بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 أكتوبر 2010

المجموعة القصصية للكاتبة الفنانة سهير شكري"ومازلت أنام جالسة "

المجموعة القصصية للكاتبة الفنانة سهير شكري
" ومازلت أنام جالسة "

مقدمة من الكاتب عبد الله هاشم
تـُمسك الفنانة سهيرشكرى بقلمها ــ بدلا ً من فرشاتها ــ لتقدم لنا هذه المجموعة ( وما زلتُ أنامُ واقفة ً) لترسم لنا
إحباطاتِ وآمالَ أبطالها وما يحدثُ فى حياتنا المعاصرة من وقائعَ أقرب للفنتازيا ، لكن إذا دققنا النظرَ فسنرى عالمًا ذاخرًا
بالأحداثِ والمواقف سُـطرَ فى لغةٍ بارعةٍ موحيةٍ بالمعانى والصور الدالةِ . وتكمنُ براعة ُهذه الكاتبة ُفى تقديمها لنهاياتٍٍِ
غير متوقعةًٍ لقصصها ؛ لنكتسب فى النهايةَِ إلى جانبِ الفنانةِ قاصة ً ترسم ُ بقلمها لوحاتٍ معبرةٍ عن عصرنا

الكاتبة في سطور :

ــ سهير سيد محمود إسماعيل شكرى .

ــ عملت مديرًا عامًا بالتربية والتعليم .

ــ عملت بالتدريس بدولة الجزائر الشقيقة .

ــ فناتة تشكيلية أقامت العديد من المعارص الفنية .

ــ عضو ندوة الاثنين بقصر ثقافة الأنفوشى .

ــ عضو جماعة الأدب العربى بالإسكندرية .

حصلت على جائزة من رئاسة الوزراء والمجلس القومى للأمومة والطفولة لعظائها المستمر فى مجال العمل

الاجتماعى .



دراجة بثلاث عجلات

سافرتْ بى الرياح ..وشردتنى ..خبأتنى الجبال ثم طردتنى لوحدتى وليلى الطويل القاسى ..

أتذكرُ طفولتى المرحة فى بيت أمى .

أتيتُ إليكِ مفعمة ًبالصبا الأخضر ، صدرى شباكـُك .. قلبى عُشـُك .. أضلاعى أسوارٌ تحتضنـُك كى لا تسقط َ.

حلمى كبيرٌ .. أودعتـُه طائرَ الكروان .

أجلسُ على مقعدى ، مستلقية ً، أرقبُ الياسمين فأرى وجهَك .

أنتظرُك ممتطيًا الشمسَ المقبلة , أبثـُك وصايا الحنين والانتظار ... قبل أن تـُقرأنى وصايا العودة واللقاء .. لنمتزجَ معـًا

بوصايا الانتصار على ظروفِ القهر والانسحاق .

بعد ثمانى سنوات من البعد والغربة يأتينى صوتك عبر الهاتف

" سأعود يوم الثلاثاء " .

خبرٌ انتظرته طويلا ً أنا وابننا حلمى ، ذهبتُ إلى شقة عِرسى ، خلعتُ عنى ثوبى الرمادى ، زينتُ بيتى بالورود
فتحتُ غرفتك المغلقة من سنين ، عطرتـُها بالياسمين ، أطلقتُ المباخرَ ، لتفيقَ كلُّ أركان المكان على رائحة المسك والزعفران .
أدرتُ مفتاح َالتسجيل على صوتِ فيروز الملائكى ليحلـّق فى كل الأرجاء .. حبيتك بالصيف .. حبيتك بالشتا..
أخرجتُ مفرش سريرك البنفسجى المطرز بشرائط الحرير والدنتيل ،
أطلقتُ جدائلى الحبيسة منذ سنين .
آه يا حلمى الوحيد وحبى العتيق .
لن أنام بعد اليوم وحدى بين رائحةِ الظلال وعتمةِ الصمتِ ، سأغطيك بالعطر ،
أهدهدُك كما الطفل ، أسرقُ يدى من تحت رأسك بعد أن يعانقك النوم .
لا صوت يأتينى غير نبضِك والمطرُ، أوقظك فى الصباح الندى على قهوتك المفضلةِ ،

أفتحُ النافذة َعلى الحديقةِ ؛ لتطلَ السماءُ ، ونستضيفَ البحرَ ؛ ليصافحا وجهَك الهادئ ، نستنشق عبقَ الليمون
كلنا اليوم فى انتظارك ، أنا وحلمى والسماء والبحرُ والأشجار ، نستقبلـُك جميعًا بالأحضان الدافئة والملابس الراقصة .
لقد طالت غيبتـُك ثمانى سنوات منذ أن انتزعتـْك من أحضانى قسوة ُ الوطن العاتية..... التى لفظتْ الشباب لتلتهمَه الأمواجُ الغادرةَ ُ...... تقهرُه بلادُ العقال والاعتقال ، فيتوه فى البريه كمن لا وطن له ؛
فارًا من التنين الذى يبتلعُ كلَّ أحلام الصبا . وجشع حفنة المنتفعين القابضين على البر والبحر والأعناق .
أفتحُ دولابى .. أخرجُ قميصَ نومى المخملى.. ومنامتك الزرقاء مكوية ًونظيفة يفوحُ منها عطرُك .. أضعُهاعلى السرير فى إنتظارك .
أعدُّ حمّامى بماء الورد والقرنفل .
رحلتَ بعد ثلاثة شهور من زواجنا ، كان الرحيلُ ضرورة ً، أفضل من حياةِ الخوف من أن تدوسَك أقدامٌ لا تعرفُ الرحمة .
الكل يحسدنى على طول صبرى وانتظارى .. بل إن بعضهم طالبنى بأن أثور وأطلب انفصالى .. لكن حبَّك كان أقوى من أى تشكيك أو فـُرْقة .
رحلتَ عنى مرغمًا ما بين لوعة الألم وجنوح الأمل ، بعد أن وضعتَ بذرتك فى أحشائى وسجلتَ اسمك فى نخاعى .
رسائلك تكاد تُسمعنى عزفك المنفرد على أوتار قلبك النشوان بوصول ابننا حلمى .
لقد أبلغتنى أنك اشتريتُ له يومَ ولادته دراجة ملونة بثلاث عجلات ، وعدتنى بالحضور ولم تحضر. ثمانى سنواتٍ كاملة لم تطأ أقدامُك أرضَ الوطن لترى ابننا الذى تمنيته وسافرتَ من أجله.... وأنا... ألم تشتقْ لأحضانى ... ؟؟ كلُّ خلجاتى تناديك
لولا خطاباتـُك لأيقنتُ بموتك .
أنت فى مخيلة ابننا صورة ٌمعلقة ٌ على حائطٍ وكلمةٍ فى خطابٍ .
يحلم برؤياك ... بلمسك .... باحتضانك . .... بمسامرتك .
كنت أرقبه حين يقرضُ أظافره ساهمًا وهو يشاهد ابن الجيران يسيرُ فى كنف والده ...
الآن أرى النور فى وجهه والفرحة تقفزُ من عينيه وهو يجرى هنا وهناك ليعلنَ للجميع رجوعَك .
أجلس أنا وهو بالقرب من الباب فى انتظار هلالك... . نسمعُ صوتَ السيارة .. دقاتِ الباب .. . أجرى .. تدفعنى لهفتى أنا وحلمى . نفتحُ الباب على مصراعيه .
بالقطع عدتَ محملا ً بهدايا لا حصرَ لها . عندما وقعتْ عيناى عليك... تسمرتْ قدماى ... توقفتْ دقاتُ قلبى ... عُلقتْ أنفاسى ...
انعقد لسانى ...
أما حلمى فوقفَ مشدوهًا يقارنُ بينك وبين الصورة .
أمامنا شبحٌ لونـُه شديدُ الاصفرار ... ملابسُه واسعة ٌ كأنها عُلقت على شماعةٍ ... يتكأ على عصا ... منكسرًا حزينـًا .
ليس معه سوى درّاجةٍ صغيرةٍ بثلاثِ عجلاتٍ .

•••••••••••••

هروب

استيقظتْ فلم تجد الزوجَ . فر هاربًا دون سابق إنذار . أصبحتْ وحيدة ً تواجه الحياة عارية ًمن كل شئ ، لا شهادة ، لا عمل ، لا مال . تاركـًا لها أربعة َ أطفال ٍصغار ...وأمَّه المريضة .
ماذا تفعلُ؟ هل تفرُّ هى الأخرى ؟!
دائمًا تتأمل مجاذيبَ سيدى إبراهيم الدسوقى فهى تسكن بجواره . كان أبرزهم (باتعة العايقه) التى تلبسُ كل الملابس فوق بعضها كل ألوان العقود على صدرها ، ويداها مليئتان بالغوايش . شعرُها ينطلقُ متجعدًا لأفاق ٍبعيدة . وهذا (عبدو) الفحل ذو الجثة الضخمة يسير عارى الصدر يعترضُ المارة يفرضُ عليهم قدرًا من المال يحدده هو. يهابُه الجميع ُعيناه واسعتان حادتان ، شعرُه أشعث ، لحيته متدلية ًعلى صدره المفتوح فيختلط شعرُ لحيته بشعر صدره العريض . كثيرًا ما كانت تتأملهم متسائلة : مَنْ هؤلاءِ ؟ مِن أين جاءوا ؟ ما هى أسماؤهم ؟ هل فروا من مسئوليتهم مثل زوجها ؟ لماذا لا تفر هى الاخرى ؟ رجالٌ فروا الأ يُبيح ذلك لها كأمرأةٍ أن تفرَّ مثلهم . لتلقى عن كاهلها هذا الحمل الثقيل .
هل تقلد باتعة العايقة أم تتسكعُ فى الطرقاتِ تتسولُ ملتفة ًبأثمال ٍ مهترئة ؟
ترى هل يكون زوجُها قد سبقها وأصبح من مجاذيب الحسين أم السيدة زينب؟
تنظرُ لأولادها ... ماذا تفعل فى إطعامهم . كسائهم . تعليمهم علاج أمه المريضة.
خرجتْ تحملُ أخرَ قطعةِ نحاس (حلة كبيرة) لتبيعها وهى متسللة خشية أن يلمحَها أحدُ الجيران نظرتْ حولها . . مازال الوقت مبكرًا . كل الشرفات والشبابيك والأبوب موصدة.
قبل أن تصل الى قارعة الطريق ... فاجأها عبدو المجذوب . ناداها ، ارتعدتْ وأسقط فى يدها ماذا تفعل؟ ليس معها ما تمنحه إياه ... سيأخذ منها الحلة
النحاس . لن يأكلَ الأولاد اليوم .
جرتْ . جرى وراءَها ...... أخذ منها الحلة النحاس عنوة ًأحكم قبضته عليها كى لا تستطيع الفرار . ناولها لفافة كبيرة . وفى صوت غليظ أجش أمرها بالرجوع إلى المنزل .
رجعتْ باكية ً حزينة محبطة وهى تتسائلُ ً: ـــ ماذا أعطانى هذا الفحلُ المجذوب ؟ إنه يومُ نحس ، كانت مفاجأة ، مبلغـًا كبيرًا من المال ، أما عبدو الفحلُ فمازال يجوبُ فى رحاب الضريح وهو يقرع ُالحلة النحاس بمطرقةٍ من حديد فرحًا راقصًا منتشيًا.
*********************
ليلة العمر

