصبح هى الواقع، وتطمس عالم العقل والإدراك العام، و يشبه النص عالم الحلم حيث يعمل اللاوعى على كشف الرغبات والمخاوف الدفينة على هيئة صور حية وسياق سردى، لكنه جاء مبثسرا على نحو ما.
أما القصص ونقدها بالتفصيل :
تداخلات صاخبة
قصة: أسماء الشيخ

يستند "هو" على القصور الذاتي للزمن. يتحرك لا إراديا لمروره. فمثلا عندما تحتم على الشمس البقاء مرتفعة تحديدا فوق شرفته بالدور الخامس ؛ ترك فرشته الساخنة ليكمل نومه فوق مقاعد أكثر برودة من المشروع للمكتب للمشروع مجددا.........
في الثانية ظهرا يقف مضبوطا في الموقف بفعل توازن قوتين .....الزمن الدافع لأحداثه والجاذبية التي تلصقه أرضا. فلو تخلى الزمن عنه لسقط ولو رحلت عنه الجاذبية لطار.......
* * *
حسن لا يمتلك منبه ولا نتيجة. يتعرف على موعد استيقاظه من تلون سقف الحجرة بألوان غسيل الجيران التي تعكسها الشمس. أما يومه فيحدده نوع القميص المكوي إلى جواره. الطريف أن الجمع في عمله يضبط ساعاته على وصوله وعلى الخمس دقائق تأخير الملازمين له ؛ لكنه غير مهتم فليلوم المدير الشمس أو الجيران يوم غسيل الأبيض.
* * *
مرحبا.......أتسمعنى أيها الراوي التعيس؟. أنا لا أفهمك. أجدك معقدا بشكل مرهق. تهت في دورانات جملك. تحاول أن تكتب أدبا بشكل علمي؛ وغفلت أبسط نقطة علمية متفق عليها.... وهي أن أسرع طريق بين نقطتين الخط المستقيم وعليه اختصارا لحبر قلمك ولوقتي.....حسن خامل وكسول يقضي يومه نائما مستسلما للأحداث غير مبال لها..... و انتهينا.....ما علاقة هذه البساطة بالزمن والقصور الذاتي والشمس المحتم عليها البقاء عالية؟؟؟؟
* * *
من جميع ال "هو" الذين يتحركون لا إراديا اخترت حسن ...ويمكنني أن أطلق على هذا الاختيار " إحياء بالتسمية" ....
فعندما تجلس في ساعة صفاء على التجارية؛ تتذكر رتابة الحياة؛ تنفثها دخانا من شيشتك التفاحة ؛ ستلمع في ذهنك صورة رَجُلي ال " هو" معتمدا على الزمن الدائر يحركه دون رغبة أو اختيار. سيؤلمك كم الأيام التي أجبرتك فيها الشمس على الاستيقاظ لأنها عالية في السماء؛ في الفراغ البارد . تغار منك في فرشتك الساخنة التي استمدت دفئها من دفء جسدك النابض.....لكن "هو" في الجملة ميت بلا شهادة ميلاد أو رقم قومي. أما "حسن" كاسم آدمي ....حيُ ينبض.
قد يكون اسمك حسن أو لا ؛ لكنك بعد أن تنهي الشيشة وتأخذ خلاصتها ستقول بملء فمك ....هو حسن وأنا حسن ....وأنا حسن.
* * *
إحياء بالتسمية.....يا أيها الراوي الحكيم تحية...... تبدو لي حزينا مدعي. اتبعني من فضلك فوق الصراط المستقيم لتصل.ما حدث أن الاصطلاح أعجبك فلا تلف بجملك القصصية حول عقلي . واكتب مقالا عن الأبطال وأسمائهم ؛ وعن الآخرين " اللى ماتسموش" ولتثبت فيهم نظرية الحياة من عدمها....لأنك أرهقتني فعلا.
* * *
حسن يستيقظ ليلا تتسع حدقته ؛ وتعيد ترتيب المشهد . لا يرتدي ليلا القمصان المكوية ؛ فقط معطف جلدي على لحمه مباشرة يغلقه لذقنه ويخرج. وفيه يستمع لفرق ساخطة تغني للفقر والفقراء . تُنَغّم كلماتها جيتارات غالية الثمن. يتمايل وتمتلىء لحظته بجوع الفقراء وبالموسيقى العالية. يفكر في الله وأسمعه.....
مساء الخير يا الله.....وهبتني نبضا وأذن. أما أمي فأعطتني اسما . لو نسيت أمي تسميتي لما استطاع حسام أن يناديني الآن . لقال " يااااااااااا...." و لرد عليه أى " يا " غيري ؛ ولاسترحت حينها من لزوجته. سامحك الله يا أمي .....رددت على سؤاله عن الحال بالحمد ورد حسام ب"عايش". أ ..كُل من اسمه حسام "عايش"؟... أ....كُل من اسمته أمه حسن حيُ؟ أيختلف الأمر لو أبوه هو من أسماه؟ سيبدو الاسم أكثر جدية لو اختاره رجل. للرجل دوافع عقلانية وللنساء العاطفية بشكل حصري...خاصة الأم بعد الولادة....
مضغوطة أمي بولدين قبلي لذا أرادتني بنتا. خذلتها فلم تعترض نظرت لي مستسلمة بعد إنهاك الطلقات الدافعة ؛ وقالت " حسنا ...لا بأس" فصرت أنا حسن ولو جاءت بولد آخر بعدي لأسمته " لا بأس" لكنها هرمت ككل الأشياء......
* * *
قاسيا أنت أيها الراوي ومولعا بالسببية. تحكي لنا عن هرم أمه كهرم الأشياء ؛ نصيحة لا تنطق بكبر أنثى في وجودها؛ لأنك لن تحتمل غضب السنين المصبوب عليك . تُعلل رغبة الأم في بنت.....لكن صدقني أمتع رغباتنا غير المبررة ؛ ربما أرادتها وحسب. و الآن أخبرني أتدعه يُحَيّي الله بتحية الجاهلية؟ فلتترك الله عاليا في سمائه ولتنهي أولا أوجاع حسن اللامتناهية. تنساق وراء زياراته المتكررة لجراج الجزويت ؛ لعلمك لا أكثر..... أحبه أيضا وأمتنع أحيانا عن الذهاب .... فلتخبره أن الجزويت ليس مكانه الأمثل ليموت فيه.....

قراءة نقدية بقلم/ محمد عمر
تعمد القاصة أسماء الشيخ إلى اللعب بالعلاقة بين الراوى والمروى له عن طريق خلق ما يعرف ب "القارئ فى النص"،مروى له افتراضى، يعابث الراوى، يتهمه بالقسوة، والتعاسة، وينتقده.. " أتسمعنى أيها الراوى التعيس" "قاسيا أنت أيها الراوى" ، هذا القارئ هو مروى له ويعتبر مجرد أداة بلاغية ووسيلة للسيطرة على استجابة القارئ الحقيقى الذى يظل خارج النص، وتكثيف تلك الاستجابة، مما يعود علينا نحن القراء الحقيقيين بالمتعة والنفع.
تتضافر مع هذة التقنية تيمة "استباق الانتقاد" وهى من خواص الكتابة عن الكتابة أو الكتابة عن عملية الخلق الفنى ذاتها وما يصاحبها من صعوبة، حيث تستبق القاصة النقد الذى قد يوجه إليهامن قبل القراء "أجدك معقدا بشكل مرهق"، "تهت فى دورانات جملك"، " لا تلف بجملك القصصية حول عقلى" .. وسيلتها فى ذلك: القارئ المفترض داخل نصها..
تبرز الكاتبة فى قصتها الهوة بين الفن والحياة، تلك الهوة التى تسعى الواقعية إلى الإيهام بإخفائها. وتبين أن العمل القصصى بناء لفظى أكثر منه شريحة من الحياة، لغة النص جمالية وذاتية فى آن ومستولدة من لغة العلم التى تتسم بالعموم والتجريدية، الأشياء فى النص تكتسى بالحياة وبوجودها الخاص، نجحت أسماء الشيخ فى أن تصنع اصطلاحها الشعرى الخاص بها من مفردات مشاع وتجريدية وخالية من الإيقاع والنغمة الشعرية.


(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 2 نوفمبر 2010)
********************************
المساحيق
قصة: آمال الشاذلى

تحت سطوة الشمس الحارقة ؛ أفرغ العمال الناقلتين العملاقتين من أحشائهما أمام عقارنا المنسى ، و قد هالنى فخامة الأثاث وذوقه الرفيع .
لذا شددت على أفراد عائلتى بعدم التقرب أو التودد من أفراد تلك العائلة، لأحفظ على أسرتى نعمة الرضا بما قسمه الله لنا؛ و كذلك أحمى نفوسهم من التطلع لما قسمه للآخرين .
***************
طرقت المرأة الوافدة بابنا؛ اقتحم أريج عطرها أنفى ؛ نهلت عيناى من سمرتها التى تسر العين ... روحها سحابة ندية متسحبة فى طلاوة مظللة النفس برذاذ سحرها، افترشت البشاشة وجهى على غير العادة ! انطلق لسانى بعبارات الترحيب........ ؛ و بصوت أخذتنى نبراته المنغمة ؛ سألتنى عن "المدام ". صحت على زوجتى دون أن أبرح مكانى وقد أدهشها الود والترقق المصاحبان لصوتى.. مما شجعها على الاحتفاء بالمرأة... همست لزوجتى ببعض العبارات ... احمّر وجهها؛ انتابنى الحرج ولكن هيهات أن يزحزحنى عن موضعى!
اختفت زوجتى من ذلك المشهد ثم عادت حاملة؛ قنينة زيت .. سكر .. أرز بل و لحم أيضاً! الأغرب فى الأمر أننى لم أبد أدنى اندهاش أو امتعاض.... رضاء تام !!!! مضت جارتنا تاركة أريج عطرها يبرطع فى فراغات أنوفنا ولم أنس أن أعيد على أفراد أسرتى ما سبق وأن قررت "لا اختلاط ".
**********
فى اليوم التالى زارتنا زهرة يانعة لا تقل رقة وعذوبة عن أمها؛ هللت أساريرى لرؤيتها؛ هتفت على ابنتى التى لم تستطع أن تخفى ارتباكها من أمرى؛ رحبت بها ثم اختليا بأحد الأركان؛ تهامسا .. مرت دقائق وقفلت الحسناء عائدة قابضة على أفضل ما لدى ابنتى من ثياب !!!! وبنبرات رخوة "لا اختلاط " .
****************
أثناء صعودنا وهبوطنا درج العقار المتهالك تتقابل الوجوه باسمة راضية وهذا أجمل ما يميز تلك العائلة، ذلك البشر الذى تفيض به وجوهها والسحر المتدفق من أفواهها خاصة الأب الذى لم أستطع أن أرفض له سؤالا كلما مال على أذنى هامساً بأدب جم "ولو عشرة جنيهات" .
صارت زوجتى لا ينزلق لها لقمة إلا وكان للمرأة نصيب منها، تولى ابنى صيانة سيارات أفراد العائلة مغموراً بابتسامة الأبنة الندية، أصبح سكان العقار يتبارون فيما بينهم من أجل إسداء الخدمات والعطايا!!!