عُلقتْ الزيناتْ ودُقتْ الطبولُ ووقفتْ العرباتُ الفارهة أمام الفندق الكبير، الذى يقام فيه العرس .
الكل يرقصُ.. يصفقُ مع المطربين والراقصين .
تتبخترُ العروسُ ذاتُ القوام الممشوق , فى فستانها الأبيض الفاخر ، متأبطة ًيدَ العريس الطويل .. الجميل .. الأنيق , تحسدها صديقاتـُها , يطلبن من الله أن يكون لهن مثلُ حظها ، فالعريس وسيمٌ.. غنىٌّ ..حقـًا إنها ليلة ٌرائعة ٌ، العريس يقــَّبل يدى العروسة يُراقصها فى حميميةٍ واضحةٍ . أليست هى ليلة ُالعمر ..
انتهتْ مراسمُ العرس فى وقتٍ متأخر اصطحب العريس عروسه ، تودعهم الموسيقى والزغاريد.
دخلتْ العروسُ إلى بيت الزوجية فرحة ًيحفها الأملُ بحياة سعيدة ملؤها الحب والحنان ، جلستْ على السرير لتخلع ملابسها .. لكن العريس طلب منها أن تلبس ملابسَ محتشمة لأداء الصلاة .
صلى الاثنان وكلما انتهت صلاة ، طلب منها مزيدًا من الصلاة ؛ كى تحل البركة على المكان والحياة ، ظلت تصلى حتى أصابها الإنهاك والإعياء ، أفاقت فى الصباح وجدت نفسها نائمة ًعلى الأرض فوق سجادة الصلاة والعريس يتوضأ لصلاة أخرى .

•••••••••••••
عسكر وحرامية

جلستْ الحفيدة ُ بجوار جدتها التى ضعُف سمعُها وبصرُها أمام شاشة التلفاز
تتبرمُ الحفيدة من كثرة أسئلة الجدة عن ما لم تستطع سماعَه أو رؤيته ، سألت الجدة بصوت عال : ــ
ماذا يقول المذيعُ ..؟
ردتْ الحفيدة :
- يا جدتى سرقوا قضبان السكة الحديد ومخازنها وشونها ، وفرامل اثنتى عشرة ألف قاطرة بضائع ، صرختْ الجدة فى الحفيدة : - تستهزئين بي يا مفعوصة ؟ والله لمّا يرجع أبوكِ لازم يؤدبك . إذا كان سمعى وبصرى ضعُفا فأنا عقلى يزنُ بلدًا .
قالت الحفيدة:
- لم أكذبْ عليكِ والله لقد حصل ..!!
قالت الجدة :- أين كانت الشرطه ..؟!! هل السارق لبس طاقية الإخفاء مثل إسماعيل ياسين ..؟!! أنا فى شبابى لايجرؤ أىُّ لص ٍعلى أن يقتربَ من منزلى ؟ أو تكون نهايته على يدي .
الحفيدة :
- يا سلام كنتِ مأمور المركز ، أم عندكِ حرس خصوصى ؟!
ردت الجدة وهى فى قمة حنقها :
- كان عندى حرس خصوصى يا بنت .
اقتربتْ الحفيدة ُأكثر من الجدة مستفسرة ً:- أصحيح يا جدتى أنتِ بنت باشا وكان عندك حرس ..؟
ردت الجدة ُبكل كبرياء وعظمة :- طبعًا كان عندى خمسة ....!!! خمسُ وزاتٍ سمان ؛ الأوز يعرف الغريب ، ويصيح عليه ، يستيقظ أهلُ البيت والجيران ، ويمسكون بالسارق .
استغرقت الحفيدة فى الضحك حتى دمعتْ عيناها . :- خلاص يا جدتى نقول للشرطة أن يربوا الأوز .
•••••••••••••


ادمان
مات الزوجُ ... اعتزلتْ الأقاربَ .. الأصدقاء . دفنتْ نفسَها فى عملها .. كفـَّنتْ جسدَها فى ملابسَ واسعةٍ ، وضعتْ على عينيها نظارة ً ًسميكة ً، تلبسُ فى قدميها حذاءً دون كعب شبيه بأحذية الرجال ، تلف شعرها بإيشارب . تمسك بيدها حقيبة كبيرة بها كل أوراق العمل ، كل ما يشغلُ تفكيرَها عملها ، لم تأخذ أجازة يومًا واحدًا . وقعتْ مغشيًا عليها . نصحَها طبيبٌ أن تأخذ أجازة لتستعيد قواها من جديد ؛
عملت بالنصيحة : ذهبت إلى إحدى النوادى . . تدخلُ متسللة.
نظرتْ حولها .. نساءٌ مختلفاتٌ .. يضحكن .. يثرثرن .. شعورهن منطلقة ٌ. حمراء... صفراء... سوداء.
يلبسن ملابسَ ذات ألوان عجيبة وموديلات أعجب .. يلبسن أحذية ًذات كعوب مرتفعة . روائحُ العطور الباريسية تفوحُ منهن . ألوان المساحيق شَكلتْ من وجوههن معرضًا للفنون التشكيلية ... أحستْ بالغربة .. الكل يركـِّزُ نظراتِه عليها كأنها جاءتْ من كوكبٍ آخر . شعرتْ أنهم جميعًا جاءوا هذا المكان ليتمتعوا بمشاهدتها . قامتْ مسرعة ً ًتتقافزُهاربة ً. قبلَ أن يُلقوا لها بالفول السودانى وأصابع الموز . خرجتْ ذاهلة ًإلى بيتها تستعرض حياتها طوال الطريق . فتحتْ الباب . . نظرتْ فى المراّة .. وجدت لها شاربًا كثيفـًا وحاجبين غليظين . وضعتْ يدها على وجهها . أحستْ بخشونة ذقنها ... بكل قوة وغيظ ضربتْ المراّة َ.. هشمتها .
•••••••••••••


اعارة
لأول مرة يفارقُ الأستاذ عبد الناصر مدرس اللغة العربية زوجته الجميلة كان يرى فيها رحابة الفضاء .. نورَ الشمس .. حنان َالنهار ؛ لذا يغارُ عليها بشدة .
تربى الأستاذ عبد الناصر وزوجته بهية فى إحدى قرى صعيد مصر . لم يعرف امرأة ً ًفى حياته غيرَها لذا اتفق معها أن يستقدمَها فورَ حصوله على سكن ، فقد أعير الى الجزائر بعد الثورةِ الجزائرية ، ها هو قد أرسل لها يستعجلُ وصولـَها ، يرقصُ قلبُها فرحًا .. تـَعد الثوانى والدقائق .. يمرُّ عليها الزمنُ بطيئـًا متثاقلا ًتنتظرُ الوصولَ على أحر من الجمر ، ستذهبُ الى بلادٍ بعيدةٍ جديدةٍ لا تعرفُ عنها شيئــًا .
ماذا بعد وصولها ؟؟ يجلسُ الاستاذ ُعبد الناصر منهزمًا مهمومًا منكسرًا . تكادُ أنفاسُه تحرقه ، وتلتهمُ كل ما حوله.. دقاتُ قلبه تضطربُ ، يدورُ فى رأسه صراع ٌ عنيفٌ .
كيف يحدث هذا الفعل الفاضح أمام عينيه ؟ ماذا سيحدثُ من خلفه ؟ هل يكتفى بتأديبها بعلقة ٍساخنة ٍلا تنساها ؟ ؟ هل يترك هذا المكان وينتقل الى مكان آخر .
لا لن يتركَ المكان قبل أن يأخذ بالثأر، هكذا تربى فى الصعيد ؛ النار ولا العار ... لماذا فعل جارُه هذه الفعله ؟ هل امرأته جميلة الى هذا الحد فلم يستطع جاره كبحَ جماحهِ ؟؟! وأخيرًا قام منتفضًا كالثور الهائج يدق بابَ جارهِ بعنفٍ ويدخلُ الشقة َ دونَ سلام ٍ أو كلام .. لا يلتفتُ لأحد ٍينظرُ بعينين زائغتين فى كل أنحاء المكان كمن يبحث عن شئ .
يقف الجار وأولادُه كالتماثيل كأن على رؤوسهم الطيرَ مندهشين لتصرف الأستاذ عبد الناصر ماذا الم به ..؟ يتنفسُ بصوتٍ عالٍ .. العرقُ يغطى وجهه .. يداهُ ترتعشان وأخيرًا يصيحُ كمن وجد ضالته المنشودة صارخا : " تعالـَىْ هنا ." يقبضُ بكلتا يديه على زوجة جارة ويقبلـُها من وجنتيها كما قبلَ زوجُها بالأمس زوجته بهية عندما اصطحبه معه لاستقبالها فى المطار . انتقلَ عبدُ الناصر الى سكن أخر بعيد .. لو ظل فى هذا المكان سيشعر بالألم كلما وقع بصرَه على الرجل ويتذكر فعلته الشنعاء .. حينما وصل الى شقتة الجديدة استقبله صاحب البيت بترحابٍ وقبَّلَ زوجته . صرختْ بهية ووقعتْ مغشيًا عليها هربًا من علقةٍ ثانية . أما الأستاذ عبد الناصر فقد انهارَ على السلم صائحًا : ماذا أفعل ؟!هل ألغى الأعارة وأعود بزوجتى ؟! انحنى صاحبُ الشقة عليه يسأله عما حدث ولما عرفَ السبب ضحك ساخرًا إنها عادة اكتسبها الجزائريون من الفرنسيين .
•••••••••••••

غربة

خسرَ كلَّ شئ ..عمرَه الذى ضاع فى الغربة بعد أن عاد من أمريكا... طامعًا فى احضان وطنه الدافئة .
.
اشترى قطعة أرض وضعَ فيها مالَه و آماله… اكتشفَ أنه وقع فريسة ًلشركةٍ وهمية.
بعد أن روى الأرض بعرقه و جهده . أْصبحتْ صالحة ًللإنتاج …انتـُزعتْ منه . ومُلـِّكت لمسئولٍ كبير… لجأ للقضاء.. لم يُنصفه.
قابلته أستاذة جامعية مطلقة.. تكرر اللقاء... حدث الزواج...
بعد فترة اكتشف أنه مجرد جسرعبور … لتعودَ لزوجها السابق
بعد طلاقها أحس أنه أكثرإحباطـًا.. حنقـًا.غيظـًا. كمن وقع فى كمين
رأى وطنه مدينة ً يديرُها مجموعة ٌمن الضفادع الغبية ،
استنجد بالعلم للخروج من أزمته .
تقدمَ للكليةِ برسالة ٍللحصول على الدكتوراه ، وضع فيها كل ثقافته وأبحاثه وتجاربه .. بعد ان أجازتْ اللجنة رسالته تقاذفوه بينهم كالكرة ، تنصلوا منه ، طلبوا منه أن يعيدَ الرسالة من جديدٍِ فى جامعة ٍأخرى .
أحسَّ بالظلم يسرى فى عروقه و جبل ِ القهريضغط ُ فوق صدره
وحيدًا...محبطـًا...لاعملَ...لازوجة َ..لا أرضَ..لامالَ .
إنه سقط فى قاع الكمين …لا مفرَ. ذهبَ الى أقربَ صيدلية..اشترى علبة َدواءٍ .. رجع الى منزله.. استلقى على السرير استعدادًا للرحيل .. تناول كلَّ الأقراص دفعة ًواحدة.ً. أغمض عينيه فى انتظار الموت لكن الموت لم يجئ …لقد سبقه الفساد الى صناعة الدواء .
•••••••••••••


عودة

وأنا فى الغربة لا أحيا ولا أموت يقتلنى الحنين ..تطيرُ بى الطائرةُ متلهفة ًعلى الوصول أشعرُ أنى أركبُ فوق ظهر سلحفاة ..أحلم باللون الأخضر المسحور و البحر الصاخب الهدار .. النخل الباسق الرشيق ..الحب الجارف العميق.
هاجرتُ منذ ثلاثين سنة أنا وزوجى إلى إستراليا .. اكتفينا بالخطابات .. التليفونات .. النت .
أتشوق لمقابلة الشلة كنا نتجمعُ كلَّ ثلاثاء حول الزعيم الإنسان يقودُنا ويَسحرُنا بافكاره .. نحلقُ معه فى سماءٍ لا نهائية.. يعدُنا أن يكون الغدُ ملكنا... مازلت احفظ ُشعاراتِه و أقواله ..(أمريكا نمورٌ من ورق.. الرأسمالية تدق أولَ مسمار فى نعشها ... كلُّ شيئ ٍٍ يحمل نقيضَه .. تولدُ الفوضى فى رحم النظام) .
كنا مجموعة ً ًيحفنا الأملُ ننطقُ بالحق و العدل .
لكنى حينما عدتُ إلى الوطن ِشاهدتُ تفسخَ القديم و الجديد جفـَّتْ الآبارُ ... تعرّتُ الأشجارُ.. سقط القناع.. زعيمُنا الإنسان لم يكن سوى ساحر ٍ فتان . كتب لنا شعاراتٍ جوفاء على سطح الماءِ الآسن ، لم يكن ديكـًا يؤذنُ لبزوغ الفجر. بل غرابًا ناعقـًا للموتِ بلا أثمان فسار منتشيا فى مدينة الغربان التى تحكمها الأرقام و البنوك ..وعودة عصر الملوك تاركـًا للفقراءِ القيودَ و السجون . يتصدرُ الإعلام ليعلن علينا ان أمريكا بيدها كلُّ الخيوط ومصائرُ الحكام و الملوك .ومن مرارة الألم لم أنم . أمسكتُ بالتليفون كى أحجزَ تذكرة ً ًللعودة ِفى أقربِ طائرةٍ ً.
•••••••••••••

عهد قديم

ترك المنزلَ بعد مشادةٍ عنيفة بينى وبينه .. صًارخا متوعدًا ..
مرت ثلاثة ُ أيام .. لم يعُد . أنتفضُ ألمًا أتسائلُ أين الحب الجارف؟! الدفءُ الحانى ؟ كنا نتفاهم بالصمت الناطق ؟ بالعين السابحة فى أغوار النفس .
أنا الآن وحيدة ٌ.. يمزقنى الشوقُ . أرتعدُ خوفـًا .
أقطنُ بحى بعيدٍ عن العمار . ببنايةٍ جديدةٍ لم تـُسكن بعدُ . لأولِ مرةٍ وحدى نظرتُ حولى فى أرجاء الشقة .. كل محتوياتها اخترناها معًا رتبناها سويًا .. أذواقنا تتفقُ.. أفكارُنا تتعانقُ.. تتحدُ رؤانا .
أحسستُ بمفتاحه يدور فى الباب ..لابد أنه عاد يطلبَ السماح .
جريتُ إلى سريري ، أدعيتُ النومَ أعطيتـُه ظهرى أسمعُ وقعَ أقدامه فأسمع دقاتِ قلبى فوق وسادتى . دخل الحجرة . تعلو دقاتُ قلبى ، جلس على حافة السرير، خلع حذاءه ، خلع ملابسه ، عرفتُ ذلك من صوت التوكة المعدنية التى فى حزامه ، فتح الدولاب ، علق الملابس ، نام بجوارى . أنفاسُه تنعشـُنى.. أشتقتُ لصوته يأتينى كالجرس الفضى المتفرد .. لهفتى طاغية لحِضنه ..الذى يُشعرُنى أنى فى حِضن النهرالمتدفق ..
لكنه لم يفعل ....انسحب من جانبى فسمعتُ دقة قلب الخوف العاتى ..نهضتُ فزعة مرتاعة كالمجنونة ..خرجتُ مسرعة ًإلى الصالة أناديه لكنى لم أسمعْ إلا أصداءَ صوتى.
رأيتُ بابَ الشقة مفتوحًا على مصراعيه انخلع قلبى منى ، إذا لم يكن حلمًا فهوواقع ..أنا دائما أتأكدُ من إغلاق الباب لشعورى بوحدتى فى المبنى ،
ماذا لو دخلَ علىَّ قاتلٌ أو سارقٌ ؟ لماذا يفعل بى كلَّ هذا ؟ هل يرعبنى؟ هل خطط لجنونى؟ مليون سؤال و سؤال .هل ينقلبُ الحبُ الى بغض ؟! هل هنتُ عليه ؟؟!.
لقد أصر على الزواج منى بعد طلاقى . وأخيرًا اتفقنا .. شرطه ألا أنجبَ وشرطى أن يعيشَ ولدى معنا . وافق..وافقت .. أقسمنا على ذلك..بعد فترة أصر على أن يترك ابنى المنزل . شعرتُ حينئذٍ بصفعةٍ قويةٍ ، أدمتْ قلبى ، وسفحتْ دموعى .. لقد نقضَ عهدَه .. صممتُ أن أردَ له الصفعة ، فى صمتٍ أرسلتُ ابنى لجدته . حملتُ .. جُنَّ جنونُه بعد رفضى للأجهاض .. تم الطلاقُ . ، لكنى احتفظتُ بعقلى وجنينى .
•••••••••••••

العشاء الأخير

هى جميلة ٌ، بسيطة ٌ، ذكية ، إحساسها مرهفٌ ، مشاعرُها متدفقة ٌ.
هو أبيض البشرة ، طويلٌ ، حادُ الملامح ، يلبسُ بأناقةٍ فائقةٍ ، صامتٌ يقرأ كثيرًا فى علم النفس ، رغم أنه رجل قانون ، متحجرُ العواطف ، متكبرٌ ، يُشعرُها دائمًا أنها لا تشغلُ أىَّ حيز ٍفى دائرة إهتمامه ، يدّعى أنه لا يسمعُها ليؤكدَ لها أنها ليستْ موجودة ًفى حياتة .
حاولتْ كثيرًَا كسرَ جدار الصمت .. لم تفلح.. لاذتْ بالصمت .. نظرت لابنها وبنتها ما ذنبُهما ..؟؟
كفنته هى الأخرى بالنسيان لتكن أرملة تربى أطفالها كما تفعل الكثيراتُ . وقرَ فى قلبها غربتـُه .. أصابها الهُزال .. عنـّفها فى قسوةٍ بالغةٍ لعدم مقدرتها على خدمته ، هو والأولاد ، شعرتْ أنها مجردُ خادمة ، نصحه الأقاربُ بعرضها على طبيبٍ بالقاهرة .... أكد له الطبيبُ خلوَّها من أى مرض عضوىّ .. تركها تجلسُ على إحدى المقاهى ليجوبَ القاهرة لشراء ملابسَه الفاخرة .. هى وحيدةٌ... متعبة.ٌ... جائعة ٌ.
عادَ بعد وقتٍ طويلٍ حاملا ًمشترياتة وهى ساهمة.ٌ.. شاردة.ٌ... جائعة.ٌ..صامتة.ٌ
اصطحبها للعشاء فى أحد المطاعم . نظرتْ إلى الطعام ... انتابها شعورٌ بالرغبةِ فى التقيؤ .. لم تأكلُ ... ألمٌ بمعدتها .... أما هو.. أكل بشهية بالغةٍ ... صحبها للرجوع ... نظرتْ للسيارة الأجرة.... لا يوجد إلا راكبٌ واحد بجوار السائق ، ركبتْ بجوارهما ، متعمدة ً ألا تجلسَ بجواره ، أما هو فجلس خلفها ، طوال الطريق ليس بينهما أى حوار ، تجترُّ آلامَها ..معاناتِها .ظن جميعُ الركاب أنه لا توجد أى صلةٍ بينهما .حينما وصلتْ السيارة ُإلى طنطا وضع يده على كتفها ينبهها للنزول ضربتْ يدَه .. صرختْ . . منفجرة ً.. باكية ً. التفَّ حوله الركابُ والسائقُ أوسعوه ضربًا مبرحًا ظنـًا منهم أنه يتحرشُ بها ، أما هى فأحستْ بالراحة ... تنفستْ الصعداء .... مشيت فى ثقة ٍ واعتزاز مرفوعةِ القامة ِ فى طريق يبعد كثيرًا عن بيتها ....
•••••••••••••
الذئبة الحمراء