قراءة نقدية بقلم/ محمد عمر
تعتمد القاصة على المفارقة القصصية ، وكما تعمل المساحيق على تغيير الدلالة الحقيقية للشكل، يوضح النص الفجوة بين الدال والمدلول، الشكل الزائف ومدلوله الحقيقى من خلال تصوير مشهد من الحياة الاجتماعية وثمة رمزية ثجدها بين ثنايا النص تحيل إلى الأنساق المجتمعية السائدة.

(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 2 نوفمبر 2010)
**************************************
جنازة جسدى

قصة: محمد عباس على

عاشر يا ابن أدم مهما تعاشر ..هكذا قلت لنفسى بعد أن قفلت راجعا من آخر مراسم دفن جثتى ..لم يكن حزنا ما بى ، فالأحزان ما عادت تؤثر كالسابق علّى، لكنها العشرة والمعرفة الطويلة ، وأحداثا مرت وأحداثا عاصرناها معا فى الخيال ، وتمنينا أن لو تحققت ..أشياء كثيرة سرت أفكر فيها ، وأنا أعاود التساؤل المرة تلو الأخرى ، عن كيفية الحياة الجديدة التى سأحياها بلا جسد ، وكيف تكون؟ على الأرض أم فى السماء ؟ وإن كنت الآن أسير وأتحرك، وأمضى قاصدا منزلى الكائن هناك على أطراف الصحراء ، حيث أخترت أن أقيم بعيدا عن ضوضاء المدينة ، وقلبها الذى أصبح معتما ..الروح على ما أعرف لا تسير ، بل تطير أو نحو ذلك .. وهى خفيفة ..أخبرتنا الأخبار عنها أنها لطيفة .. دخلت الجسد غصبا وتغادره غصبا .. لكننى لم يحدث لى أى من هؤلاء ! فأى الأرواح أنا، شقى أم سعيد ؟.. ارتطمت قدماى بحجر .. تألمت .. زاد عجبى ..هل الأرواح تتألم للمسة حجر ؟..أكملت سيرى قاصدا أن أعود إلى البيت ، فأقصص روايتى على زوجتى ، وأسمع منها المفيد ، فهى رغم أنها تعليم متوسط وأنا تعليم فوق العالى بقليل أستمع لرأيها ، وأنفذه فورا ، ليس لخوفى منها ، ولا هو تحيز لها ، ولا قلة شخصية منى فأنا شخصيتى قوية جدا بشهادتها - شهادة زوجتى - ولكنه تعود تعودته منذ سنين ..إذا ألّم شىء بى عدت إليها فأعطتنى المفيد ، وهكذا.. أكملت السير .. رأيت أعرابيا قادما على البعد.. قلت لن يرانى وهذا شىء طيب .. هؤلاء الناس لم يعد لديهم ما كان لهم طوال دهور طوال.. خاصة أيام الرسالة الأولى.. جاورنى الرجل ..قال :-
- السلام عليك
قلت متعجبا :-
- أنت ترانى ؟
قال بهدوء واثق :-
- نعم
قلت:-
- كيف ؟ ..أنا عائد لتوى من جنازة جسدى فكيف ترانى ؟
تبسم الرجل العجوز عن فم أثرم ابتسامة هى إلى البكاء أقرب وقال :- ..يا بنى أنت لم تدفن جسدك بل روحك
اهتزت المرئيات أمام عينى.. ورأيت وجهه يصير وجوها عديدة تحدق بى.. تحاصرنى.. تحصرنى فى زاوية تحت نظراتها ، لا أملك معها الا أن أصلب مقلتى على براح وجهه ، منتظرا المزيد ..قال:-
- ما أراه الأن أمامى جسد بلا روح
تذكرت الحجر ..وسيرى على قدمّى وتساؤلى ..و..قلت لنفسى لن أصدق ما قال الا حينما أعود الى البيت وأستوثق من زوجتى.

قراءة نقدية بقلم/ محمد عمر
استخدم الكاتب أسلوب القصة المجازية ( الأليجورى)، وهى شكل متخصص من السرد الرمزى، وتنحو الأعمال التى تستخدم هذا الأسلوب إلى أن تكون قصصا تعليمية أو تهكمية مثل "رحلاث جليفر" لجوناثان سويفت و"مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل، ولكن فى هذه القصة تحدث المراوحة بين اليقين والشك، ويحاول الكاتب إضفاء نوع غريب من الصدق على واقعة خيالية: رجل قادم من جنازة جسده، يعيش روحا بلا جسد، لكنه ينتظر حتى يتأكد من الزوجة التى تحمل تضمينا معينا بوصفها حاملة اليقينيات، إلى أن يقابل أعرابيا فى الصحراء-وهى تيمة أليجورية تتكرر كثيرا- فيخبره أنه لم يدفن جسده بل روحه.
يعلى النص من قيمة الشك، حيث يولد الشك التساؤل: " هل الأرواح تتألم للمسة حجر؟" .. ويطرح النص ثنائية اليقيني\الميثافيزيقي فى إطار لا يخلو من التهكمية.
وتنتهى القصة بقرار من البطل" لن أصدق ما قال حثى أعود إلى البيت و أستوثق من زوجتى" حيث يبقى اليقين وحلاوته مراد الإنسان فى نهاية الطريق مهما كان بعيدا ومهما راوغته الحقيقة .

(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 2 نوفمبر 2010)
********************************
مثلثات ملونة
قصة: مروة الحمامصى

مثلثات بيضاء تجاورها أخرى بنفسجية , رؤوسها كأسنان حادة تغرس في حلقها , تئد دموعا كادت تفر من عينيها , تخنق شهقات أكثر ما تفزعها فيها , أن تسمعها أمها النائمة بجوارها.
كأنها خزانة ملابس في سيرك , آمنت بذلك من لحظة دخولها المنزل , منذ سويعات , فوجدت أمها قد طلت خزانة الملابس باللونين الأبيض والبنفسجي , ولطخت معه ملابسها ووجهها , تعللت بأنها فعلت ذلك قتلا للملل والوحدة , بعد سفر أولادها للعمل كل في جهة , حسدتهم بل حقدت عليهم . أغمضت عينيها حتى انتصر عليها النوم .

عادت من عملها تحلم بالطعام والراحة , صدمتها مرة أخرى رائحة الطلاء , كانت أمها قد طلت هذه المرة باقي أثاث الغرفة , الفراش والمكتبة والخزانة الصغيرة وحتى الباب . كلفتها هذه المرة بإعداد الغداء وتنظيف الفوضى التي حدثت . في تلك الليلة تسامرت مع الدموع دون أن تحس بها أمها .

عادت لصخب عملها وزحام الناس في مكتب البريد , علمت بقرب زواج إحدى الزميلات وسفرها مع زوجها , أثناء رحلة العودة تمنت لو تتزوج وتترك البيت بل تسافر لمكان لا تطالها فيه يد أمها أو تسمع صوتها الآمر يصيح فيها , يكفيها مكالمة تليفونية كل ثلاثة أيام، لا بل كل أسبوع , لن تزورها إلا مرة واحدة كل عام يكفيها أسبوعان، لا بل أسبوع واحد .
لاح البيت أمامها , حاولت استجماع شجاعتها والتصريح بأن الحجرة أصبحت لا تطاق . تراجعت بعد أن تذكرت أنها لمحت بذلك أول يوم فأخذت نصيبها وزيادة من التوبيخ واللوم والصوت العالي .
دخلت المنزل فوجدت المثلثات الملونة , والأم تزداد ابتهاجا تقف أمام كل حائط وكل قطعة أثاث , وتمدح ما فعلته .

تسربت الألوان إلى باقي شقق البناية , تظهر الألوان والمثلثات على أبواب الشقق الأخرى , فتمر بجانبها بحذر .

انتقلت أيضا إلى ما بين الشقق , فتصعد السلم وتهبطه دون توقف . مدخل البناية أيضا تصيبه العدوى .

في الأفق تلوح بناية ثم أخرى بنفس الألوان والمثلثات . في العمل قاموا بأعمال الطلاء فتكررت العملية .
في التليفزيون ديكورات البرامج والمسلسلات والأفلام أصبحت كذلك ,

الميادين العامة , مكاتبات العمل , خلفية جهاز الحاسب الآلي ,الختم في يد زملائها , محلات الملابس ,... تماشوا مع أحدث صيحة .
طوفان اجتاح كل ما حولها , حتى أذيع الخبر بتغيير علم البلاد لمثلثات بيضاء وبنفسجية .

أثناء عودتها من العمل كانت إحدى السيارات المدهونة بالألوان الرسمية جاءت مسرعة , فاضطرت للصعود بسرعة على الرصيف , فاصطدمت بدون قصد بالحائط , انغرزت رأس مثلث أبيض في ذراعها فأدمى.