وصلَ خالى من البلدة بصحبة جدتى لنعرضها على طبيب بالأسكندرية .. فهى كثيرًا ما تنفصلُ عن عالمنا وتعيش فى عوالمٍ سحيقةٍ .. وقفنا أمام المنزل ننتظر تاكسى .. رأينا عرباتٍ حديديةٍ عالية كئيبة بها فتحاتٌ ضيقة للغاية لا يستطيع الهواء اختراقـَها . كأنها سجونٌ متنقلة ٌ.. عددٌ غفيرٌ من الجنودِ فوق رؤوسِهم خوذاتٌ وبيدهم الدروعٌ والعصىُّ ..
صاحتْ جدتى قائلة :
ــ أتى الفرنسيون ليحتلوا الأسكندرية أين محمد كريم ..؟؟؟... أين المقاومة الشعبية ..؟؟ ما هذا الصمتُ.. . أين ذهبوا ..؟؟؟
نظرتُ لخالى متعجبة ً..!! كل هذه الاستعدادات الضخمة لمواجهة وقفة إحتجاجية سلمية للقضاء..؟؟
تذكرتُ كيف مات ابنى بالذئبة الحمراء(مرض زيادة المناعة) ..فعندما تكون جيوش المناعة أقوى بكثير من أى خطر ضعيف يواجه الجسم بعد أن تقضى على هذا الخطر .. ولا تجد من تهاجمه ... فتهاجم جسم صاحبَها وتقضى عليه .
جدتى تصيحُ :
ــ إلى الأن لم يظهر محمد كريم ولا المقاومة ُ... لابد أنه وضع خطة ًلمحاصرتهم والقضاء عليهم .
قلتُ لجدتى :
ــ اطمئنى إنهم سيقضون على أنفسهم بأنفسهم .
•••••••••••••

سيد وعبد

ليس فى مقدورى نسيانـُها .... وإن شربتُ نهرَ النسيان حتى الثمالة .
أفتش فى البشر لا أجدُ شبيهًا لها فى هذا العصر .
مازلتُ عند آذان الفجر أسمعُ منها أحرَّ الدعوات . تتأثر نفسى .. ينبضُ قلبى بالإخلاص ..أوشِكُ أن أبكى كالطفلة التائهة فى جنح العتمة.. بحثـًا عن طاقة نور مع أنى جاوزتُ الستين . أنتقل فى عالمها الأسطورى عبر حكاياتها التى لا تـُحصى مراميها ؛ لكنى لا أنسى أبدا حكايتها (السّيدُ والعبْدُ) .
السيدُ يتبخترُ فوقَ جوادهِ القوى الجامح فى ضيعتة المترامية الأطراف ..عبده الأسود خائفٌ مرتابٌ .. حزنه مكظومٌ .. فى ظلمة سيّده الطاغى .
وفى ليلة ليلاء كان العبد مكدودًا مهدودًا من كثرة الشقاء ،.. يئنُّ من شدة العطش ، لكنة لا يستطيع القيام فأعضاؤه ليست ملكه من شدة الإعياء .. سمعه سيّدُه .. نادى عليه وفى لمحةٍ خاطفةٍ كان تحت قدميهِ.. طلب منه الماء.. أمره بأن يشربه .. شرب العبدُ ... نادى السيدُ :
ــ يا سيّاف اقتل هذا العبدَ ، فمن لا خير له فى نفسه لا خير لأحد عنده .. ؟؟؟
•••••••••••••

عبد القوي
الحاجُ عبدُ القوى فقير ، تزوجَ من الحاجة فهيمة التى تكبره بخمسة عشر عامًا ، ذات السطوة والمال ولا جمال . يتمزقُ شوقـًا للأطفال . لا يستطيع أن يُفصحَ عن ذلك أمام زوجته ، أصبح الآن فى خريف العمر ، تتساقط ُالأيامُ من حساب الزمن كما تتساقط أوراقُ الشجر .
يقطنُ مع الحاجة فهيمة فى منزلها ، الواقع على ضفاف النيل فى مدينة رشيد .. يعمل فى دكان العطارة التى تملكه هى أيضًا ، يستيقظ مبكرًا ليصلى الفجر ، ثم يعود الى المنزل لتناول الفطور . يفتح الدكان . يظلُ واقفـًا على قدميه . ترسل له الحاجه فهيمة وجبة الغذاء مع صبيه دون أن تسأله عن نوع الطعام الذى يحبه ، يظل هكذا حتى صلاة العشاء ، يغلقُ الدكان ، يرجعُ الى البيت تؤلمه قدماه ، يتناول وجبة العشاء ، يستلقى على سريره ، يغط فى النوم حتى الفجر.
وعلى مدار ثلاثين عامًا أصبح مستسلما، ينظر للحاجة فهيمة .. تزداد عجزًا .... قبحًا... استبدادًا .
أين المفر.. .؟ .. ولمن يفر ...؟ هل سيظل عمره بهذه الرتابة والملل المميت ؟!!
عاد بعد صلاة العشاء ، وقف أمام المنزل ينظر طويلا ً.. طويلا ًإلى النيل أيُّهما يختار ....؟؟!!! وأخيرا اختار النيل .
•••••••••••••
ضفائري
اشتهرتُ بين أقاربى ، أحبائى ، أصدقائى أنى أنام جالسة ً، فى أى مكان ..!!
يحسدنى البعـض ظنـًا منهم أنى خالية َالبـال .
منذ صِغرى أخـافُ أن أدخلَ إلى سريرى ، كى أخـلد َإلى النوم كبـاقى خلق الله ، أمى تدخلُ حجرتى أثناءَ استعـدادى للنوم ، تشدُّ ضفائرى .. تسألنى فى حـدة :
ــ هل حاسبتِ نفسكِ ..؟! هل تستحقين النوم والراحة ....؟!
يفرُّ النومُ من عيني ، لا تغمـض جفـونى ، أحملق فى الظـلام ، أحس بألم فى جسدى كلما لامستُ السرير .
ماتتْ أمى . جززتُ ضفائرى ألقيتُ بها فوق الدولاب ، ومازلتُ أنامُ جالسة.ً...!!
•••••••••••••
أنيسة

الليلُ فى قريتنا عجيبٌ ....تسمعُ فيه الدبيبَ والحفيفَ ، أحيانـًا يرمى القمر شعاعه على الحقول و تارة أخرى ترى

الأشجارَ أشباحًا و السماءَ ظلامًا.

تحسُ بالشياطين تتنازع حول رأسك.. ويلعب الجـن بأعضائك فيقتلك الخوف وتظن أنك دخلت عالمًا آخر.

وفي الليالى المقمرة تجلس نسـاءُ القرية على المصطبة تحت شجرة الصفصاف العتيقة .

يتحاورن مع بعضهن .

و الحقيقة ُ...أن كل واحدة تحاور نفسها.. تشتكى حقيقة وضعها بدلا ًمن أن تسمعَ وجيعة َأختها .

فهذه تشكو من حماتها المتسلطة .. وتلك تتألمُ من كـف زوجها الموجعة وتدعى عليه بقطعها . و الثالثة تصرخ ُ لحرمان

أطفالها مما يسدُّ رمقهم ويكسو عظامهم .كل الحكـايات والمآسى فوق المصطبة.

ورغم ذلك .. أنيسة العانس تجلسُ بينهن شاردة ًلا تسمعُ إلا صوتَ قلبها يئنُّ من الوحدة .

همستْ فى أذنها إحدى نساء المصطبة ..بأن تنادى مبروك المجذوب و تعطيه قطعة من الحلوى ليدعوَ لها بالعريس

المنتظر. عملتْ أنيسة بالنصيحة ..لكن مبروك قال لها : ــ حتموتى تحت السلم ....!!!

قهقهتْ النساءُ...جرى المجذوب ..جرت أنيسة خلفه تصيح:

(ياعبيط يابن العبيط ).

.. بعد يومين حضر العريس ... رقص الصغار والكبار ...زغردت النساء .

صعدت أنيسة إلى السطح .. طارت كفراشةٍ تحلق فى سماء الأحلام ، لتنزل سلة القمح لزوم الفرح . تخيلت أنها تضع

الطرحة فوق رأسها ... تتبختر فى فستان العرس الأبيض ...تتأبط ذراع العريس .. زلت قدمها .... سقطت .

•••••••••••••

بخيل

جلستْ صابرين على قطعة الحجر .. تضعُ الحبوبَ للطيور التى تعجُّ بها الحظيرة ُالكبيرة ُ.

تكادُ تموتُ ضعفـًا.... جوعًا... وأمامها كلُّ أنواع الطيور . لايُسمح لها الإ بالفول المدمس ...الجبن القديم ...البذنجان

المقلى بزيت التموين . تمنى نفسها بتذوق طعم اللحوم ...

تضع يدها على بطنها التى إنتفختْ وأعلنتْ قربَ الولادة . غدًا ستلدُ صابرين وتكون الفرحة فرحتين .. فرحة ُالمولود ..

و فرحة ُتذوق اللحوم بعد سنواتِ الجوع والحرمان .

حموها يجلس فى صحن الدار على أريكته الخشبية يتكأ على عصاه الغليظة كقلبهِ ، وجلبابه الواسع الذى يخفى

ترهله ..مشهورٌ بعناده وبخله .. وسيطرته ، رغم أنه بلغ من العمر أرذله .

ولدتْ صابرين. استدعى حموها التجار وباع لهم كل ما فى الحظيرة ..

أحستْ صابرين بالغـَبن والقهر.. منزل حميها يختلفُ عن كل المنازل المجاورة .

لكن زوجَها وعدَها عندما يموتُ الأبُ .. يرثُ الحظيرة َ.. سيجعلها المتصرفه فى كل شئ .

انتظرتْ صابرين هذا الأملُ .

ماتَ الأبُ ... أوشكتْ صابرين أن تضع مولودَها الثانى . . يحفها الأمل فى حظ ٍأسعدَ وأوفرَ ..

جلس زوجُها فى صحن الدار على الأريكة الخشبية .. لبسَ جلبابَ أبيه .. أمسك بعصاه الغليظه .. استدعى التجار ..

باع كل ما فى الحظيرة .

•••••••••••••
خطيب
يطرق بابى .. وباب كثير من الأصدقاء والجيران .. يقص علينا أحلام ورؤى لا تنتهى يأخذنا الى عوالم غريبة .. خيالية .. بل أحيانا مستحيلة لاتتفق مع عقل أو منطق ، فالأستاذ فكرى هجر بيته مخلفا ورائه زوجة جميلة ,وولد وحيدٌ يسكنً فى حجرةٍ ضيقةٍ تحت سلم إحدى العمارات لاعنـًا ماضيه كمدرس للموسيقى التى صورها على أنها رجسٌ من عمل الشيطان لذا يرفضُ مزاولة َعملهِ أو تسلم مستحقاته ، تعطفُ عليه كثيرٌ من الأُسر إعتقادًا منهم أنه أصيب بلوثةٍ عقليةٍ ، يسمعونه ويُرثون لحاله ، داعين الله أن يمُنَ عليه بالشفاء .
وجده المارةُ يومًا فى عرض الشارع مغشيًا عليه فى إحدى الضواحى البعيدة ولما أفاق زعم أن الشياطين أوسعوه ضربًا وحملوه من منزله وألقوا به فى عرض الطريق لمعرفته بالمسيح الدجال ومكان ظهوره ، واصفـًا إياه بأنه طويلٌ القامة ..أشول ..أعور .. كاذبٌ.. خادعٌ وأنه سيظهر في إحدى قرى البراري . ظل يقص هذا الحلم على كل الناس حتى وافته المنية . ....بعد سنوات كنتُ أسيرُ أنا وابنتى وخطيبها الشاب الطويل المتدين قاصدين إحد محلات الصاغة لشراء الشبكة ، رأينا الأستاذ فكرى صرختُ أنا وابنتى فى ذهول:
ــ الأستاذ فكرى لم يمت ها هو بلحمه وشحمه ...!! نادايناه لم يُعرْنا أى اهتمام . مشى بخطواتٍ ثابتةٍ كمن حدد هدفه وفى قوة هائلة غرس إصبعه فى عين خطيب ابنتى ففقأها قائلا:
ــ لتكتمل فيك صفاته .
استيقظتُ صارخة ً... لن تتزوجى من هذا الرجل .
•••••••••••••
عذراء
جارتى ماريا اليونانية الأصل . . زوجة عزيز المحامى اللطيف . تدخن بشراهة .. لا تراها إلا والسيجارة فى يدٍ ، وفنجان القهوة فى اليد الأخرى ..
أما أعمالُ المنزل فيقوم بها عزيز على خير وجه .
ماريا محبوبة كثيرًا لتلقائيتها ونقائها . سألتها يوما:
ــ لماذا لم تنجبى ...يا ماريا..؟؟
استرسلتْ لأول مرة تحكى فى آسى وحزن دفين قائلة ً...
- قبل عزيز هذا كنتُ متزوجة ًمن ثروت .. خدعنى ..
سألت عزيز ابن خالتى عما أفعل ... بكى لحالى ... مؤكدًا أنه سيحصل لى على الطلاق مهما كلفه الأمرُ لأنى مازلت عذراء... وفعلا ًحصلتُ على الطلاق.
طلبنى عزيز للزواج .. وافقتُ . فهو الشخص الذى يعرف قصتى وشاركنى معاناتى وطول انتظارى وحرمانى . وعدنى عزيز أن يعوضنى ما فاتنى وأنه سيمنحنى البنين والبنات .
تم زواجى ... بكت ماريا بصوتٍ عالٍ قائلة ً:
ــ عزيز كان نسخة ًأخرى من ثروت .... ومازلتُ عذراء.
•••••••••••••

قاتل

سرتُ وحدى بين جنبات الليل آتية ً من سفرٍ طويلٍ ليس معى غير حقيبة ملابسى.... بعد أن طـُردتُ من عالم ٍكنتُ أظنه عالمى ... خرجتُ خالية الوفاض إلا من أحزان ٍتتشابكُ ... تتعانقُ.... أيامٌ عبثية ....... سعىٌّ لم يثمر ذكرياتٌ تبعثرتْ... أحلامٌ تبخرتْ... بعد أن حلتْ الزوجة الجديدة ُمكانى .
لابد أن أعود لبدايتى .. منزل أمى وأبى الذى عشت فيه طفولتى وشبابى
أمى تقيم وحدها فى المنزل بعد موت أبى وزواجى فى الشرقية وهجرة أخى لأمريكا ..
سأبدأ من جديد..؟؟ أم هى نهايتى ..؟!! نزل المطر بشدة على شوارع الأسكندرية ... أصعدُ على الطريق من المنحدر إلى أعلى ...لا يوجد معى ما يحمينى من الأمطار .... ملابسى خفيفة ... لا تناسبُ هذا الجو البارد .. القارس .. نظرت إلى حذائى رأيت الدم على الطريق يسيل من أعلى إلى المنحدر......كلما اقتربتُ .. ازداد لون الدم وضوحًا وتركيزًا ... سرى فى جسدى خوفٌ شديدٌ .. إنقبضَ قلبى ... تلاحقتْ ضرباته وعلا صوتها حتى خـُيل إلىّ أن قلبى داخلَ أذنى ..... تنفسى يتصاعد مع الطريق ..... حينما وصلت إلى الباب تأكدتُ أن الدماءَ تبدأ من هنا فعلا ً..!!
أمى تعيش وحدها .. ترى هل قتلتْ من أجل السرقة.. سبحان الله .. وصلت فى هذا الوقت بالذات لأكتشف الجريمة . أرتعدُ بردًا .. خوفـًا .. أسنانى تصطك ببعضها ..... وقعتُ على وجهى ...... أغرقتْ الدماءُ ملابسي .. وتلطختْ كلتا يدىَّ ..
لابد أن أبلغ البوليس .. قد يتهموننى بالقتل .. الدليل على ملابسى ويديّ مهما أنكرتُ .!! قد يُلقى بى فى غياهب السجون ظلمًا وقد يكونُ إعدامى..؟؟
وصلتُ إلى باب المنزل... لقد فرَّ القاتل وترك الباب مفتوحًا .نظرتُ ... رأيتُ رجلا من الخلف وجهه متجهًا إلى الداخل . .. صرختُ ... وقعتُ مغشيًا عليَّ ..... أفقتُ على أمى وأحمد ابن خالتى وهم فى غاية الأندهاش .. فما كان الدم إلا لونـًا أحمر استخدمه ابن خالتى الفنان التشكيلى ليمارس إبداعه أمام المنزل قبلَ أن يهطل المطر .
•••••••••••••
فنانة


أصنعُ ملابسي بنفسى ، أترك شعرى على سجيته حرًا طليقـًا كيفما شاء ، ألوانُ ملابسى تركيباتٌ مبتكرة غير منتشرة ، حقيبة يدى من إبداعاتى ، نظارتى الشمسية متوافقة مع قسمات وجهى ، مظهرى يدل على أننى فنانة ٌهكذا يقول الجميع .
ذهبت إلى البيطاش أزورُ أستاذى الفنان البارع لأشاهد أخرَ أبداعاتة فى الرسم والنحت ، لكنى تـُهتُ عن المكان ، رغم أنى زرتـُه يوم الافتتاح ، فضولى وشغفى بوجوه الناس عادة ًيشغلنى عن التركيز فى الطرق ومنحنياتها ، اضطررتُ أن أسأل عن المكان أصحابَ الحوانيتِ ِعلى طول الطريق ، لاحظتُ أنى كلما سألتُ عن اسم المرسم ومكانه ؛ ينظرون لي فى دهشة ..ينفون معرفتهم به..يضحكون..يحدقون فى وجهى...ينظر بعضهم لبعض ..يتغامزون . ظللتُ على هذه الحالة أجوبُ الشارعَ الكبير حوالى كيلو ونصف ، رائحة ًغادية.. أسألهم .. ينفون....يندهشون.... يضحكون.... يتغامزون .
أنا أكثرُ منهم اندهاشا ..لماذا يضحكون ..؟! يحدقون..
يتغامزون..؟!هل فى شكلى وملابسى ما يدعو لذلك.؟؟
. أنا أتذكر أن أستاذى يسكن فى هذة المنطقة .لماذا ينكرونه..؟ هل مازالت فكرة الناس عن الفنانين أنهم مجانين .؟! أعيانى البحث .. آلمتنى قدماى .. الحَرُّ خانقٌ .. الشوارع متربة يؤلمنى الصداع .. لا أستطيع مواصلة مشوارى ، هممتُ بدخول إحدى المقاهى لأخذ قسطـًا من الراحة رفعتُ يدى لأنزل نظارتى ، لكنى وجدتُ إصبعى داخلَ عينى ..كادت أنفاسى تتوقف ، لقد سقطتْ إحدى عدسات النظارة ..
منذ متى وأنا أسير بعدسة واحدة ؟ كيف أنى لا ألحظ الفرق فى الرؤية واللون ؟! أسير كل هذة المسافة بعدسة واحدة .؟ هل إحساسي وإدراكى ضعُف لهذة الدرجة..؟ أدركتُ لماذا الناس يضحكون يتغامزون ... ترى هل أيقنوا بجنون الفنانين ....؟؟
•••••••••••••