قراءة نقدية بقلم/ محمد عمر
تسعى الكاتبة – عن قصد أو دون قصد- إلى تفكيك عملية التلقى لدى القارئ، بوضعه أمام فرضية النص ، ودفعه من خلال السرد إلى قبولها، فيدخل إلى عالم النص والكاتبة بمحض إرادته الحرة ، جو النص السريالى لا يحده المنطق الذى يسود حياتنا الواعية، وسريالية النص تجعل الاستعارة تصبح هى الواقع، وتطمس عالم العقل والإدراك العام، ويشبه النص عالم الحلم حيث يعمل اللاوعى على كشف الرغبات والمخاوف الدفينة على هيئة صور حية وسياق سردى، لكنه جاء مبتسرا على نحو ما.
وقد تكون العلاقة المتوترة بين الأم وابنتها هى التى تدفع الراوى إلى هذا الخلط بين الصور القاسية والمتنافرة وبين الصور العادية والطبيعية.
وبنية التوتر فى العلاقة بين الأم وابنتها قد يكون مرجعها قلق الأم، وقيامها بالدور الذكورى فى المنزل، أو عدم قدرة الابنة على التوحد مع الأم، التوحد بمعناه الفرويدى: التحول على مضض إلى الأم بعد الفشل فى إغراء الأب، وقيامها بدورها الأنثوى.
تصلح حالة التوتر أو النفور لدى الابنة كمدخل لعمل اللاوعى فى تحويل المخاوف والرغبات إلى سياق النص السريالى.


(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 2 نوفمبر 2010)
**************************
بقايا حكايات لما جرى

قصة: محمود حسن

افترشت أرض البيت، أمسكت ثمار الخرشوف تجرد عنها أوراقها، من على مقعدك بقيت تراقبها بنصف انتباه ، وتذكرت جلستك بجوارها صغيراً، تعطيك ثمرة، تطلب منك نزع الأوراق عنها، وتغريك بأكل الطرف الأبيض في الورقة المنزوعة، كدت أن تـُذكرها بهذا، لكنك لم تجد رغبة حقيقية أن تفعل، فصَمًّت.
أصغر أخوتك كانت تجلس قريباً، طلبت أمك منها المساعدة، رفضت، تكلمت أمك غاضبة عن " البنت الشاطرة"، "عمايل البيت"، "الجواز"، أبوك بقي صامتاً، وأنت سرحت في كلماتهم، شعرت لوهلة أنها كلمات غريبة عنك، وأن مفردات كهذه لا تنتمي لعالمك، احسست بشيء من حزن، لمحت أمك شرودك بنصف عين، لكنها تشاغلت عنك بالخرشوف، تمتمت بكلمات لم تتبينها، وأبوك ظل صامتاً.
كعادتكم حملقتم في مؤخرة الموظفة الجديدة حين مرت، جارك في المكتب مازح آخر وقال " دي بقى مسيحية، مش حينفع تحبها زي اللي فاتوا"، ضحكتم ، ضحك هو أيضاً، لكنك حين لمحته بعد لحظات بطرف عينك وجدته واجماً، أنحنيت على جارك تقول إن الكلمة أوجعت صاحبنا، أشاح برأسه وقال" أحسن .. أصل ده رومانسي حقير، وممكن يحبها فعلاً " .. "أنت ناسي بيعمل أيه مع كل بنت " ، هززت رأسك موافقاً ، ورد هو بتعقل مصطنع " ما ينفعش الواحد يبقى سايب نفسه للعواطف "، وأنت رددت " آه .. كل حاجة بالعقل "، لكنك بعد قليل أبتسمت نصف ابتسامة باهتة، وقلت لنفسك وأين كان عقلك يا أبو عقل؟؟، كنت حين تريد العودة إلى بيتك تركب إلى محرم بك، لم تكن تسكن هناك، لكنك كنت تأمل أن تصادفها مرة في المواصلات أو عند بيتها، وكالعادة لا تلقاها، وتعود خائباً تمشي حزيناً في "أمير البحر"، وتقطع "أمبروزو" بأكملها سيراً، متجهاً إلى بيتك في "كابو"، وفي المرات التي تراك فيها أمك من جلستها في البلكونة قادماً من ناحية فيلات " فيني" كانت تقول لك " جاي من ناحية الفلل ليه " فترد "أبداً كنت بتمشى "، وهي تنظر نحوك بريبة وتقول " هوا اللي بيتمشى يتمشى ناحية عزبة الصفيح ؟؟ ".
هل تنتهي ؟ لا لم تكن تنتهي، تكرر هذا كل يوم دون أن تستسلم يوماً واحداً، ..نظرت لجارك في المكتب وقلت .. " صح .. أوسخ حاجة إنك تسيب نفسك لعواطفك" ، تعجب قليلاً لأن الحوار أنتهى بينكما منذ زمن، هز رأسه موافقاً ثم عاد لعمله.هل تذكر يوم خطبتها؟؟ يوم وقفت تحت بيتها تلمح الأنوار الملونة تضيئ وتنطفئ، تتأمل وجوه اقاربها ومظاهرهم المتأنقة ،.. هل بكيت يومها ؟؟ لا لم تبك .. سببت "ميتين" أبوها في سرك ألف مرة، ونعتها بكل النعوت المشككة في شرفها، ومضيت عائداً لبيتك من ناحية عزبة الصفيح، لماذا لم تبك ؟؟ ربما لو كنت بكيت لكنت نسيتها، لكنك لم تفعل.. وكان هذا خطأً فادحاً.
قلبك كان يطرب كلما سمعت الناس تردد كلاماً عن العلاقات ومشاكلها، عن خطوبات لا تستمر، وحكايات حب مبهرة تذبل سريعاً وتنتهي إلى فشل مهين، كان الأمل يضيء بداخلك حينها، كنت ترى في فشلهم نجاحاً لك، وظللت وكما ينبغي لأحمق نموذجي تنتظر هذا النبأ طويلاً، تخدع نفسك وتقول أنك تأمل أن تتشفى فيها، تتخيل صورتها تأتيك باكية ترجو صفحك والعودة إلى رحابك، تأخذك الجلالة وتقول وأنت تتكأ على الحروف في غيظ "وساعتها حديها بالجذمة القديمة"، لكنك أبداً لم ترد التشفي، بعد السنوات التي مرت بدا لك هذا واضحاً، الآن تدرك أنك من أعماقك... من نقطة عميقة جداً بداخلك كنت تتمنى عودتها، وتعيش على أمل أن تصلح الأقدار خطأها، ظللت معلقاً بأمل لا يملك مبررات للبقاء، لم ينقطع تقريباًَ إلا حين رأيتها مصادفة في "كرموز" عند "الساعة"، مبتهجة، تفرد قمصان النوم المبتذلة على الطاولة عند البائع، وأمها واقفة تفاصله وتكاد تشتبك معه، ساعتها فقط أدركت أن الزفاف على بعد أيام،.. وأدركت كم كنت "عبيطاً".هي قالت لك .. "أوضتين وصالة يبقى مش حتجوز"، فتنازل أبوك عن الشقة الإيجار قديم التي ورثها، أخذت القرشين من صاحب البيت، وضعت على المبلغ تحويشة عمرك ودرت على سماسرة الأرض تبحث عن شقة ثلاث أوض وصالة، وكلما وجدت واحدة، كانت تحبطك بـ " لا " كبيرة، قوية وقاطعة، وتدور أنت مرة أخرى تبحث راضخاً، سنة بأكملها ظللت تبحث، وأمك تتحسر عليك حيناً وتجلدك بلسانها أحياناً، في النهاية كان الذي كان، أكتشفت بعدها أن " السكينة كانت سارقاك " كما قالت أمك، وحين أشتريت شقة أخيراً لم تكن سوى حجرتان وصالة، والمقاول وكأنه كان يعرف سرك حين قال لك " لو كنت جيت من ست شهور بس كنا بنبيع أقل بعشر تلاف جنيه ".. وأنت قلت في سرك " عشرتلاف جنيه يا بنت الكلب "، سمعها أبوك ساعتها ، ألتفت لك لكنه لم يتكلم وظل صامتاً.بكى الولد الصغير في "الميكروباص" أمامك، أمه ظلت تهدهده لكنه لم يسكت، مددت يدك ووضعتها بين أصابعه، أطبق عليها ، وصمت ينظر نحوك داهشاً، سحبت أصبعك من قبضته ومسحت قطرات الدمع الباقية على خده الطري، امتلكك شجن فظيع وسألت نفسك .. كم عمرك الآن ؟؟ ، لو كنت تزوجت أيامها لكان أبنك أكبر منه، من كل الفتيات التي امتلأت بهن حياتك أخترت هذه تحديداً، أمك كانت تقول عليها " البـت أم ضب "، وأختك كرهتها "لله في لله"، وأنت تعاركت معهم وخاصمتهم زمناً من أجلها، لماذا لم تتزوج بعدها ؟؟، صادفت فتيات رائعات حقاً، وكانت أمك تحضر صوراً لقريبات وجارات وبنات صديقات، تعرضهن عليك ، وتقول لك " نقي عروسة "، ترفض ، فترد عليك غاضبة " هزمتك البت يا خايب ،.. هزمتك حقاً ؟؟ لا لم تهزمك .. ربما أفقدتك رغبتك على الحب، إقدامك على مزيد منه، أخافتك من تجربة جديدة تخرج منها صفراً.. وماذا تكون الهزيمة غير ذلك ؟؟ دعنا نسمي الأشياء بأسمائها، .. "هزمتك البت" ، لا تكابر .في الجنازة.. بكيت كثيراً، بكيت كما لم تبك من قبل، كنت تحتاج للبكاء حقاً، وكانت هذه فرصة طيبة لأن تفعل .. أبوك كان صامتاً ومحمولاً على النعش.

قراءة نقدية بقلم/ محمد عمر
عن طريق الانتقال الزمنى يتجنب السرد تصوير الحياة كمجرد شئ يقع يتبعه شئ آخر، ويسمح لنا بالربط بين أحداث منفصلة متباعدة عن طريف السببية والسخرية، فإن نقلة زمنية إلى الوراء يمكنها أن تغير فهمنا لحدث يقع بعد ذلك و هذه أداة معروفة فى السينما عن طريق الفلاش باك.
وقد أضفى القاص محمود حسن على الانتقال الزمنى مظهرا طبيعيا بوصفه من عمل الذاكرة، عن طريق تقديمه لتيار وعى شخصيته الرئيسية، لكن المونولوج يأخذ شكل مساءلة للذاكرة من جانب الراوى الذى يتحدث بضمير المخاطب و ينتقى من الذاكرة ما يريد، وينتقل من مرحلة من المراحل الحياتية إلى مرحلة أخرى . الراوى هنا يعرف القصة بأكملها.. لكن هل هو نفسه البطل؟....
استخدام ضمير المخاطب بدلا من المتكلم يخلق أثرا حقيقيا للمتلقى ، هنا تبرز غواية الحكى، والواقعى منه بالذات: غوايته للمتلقى ، وإحساسه أنه أمام حياة كاملة ، تتلاشى الهوة بين الفن والواقع، وغوايته للكاتب فيبتعد عن أى غواية أخرى .
الجمل الحوارية بالغة الدلالة و محققة لمبدأ قوة الإقناع الذى تحدث عنه ماريو بارجاس يوسا ، جاءت العامية موفقة للغاية، ليست مجرد رتوش تحيط بالعمل ، بل محملة بعلائقها الاجتماعية الخاصة بها .
قصة عن الحب الخائب، مدى سطوته، ومساءلته للذاكرة، الحب فى زمن الشقق التى غلت كثيرا، ومحاولة من النص لمعرفة كنه الحب وعبقرية البكاء .
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 2 نوفمبر 2010)

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

الثلاثاء 26 أكتوبر2010م.

نظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية يوم الثلاثاء 26 أكتوبر لقاءً أدبيا بعنوان "ناقد فلسطينى ومبدعون سكندريون" حيث قدم الناقد الفلسطينى د.عمر عتيق قراءة نقدية فى عدد من قصص مبدعى الإسكندرية هم؛ أحمد الملواني "قطرة أخيرة"، رشاد بلال "فخر"، رمزى بهى الدين "السائق ..!!"، شريف محمد أنور "الرجل على الكرسى ... جوار الحائط"، محمد عطية محمود "شــــــــرفــــــة"، هيثم الوزيري "ديك العشة"، و صرح الأديب منير عتيبة المشرف على المختبر أن د.عمر عبد الهادى عتيق يعمل أستاذا في جامعة القدس المفتوحة بفلسطين وأنه تلقى قراءته النقدية للأعمال القصصية للمبدعين السكندريين عبر شبكة الإنترنت فى محاولة المختبر الدائمة لمد جسور التلاقى الأدبية بين النقاد والمبدعين فى جميع أنحاء الوطن العربى.
السائق ..!!
قصة: رمزى بهى الدين

ينهمر المطر غزيراً ، عند خروجك من دار السينما ، المفتوحة مداخلها ومخارجها على ميدان فسيح ، يعج بالسيارات والناس .. الجليد يغطى الشوارع والطوارات .. الناس يرتدون معاطف المطر ويضعون القُبَّعَات ، والشقة التى تقيم فيها بعيدة عن الميدان والطريق إليها معقد ، وأنت غريب فى هذا البلد ، الذى لم تزره من قبل، ولم يكن مر على وصولك إليه سوى عدة أيام..!!
يضطرك الأمر أن تنادى على سيارة أجرة .. تركب .. تكتشف أن سائقها رجلُ مُسن - ربما - تجاوز السبعين ، له وجه أحمر مُتغضِّن ، وشعر أبيض مُستَرسل ، يظهر من تحت قُبَّعة ، وضعت بعناية على رأس صغير نسبياً ..!!
تخبره عنوانك .. ينطلق دون أن يعلق .. عندما يستدير مع الشارع الأول ، تصيح عليه : Pardon .. الشارع التالى .. دون أن يلتفت إليك، يهمهم بشئ لا تفهمه ويستدير .. يدخل الشارع التالى فتصيح : Pardon , Pardon .. الشارع الذى يليه من فضلك ..!!
يتوقف .. يلتفت إليك بنصف وجه وعين واحدة .. يدير المحرك وينطلق ، دون أن يدخل الشارع الذى أشرت إليه .. يستمر فى سيره وأنت تنادى عليه ، لتنبهه أنه ترك الشارع ، وترجوه أن يلف ويوصلك إلى منزلك بالعنوان الذى ذكرته من قبل ..!!
يصيبك الهلع ، عندما يُزَمْجِرُ ويستدير بسيارته على الرصيف الزلج ، استدارة على شكل حرف C ، وفى رجة عنيفة يوقف السيارة ويلتفت بجذعه النحيل ووجهه الهضيم ، ناظراً إليك شذراً بعينيه الزرقاوين الصغيرتين ، صارخاً فيك ، آمراًًًًًًًًًً إياك ، أن تترك السيارة .. تنظر مدهوشاً دون أن تعلق ، فترى وجهه المسحوب يزداد احمراراً ، وأرنبة أنفه المدبب الصغير تنتفض من شدة الغضب وهو يرعد فيك قائلاً : أنه لن يوصلك إلى أبعد من هذا ..!!
تُحدِّق فى سَيماءِ العجوز متعجباً ، لا تنطق بكلمة .. يحدجك بنظرة ذات مغزى .. تصدر من أعماقه تنهيدة طويلة قبل أن يقول : أنك أهنته إهانة شديدة وينزل من السيارة .. بعصبية يشد مقبض الباب فينفتح .. يرمقك بنظرة غاضبة وهو يقول : إن سيارته ليست للأجانب ولابد أن تغادرها حالاً..!!
تصيح فيه غاضباً : أنك لم توجه إليه أى إساءة ، ولم تفعل شيئاً سوى حثه - دون جدوى - على توصيلك إلى عنوانك ، وتُعقب بحدة ؛ أنك لن تستطيع بحال ٍ والجو هكذا - أن تنزل من السيارة .. تلتزم الصمت برهة قبل أن تعود وترجوه أن يوصلك إلى منزلك ، ممنياً إياه ببقشيش كبير ، وافتراق فى مودة.
لم يرد على كلامك .. لم يُعِرْكَ أى أهتمام، وإنما يصرخ فيك مُجدداً أمره بسرعة المغادرة قائلاً : إنه لن يتحمل بقاءك أكثر من ذلك.
تعبر عيناك زجاج شباك السيارة فترتطم بالأمطار الغزيرة فى الخارج ، فترد فى تصميم قاطع بأنك لن تستطيع - مطلقاً - أن تغادر السيارة ، مهما كانت الأسباب..!
ينتصب الصمت بينكما لحظات ، يقطعها صوته الغاضب قائلاً : إما أن تترك السيارة حالاً أو يقودك إلى قسم الشرطة ، وهناك سيطالبك بتعويض عن تلك الإهانات ، بالإضافة إلى تبديد الوقت ، فترد بعد صمت : أنك تفضل أن يتوجه بك إلى قسم الشرطة عن نزولك من السيارة ..!!
بعصبية شديدة يدير المحرك ويندفع .. يتوقف أمام باب القسم .. ينزل من السيارة .. بغضب يصفق الباب .. تنزل أنت كذلك .. تجوس عيناك خلال المكان فتكتشف أن قسم الشرطة لا يبعد سوى عدة بيوت عن المنزل الذى تقيم فيه .. تبتسم وأنت تغلق باب السيارة .. تمصمص شفتيك متعجباً وتسير بجواره .. تدخلان من باب القسم. تتوجهان إلى غرفة المأمور .. يسألكما عن طلباتكما ، فيبادره العجوز بقوله ، أنك اهنته أكثر من مرة إهانات بالغة .. تحدجه بنظرة تعجب واستنكار وتنظر إلى المأمور الذى يطلب إليك أن تدلى بشهادتك ، بعد أن يفتح دفتره ويمسك بقلمه ، ويبدأ فى تدوين بياناتك أولاً ، ثم روايتك من بداية إعطائك عنوانك للسائق ، والاستدارتين الخاطئتين ، وهمهمات الرجل ، وتعمده ترك شارعك ، وثورته ، وقراره الأخير ..!!
وعندما كان يعلق بهمهمات على أجزاء من شهادتك ، كان المأمور يتوقف عن الكتابة ، ناظراً إليه ، معنفاً إياه على همهماته ..!!
بعد أن تنتهى من روايتك ، يشكرك المأمور ، ويلتفت إلى العجوز طالباً منه أن يدلى بشهادته هو الآخر ، حتى يستطيع أن يحسم الأمر.
لم يكن لديه ما يشكوه ، سوى ترديده بصوت غاضب وهو يرفع يده إلى ما فوق رأسه، مسدداً بصره إليك: إن هذا الأجنبى أهاننى أكثر من مرة ، لقد عاملنى معاملة البُلَهاء ، وهذا لا يمكن احتماله مطلقاً ..!!
يتوقف المأمور عن الكتابة ، يرفع رأسه عن الدفتر الموجود أمامه .. بغضب ينظر إليه ويأمره أن يصف بالتفصيل ماحدث وأن يصحح مايراه غير صحيح من كلامك ، ناظراً إليك وهو يحنى رأسه انحناءة خفيفة قائلاً : Pardon Monsieur .
لم يزد العجوز على ما قاله شيئاً .. لم يكن لديه أى اتهام سوى ترديد الكلام الذى سبق أن ردده ، فيلقى المأمور بقلمه ويحِّدجه بنظرة غاضبة قائلاً فى صوت قاطع: إن الأمر أصبح واضحاً تماماً) ويتجه إليك قائلاً : (إنك أنت الذى وقع عليك الضرر فى هذا الموضوع..!! .. يلتزم الصمت برهة وعيناه تتقافزان على وجهيكما بعدها يقرر ؛ أن يقوم السائق بتوصيلك إلى باب منزلك ، دون أن يتقاضى أى أجر ..!!
يبتهج داخلك .. تنفرج أساريرك .. تفرح ولا تكاد تبين .. يطلب منك المأمور - فى أدب - الاطلاع على بطاقة هويتك ، كإجراء متبع طبقاً للقانون فى مثل تلك الحالات .. يسقط فى يدك .. ينقبض داخلك .. يَتقطَّبُ جبينك .. يدق قلبك دقات سريعة وتلوذ بالصمت لحظات ، يتراءى لك خلالها صورة مكتبك وقد وضعت عليه بطاقة هويتك ، التى يُطْلَبُ من الأجانب المقيمين ، أن يحملوها طوال الوقت ، طبقاً لقانون البلاد.
يخرجك من دائرة الصمت ، صوت المأمور وهو يكرر طلبه بالاطلاع على الهوية ، فتبادره والكلمات تخرج من فمك مبعثرة : نظرا..ً للأمطار .. الغزيرة ، فانك تركتها بالمنزل ، خشية أن يبللها المطر ، وأنك سوف تأتى بها غداً صباحاً ، وستكون ملتزماً بذلك ، ومحترماً لهذا القرار .
قلت ذلك دون أن تدرى أنك اقترفت أمراً لا يُغتفر ، وأنك تسببت فى تبدل كل شئ فى لحظة .. تنظر فترى وجه المأمور تجمد وهو ينظر إليك قائلاً بحدة : Pardon mon chair إن ذلك يخالف التعليمات ولا يتماشى مع الظرف الراهن..!!
يسود الصمت لحظات قبل أن يحطمه صوت المأمور قائلاً وهو ينظر إلى السائق العجوز : نظراً لحقيقة أن السماء تمطر بغزارة ، فانه سيطالبه بتوصيلك حتى باب منزلك ، ويرفع يده التى تمسك بالقلم ، مشيراً تجاهك قائلاً أنه سيطالبك أنت بأن تدفع له ، ليس فقط أجر التوصيلة كاملة ، من البداية إلى النهاية ، بل أيضاً مقابل الوقت الذى ضاع منه ، منذ حضوره إلى قسم الشرطة ، ثم يضع قلمه ويقفل دفتره وهو ينظر إلى السائق سائلاً إياه ، إذا كان قد ترك عَدَّاد سيارته يعمل ، فيومئ الرجل برأسه مؤكداً ذلك.
ينهض المأمور واقفاً وهو ينظر إليك قائلاً: إذن إلى اللقاء أيها السيد .. ولم ينس أن يذكرك بضرورة إحضار بطاقة هويتك فى الصباح.
تغادران القسم .. تحدِّق فى وجه العجوز فترى بريقاً يتلألأ فى عينيه الصغيرتين ، إلا أنه لم يبدِ أى دلالة على انتصاره ..!!
تركبان السيارة .. يوصلك حتى باب المنزل ، دون أن ينطق بكلمة ، وقبل أن تفتح الباب لتنزل ، تناوله أجره .. يتفقده باهتمام .. تنزل وقبل أن تغلق باب السيارة لتنصرف ، يفاجئك صوته : Monsieur .. تنظر فتراه يطل برأسه الصغير من الشباك ، يسألك وعلى شفتيه ابتسامة خفيفة : هل نسيت وعدك بالبقشيش الكبير والافتراق فى مودة ..؟!.
تعانق ضحكاتك قطرات المطر ، الذى كان لا يزال ينهمر ، وتهرول داخلاً الى المنزل الذى تقيم فيه ..!!
*******