صورة

شُغفَ بها حبًا وهيامًا .. ملكتْ روحَه .. قلبَه .. عقله.
يراها على أفيشات السينما .. وعلى صفحات المجلات والجرائد وبين سطور قصصه .. تلازمه فى صحوه ومنامه.
وضع يده على قلبه الذى يدق بعنف .. أخرج صورتها من جيبه الصغير .. إنها أجملُ ما رأى.
دفع كلَّ مدخراته ليُكبرَ صورتها فى حجم الأفيش .
سيعلقُ الأفيش فى حجرته لينعم بعينيها الحانيتين .. لن يكون وحيداً بعد اليوم .. عاد لحجرته الضيقة جدًا لم يجد فيها أى متسع لصورتها .. أعياه البحث..... وأخيرًا لم يجد ما يسع صورتها إلا قلبه.
•••••••••••••

طفولة

لأول مرة تفارق زكية حِضنَ أمها الدافئ وهى لم تبلغ بعد السابعة من عمرها ، تركتها أمُّها لتعمل كخادمةٍ عند علية هانم السمينة جدًا حتى ليهتزُّ لحمُها عند أية حركة .
نظرتْ زكية فى أنحاء المنزل ؛ وقع بصرُها على عروسةٍ جميلة . اندفعتْ نحوها . احتضنتها بشوق ٍجارف وقبلتها ؛ نهرتها هانم قائله: -
- اتركى العروسة ..انهضى لتغسلى الأوانى .!!
نظرتْ إليها الطفلة فى دهشة وبراءة قائلة:-
- أنا طفلة صغيرة انهضى أنت وهزى لحمك وأغسليهم ..!!
اغتاظتْ علية هانم.. وطار الشررُ من عينيها . . قامت تهزُّ لحمها أمسكتْ بالمنفضة لتضربها ... فبدتْ كالجمل يناطح فأرا ..!!
أرتعدت الطفلة .. فتحتْ الباب .. أطلقتْ ساقيها للريح وهى تحتضن العروسة .
•••••••••••••

أبوة

أخذتُ الأمُّ طفلتها وتجولتْ فى المحال تبحثُ لها عن فستان جميل وعروسةٍ رائعة الجمال ، حذاءٍ ذهبى طالما تمنته مثل طفلة الجيران أقسمتْ الأم لطفلتها أنها ستشترى لها كلَّ ما أختارته فكادتْ الطفلة ترقصُ فرحًا فاحتضنتها الأمُ وقبلتها . غدًا ستتسلم الأم متجمد النفقة من والد الطفلة رجل الأمن المخلوع لقسوته وبخله وأنانيته . قد أقسم لها أنها لن تحصلَ على مليم ٍواحدٍ منه وها هى نفذت الحكم .
فى صباح اليوم التالى ذهبتْ إلى المحكمة وتسلمتْ المبلغ والفرحة لا تسعها هى وطفلتها . على باب المحكمة فاجأها لصٌ خطفَ حقيبة يدها بكل النقود والأوراق .. تحطمتْ آمالُ الأم والطفلة .. كادَ الحزنُ يخلعُ قلبَها لبكاءِ الطفلة حررتُ محضرًا بالواقعة ...رجعتْ إلى منزلها وخيبة الأمل تقتلها . بعد يومين دقَّ جرسُ التليفون ... جرتْ ترفعُ السماعة ... قلبها يدقُّ ... لابد أنهم قبضوا على السارق .... لكنها فوجئت بصوته ساخرًا مقهقها :
ــ ألم أقسم لك أنك لن تتحصلى على مليم واحد منى .
•••••••••••••
بلطجة

اقتحمتْ منزلى .. دون أن آذن لها بالدخول فى قوةٍ وجسارةٍ منقطعة النظير غيرَ آبهةٍ برفضى لها ، أطلبُ منها الرحيل فلا ترحل ، حتى شعرتُ أن المنزلَ منزلها وليس منزلى .
نظرتْ اليَّ بتحدٍ سافر ، وقوةٍ بالغةٍ ياللتبجح .. !!
فرضتْ عليَّ ضيافتها ودون دعوةٍ منى شاركتنى غذائى ..ماذا حدث؟ لم تكن كذلك من قبل ، لقد تغيرت ، أدركتْ أن البلطجة هى الحلُّ . فلم تعد تهرب القطة خلف الكراسى إذا سرقتْ اللحم .
•••••••••••••

عقد

جاء لخطبتها عن طريق إحدى الجارات..تم القبول سريعاً من الطرفين . فهى معلمة ٌلإحدى اللغات الأجنبية .. وهو معلمٌ للرياضيات فى إحدى دول الخليج . تم إقامة حفل الخطبة بسرعة لرغبته فى إتمام الزواج فى أقرب وقت . حتى تسافر معه فى أول العام الدراسى ..
بعد أن ألبسها الشبكة دخلت فتاة تحمل لها هدية قائلة ..
- بفضلك حصلتُ على أعلى درجة فى اللغة الفرنسية .
فوجىءَ الجميع بالعريس يهب واقفـًا كمن لدغه عقربٌ ويمسكُ يد العروس فى عنف ليخلع الشبكة من يدها ويضعها فى العلبة مرة أخرى ، ويعنف الجارة ....
- لم تخبرينى أنها مدرسة فرنساوي ... عقد العمل الذى معى لمعلمة لغة إنجليزية!!!
•••••••••••••

عروسة

بعد عودتى أنا وأمى من أداء واجب العزاء للحاجة سلوى فى وفاة زوجها الحاج رفقى ، قصت عليّ أمى أن المرحوم كان يهيم بزوجته حبًا وشغفـًا لدرجة الجنون . هى تحبه أيضًا . وكيف دخل الحاجُ رفقى منزلَ الحاجة سلوى شاهرًا سلاحه مهددًا بقتل المأذون إن عقد قرآنها على جارهم مصطفى .
انزعجَ أفرادُ العائلتين ... تشاوروا .... تفهّموا الموضوع ...... اتفقوا أن يعقد قرآنه على سلوى ويعتذروا لمصطفى .
كانت نسيمة أخت سلوى الصغرى ترقب الموقف وتأثرت لمصطفى الحزين المنكسر اقتربتْ منه تواسيه :
ــ ربنا يعوضك أفضل منها يا أستاذ مصطفى.
التفتْ إليها وجد نفسه منجذبًا نحوها مشدودًا لوجهها الجميل قائلا :
ــ أنت أفضل منها . ولم يخرج مصطفى من المنزل دون عروسة.
•••••••••••••

قطرات ماء
طلب أبى كوب ماء .....أسرعتُ مهرولة ً... لأناوله كوب الماء ، وأنا فى غاية السرور .... لقدسبقتُ أخى التوأم فى تلبية طلبات أبى لعلى أنال رضاه وحبه....لشعورى أنه يفضله على...فوجئتُ به يلقى بالكوب على الأرض ....يُعنفنى ..يسبنى لأن الكوب مملوءٌ حتى حافته ... فيتململ الكوب وينزل الماء على ملابسه شعرتُ بالخجل والانكسار، أنزويتُ منسحبة ً فى حزنى الصموت .
لقد سعيت جاهدة لنيل رضاه ...أصابتنى لعناته ...إذلاله
طلب أبى من أخى بعد ذلك كوب الماء ... فأحضره مملوءًا لحافته مثلى تمامًا. وقفتُ أرقبُ...كيف سيعنفه ..لكنه ابتسم ثم احتضنه...!!!
•••••••••••••



رحلة
جلستُ على الشاطئ أنتظرُ رجوعَ الحبيب الذى رحل .. تذكرتُ وجعَ الرحلة التى قطعتـُها بينى وبينه لا يمكن لمخلوق ٍ أن يُحسها غيرى أنا .
كتبتُ له خطاباتِ العشق والوله قبل أن تقع عليه عيناى . كم جلستُ فى جوف الليل على طرف سريرى أبثه شوقى ولهفتى . وتوالت الأشواقُ وتوالى الحنينُ والأنتظارُ . أتأمل صورته المعلقة فى ذاكرتى أتحسسُ طراوة أصابعه مثلَ عيدان الخس المروية بمياه الورد المنعشة .
يربطنى به حبلٌ قوى يحملُ كلَّ أسرار الحياة بدون عقود ولا مواثيق تمتدُ بينى وبينه كلُّ خيوط الحب والشوق بين الضلوع . نتفاهم بكل لغات العالم من الهمس والبوح والصمت .
أحسُ بطلقاته فى جنبىَّ أثناء محاولات خروجه الموجعة . واللحظة الحاسمة فى خروج الرأس التى تسجلُ لحظاتِ صبرى على إتمام الرحلة الرائعة ..
بدأ رحلة الحياة وكبر وكما رفسَ برجله داخل أحشائى ليخرجَ للحياة .. رفسَ برجلهِ الكرة . . كسرَ زجاجَ الشباك .... ورحل عن دنياى.

•••••••••••••

فأرة وقطط


منذ طفولتى وأنا أشعرُ أنى فأرة ٌ
صغيرة ٌ.. ضعيفة ٌ لاأجيدُ الاختباءَ والاختفاءَ .
عندما أسمعُ صوتَ القط المنفوش ذى العينين الثاقبتين أرتعدُ خوفـًا . لكنى أحيانـًا أدخلُ الجحرَ ويظلُّ ذيلى خارجَ الجحر فيشدنى القط ُّويكيلُ لىَ اللكماتِ .
كبرتُ .. ذهبتُ الى جحر آخرَ لكنى وجدتُ قطـًا أكثرَ توحشـًا وشراسة ًيعيشُ بالقربِ منى .. يمدُّ يدَهُ داخلَ الجحر .. يشدنى من رأسى .. يوثقُ أقدامى .. يقفل باب جحرى على .
أذهبُ الى عملى .. أحاولُ ان أجد لحياتى معنى لكنى أحاط ُ بقططٍ أكثر عددًا وتوحشـًا ... هذا يشدُّ ذيلى .. وذاك يضربُ رأسى .. وآخر يدوسُ قدمى .
كبرتُ...... تركتُ العملَ ....لونُ شعرى تغيرَ... قدماى تؤلمنى ....
عظامى وهنتْ ... عيناي لا تبصران جيدًا .
وقفتُ مع نفسى .. هل أكملُ حياتى من جحر الى جحر؟؟
لقد كبرتُ ووعيتُ الدرسَ .. لابد من المواجهة من الخطأ أن أستسلمَ .. إنه الموتُ ..
طارَ النومُ من عيني على أثر فنجان قهوةٍ شربته عند جارتى لتقرأ لى الطالع نبَّأتنى بأن صحتى جيدة .. نظرتُ فى المرآة .. لابد أنْ أغيرَ من شكلى.. أبحثَ عن هدفٍ يشغلنى.. أضعُ لحياتى خطة ً
مادمتُ أحيا.
فى الصباح ...أخدتُ حمامى... ألقيتُ بحجابى جانبًا... وضعتُ باروكة ًذات لون كستنائى على رأسى . لا بأس من التخلى عن حجابى فأنا كما يقول الدين من القواعد .. لكنى لن أستسلمََ أبدًا .
وضعتُ بعض المساحيق الخفيفةِ على وجهى لأخفى لونى الباهت ..
لبستُ ملابس (كاچوال) وحذاءً رياضيًا كما تفعلُ الفتياتُ الصغيراتُ . ...لم أنسَ أن أضعَ فى حقيبتى بخاخة َصدرى .. بخاخة َأنفي ... أدوية َالسكر والضغط والعظام .
قفزتُ لأركبَ الترامََ .. كلى أملٌ فى حياةٍ جديدةٍ متحررةٍ متمردةٍ على كل ما فاتَ من قهر وعبودية .
الزحامُ صعبُ الاختراق ..كلُّ الطلبة والموظفين رغمَ أنفلونزا الخنازير يتزاحمون داخلَ الترام .. لكنى لن أتخاذل عن مشروعى فى التمرد .
قررتُ أن أسيرَ فيه حتى النهاية .
رغم إحساسى بالإعياء ؛ كرامتى وباروكتى لا تسمحان لي أن أطلب من إحدى الفتيات أو الشبان ترك مكانه لى كى أجلسَ .....ماهى إلا لحظات وإذ بى أقع مغشيًا علىَّ... أحسُّ باختناق ....لا أشعرُ إلا وأنا عائدة ٌإلى جحرى يحملنى قط .
•••••••••••••


ليالي الأنس

أنا وأمى نسمعُ صوته الأجش .. نقفلُ النوافذ .... الأبوابَ .... نجرى كالجرذان . أختبئُ أنا وعرائسى داخل الخزانةِ .... ترحلُ الشمسُ ... تصمتُ العصافيرُ ... تهرولُ أمى لتحضرَ العشاءَ .... لا بأسَ .. الصبرُ جميلٌ ... غدًا سأستيقظ ُمن نومى فرحة ًنشوانة ً.... أطيرُ إلى السماء أفتش فى طياتها عن القمر الذى غابَ ... جدران بيتى ترقص معى فى حميميةٍ رائعةٍ . ... إنها رقصة الحياة .. تفتحُ النوافذ تمدُ الشمسُ يدَها تنتشلنى من الظلام ... الأبوابُ تفتحُ ذراعيها استعدادًا لاحتضانى .... أشم روائحَ المسك كأنها آتية من رحاب الجنة .... أتحسس يدىَّ ... أقدامى ... مازالتْ تعملُ .... مازلتُ أحيا
ألفُ وأدورُ حولَ نفسى أصرخُ... مازلتُ أحيا .... مازلتُ أحيا
آهٍ ... إنه يومُ الخميس ... أروع أيام حياتى .. يومٌ يُسجَلُ فى سجل ذكرياتى الجميلة . ... يُحسَبُ من عمرى ... أخرجُ عرائسى .... أقبلها .... أحتضنها .... أحاورُها بعد أن ظلتْ حبيسة طوال الأسبوع
أمى وجهُها موردٌ .. تلبسُ فستانــًا جميلا ً... أراها فتاة ً لا تتعدى العشرينات .... هكذا رأيتها اليوم ... ابتسامتها رائعة ٌ .... بعد أن ظلتْ طوالَ الأسبوع عابثة ًصامتة ً.... تغنى بصوتها الشجى الذى يشبه صوت أسمهان .... تردُّ عليها الجدران والأشجار والعصافير وأنا وعرائسى " ليالى الأنس فى بيتنا .. أبونا سافر عزبتنا ...نغم فى الجوِّ له رنة ...سمعها الطير بكى وغنى".ولا أعرف لماذاكانت أمى تبكى وهى تغنى ......

•••••••••••••
ونيس

أنت فى قلبى زهرة .ٌ. فى عينى نخلة .ٌ.. فى جبينى قبلة …ٌ فى حياتى نجمة …ٌ. حركاتك داخلَ أحشائى … طرقاتُ ضيفٍ غالٍ ينبّهُنى بالوصول ، أستعد لاستقبالك .. كأنك قيصر .
أبى يسميك رفيقـًا ..أنظرُ إليك … أتأملك عصفورًا صغيرًا لم ينبت زغبُه بعد … أمى تغسلُ جلدَك بالوبر … تدثرك بملابسك الجديدة تقرأ لك المعوذتين .. تؤذن فى أذنك … أحتضنك .. أرضعك حنانى قبل ألبانى . . عينى عليك حين تحبو خوفـًا من أن تلتقط أصابعك الرقيقة شيئـًا ضارًا .
أثناءَ تعلمك الوقوف . سقطاتك تؤلمنى .. أصفق لك حينما تخطو خطواتك الأولى . كلما رأيتُ لعبة تناسبك أشتريها .. ولا أشترى حذاءً لى وأنا فى أشد الحاجةِ إليه. أعيش كلَّ اللحظات والدقائق حتى تكبرَ .. ..
حينما دخلتَ المدرسة تخيلتك أعظمَ رجل فى العالم .لا طفلا ً تخطو خطواتك الأولى فى التعليم . أجلسُ بجوارك أعلمك الهجاء حرفـًا حرفـًا .
أتذكر بكاءك بحرقةٍ وأنتَ تريدُ أن أشترى لك الأسدَ حينما زرنا حديقة الحيوان كأن العالم ملكك ...
كبُر جناحاك … أصبحتَ تستقل عنى رويدًا .. رويدًا
تقفلُ بابَ حجرتك عليك بالساعات ..... تهمسُ فى التليفون .... ترتبط بأشياءَ وأناس غيرى .... تدخلُ الجامعة .... تزداد بعدًا ...
بعد أن أتممتَ دراستك ...تنفستُ الصعداء .... شعرتُ أنى أكملتُ واجبى تجاهك بعد أن مات أبوك وأنتَ مازلتَ فى أحشائى .
لم أتزوج رفضًا منى أن يشاركك أحدٌ فى حبى واهتمامى .
طلبتًُ منك أن تتحدث معى .. يكون لى ركنٌ ولو صغير لديك
نجلسُ معًا ..... نتسامرُ .... نتجاذبُ أطرافَ الحديث . لكنك ترفضُ
فأشعر بالوحدةِ .. بعد موتِ أمى وأبى ... أصبح عالمُك بعيدًا عنى
حتى حينما تجلسُ فى البيت ... تغلقُ بابك ... تجلسُ أمام الكومبيوتر.... لا تدرى بوجودى .... قد أموتُ وأبيتُ دون غُسلٍ أو كفن . .. وأنت لا تشعرُ بى .
أجلسُ كالمصلوبةِ فى الشـرفةِ حتى أتجمّدُ ... أنتظرُ رجوعَك قبل أن أنامَ . أحدثك عبر الهاتف ... أطمئن عليك ... يأتينى صوتك غاضبًا لا تنتظرينى أنا لستُ طفلا ً... إذا عاتبتك ... تخرجُ متذمـرًا متبرمًا تصفعُ البابَ خلفك فى عصبيةٍ . آهٍ ... ياوحدتى ؛ ماذا أفعلُ ؟
اقتنيتُ كلبًا يسامرُ وحدتى ... سميته ونيسًا .... ارتبطتُ به .... أحببته و أحبنى ... يسيرُ خلفى مثل ظلى ... لا يفارقـُنى لحظة .
يخرجُ معى وأنا أشترى لوازمى ....يُشعرُنى أنه لا حياة له بدونى
يجلسُ تحتَ قدمى .. عيناهُ تنظرُ إلى فى حنوٍّ بالغ ... ينتظرُ منى إشارة .
الآن .... أنا لا أستطيعُ الوقوفَ على قدمى بسبب حادثة سيارة . قدمى اليمنى أصبحت عاجزة . بأمر الطبيب جلستُ على مقعدٍ متحرك .
أحسستُ بالملل من طول جلوسى فى البيت...... طلبتُ منك أن تصحبنى للخارج لتدفع مقعدى أرى البحرَ... أتنسمُ الهواءَ ... متضررًا وافقتَ .
وأنتَ تدفعنى بمقعدى.. يلهث ورائى كلبى .... طلبتَ منى مبلغـًا كبيرًا من المال .... أخبرتك أنى لا يمكننى تدبيره ... استنفد علاجى كلَّ مدخراتى .
تذمرتَ .... توعدتَ ... فلم يسبق لى ان رفضتُ لك طلبًا ....
تركتنى على قارعة الطريق وانصرفتَ .......هل ستتركنى هكذا فوق مقعدى كالمتسولة .
ينظر إليَّ المارة .... أخشى أن يضع لى أحدهم صدقة ً.... هل أطلبُ من أحدهم أن يدفعَنى إلى المنزل ؛ لأدفن نفسى بين آلامى ؟! ... أكتبُ بيدى مرثيتى على جدرانى ... أثناء بكائى ... أشعرُ باندفاع المقعد إلى الأمام ... لابد أنك عدتَ إلىَّ ... شعرتَ بخطئكَ الجسيم .
نظرتُ إلى الخلفِ لألقى عليكَ نظرة عتاب .....لكنى لم أجدك .