قراءة نقدية بقلم د.عمر عتيق (فلسطين)
تكاد قصة السائق تفي باستحقاقات البناء الفني للقصة القصيرة من حيث المعمار اللغوي الذي يحفل بالجمل القصيرة الموحية المعبرة المختزلة لدلالات مضمرة ، والفضاء المكاني الذي يمنح المتلقي مشاهد تصويرية تقترب من شريط سينمائي ، كذلك حرص الكاتب على صياغة حبكة فنية لافته ، ورسم بمهارة الأبعاد النفسية للسائق والراكب ... وكنت أتمنى على الكاتب أن يحافظ على حرصه فيكسر رتابة البناء الزمني الذي اتخذ خطا زمنيا صاعدا خاليا من أي انعطافات زمنية من الحاضر إلى الماضي لتوفير المزيد من المتعة والتشويق للمتلقي وبخاصة أن ماهية الحدث من حيث الضغوط النفسية للسائق ، والاضطراب والقلق للراكب تستوعبان كسرا زمنيا للعودة للماضي من خلال المونولوج الداخلي . كما أن عنوان القصة ( السائق ) لا يشكل عتبة تمكن المتلقي من استشراف آفاق القصة ، إذ إن العناقيد الدلالية للقصة يمكن أن توحي بعنوان آخر أكثر تماهيا ومرآوية مع الأحداث .
وأزعم أن بوصلة القصة تومئ إلى ثلاثة أبعاد اجتماعية وسياسية وثقافية صاغهما الكاتب بوساطة مشهد يومي تحول فيه المألوف إلى إيحاءات وتأملات ومنبهات ... فأما البعد الاجتماعي فتجسده البنية النفسية للسائق وهي بنية مشحونة بالتوتر والاحتقان والصمت الذي يسبق الانفجار وهي بنية نفسية تتجلى بلغة السائق كلاما وحركة ، ولعل لغة الجسد أبلغ في الدلالة على حالة التوتر والاحتقان اللذين تمثلهما الصورة الوصفية ( يلتفت إليك بنصف وجه وعين واحدة \\ فترى وجهه المسحوب يزداد احمراراً \\ وأرنبة أنفه المدبب الصغير تنتفض من شدة الغضب) . ولعل هذه الصورة الوصفية للسائق تشكل مزاجا عاما يشغل مساحة اجتماعية واسعة .. لكن القصة لا تخلو من الإشارة إلى أن ذلك التوتر النفسي سرعان ما يزول حينما يتوافر بريق المال وهو ما تبدى بقول السائق : (يسألك وعلى شفتيه ابتسامة خفيفة : هل نسيت وعدك بالبقشيش الكبير والافتراق فى مودة ..؟) ، ويعد هذا مؤشرا إلى أن الاحتقان النفسي والتعبير الفسيولوجي الحاد نتيجة لحالة اقتصادية خانقة .
وأما البعد السياسي فيكمن في الدلالات المضمرة لقوانين الطوارئ التي تكشفت آثارها في حرف مسار الحقيقة وإبراز ضبابية القانون وذلك حينما تحول الموقف إلى مصلحة السائق بسبب نسيان الراكب بطاقته الشخصية . وأما البعد الثقافي فيتجلى في العلاقة بين الأنا والآخر ... الأنا التي يمثلها السائق ، والآخر التي يمثلها الراكب الأجنبي ... وهي علاقة مؤسسة على موروث ثقافي يستحق التأمل وإعادة صياغة .


(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 26 أكتوبر2010م)

-----------------------------------------

الرجل على الكرسى ... جوار الحائط
قصة: شريف محمد أنور

وجدته كما فى كل صباح ، جالسا على الكرسى بجوار الحائط فى أول الزقاق،يمسك بورقة الجريدة القديمة ، يهش بها الذباب الذى يقف فوق قدمه المنتفخة العارية .
يراقب حركة بقعة الضوء الصغيرة على الأسفلت غير المستوى ، ينظر إلى شرفة الدور الأول -علوى– من البيت أمامه ، يجدها خالية ويتأفف ...يمسح نظارته السميكة ويرفعها بيده المرتعشة باتجاه الشمس ، ويضعها مجدداً فوق أنفه .
يبحث عن بقعة الضوء فيجدها قد وصلت للجدار الذى يسد الشارع . يتأكد من وجود عبارات السباب القديمة فوق الحائط بألوانها الكثيرة ، ويبحث عن الجديدة التى تركها أبناء الأمس .
تصعد عيناه إلى الشرفة .... لا تزال خالية . تضطرب يده وهو يبعد الذباب بعنف ، فيطير الذباب ، وتطير الجريدة القديمة . تبقى ذبابة واحدة ، يمد يده إلى الأوراق على الأرض فلا يصل .... ينظر من جديد للشرفة بيأس ، ويكون الغروب .

قراءة نقدية بقلم د.عمر عتيق (فلسطين)

تتعانق المشاهد التصويرية الواقعية مع الإيحاءات الدلالية الرمزية ، إذ إن عزل عناصر المشاهد التصويرية عن الجينات الرمزية يجعل الأقصوصة مساحة للدراسة الاجتماعية السيكلوجية وبخاصة مشهد ذاك الرجل الذي اعتاد الجلوس في الزقاق بجانب الجدار ، يطرد الذباب عن قدمه المنتفخة العارية ... أو مشهد عبارات السباب والشتائم التي تشوه حائط الزقاق . ولكن المسبار النقدي الأدبي يختلف وظيفيا عن المسبار الاجتماعي .
إن التامل في المشهد السردي هو قراءة سيمولوجية في صورة التقطتها عين كميرا من زاوية فنية تعي ما تريد قوله .. فذاك الرجل القابع في زقاقه ليس مشهدا إنسانيا يجسد البؤس ويثير الشفقة بل هو كيان اجتماعي يجسد الانتظار والترقب والأمل بالتغيير والتجديد ، والجريدة القديمة ليست أداة أو وسيلة لطرد الذباب وهي ليست وسيلة بريئة من الإيحاءات السياسية ... فهي رمز للإحباط من الخطاب الإعلامي السياسي الذي يمضغ الوعود ويهضم القرارات والتوصيات التي ينتظرها ذلك الكيان الاجتماعي المنتظر المترقب ، وما الذباب والقدم المنتفخة إلا شرارة رمزية تضيء جيوب الفقر المعتمة ... كما أن العلاقة بين بقعة الضوء والشرفة الخالية تشكل مفارقة تكاد تكون البؤرة الدلالية التي تدور حولها الأقصوصة ، فبقعة الضوء التي تبدو صغيرة وتبرق على إسفلت غير مستوي تمنح ذلك الرجل أملا في تحقيق حلم ما ... لكن الشرفة التي ينبغي أن تطل منها تباشير الحلم مازالت خالية ... وعلى الرغم من وصول بقعة الضوء إلى الجدار الذي يستند عليه الرجل إلا أن الشرفة تبقى خالية مما يتمناه ذلك الرجل .... إنه السراب الذي يكمن في تلك البقعة ... سراب حلم ... ويأس من التغيير والتجديد .

(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 26 أكتوبر2010م
)

------------------------------------------

شــــــــرفــــــة

قصة: محمد عطية محمود


اخترق ضوء الصباح خصاص الشرفة؛ لينبسط على أرجاء الحجرة، التي تبتلع سريراً لفرد، ومنضدة من الخوص المضفر، وكرسيا مترنحاً.. يستند بظهره الى فم الباب المفغور على باقي الشقة الواسعة، المغلق على عتمته .
اهتز خيال وحدات الخصاص على حوائط الحجرة. ضوّت ـ بوهن – الكريستالات الثلاث، المدلاة من نجفة قديمة – غطى التراب هيكلها – تنتصف السقف المتساقطة منه قشور طلائه.
استلقى الضوء على تجاعيد الوجه المستسلم لنوم متقطع، بعد أرق معاند؛ فانتفض – بعد كمون – البدن العجوز بشعره المهوش ولحيته غير الحليقة، لترتطم السيقان اليابسة – المتصلبة فيها عروق خضراء متشابكة – ببلاط الأرضية العاري، مع طقطقة مفاصل الركبة والفخذ بألم متكسر ، بينما سعت القدمان تبحثان عن مداسهما المختبىء تحت السرير الواطىء .
لحظات، وانتفضت ضلف الخصاص، بدفعات متتالية من أيد ارتعشت حتى استجمعت قواها ، ثم احكمت قبضتها، فغزا الضوء بكامل شدته فضاء الحجرة، وجاوزها في اتجاه الممر الضيق بين الحجرة وباقى الشقة، من حول البدن الشاخص على عتبة الشرفة، بارز البطن من بين دفتى قميص مفتوح – على لحم عار – لا يخفى بثوراً تتناثر على البطن، وأسفل الثديين المترهلين يغطيهما الشعر الأبيض، في حين ذهبت العينان المدهوشتان يمين وشمال الشرفة الخالية إلا من أصيصين فارغين يستقران على سياج الشرفة لصق الحائط على الجانبين .
تقدم بخطوات مترنحة نحو السياج. اتكأ بيديه عليه، وانحنى صدره فوقه. حدّقت العينان بنظرات مهتزة فى شروخ قمة السياج التى تسرح نحو واجهته الخارجية، وتتسع في خطوط تكشف عن أسياخ حديدية صدئة، وتضيق في خطوط أخرى تتوازى وتتقاطع حتى تتسع مرة أخرى.
تبرم الوجه العابس مغمغماً ، ثم التفت بنصف جسده الى داخل الحجرة، لتخايله انعكاسات الضوء التى ازدادت على الكريستالات الثلاث، فاهتزت الجفون المتهدلة، ثم أُغمضت نصف إغماضة عادوت بعدها خطواته – التى تخلت قليلاً عن ترنحها – عبور الحجرة، نحو داخل الشقة الذى بدأ يتسرب إليه الضوء.
تخلت عنك عافيتك؛ فصرت تشحذها بليل يطول عليك بلا نوم.. تتقلب فيه ذكرياتك .. تعادوك فيه سمات أيامك الخوالى كخيالات مارقة.. تبث فيك آثار صرامة تصرفاتك، حميتك، جديتك وسط أقرانك، نشاطك الرياضي الذي فاق الجميع فى الفروسية، الرماية، سباحة المسافات الطويلة في معسكرات النشاط ، وسباقات العدو فى الصباح الباكر.. لا تمل من تذكيرك بطولك الذى كان فارعاً، شدَّة البدلة (الميري) على جسدك الذي كان ممشوقا، والتماع نجومها المستقرة على كتفيك ترسخهما، وتزيد من زهوك..تكسبك انحناءتك الخفيفة، وأنت تنظر الى الأشياء من أعلى بشموخ .
لا يشفع سهاد ليلك لجسدك أن يستريح أو يخلد الى خمول – كأضعف الإيمان – تحتاجه، والشمس طالعة على الدنيا ..تنذر بالحياة التى .....
على باب الحجرة اصطدم بالكرسي، فانزلقت أرجله المائلة، وازداد ميلها. أدركته يداه بانحناءة موجعة، لترده إلى الحائط. ومضى يحاول أن ينفذ عن رأسه ما استغرق فيه .
من المطبخ اتاه صوت جلبة، ارتطام أوان، احتكاك أكواب زجاجية، مع خرير مياة صنبور يشتد ثم يخف، ثم ينقطع، ثم يعود الى الشدة، ثم يصمت؛ ليحل محله حفيف اقدام متباطئة، ولكنها تخدش صمت الشقة المتناهي.
تشاركك حياتك، منذ كانت ربيعا يانعا تتألق فيه زهور عيونكما النضرة، وتتلألأ نجوم لياليكما السعيدة التى كانت تتمطى فيها ابدان الرشاقة، مع الدفء، مع الحيوية النابضة .
لم تبدأ حكايتكما معاً كحكايات العشق المتخمة بدراما الزمن الذي يتري أمام عينيك – الآن – ممسوخاً، مجبولاً على التراخى وعدم الاتزان، والميوعة، بل أتت الحكاية من رحم تقاليد راسخة؛ لتضعها الأقدار أمام عينيك آية للوقار، مع الجمال، مع الاحتشام .
كانت زهرات عمركما تنضاف إلى عقدكما الراسخ، كحبات مرمرية تنهمر واحدة تلو أخرى، تلو الثالثة؛ لترصعه ولتصير كنوزاً تتدلى من رحم الحب المتعقل، لكن الأيام تفرض طقوس دورانها، فيمضي كلٌ في درب يخصه تاركا عبق وجوده يسرى فى المكان الذى ولد فيه، برغم البعد وحنين الاشتياق ....
صرتما وحيدين .. بات كل منكما يعزف لحن وجوده بموازاة الآخر على مشاعر هادئة كما بدات
خرج من الحمام، حليق الذقن.. يجفف بمنشفته قطرات الماء المتساقطة من شعره الفضي، الذي التأمت خصلاته والتصقت ببعضها منسحبة إلى خلف رأسه، وابيّض لون جبهته لامعاً.
اتجه نحو الشرفة تشمله ارتعاشة خفيفة تدغدغ حواسه.. يستجمع رغبة أكيدة فى ترميم شموخ السياج، التي كان يلحقها دوما قبل ان تستفحل. اقترب.. عاود الاتكاء بيديه على قمة السياج، والانحناء بصدره عليه؛ ليتفقد الشروخ بعينين شبه ثابتتين، بينما حلّ إلى جواره عبق خفيف لا يفارق إحساسه، مع ظل ابتسامة امتدت معها يد معروقة، لم تزل تحتفظ بملمسها الناعم البض، على يده نافرة العروق مربتة.
أشاعت فيه لمسة دفء عادلت ارتعاشاته، بينما تؤكد اليد الأخرى على وضع صينية شاى الصباح على قمة السياج .



قراءة نقدية بقلم د.عمر عتيق (فلسطين)
يتماهى الوصف المكاني مع البعد النفسي للشخصية المحورية ، إذ إن المشهد المكاني الحافل بتفاصيل الفقر والبؤس يقود المتلقي إلى التفاعل الانسيابي مع المشهد الإنساني ، فالكرسي المترنح والسقف المتساقط يندغم مع صفات الشخصية التي يجتاحها الترنح والترهل والعجز .
ويوظف الكاتب ثلاث تقنيات سردية ؛ فقد أباح الكاتب لنفسه أن يكون ساردا كلي المعرفة ، خبيرا بالتفاصيل الدقيقة للمكان وراصدا للصورة الجسدية للشخصية ، ومحللا نفسيا للعلاقة بين المكان والإنسان . ثم تحول إلى سارد يرصد المكان والحدث وسلوك الشخصية من بعيد بوساطة السرد بضمير الغائب ، نحو قوله : (تقدم بخطوات مترنحة نحو السياج. اتكأ بيديه عليه، وانحنى صدره فوقه) . وسرعان ما تحول إلى تقنية سردية ثالثة حينما شرع بتوظيف ضمير المتكلم الذي يقترب من تقنية المونولوج الداخلي كما في قوله : (تخلت عنك عافيتك؛ فصرت تشحذها بليل يطول عليك بلا نوم.. تتقلب فيه ذكرياتك .. تعادوك فيه سمات أيامك الخوالي كخيالات مارقة ) . إن هذا التناوب بين التقنيات الثلاث يجسد رؤى فكرية في منهج التوصيف والتغيير ؛ إذ إن السارد حينما يكون كلي المعرفة فهو يمثل نموذج الكاتب الذي يسعى إلى وصف الواقع وتغييره وفق مخزونه الفكري وبنيته النفسية ، وحينما يكون السارد مراقبا للحراك السردي من خلال ضمير الغائب فهو يجسد نموذج الكاتب الذي يكتفي بالتوصيف تاركا خيارات اتخاذ موقف ما للمتلقي الذي ينبغي عليه أن يختارا أسلوبا لتغيير واقعه ، وحينما يوظف السارد ضمير المتكلم من خلال المونولوج الداخلي فهو يحرض على استنهاض الطاقات الخلاقة الكامنة في أعماق المتلقي.
لا يخفى أن غاية التقنيات الثلاث التي تؤسس لمنهج فكري سلوكي للتوصيف والتغيير تنسجم مع الرسالة المضمرة للقصة المعلنة ، فالشخصية المحورية التي غاب اسمها ( وغياب الاسم مقصد فني واع ) تختزل كل الذين أفنوا أعمارهم في إعلاء صرح الوطن وخدمة المجتمع الإنساني ... من حماة للوطن ومفكرين ومبدعين ... ولكنهم الآن يصارعون العجز والمرض انتظارا للموت ... ولا أحد يطرق أبوابهم !!!!

(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 26 أكتوبر2010م)

------------------------------


فخر
قصة: رشاد بلال




توفى الى رحمة الله تعالى بعد حياة حافلة فى محراب الحق والعدالة ، المرحوم المستشار عزت ابراهيم السبعاوى ، والد أحمد عزت رئيس محكمة ، ومحمد عزت القاضى ، ومنى عزت وكيل النيابة الأدارية ، ومحمود عزت الطالب بكلية الحقوق .
وشقيق اللواء شرطة عنتر ابراهيم السبعاوى ، وعم ايمن عنتر رائد شرطة ، وأمجد عنتر نقيب شرطة ، وأدهم عنتر الطالب بكلية الشرطة .
وشقيق الدكتورة عزة ابراهيم السبعاوى الأستاذة بكلية الطب زوجة الأستاذ الدكتور عبد المنعم اسماعيل عميد كلية الطب ، وخال الدكتور اسماعيل عبد المنعم المدرس بكلية الطب ، والدكتورة عبير عبد المنعم المعيدة بكلية الطب .
وستشيع الجنازة عقب صلاة ظهر اليوم بمدافن الأسرة بالأمام الشافعى .
والعزاء ليلا بجامع عمر مكرم بميدان التحرير ، ولاعزاء للسيدات.
تلغرافيا آل السبعاوى شارع النيل برج العرب القاهرة.

قراءة نقدية بقلم د.عمر عتيق (فلسطين)
لعل الكاتب رشاد بلال – الذي تشرفت بلقائه – قد تعمد الابتعاد عن مقومات السرد القصصي في نصه ( فخر ) بغية كسر المألوف في تصوير زوايا المشهد الاجتماعي ليوجه سياط نقده إلى شريحة اجتماعية تستغل المسميات الوظيفية ذات القدرة على النفوذ والتحكم .. والبعد الطبقي المقيت . وقد وظف الكاتب حادثة مألوفة ليقول ما هو غير مألوف ، فمن المألوف أن نقرأ خبر نعي يتصدر الصفحة الأولى في صحيفة ... أو ينزوي في ركن داخلي من الصحيفة إذا كان المتوفى يفتقر إلى تلك المسميات الوظيفية والبعد العائلي المثقل بالأوسمة والألقاب كما تجلى في نص ( فخر ) .
إن التأمل في العلاقة بين العنوان ( فخر ) ومضمون النص يشكل دلالة ثنائية ضدية ، فالفخر الذي يحمل في حناياه قيمة اجتماعية مشبعة بالرضا والسمو والنبل ... يتحول إلى تفاخر وتباهي على الرغم أن السياق هو الموت والحزن .... لقد أضحى الموت مساحة للتفاخر في وسائل الإعلام .. وميدانا يتنافس فيه بعضهم للكشف عن مكانة العائلة ونفوذها . إن اختيار القضاء والأمن والعلم أيقونات إعلانية في سياق الموت أو النعي يكشف عن ظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة والتشريح والتقويم .
كما لا يخفى أن اختيار الأسماء ( السبعاوي ، عنتر ... ) يشير إلى إشكالية النفوذ السياسي التي تتفاخر بها فئة ... وتعاني منها الفئات الأخرى .

(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 26 أكتوبر2010م)
--------------------------------------

ديك العشة
قصة: هيثم الوزيري

في أعلى مكان من العشة وقف الديك مزهوا نافشا ريشه.. ملأ صدره بالهواء وأطلق صيحة عالية ناظرا لأبعاد فوقية لا يدركها إلا هو.. ملأ صدره مرة أخرى وصاح ناظرا إلى ما تحت قدميه حيث باقي سكان العشة الذين أسلموا رؤوسهم ومناقيرهم للأرض في عملية نقر جماعية .
انفتح الباب وامتدت يد قابضة على الديك .. حاول الفرار .. صاح صيحة الذعر.. أطبقت اليد عليه .. انغلق الباب ولم يعد بعدها إلى عشته.
ظل المكان العالي شاغرا إلى أن رفع ديك صغير رأسه عن الأرض واعتلاه..
وقف قليلا نافشا ريشه .. ملا صدره بالهواء وأطلق صيحة عالية.

قراءة نقدية بقلم د.عمر عتيق (فلسطين)
يتشكل الفضاء السردي للقصة من مدارات اجتماعية وأدبية قديما وحديثا ، فلا يخفى أن البناء الرمزي مستمد من ظلال كليلة ودمنة التي تعد رافدا للقصة الرمزية ، ولعل السياق السياسي الذي دفع بيدبا فيلسوف الهند لتأليف الكتاب يتقاطع في بعض الجوانب مع قصة ( ديك العشة ) ، وأزعم أن البعد السياسي الذي شجع ابن المقفع على ترجمة كتاب كليلة ودمنة لا يختلف عن البعد السياسي الذي دفع زميلنا إلى اختيار السرد الرمزي لتحميله رؤى سياسية محددة . أما اختيار الديك شخصية محورية للرؤى السياسية المقنعة فيرتبط بالموروث الاجتماعي الثقافي الذي يعد الديك رمزا للريادة والسيادة وغيرهما من الدلالات التي تنطوي في منظومة القيم العليا . وإذا كان الديك قناعا فهو قناع يتسم بالشفافية التي تؤهل المتلقي لكشف القناع وملامسة الدلالة المرادة .
وأكاد أجزم أن قصة ( ديك العشة ) تتناغم رمزيا ودلاليا مع قصيدة ( الديك ) للشاعر نزار قباني ، إذ تتوافق القصة والقصيدة في حالتين متضادتين ؛ الأولى : حال الديك المتجبر المتكبر الذي لا يرى أحدا فوقه ، ويرى الجميع أسفله ، وهو ما تبدى في وصف الكاتب : (في أعلى مكان من العشة وقف الديك مزهوا نافشا ريشه.. ملأ صدره بالهواء وأطلق صيحة عالية ناظرا لأبعاد فوقية لا يدركها إلا هو..) وهي حال تتوافق مع الفضاء العام لقصيدة القباني التي نقتطف منها ( حين يمر الديك بسوق القرية \\ مزهواً ، منفوش الريش .. \\ وعلى كتفيه تضيء نياشين التحرير \\ يصرخ كل دجاج القرية في إعجاب \\ يا سيدي الديك \\ يا مولانا الديك....... )
والثانية : المصير الذي آل إليه الديك في القصة إذ (انفتح الباب وامتدت يد قابضة على الديك .. حاول الفرار .. صاح صيحة الذعر.. أطبقت اليد عليه .. انغلق الباب ولم يعد بعدها إلى عشته.) وهو يناظر مصير الديك في قصيدة القباني التي ورد في مقطعها الأخير (حين الحاكم سمع القصة \\ أصدر أمراً للسياف بذبح الديك \\ قال بصوت الغاضب \\ (( كيف تجرأ ديك من أولاد الحارة \\ أن ينتزع السلطة مني \\ وأنا الواحد دون شريك ). ويحسن التنويه ان البناء اللغوي للقصة قد غادر المألوف الرمزي في بعض المواضع نحو قوله : وأطلق صيحة عالية ناظرا لأبعاد فوقية لا يدركها إلا هو .

(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 26 أكتوبر2010م)


--------------------------------------------------------


قطرة أخيرة
قصة: أحمد الملواني


عندما نمت تلك الليلة شاهدت الحلم الأول لي منذ سنوات.. كانت الآنية النحاسية تفور وتفيض بحملها فيحتل ماؤها القذر المكان، حتى إنني عندما استيقظت، شعرت ببلل في جانبي الأيمن. تحسست الكارتونة المفرودة تحت جسدي، لم تكن مبللة كما توقعت، فأدركت أن الحلم استيقظ معي للحظات، وأن ما شعرت به في جانبي ليس إلا صقيع الشتاء الذي ربما قد حل، تدعمه الاهتراءات المتزايدة في جانبيّ ردائي، فعزمت أن أكتب طلبًا للإدارة، لتزويدي برداء جديد.. وكحل مؤقت، تقلبت على جانبي الأيسر محاولاً العودة للنوم. لم تكن المؤثرات المعتادة ـ كرائحة العفن، أو قرص الرطوبة لجسدي، أو صوت القطرات المصطدمة بقاع الآنية النحاسية ـ لتصد النوم عني، ولكن نظري المتلاحم مع الظلام الدامس، ليمنحني رؤية (خفاشية)، هو ما أربك عقلي بمثير جديد، فاعتدلت جالسًا..
ـ آسف لإيقاظك.
هكذا قال، فلم أجبه..
ـ حاولت ألا أحدث جلبة.. لي فترة أتأمل نومك صامتًا خشية إفزاعك.
ضحكت. حبوت على أربع حتى اقتربت من جسده المتكوم لصق الجدار الرطب.. أكد لي بصري، ما توقعته أذناي، فصحت:
ـ تفزعني؟!! أنت أفضل شيء حدث لي منذ سنوات...
لفترة شعرت أن الكلمات تضيع مني، وكأن عقلي ـ لطول الصمت ـ قد فقد القدرة على تجميع الانفعالات في أقوال..
ـ أنا أفهم ما تفكر به وإن لم تقله.. فلا يقلقك أمر الكلمات.
شجعني قوله، فوجدت طريقي مندفعًا..
ـ الليلة علمت أنني لم أفقد القدرة على الحلم.. والآن أنت أمامي، فأدرك أن خيالي مازال قادرًا على التحليق.
رسم ابتسامة وقال:
ـ أتظنني خيالاً؟
فأجبته:
ـ بالطبع يا جدي أنت كذلك.. أنسيت أنك مت منذ سنوات؟!
بكفه صافح خدي في لمسة طالما اشتقت لها..
ـ ولماذا لم تقل: أنك أنت الذي مت؟ ربما أنا رؤية البرزخ الخاصة بك؟
أهز رأسي بعنف رافضًا منطقه.. فيقول مبتسمًا:
ـ ربما نحن نجلس الآن في منطقة وسطى بين الموت والحياة.. ربما أنا لم أمت تمامًا.. وأنت لا تحيا تمامًا.
أرفض كذلك هذا المنطق.. أبتعد عنه لشبرين.. أحاول أن أصفي عقلي من عاطفة تعلقي به، لأرى الأمور فى نصابها السليم..
ـ كلا.. أنا ما زلت هنا.. هذا عالمي لم أغادره.. هذه زنزانتي.. وتلك رائحة العفن التي تصدرها قطرات المجاري الناشعة من السقف.. اسمع.. هذا صوت ارتطام القطرات بقاع الآنية النحاسية.. هذا عالمي.. أنا مازلت هنا.. أنت من أتيت إلي، وليس العكس.
يهز رأسه:
ـ صدقني أنا نفسي لا أعرف الحقيقة.. أنا فقط أفكر، وأحاول أن أتكهن.. فسامحني إن أخطأت.
تضحكني كلماته..
ـ أسامحك؟ بالعكس.. أنت يجب أن تسامحني إن كنت قد جلبتك ـ بطريقة سحرية ما ـ إلى عالمي.. صدقني يا جدي.. بقدر ما أشتاق إليك، بقدر ما يصعب علي أن أراك هنا معي.
يقترب مني.. يربت على كتفي، فأستكين تحت الضغط الحاني لكفه..
ـ وجودك هنا خطأ يا بني.. ربما لهذا جئتك.. لكي نصحح هذا الخطأ.
بأمل أسأله:
ـ كيف؟
يضايقني صمت رَسم على وجهه قسمات قلة الحيلة، فأفقد أملي رويدًا..
ـ ربما إن عرفنا سبب وجودك هنا..
يعاودني الأمل، فأصرخ:
ـ أنا أعرف...
أكاد أخبره.. ولكن شيئا قبيح كالنسيان يعرقل انسياب كلماتي..
ـ تكلم يا بني.. لم أنت هنا؟
أهز رأسي يأسًا..
ـ لقد نسيت.
ـ نسيت؟!
ـ نسيت كل شيء.. نسيت سبب وجودي هنا.. تمامًا كما نسيت من قبل شكل النهار، وحياتي خارج هذا الحبس.
يبتسم جدي..
ـ يبدو إذن أن إقامتي معك هنا ستطول.
يحزنني قوله..
ـ كلا يا جدي.. أنا اعتدت المقام هنا.. أما أنت فلا.. صدقني حياة الحبس لا تليق بك.. على الأقل من أجل صحتك.
ينفجر ضاحكًا حتى يسقط جسده ممددًا على الأرض الباردة.. ومن بين ارتجافات جسده، وتهدج صوته، يقول:
ـ أية صحة يا عبيط؟!! أنا ميت!
أفهم موطن السخرية في قولي، فأتمدد بجواره من شدة الضحك.
يأتي الصمت تدريجيًا.. نلتقط أنفاسنا.. نلهث.. يسترخي جسدانا.. يتلاصقان..
ـ أتعلم يا جدي.. برغم كل شيء.. أنا أحب وجودك هنا معي.
يمسك كفي، ويقول ما تمنيت سماعه:
ـ وأنا لن أتركك أبدًا.
أعتدل جالسًا، وتتدفق كلماتي حماسة..
ـ أتعرف.. سأكتب للإدارة، أطلب كارتونة نوم إضافية.. ومضاعفة وجبات الطعام..
يقول:
ـ أنت تكتب طلبات للإدارة؟
ـ هو أمر شبه مرفوض.. ولكنني أفعلها بشكل ودي.
يعتدل جالسًا بدوره، مبديًا رغبة في العلم..
ـ وكيف هذا؟
أشير إلى عقب الباب المرتفع قليلاً..
ـ عندما يدفعون لي طبق الغداء.. أحيانًا يكون به بعض الأرز.. هذا الأرز لا آكله، وإنما أرسم بحباته في الطبق حروفا على شكل كلمات الطلب الذي أريده، وأدفعه إليهم من تحت الباب.
يهز رأسه إعجابًا، ويسألني:
ـ وهل يلبون طلباتك؟
أبتسم متذكرًا:
ـ فعلوها مرة واحدة فقط.. ذاك اليوم عندما اكتشفت أن سقف الزنزانة ينشع بماء كريه الرائحة.. تلك القطرات المتتابعة الهابطة من علٍ كانت تهددني بالغرق.. كتبت شكواي.. ليلتها فتح باب الزنزانة للمرة الأولى منذ أن ألقوني بداخلها.. جاءني جندي بتلك الآنية النحاسية الصغيرة.. وضعها تمامًا أسفل القطرات المتساقطة.. صحت به: ولكن هذا ليس حلاً.. فماذا سأفعل بالآنية عندما تمتلئ وتفيض بمائها؟ أين سأسكب هذا الماء؟ جاوبني قائلاً: اطمئن.. الآنية لن تفيض أبدًا! الغريب أنها بالفعل لم تفض حتى الآن.. بل إنها حتى لم تمتلئ.. برغم مرور سنوات لها على هذا الحال.
ـ أمر عجيب.
ـ بل ومستفز كذلك.. لدرجة إنني نسيت خوفي الشديد من أن يغرق المكان في الماء القذر.. وبت أدعو الله أن أراها تفيض قبل أن أموت!
ضحك جدي..
ـ لا تقلق.. يبدو أننا لن نخرج من هنا أبدًا.. وبالتأكيد لدينا كل الوقت لانتظار فيضانها.
ضحكت بدوري.. زحفت نحوه.. مددت جسدي ووضعت رأسي على فخذه..
ـ حدثني يا جدي.. لقد نسيت الكثير من حكاياتك.. احكها لي من جديد.. فلدينا كل الوقت كما تقول.
يربت على رأسي..
ـ من أين أبدأ؟
أجيبه:
ـ من البداية.. أريد أن أتذكر كل شيء.. أريد أن أستعيد كامل كلماتك..
يلتقط نفسًا عميقًا.. يحرره.. يفتح فمه ليبدأ.. ولكن صوت صرير الباب يسكته. الباب يفتح بمشقة بعد طول انغلاق.. يبرز على عتبته جندي ينادي باسمي.. أهرع إليه، فيبشرني:
ـ إفراج.
أصرخ حتى يضيع صوتي.. أمسك بذراعي جدي، أجبره على القفز معي في الهواء، متجاهلاً سنوات سنه المتقدم.. أنطلق نحو باب الحرية.. أعبره.. أنظر خلفي فأجد الجندي يصد جدي عن العبور..
ـ هو فقط.. أما أنت فستبقى هنا.
أعود إليه.. أصرخ فيه:
ـ أنت لا تفهم.. إنه ليس حقيقيًا.. هو من صنع خيالي.. مجرد خيال..
يبتسم الجندي.. يقول وهو يدفعني أمامه:
ـ ولهذا السبب تحديدًا.. يجب أن يبقى هنا.
أحاول أن أتملص منه فأفشل.. يقودني إلى نهاية الممر المظلم.. يغيب عني باب الزنزانة، ورائحة جدي.. يدفعني عبر سلم حلزوني صاعد.. وقبل أن أتبدد، أصرخ بكل ما بقى لي من قوة:
ـ اجعلها تفيض يا جدي.. أرجوك.. اجعلها تفيض..

قراءة نقدية بقلم د.عمر عتيق (فلسطين)
تجسد قصة ( قطرة أخيرة) لونا سرديا أطلق عليه جمهور النقاد أدب المنام أو المنامات ، وهو السرد الذي يحفل بالخيال والإثارة والمفاجأة والتشويق ... وقد يميل بعض النقاد إلى وصف قصة ( قطرة أخيرة ) بأدب الفانتازيا اعتمادا على التماهي بين البعد الواقعي والبعد الخيالي اللذين يصبغان أحداث القصة ، إذ أبدع الكاتب في مزج المشاهد الواقعية بمشاهد مغرقة في الخيال .
يوهمنا الكاتب - ببراعة – في بداية القصة أن الحوار الذي دار بينه وبين جده المتوفى هو حوار حقيقي واقعي وذلك من خلال تقنية التصوير الواقعي حينما أخبرنا بضمير المتكلم أنه استيقظ من نومه ليجد جده المتوفى يرافقه في زنزانته .
ويشكل البعد المكاني ( الزنزانة ) فضاء مشبعا بعناقيد دلالية ... ولعل أكثر العناقيد سطحية هو دلالة الزنزانة على مأساة المعتقل السياسي ، وهي دلالة أزعم أنها مستبعدة من الرسالة المضمرة للقصة على الرغم أن القصة حرصت على التفاصيل الوصفية الدقيقة للزنزانة والمعتقل الذي يقبع فيها منذ سنوات . أما العناقيد الدلالية العميقة للزنزانة فهي تفاصيل المعاناة والأعباء التي يرزح تحتها المجتمع ، فالزنزانة الضيقة هي المجتمع الواسع الذي ينمو فيه القهر والإحباط إلى حد لا يليق بالموتى وهو أمر تجسد في قول الشخصية الرئيسة لجده المتوفى : (صدقني يا جدي.. بقدر ما أشتاق إليك، بقدر ما يصعب علي أن أراك هنا معي........ \\ كلا يا جدي.. أنا اعتدت المقام هنا.. أما أنت فلا.. صدقني حياة الحبس لا تليق بك.. على الأقل من أجل صحتك.) ويزداد المشهد سوداوية حينما يصعب التمييز بين الحي والميت ؛ الحي الذي يتنفس القهر في زنزانته أو مجتمعه ... والميت المدفون تحت التراب ، وذلك في الحوار الفانتازي بين الشخصية والجد المتوفى ، نحو قوله : (ولماذا لم تقل: أنك أنت الذي مت؟ ربما أنا رؤية البرزخ الخاصة بك؟) .
ولا يخفى أن الآنية النحاسية في وسط الزنزانة النتنة التي تتجمع فيها المياه الكريهة المتساقطة من سقف الزنزانة تحدث عصفا ذهنيا للقارئ الناقد المتأمل ... وتفجر حزمة من التساؤلات ؛ لماذا اختار الكاتب أن يكون معدن الآنية نحاسا ؟ وعلام تدل المياه الكريهة التي ترشح من سقف الزنزانة ؟ وإلام يرمز عدم امتلاء الآنية وانتظار فيضانها ؟ ... تساؤلات تفتح أبواب الإجابات على مصارعها ... !!!!!! هل ترمز الآنية النحاسية إلى مؤسسات بعينها يتراكم فيها الفساد ؟ أم ترمز إلى أولئك الصابرين القابضين على الجمر وقد طال انتظار رفضهم لتراكم المياه الكريهة ؟!

(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 26 أكتوبر2010م)