•••••••••••••

كمبيوتر ولاب توب


بدأ العامُ الدراسى وسط حملةٍ ضخمةٍ من كافةِ الوسائل الإعلامية لمجابهة انفلونزا الخنازير بالاستعدادات الفائقة من قِبَل وزارتى التعليم والصحة .
استيقظنا مبكرين أنا وزميلاتى كفريق متابعة للوقوف على مستوى الأداء فى مدرسة السلام الابتدائية بإحدى القرى .
ركبنا الميكروباص.. قديم .. عفا عليه الزمن ... زجاج مكسور ... مقاعد ممزقة ... شكمان متهالك .... دخان أسود كثيف .... يركب معنا بائعات يلقين علينا بأقفاصهن وسللاهن المملؤة بالأسماك والخضروات .
بعد ساعة ونصف وصلنا إلى القرية .... طريق طويل مترب ... ترعة تفوح منها رائحة العطن بها حمار ميت وصلنا إلى المدرسة ... سور مهدم ليس له باب .... دخلنا إلى الفناء ... التلاميذ يتثاءبون ... ملابسهم قذرة ... وجوههم لم تـُغسل ... عيونهم يقف عليها الذباب .. أظافرهم سوداء ... شعورهم مشعثة ... ينتعلون أحذية ممزقة لا لون لها ... تخرج منها أصابعُهم لتلامس الأرض ... يضعون كتبَهم فى كيس قماش متسخ ... يشاركهم فى الفناء حمار .... كلب ..... ثلاث بطات .
عندما رآنا العامل جرى داخل المدرسة ليخبر ناظر المدرسة الذى خرج لاستقبالنا ببنطلونه القصير وكرشه المتدلى وقميصة المكرمش وخلفه مُعلمين على نفس الشاكلة .
المعلمات يلبسن عباءاتٍ سوداء ... يتبخترن خلفهن فى تكاسل وكأنهن لم يستيقظن بعد .
طلب الناظر من العامل دق الجرس وطرد الحيوانات والطيور خارج الفناء
وقف التلاميذ فى الطابور يحملقون فى وجوهنا مندهشين . أما ناظر المدرسة فقد ألقى على التلاميذ خطبة عصماء عن النظافه والوقاية من انفلونزا الخنازير . التلاميذ منشغلون بضرب بعضهم البعض .
فى حركة مسرحية ... أخرج الناظر من جيبة قطعة صابون ... رفعها الى أعلى موجهـًا حديثه إلى التلاميذ :-

(الصابونة دى ستوضع فى دورة المياة لكى نغسل أيدينا .( إوعوا تحفوا فى الغسيل لأن امكانية المدرسة لا تسمح الابصابونة واحدة فى اليوم . )

ثم وضع الصابونة جانبًا على حافة الجدار .... تناول كيسًا به عدد من الأقنعة قائلا :-
"تبعًا لتعليمات السيد الوزير أحضرنا مائتى قناع ، سنوزعهم عليكم الآن والباقى ستحضره لبيبة الخياطة غدًا ..
يبدأ الهرج عند التوزيع..... يتخاطفون الأقنعة بأيديهم القذرة .....تقع على الأرض .... تختلط بالتراب .
يصرخ فيهم الناظر والمدرسون ... ينصرفون إلى داخل الفصول .... حجرات ضيقة ... مظلمة ... غير نظيفة .
نكمل المتابعة ... محبطين .
داخل دورات المياة حوض واحد ... ربعه مكسور .... لونه أخضر مختلط بالسواد ... صنبور وحيد .
صرختْ زميلتى قائلة :
ماذا يكون الحال لو فـُتح الصنبور .... تـُغرقُ المياه الفصول ؟؟؟
رد عليها الناظر بكل برود :
(اطمئنى يا استاذة المياة مقطوعة طوال النهار)
ردتْ عليه والغيظ يقتلها :
يا حضرة الناظر إذا كانت المياة مقطوعة خايف الصابونة تخلص من إية؟؟؟
ـ يا أستاذة هى فين الصابونة سرقوها العيال ولاد الكلب
اعتدلتْ ونظرتْ إليه نظرة ثاقبة :
- ماذا تقول ؟؟؟
- ولا حاجة يا أستاذة باقول العيال أخدوا الصابونة افتكروها حاجة حلوة .
سألتُ الناظر كيف يشربُ الأولاد إذا كانت المياة مقطوعة .
- والله يا أستاذة أنا جايب من بيتى أربع زجاجات بلاستيك أضعها بين الفصول ليشرب منها التلاميذ .
- ماشاء الله أنت معانا ولا مع الفيروس . اتقوا ربنا .. ماذا تفعلون فى الأولاد...!!
- حرام علينا يا أستاذة .؟؟؟ المستوى دا عظيم ، العيال دى بتنام فى حضن الحمار والجاموسة .
خرجنا يمزقنا الغيظ ... ساخطين متوعدين بكتابة تقرير عن التجاوزات الخطيرة لنرفعة لمدير الإدارة .
عدنا فى الميكروباص .... أدار السائق الراديو .... استمعنا للمناقشة بين مسئولي الصحة والتعليم ... اقترحوا إذا أغلقت المدارس أن يتلقى التلاميذ المناهج بواسطة الكومبيوتر واللاب توب وهم فى منازلهم ... نظرنا إلى بعضنا ولم نحر جوابًا .

*********************

كروكيات
(1)

رجولة

أحبتـْهُ .. تزوجتـْهُ .. رغمًا عن أسرتها فهى تراه عملاقـًا قويًا . إنه كل أهلها حاميها ومحتويها . . تشعرُ فى كنفه بالأمان والاطمئنان .
ينتصفُ الليلُ يحتضنـُها بقوةٍ وحنان . يُدَق الباب بعنفٍ ... يقف مرتعشـًا .. يلتصقُ بالسرير .. يتوسل إليها لتفتح الباب وتواجه الطارق .
•••••••••••••

( 2 )
وفاء

تحملتْ الاّلام .. قامتْ بمسؤلياتها كاملة تجاه زوجها وبناتها الأربعة .. قاومتْ حتى عملتْ لهم كعك العيد.. صرعها المرض.. بكتها بناتها الأربعة علقن لها صورة ًكبيرة ًفى بهو المنزل .
أنزلها الزوج قائلا : " إنى أتشائمُ من الموتى " .
•••••••••••••


( 3 )
هدف
ترك بيته .. أولاده .. أحبها .. عشقها .. عبدها .. ضحى بكل ما فى الحياة من أجلها .. يُبهَرُ بلونها.. يتمتع بملمسها .. يتعطرُ بأريجها... قبـَّل الأيادى ..الأرجل .. الأحذية .. من أجل الحصول عليها وحينما وصل لها كان حكم الأعدام صدر و تمتع بها غيره .
•••••••••••••



(4)
البنات

تحلم بالولد .. تلد أمانى ماليس فى الأمانى. وصل عددُ البنات عشرة .. هى لم تلد إلا واحدة ً.. أما الأخرياتُ لا تعرف كيف وصلن ومتى وصلن ولِمَ وصلن ؟!!!

••••••••••••

( 5 )
انكسار


نمتُ ليلتى منكسرة الخاطر ... تحت إحساسى بالعجز

بأن يدى قصيرة .. مجذوذة ُالأصابع .. لا تستطيع أن تلحق بأحلامى الضائعة .. أرى النورَ . . يضيعُ وسط الظلام .

لا يعرفُ الليلُ إلا مَنْ هُم مثلى حينما يفتقدون النهار .

أخشى أن أموت دون أن ألحق بلحظة انتصار واحدة .

•••••••••••••

( 6 )

اللوحة

أحتفظ بلوحةٍ داخلَ حجرةِ نومى . أتأملها دومًا .. لا أدرى ما سرُّ العلاقة بينى وبين هذه اللوحة ؟! شجرة فى الخريفِ عجفاء عارية من الأوراق . تتساقط منى سنوات عمرى كما تتساقط الأوراق من الشجرة . أوراقى تسقط ولا تعودُ أما الشجرة فإنها ستنمو ثانية ًًوتخضرُّ وتثمرُ فى الربيع القادم .
•••••••••••••

( 7 )

تحرش

بينما كنتُ أسيرُ على الصراط : شريط ٌرفيعٌ تسيرُ فيه المارة والعربات رائحة ً وغادية ً، المقاهى تشغلُ كل الرصيف وجزء ًا من الشارع . والعربات الخاصة تقف على الجانبين ؛ مما يسهل التحرشَ والاحتكاك فى هذا الشريط الرفيع الباقى . قال الفتى للفتاة " يا جمالك يا قطة " ردت علية الفتاة قائلة " امشى ياكلب " . ابتسمتُ ساخرةً ، هى قطة وهو كلب !!!
القطة تملك روحًا حرة أبيَّة ترفضُ الطوقَ والسلسلة . تجن لو حاول أحدٌ وضعَ الطوق فى رقبتها أما الكلب فينصاعُ للطوق ويُسحب بالسلسلة .
•••••••••••••


( 8 )
عشوائيات


شعرتُ بألم ٍشديدٍ فى قدمى اليمنى . لا أستطيع التحكم فى حركتها . ذهبتُ إلى الطبيب . أثناء مرورى رأيتُ أهراماتٍ عالية ًمن القمامة .. مساكنَ عشوائية ً تعلنُ القبحَ والتردى والتدنى فى المكان والجماد والبشر . أصابنى التقزز وزكمَتْ أنفى بروائحَ كريهةٍ .
حينما وصلتُ للطبيب أخبرنى أن القبح والعشوائيات بداخلى . جسمٌ غريبٌ داخل أحشائي من الجلد والشعر والعظام .
لا أدرى متى تكوَّن؟! .. كيف نما ؟!.. إنه التوافق والانسجام . قبحٌ داخلنا وخارجنا .
•••••••••••••
( 9 )
عائل


"كفى المرء إثمًا أن يضيَّع من يعول "
وصم مطلقته الشريفة .. أم ابنته من صلبه .. خدعته عاهرة .. تزوجها .. أدخلتْ عليه ابنـًا سفاحًا ... رباه بكل إخلاص .
•••••••••••••

(10 )
عدل


حينما يضيع العدل من الراعى .
فلا تسأل الشاة إذا ضلتْ الطريق وأكلتها الذئاب .

•••••••••••••








































































































































ليست هناك تعليقات: