بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 21 مارس 2012

"أحمد حميدة".. الصدق على الطريقة القديمة. محمد الفخرانى.



الصدق، كان أول ما عرفته فى الكاتب الكبير "أحمد حميدة"، الصدق الإنسانى والإبداعى، ثم تأتى بعد ذلك أو معه، الكثير من الصفات الأصيلة التى جعلت منه فى رأيى رجلاً قديمًا، وأقصد قديمًا هنا بمعناها الجميل، معنى الأصالة، هذا الرجل الذى يكتب بطريقة قديمة لم تعد مستعملة الآن إلا فيما ندر، يكتب بدمه، هل تبدو قديمة لهذا الحد؟
"أحمد حميدة" لم يتنازل فى كتابته عن شيئين، أو أنه لم يتعمد ألا يتنازل عنهما، لأنهما أصيلان فى شخصية إبداعه، وطبيعة كتابته: الصدقووأصالةوصيلة والأصالة، كتابته صادقة، أصيلة، لا تشبه أحدًا، ولا تتماس مع كتابات أخرى، رغم أنها عن عالم الهامش الذى تناوله الكثير من الكتّاب، لكن يبقى "لأحمد حميدة" شخصية مختلفة، ونزق خاص، مثلما لبحر الإسكندرية يودًا لا يشبه يود أىّ بحر، كتابته هى سلسلة حقيقية عن الهامش، يشغلها بحلقات متوهجة نابضة.
يكتب "أحمد حميدة" عن نزق الهامش أكثر منه عن عنفه، عن أحلامه أكثر منه عن إحباطاته، عن بساطته أكثر منه عن فقره، عن وجعه أكثر منه عن تعاسته، يكتب عنه بتلك المحبة الكبيرة، التى يدرك أنه يكتب بها، ويريدك أن تعرف أنه يكتب بها، وأن تعرف أيضًا أنه يدرك ذلك عن نفسه وعن طريقته فى الكتابة.
هذا الكاتب الكبير، اختار الإنسان منذ البداية، انحاز للمهمشين، وللكتابة الحقيقية عنهم ولهم، يفرح بأىّ كتابة حقيقية عنهم، كأنها بشكل ما تكمل كتابته، كتب "أحمد حميدة" عن الغجر، عن هامش الإسكندرية، ضواحيها، قطاراتها الداخلية، أسواقها، شوارعها الصغيرة الملأى بالحياة، وهو فى نفس الوقت يكتب عن البسطاء والمهمشين فى أىّ مكان، كتب ذلك كله بلغته الحرّيفة، وأسلوبه الخاص، الذى يسبب النزيف دون أن يجرح، عوالمه ملأى بالبشر وحيواتهم، أحلامهم البسيطة الكبيرة، آلامهم، وأوجاعهم، يلتقط بكتابته البشر المبعثرين بإهمال فى شوارع الحياة، ويجعل منهم متنًا تملؤه التفاصيل الإنسانية الموجعة، يجعل منهم غصن شوك يمرره على قلب الحياة فيجرحه، أو يطعنه به فينزف.
 كل من قرأ "أحمد حميدة" يعرف أنه أمام كاتب كبير، لن أقول أنه لم يحصل على حقه، وإن كان هذا حقيقيًا بالفعل، لن أتوقف عند ذلك، أقول أن كل من قرأه يشعر الصدق والأصالة فى كتابته، وفورًا يعرف أنه يكتب بتلك الطريقة القديمة، بدمه، هى طريقته المفضلة والوحيدة، هل تبدو عنيفة لهذا لحد؟ رقيقة لهذا الحد؟ نعم، وحقيقية.
كأنك تمشى فى البحر على سطح صخرى يجرح قدميك لكنك لا تشعر بذلك، فأنت مستمتع باليود وارتطام الموج بك، وبالقوارب من حولك، والريم الأخضر الذى يداعب قدميك من وقت لآخر، لكنك عندما تخرج للشاطىء، تكتشف جروح قدميك والدم النازف منك، هو لن يدعك تمضى بتلك السهولة، لا بد أن يترك فيك أثرًا قويًا، يشبه دخولك مدينة كاملة من المهمشين، فتخرج محملاً بهذا الشعور الإنسانى الصادق الذى لا يخلو من نزق محبب، وجرح ما.
قال لى فى مقابلة بيننا إنه لا يستطيع التعامل مع الكمبيوتر، ولا يحب استخدامه فى الكتابة، قلت له إن الكمبيوتر يوفر الكثير من الوقت، فقال إنه لا يشعره، يراه باردًا بلا إحساس، وأنه يحب إحساس الورقة والقلم، فى النهاية قلت له أنى رغم استخدامى للكمبيوتر لكنى فى نفس الوقت أحتفظ بجوارى دومًا بقلم وكراس، لأن هناك جملاً وأحاسيسًا لا أستطيع كتابتها مباشرة على الكمبيوتر، لا يمكنها أن تخرج على الشاشة وإنما على الورقة، هناك إحساس لا يخرج إلا مع الورقة والقلم.
هذا الرجل القديم الأصيل مثل لوحة أصلية أصيلة بالأبيض والأسود، واضحة بسيطة وعميقة معًا، لا تملك إلا أن تصدقها وتحبها، تصدقه وتحبه، هو بتلك الطيبة الممزوجة بنزق محبوب، أراه فى الندوات، وهو يدافع بحماس عن الكتابة الحقيقية التى ينحاز إليها بقوة، أحيانًا يبحث لبعض الوقت عن كلمة يعبر بها عما يريد، ربما يقول فى تعليقه عدة جمل عادية، لكنه سيُتبعها بجملة قصيرة فيها كل ما يريد قوله، وأهم ما هو موجود فى الكتابة التى يتحدث عنها، جملة قصيرة يلتقط بها جوهر ما يتحدث عنه.
 "أحمد حميدة"، الذى احتفظ بشخصيته الإنسانية والإبداعية مثل شاطىء قديم أصيل على بحر الإسكندرية، أو شارع من شوارعها العتيقة الحية، فظل مزدحمًا بالبسطاء، وقوارب الصيد الطيبة، والحياة، ظل كبيرًا، صادقًا، وحقيقيًا.

جوركى الإسكندرية يغادر فى هدوء تام : رمزي بهي الدين


رمزى بهى الدي


· أحمد حميدة .. ذلك النحَّات الماهر .. صديق البُسَطاء والغلابة والمُهَمْشين
· حباه الله عين كاميرا وذاكرة فوتوغرافية , فاستغل ذلك فى نقل حيوات هؤلاء الناس على الورق 0
· معظم شخوص قصصه ورواياته , هى لأشخاص لا نراهم إلا فى أحياء وحوارى الإسكندرية وعلى شواطئها .. !
      
      عرفته , من خلال كتاباته وأعماله الإبداعية , قبل أن أقابله واختلط به وأصادقه , وقبل أن أتعرَّف على عالمه الإبداعىَّ العجيب .. أذكر أنني منذ سبع سنوات تقريباً , كنت أسير بشوارع القاهرة , وعلى أحد أرصفة الكتب القديمة بشارع رمسيس , وقفتُ أُقلَّب فى الكتب والمجلات وأقرأ عناوينها وأتصَّفح بعضها , فوقعت يدىّ على عدد قديم من مجلة دار الأُدَباء , وكان ذلك العدد مخصصاً لإبداعات كُتَّاب الإسكندرية , وفى الحقيقة أننى تلقفت العدد بشغف شديد وكأننى عثرت على كَنزٍ ثَمين .. لم أنتظر حتى أعود إلى البيت , وعلى مقهى بشارع الإسعاف , جلست لأتصفح العدد ... والحقيقة أن أول الأسماء التى لفتت انتباهى , كان اسم "أحمد محمد حميدة" وقصته (ظل باب) التى كانت منشورة بذلك العدد , وما إن شَرَعْتُ فى قراءة القصة , حتى أخذتنى سطورها واستغرقتنى , فلم أرفع عينىّ عن القراءة , إلى أن انتهيت منها ولم تكن قصيرة بالمعنى المعروف , فقد كانت أكثر من سَبْع صفحات تقريباً ... ولم أكن قد قرأت لـ " حميدة " أى أعمال من قبل , وإن كنت قد سمعت عنه .. أدركت منذ ذلك اليوم أننى أمام كاتب كبير , جدير بالاحترام والاهتمام معاً , وأحسست أيضاً أن هناك وشائج خفيَّة تربطنى به , إلى أن جاءت الفرصة الأولى للاقتراب منه , فى العام 2006 م , وكان ذلك من خلال ندوات " قصر التذوق " بسيدى جابر فى صالون الدكتور - العشماوى الشَهرىّ , وعندما تحدثت معه وجدته إنساناً بسيطاً يحمل بين جوانحه الحب والود لجميع البشر وكانت الفرصة الأخرى للاحتكاك المباشر بيننا , من خلال نَدوَّة " نادى القصة " – بقصر ثقافة القبارىّ , التى كان يُشرف عليها , ولقد كان خلال هذه الفترة مثالاً للالتزام والانتظام , يسبق الجميع فى الحضور ولم يتخلفُ يوماً مهما كانت الأسباب .. كنت أذهب إلى الندوة فى موعدها فأجده يجلس على منضدة , يتصفح كتاباً أو مجلة ويدخن سيجارته , التى لم تكن تفارقه , فيقابلنى هاشاً باشاً , ونجلس نتجاذب أطراف الحديث حتى يكتمل الجمع .. سألنى مرة : ( إنت بتكتب إمتى .. ؟) فنظرت إليه مستفسراً :( يعنى إيه ...؟) فرد متبسماً (يعنى الوقت اللى بتكتب فيه ..؟) فضحكت قائلاً : ( ماليش أوقات معينة يا عم أحمد .. أكتب فى أى وقت أنا عايز أكتب فيه ..) فابتسم ابتسامة عريضة من تحت شاربه الكث قائلاً )تمام .. برافو عليك .. الكتابة ملهاش وقت معين .) 0
كان يحرص على حضور معظم الندوات والمؤتمرات واللقاءات , وكان شديد الحرص على حضور نَدوَّة " مُخْتَبر السَّرديَّات " بمكتبة الإسكندرية , والذى كان من أحد المؤسسين له , مع كوكبة من الكُتّّاب والمبدعين والأدباء بالثَغْر / العاصمة الثانية , وكان يحرص على الجلوس فى الصفوف الأولى كالتلميذ النجيب , يسمع ويناقش ويحاور ويُدلى برأيه فى أعمال الكُتَّاب والأدباء , من المصريين والعرب بل والأجانب أحياناً , وكانت آراؤه وأفكاره تترك أثراً كبيراً فى نفوس الحاضرين وأصحاب الأعمال التى تُناقش 0
قرأت أعماله الإبداعية الرائعة : ( أشلاء بؤرة العُشَّاق ) و(سوق الرجال ) و (متاهة الغِربان) وغيرها , فوجدت نفسى أمام نَحَّات ماهر ينحت الكلمات والعبارات والجُمَل بمهارة فائقة : " كان يتحرك , محمولاً على أجنحة اَلمسَّرة والنَّشوَّة البلْهاء , ماشياً بخُيلاء وعلى مهلِ كـــ ( باشا قديم ) , انخلع حديثاً .. ربما بالأمس القريب فقط – وأُحيل – بعد التطهير – إلى الشارع , المقهى , الممر , ليكون ( مرمطون ) بالليل , وعلى أقصى درجة من الشرف المُتعالىّ , ويلفظ الأراذل ويبصقونه فى الصباح , ليعيد لقبه , باشاويته , التى يحس بها وحده , والمخلوع منها عُنوة , ليعيشها داخل روحه فى وقت الغروب " –
" متاهة الغربان " – 2009 0
ومع أن " حميدة " لم يكن يمتلك أى ثقافة أكاديمية , إلا أنه قد اعتمد على نفسه وعلى قراءاته ورؤيته وموهبته التى منحها له المولى عَزّ وجَلّ , فعلَّم نفسه بنفسه , وقرأ لكبار الكُتَّاب والأُدباء العرب والأجانب , وقد كان من أشد المعجبين بكتابات جوجول وموباسان وجوركى وديستوفسكى وساراماجو وغيرهم من كبار المُبدعين 0
كان " حميدة " فى أعماله الإبداعية شغوفاً برصد كل التفاصيل الصغيرة بل والدقيقة والمُحْرِجة أيضاً , كما فى ( أشلاء بؤرة العُشَّاق )  و(سوق الرجال) وغيرهما , فنجده يُعرَّى كل شئ , حتى الصغائر التى قد نترفع عنها , ليجئ أدبه فى النهاية , أَدب مكان وأَدب أشخاص يعيش فى هذا المكان 0
كان " حميدة " يمتلك عين كاميرا وذاكرة فوتوغرافية , وقد ساعده ذلك على نقل كل ما يراه بتفاصيله , على الورق .. كان عاشقاً للقلم والورق .. كان قلمه وورقة هو ثروته الحقيقية .. يجلس بالساعات الطويلة – كما ذكر لى - وسط الكتب والصحف والمجلات ممسكاً بالقلم , يقرأ ويدون ويكتب ملاحظاته وتعليقاته على هوامش الكتب التى يقرأها , ويكتب أفكاره فى أوراق صغيرة , يعود إليها بعد ذلك ليُجمَّعها , لتصبح فى النهاية عملاً إبداعياً جديداً 0
·  النّحَّات الماهر :
حميدة .. ذلك النحَّات الماهر , المبدع , الموهوب , عاشق تراب حوارى وشوارع الإسكندرية وهواء بحرها , وقعدات القهاوى فيها , فلا يوجد حارة أو شارع بالإسكندرية , لا يعرفه أو لا يعرف تاريخه , ولا يوجد شاطئ من شواطئ الثَغْر إلا وله معه حكاية , ولا يوجد مقهى بالثَغْر إلا وجلس فيها عمنا أحمد حميدة .. كان يعرف حوارى وشوارع وأحياء الإسكندرية كما يعرف الطريق إلى بيته .. لم أسأله يوماً عن اسم شارع أو حارة أو حتى زُقَاق إلا وعرفه بل وأعطانى فكرة - قد تكون تاريخية – عن هذا الاسم أو المكان .. كان يتجوَّل بشوارع وحوارى وأسواق الإسكندرية يقرأ اليُفَط والإعلانات على الجُدران , ويرصد أحوال الناس , فى سوق الجمعة وزنقة الستات وسوق ليبيا وغيرها , يستلهم منها أعماله المُبهِرة 0

·  العاشق الدؤوب :
تعلمنا منه أن الأَدب جهاد ومُجاهدة , وعزم وعزيمة , وصبر وعشق ودأب أيضاً , فقد كان المُجاهد والمُثابر والعاشق الدَّؤوب للكلمة , حتى تكتمل فكرته على الورق , ليقدَّم لنا فى النهاية شخوصاً من لحم ودم , فى أماكن قد نمرُ عليها كثيراً , ولا ننتبه لوجودها , إلا عندما نقرأها كما كتبها حميدة .. إن معظم شخوص قصصه ورواياته هى لأشخاص لا نراهم غالباً إلا فى أحياء وحوارى وأسواق الإسكندرية وعلى شواطئها .. والمكان عنده  يفوح دائماً برائحة أحياء وحوارى وشوارع وبحر إسكندرية 0
ولقد جعلنا " حميدة " أيضاً نشعر بالزمان فى أعماله , ككائن حَىّ , يحب ويكره , ينمو ويتطور مع تطور الشخصيات وتطور الطموحات وتطور المكان كذلك 0
حميدة .. ذلك المبدع الرائع , الغارق دائماً فى رائحة السجائر والشاى , كان يدرك أن حياته إنما هى وسط البسطاء والمهمشين والغلابة من البشر , كان يدرك أنه يستلهم منهم الحياة , ربما لأنه كان يدرك أيضاً أن الأمان كل الأمان , وأن الحب كل الحب إنما هو وسط هؤلاء البشر , وأن الابتعاد عن أحضان الغلابة والفقراء , إنما هو الموت كل الموت , مثله فى ذلك مثل السمكة التى تموت إذا خرجت من مياه البحر 0
لقَّبه البعض بـ (جوركى) الإسكندرية , كما شبهه البعض الآخر بكل من العملاقين (خيرى شلبى) و (إبراهيم أصلان) 0
لقد كانت معظم أعمال "حميدة " ومازالت وستبقى , مثيرة للجدل والنقاش , وردود الأفعال المختلفة , فى الوسط الأدبى , ولقد كانت روايته
(سوق الرجال) هى من أكثر أعماله المثيرة للجدل والدهشة معاً 0
لقد عاش " حميدة " الحياة ببراءة الأطفال وطموح الطامحين وحكمة الشيوخ , وكُتِب عليه امتطاء صَهوة المستحيل , ولقد نجح فى ذلك .. ولقد خاض " حميدة " الحياة بالطول وبالعرض , ولم يكن يَستَنْكفُ أن يعيش أو يعمل تحت أى ظرف من الظروف , ورحل فى هدوء تام تاركاً لنا أعمالاً أدبية وإبداعية رائعة , ستظل شاهدة على عظمة مبدع وأديب كبير , امتلك موهبة عظيمة , فسخَّرها لخدمة الأَدب والإِبداع 0
لا أتصور عودتى إلى "مختبر السَّرْديَّات" يوم الثلاثاء , من كل أسبوع , فلا أجدك جالساً فى الصف الأول .. وداعاً أيهما العملاق المحترم 0

*************

الأربعاء، 8 يونيو 2011

أصغر روائى مصرى فى مختبر السرديات









أصغر روائى مصرى فى مختبر السرديات

عقد مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية يوم الثلاثاء 31 مايو ندوة لمناقشة رواية (أنا لست شريف) للكاتب إسماعيل وهدان، والصادرة عن مشروع النشر الخاص لجماعة التكية الأدبية. الكاتب الصغير ـ والذي قدمه القاص منير عتيبة مدير المختبر، كأصغر روائي مصري ـ من مواليد أغسطس عام 1996، وهذه الرواية الصادرة في عام 2009، كتبها وهو لم يبلغ بعد الثالثة عشر.

وبرغم أن الناقد الكبير د.محمد عبد الحميد ـ ضيف الندوة ـ أكد على سعادته بالسن الصغير للكاتب.. إلا أنه أكد كذلك على أن تناوله للرواية بالنقد لا يجب أن يتأثر سوى بالنص، دون النظر لأي اعتبارات أخرى متعلقة بالكاتب. وقد وصف الرواية بأنها تتكئ على اتجاهين أساسيين، الرواية النفسية التي تقوم حبكتها على الحالة المرضية لبطلها، ورواية البوح أو الاعتراف. مؤكدا أن الكاتب نجح في نسج عمل أدبي مشوق ومثير على هذين النهجين، معتمدا على تقنيات حديثة في السرد، امتزج فيها الواقعي بالسحري، والإنساني بالبوليسي. ولغة موجزة مبتورة لتناسب الحالة العقلية للراوي. والتلاعب بالبناء الزمني لخلق المزيد من الإثارة، وخلط الداخل المضطرب للبطل، بالخارج. واستخدام الأساليب السينيمائية، بإدخال صورة فوق صورة، أو صوت فوق صوت.

مداخلات الحضور اتسمت بالحماس لتجربة الكاتب الصغير، والرغبة في ابداء النصح والإرشاد له. والفضول لمعرفة المزيد عن حياته وكتاباته. وهو ما دفع والدة الكاتب، د.إيمان الدواخلي، وهي كاتبة أيضا، لأن تتحدث عن الدور الذي لعبته نشأة إسماعيل خارج مصر، في تقوية علاقته بالقراءة منذ صغره، وهو ما انعكس على شغفه لتجربة الكتابة منذ سن صغير. وبرغم الخجل البادي على وجهه وصوته، إلا أن إسماعيل وهدان أجاب على جميع الأسئلة التي وجهت له، واصفا الرواية بالعمل البسيط، الذي لم يأخذ منه الكثير من الجهد في كتابته، فهو قد ترك قلمه للورق، وترك الرواية تكتب نفسها، موضحا أنه عندما بدأ في كتابتها لم يكن يعرف ماذا سوف يحدث بعد، أو كيف ستكون نهايتها. وعن مشاريعه القادمة، قال أنه مازال مضطربا منذ نشر الرواية، وغير راض عن كل ما كتبه بعدها، شاعرا بصعوبة شديدة في الوصول للخطوة الثانية.

السبت، 14 مايو 2011

الفصل الأول من رواية أسد القفقاس




























منير عتيبة






أسد القفقاس
رواية

كريمة..
العالم فى حجرة أبى

تأخر أبى اليوم أكثر من المعتاد. يزداد تأخره يوما بعد آخر فى الفترة الأخيرة. ويزداد قلقى عليه. أعلم ما يشعر به، وما يفكر فيه. لكنى لا أملك له شيئا.
هل أذهب إليه الآن؟
أحيانا يسعده أن أذهب إليه. نتحدث. نضحك، أو أضحك أنا بينما هو يبتسم بوقار وشجن. لكنى أحيانا أشعر أنه يتضايق من وجودى معه هناك. كأننى شاركته فى عالم يملكه وحده. أو كأننى ضيعت عليه شيئا كاد يمسكه بيديه أو يتيقنه بروحه.
يميل إلى الانفراد بنفسه. يزهد فى الحديث. يستبطن مشاعره الداخلية. يعيد تقييم حياته الطويلة. يحاسب نفسه بشدة على كل ما فعله. وبشدة أكبر على ما لم يفعله.
أنا وإخوتى وكل من رافقوه فى رحلته إلى الحج؛ لم نشعر بغربة فى المدينة المنورة، مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لهذه المدينة سر ما. سر يجعلها تحل فى نفسك محل بلدك الأصلى بمجرد مقامك فيها. لا تقوم بدور البديل. لكنها تمثل سلوى عظيمة. لعله هو نفسه السر الذى به احتضنت رسول الله وصحبه ودعوته.
أفتح شباك حجرته. أطل منه بأمل أن أراه قادما. الشارع شبه خال من المارة. الجو بعد صلاة العصر شديد الحرارة. لكنه هناك. أعرف أنه هناك. وبالتالى فهو لا يشعر بحرارة الجو من حوله.
ها هو قادم من بعيد. ها هو يقترب.
لا.. لا أحد.
ما بك يا كريمة؟ القلق سيجعلك تخرفين وترين خيالات خارجة من رأسك أنت فقط.
لن أدع نفسى نهبا لقلقى عليه. صحته فى الأيام الأخيرة غير مطمئنة. سأرتدى ملابسى وأذهب إليه حالا.
***
ألتقى فى طريقى بالسيدة زهيرة؛ جارتى، قادمة من السوق. أسلم عليها. نتحادث قليلا. تعرض علىّ إرسال خادمتها معى. أشكرها. أواصل طريقى إليه.
ترف على شفتي ابتسامة. عندما أخبرته بما حكته لى السيدة زهيرة؛ ضحك. كانت من المرات القليلة التى أسمع فيها لضحكته صوتا. الأميرة الهندية التى أسلمت رغما عن أهلها، ثم ماتت وهى تصلى. ودفنت فى الهند. ثم وجدوا جثمانها فى البقيع بالمدينة مكان جثمان رجل غير صالح دفن بالبقيع. لأن أرض البقيع لا تحتضن إلا أجساد الصالحين.
- إنها حكايات الجهل يا ابنتى!
ثم يبتسم. ويخبرنى عما يروجه أحد حراس مقابر البقيع. يقول إنه يرى فى كل ليلة قوافل إبل من نور أبيض، وقوافل إبل من قطران أسود. على الأولى أكفان بيضاء تفوح منها رائحة مسك فردوسية. وعلى الأخرى مزق سوداء نتنة الرائحة. تجلب الأولى كل ليلة أرواح وأجساد المؤمنين الصالحين الذين ماتوا فى أى مكان فى الدنيا. وتدفنهم فى البقيع. وتأخذ الأخرى أرواح وأجساد من دفنوا بالبقيع من غير الصالحين.
عندما سأله أبى:
- ومن يقود تلك القوافل؟
- يقود قوافل النور ملائكة من نور، وجوههم مبتسمة. ويقود قوافل الإبل السوداء ملائكة غلاظ شداد، متجهمى الوجوه.
- وأين يذهبون بأرواح وأجساد غير الصالحين؟
- يذهبون بها بعيدا.
- بعيدا أين؟
- والله يا شيخ هذا لا أراه. أنا أصف لك ما أراه بعيني فقط (!!) ربما يلقونها فى أعماق الجحيم.
ويضحك من جديد..
- العامة يخترعون الحكايات. ويضيفون إليها. ويصدقونها حتى لو كانت منافية للعقل. فاحذرى أن تصدقى أى شئ دون أن تعرضيه على إيمانك وعقلك.
- لكننى أعلم أن مقابر البقيع مباركة.
- إنها أكثر من مباركة يا ابنتى. إن بها أكثر من عشرة آلاف صحابى ومعظم أمهات المؤمنين، وإبراهيم ابن النبى، وبنات النبى، والعباس عمه، والحسن حفيده. وغيرهم وغيرهم. وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها مقبرة بين سيلين غربية، يضيء نورها يوم القيامة ما بين السماء إلى الأرض، وقال لأم قيس : ترين هذه المقبرة، يبعث منها سبعون ألفاً، وجوههم كالقمر ليلة البدر، يدخلون الجنة بغير حساب.
***
أراه من بعيد. واقفا يتأمل مقابر البقيع. أقترب منه. تجاوز الثانية والسبعين من عمره. يتوكأ على عصا سوداء ذات مقبض فضى. لكنه ما زال مشدود القامة كفارس أمضى عمره كله فوق حصان. لم يشعر بوجودى بجانبه. وقفت صامتة.
داعب ذقنه الطويلة ثلجية البياض. تأمل بعينيه الحادتين القبور المنثورة أمامه بخشوع ومحبة:
- يا سادتى! هل يتحقق حلمى وأدفن معكم؟ أغسل بدموعى أقدامكم الطاهرة.
تلوح ابتسامة وليدة على شفتيه وهو يتخيل نفسه مدفونا بجوارهم. ثم يمسحها بسرعة كذنب يكفر عنه:
- لا يا فتى! لا تستحق كل هذا النعيم!
رفع عصاه. وضعها بمحاذاة كتفه الأيمن. أغلق عينه اليسرى. أطلق بفمه صوت فرقعة كأنه يطلق رصاصة من بندقية. ضحك بشدة:
- رائع! ضربة صائبة!
عاد يجعد ملامحه غير راض عن نفسه:
- بل طائشة! ضربة طائشة يا فتى!
ألقى العصا على الأرض. تأمل قبور صحابة رسول الله بالبقيع. هطلت دموعه:
- السلام عليكم يا سادتى! لا أستطيع أن أمنع نفسى من الحلم بأن أدفن معكم. لكنني أعلم علم يقين أننى أقل من أن أحلم بذلك. لطالما تمنيت أن أموت شهيدا. تنطلق روحى من عقال هذا الجسد الفانى وهو يسقط من فوق حصان منطلق بين الغابات الكثيفة، ككثير من صجبى وأتباعى. أو تغادره وهو راكع أو ساجد قبيل معركة يستمد العون من الله. أو بعيد معركة يسجد لله شكرا على النصر. يا سادتى! وها أنتم ترون، ما زالت روحى سجينة الجسد الذى يعمل فيه الزمن بمعاوله، لم أرزق الشهادة. وفى النهاية استسلمت. نعم استسلمت.. استسلمت.
ألقى بجسده على الأرض بجوار العصا. مسح دموعه بكمه. أمسك العصا. أشار بها إلى شئ فى الفضاء لا يراه إلا هو:
- لماذا استسلمت يا فتى؟ لماذا لم تقاتل حتى النهاية؟
- لكن أية نهاية؟ نهايتى أم نهاية من كانوا معى؟ وهل ألقى بهم إلى هلاك محقق بعد أن تخلى عنا الجميع؟
- كان يجب أن تحاول. لا تستسلم.
- أنا لم أستسلم بسهولة، لم أستسلم بسهولة.
- لكنك فى النهاية استسلمت. هل خفت من الموت؟ هل حرصت على الحياة لدرجة أن تلقى سلاحك وتمد يديك إلى العدو يكبلهما، وتضع مصيرك بين يدي رحمة عدوك؟
- لم أخف الموت. ولم أختر الحياة لأجل نفسى. بل لأجل من كانوا معى. كنت مسئولا عنهم. ولم يكن يحق لى أن ألقى بهم إلى التهلكة.
- خمسة وعشرون عاما تخوض غمار حروب مهلكة، فلماذا لم تكن تفكر فى التهلكة، هل ضعفت فاستسلمت؟ أم يئست من النصر فألقيت السلاح؟
- نصر؟ أى نصر؟
- النصر النهائى على العدو.
- ومن قال أننى كنت أبحث عن النصر النهائى أو أنتظره؟
- فلماذا يا فتى؟ لماذا إذن؟
- يا أبى! يا أبى!
اقتربت منه. أفاق. لاحظ أنه ما يزال يرفع العصا فى الفضاء تجاه الآخر الذى كان يحاسبه. نظر إلىّ. ابتسم.
- ألن تعود إلى البيت يا أبى؟
ينظر إلى تربة البقيع الرمادية، والقانية. يرفع يديه أمام وجهه. ينظر إلى السماء:
- السلام عليكم دار قوم مؤمنين. أتاكم ما توعدون. غداً مأجورون. وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. اللهم اغفر لأهل البقيع. السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين. ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين. وإنا إن شاء الله بكم للاحقون.
يمسح على صدره بيديه. يلتفت إلىّ:
- هيا يا ابنتى!
***
- ناولينى شربة ماء يا كريمة.
كان وجهه متغير اللون كمن عاد من سفر طويل. جسده الممدد فوق السرير ينتفض انتفاضات خفيفة. ناولته الماء. شرب وحمد الله. تعلقت عيناه بسقف الحجرة. اتسعت عيناه. همهم بشئ لم أسمعه. عيناه تتحركان فى كل أرجاء الغرفة. يبتسم. يكشر عن أسنانه. يتهلل وجهه. تنزل من عينه دمعة. تنضغط ملامحه بألم. تنفرج أساريره.. قرأت على صفحة وجهه كل ما يمكن أن يمر به إنسان من مشاعر فى حياته كلها. رأيت فى عينيه انعكاسا غريبا لجبال داغستان الشامخة يكسو قممها الجليد، إنه يحب هذه الجبال. يعشق الغابات التى أرى ظلال فروع أشجارها الآن تتحرك فى بؤبؤي عينيه. أسمع صوته بصعوبة:
- يا كريمة! يا كريمة!
أقترب بأذنى من فمه:
- ما الذى أتى بكل هؤلاء إلى حجرتى؟ كيف تسعهم الحجرة؟
نظرت حولى. لم أر أحدا. لكنه كان يراهم بالفعل. كانوا يقينا معه.


السيرة الذاتية لمنير عتيبة

الاسم: منير السيد محمد عتيبة (منير عتيبة)
مواليد: 8 فبراير 1969
ماجستير إدارة الأعمال MBA - الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا 2009
دبلومة فى إدارة الموارد البشرية 2010م
ليسانس آداب- قسم الاجتماع- جامعة الإسكندرية 1992
عضو اتحاد كتاب مصر
عضو لجنة الإنترنت باتحاد كتاب مصر (2008- 2010 )
رئيس لجنة الإنترنت بفرع اتحاد الكتاب بالإسكندرية (2004-2006)
عضو مؤسس وعضو مجلس إدارة اتحاد كتاب الإنترنت العرب (2003- 2011)
عضو هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية
عضو لجنة تضامن الشعوب الأفروآسيوية
مؤلف دراما معتمد بالإذاعة المصرية
يحرر مجلة "أمواج سكندرية" بالاشتراك مع الصحفى حسام عبد القادر، وهى الموقع الثقافى للإسكندرية على الإنترنت وعنوانها:
http://www.amwague.com/ (1999م- )
مستشار ثقافى لموقع الإسلام على الإنترنت
http://www.islamonline.net/ (2000م- 2007م)
يدير منتدى الثقافة الرقمية بقصر ثقافة التذوق بالإسكندرية بالاشتراك مع الصحفى حسام عبد القادر (2007م-2009م)
مؤسس ومدير مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية. (2009م- )
مؤسس ومدير دار الصديقان للنشر والإعلان بالاشتراك مع الصحفى حسام عبد القادر (1996م-2002م)
العمل:مدير الموارد البشرية بمصانع برج العرب شركات ليسيكو مصر للأدوات الصحية والسيراميك
الحالة الاجتماعية: متزوج ولديه ثلاث بنات.
دورات تدريبية: Business report writing- Time management
Effective managerial skills
صدر له :
1-الإسكندرية مهد السينما المصرية – دراسات(مشترك) الهيئة العامة لقصور الثقافة. سنة 1995
2-يا فراخ العالم اتحدوا – قصص – دار "الصديقان" للنشر والإعلان. سنة 1998
3-حكايات آل الغنيمى- رواية- الهيئة العامة للكتاب - سلسلة كتابات جديدة. سنة 2001
4-حكايات البيبانى-قصص- الهيئة العامة للكتاب- سلسلة إشراقات جديدة سنة 2002
5-عمر بن الخطاب فى عيون مفكرى العصر- دراسات- سلسلة كتاب الجمهورية. سنة 2002
6-الأمير الذى يطارده الموت- قصص- الهيئة العامة لقصور الثقافة. سنة 2000
7- مرج الكحل- متوالية قصصية- سلسلة ندوة الاثنين سنة 2005
8-كسر الحزن-مجموعة قصصية سنة 2007
9- أسد القفقاس- رواية- دار الكتاب العربى- بيروت- لبنان- سنة 2010
10- حاوى عروس- مجموعة قصصية- الهيئة المصرية العامة للكتاب- سلسلة كتابات جديدة- سنة 2010

فى مجال الطفل:
1-تعال نلعب ونقرأ- مسرحية للأطفال- الهيئة العامة لقصور الثقافة. سنة 2003
2 - "شقاوة أوشا" – سلسلة كتاب الهلال للأولاد والبنات. سنة 2006
تحت الطبع:
بقعة دم على شجرة- قصص- اتحاد كتاب مصر

* تم تدريس بعض أعماله: بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية- كلية التربية جامعة المنوفية-كلية الآداب جامعة حلوان-كلية التربية جامعة الإسكندرية.
الجوائز والتكريم:
1-جائزة مجلة هاى الأمريكية فى مسابقة القصة القصيرة العربية 2005.
2-جائزة إحسان عبد القدوس فى مسابقة القصة القصيرة عامى 2006 و2008
3-جائزة ساقية الصاوى فى مسابقة القصة القصيرة العربية 2006
4-جائزة جمعية الأدباء فى القصة القصيرة 2006
5-تم اختياره ممثلا لمحافظة الإسكندرية (شخصية عامة) بمؤتمر أدباء مصر بالغردقة 2007
6-كرمته الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب (واتا) 2008
7-
أمين عام مؤتمر الإسكندرية الأول للثقافة الرقمية أكتوبر 2009

العنوان: الإسكندرية- قسم المنتزة- خورشيد- شارع السوق- فوق صيدلية عزب نوبار
تليفون: 5184591/03 – 0122496625
E-mail: sardeyat@yahoo.com
amwague @ amwague.com
motaiba@lecico.com

منير عتيبة يلتقى أسد القفقاس!


فى روايته الجديدة "أسد القفقاس" الصادرة عن دار الكتاب العربى ببيروت يخوض الكاتب المصرى منير عتيبة مغامرة متعددة الأبعاد، فتاريخيا يذهب بروايته إلى فترة تاريخية قليلة هى الأعمال الروائية المعاصرة التى تدور أحداثها فيها، وجغرافيا ينتقل إلى منطقة تندر جدا الأعمال الروائية التى تدور فى أجوائها، غالبا هى الرواية العربية الأولى التى تدور أحداثها فى بلاد القوقاز، فى بلاد الداغستان والشيشان فى نهاية القرن الثامن عشر وثلاثة أرباع القرن التاسع عشر، كما أنه يستخدم تقنية رواية الأصوات، وهى تقنية لا تستخدم كثيرا فى الروايات التاريخية، أما على المستوى الأعمق؛ قيبدو أن الكاتب يحاول أن يقف فى تلك المنطقة الجغرافية البعيدة وفى تلك الفترة التاريخية الأكثر بعدا، لكى يستطيع رؤية واقعنا الآن بصورة أوضح وأكثر عمقا، وهو ما تحسه أثناء قراءة فصول الرواية، حيث ابتعد الكاتب جدا ليكون أكثر قربا وأكثر قدرة على الفهم.
تتناول الرواية حياة الإمام شامل بن ذكاو إمام المريدين فى الشيشان وداغستان، المولود سنة 1799م، وتتلمذه على يد الشيخ سعيد الهركانى أكبر علماء عصره، ثم أخذه الطريقة الصوفية النقشبندية؛ التى كانت تحمل لواء العلم والجهاد فى كل بلاد القوقاز، على يد الشيخ محمد أفندى اليراغى النقشبندى الذى أجازه، وجهاده ضد الروس طيلة 25 عاما، ووقوعه أسيرا فى قبضة القيصر اسكندر الثانى، إلى وفاته سنة 1871 فى المدينة المنورة ودفنه بجوار قبة العباس رضى الله عنه عم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. لم يكن شامل مجرد زعيم عصابة جبلى كما يحاول أعداؤه أن يصوروه، كان حاكما يعمل فى ظروف غير مؤاتية فى سبيل وحدة القفقاس، وهو شخصية خلافية جدا، هو المجاهد الصوفى الإسلامى الكبير، وهو خارج على القانون وإرهابى. هو سادس الخلفاء الراشدين، وهو متسلط باسم الدين. حارب الروس لمدة ربع قرن، حقق انتصارات مبهرة بقوات قليلة، بنى دولة، ثم وقع فى الأسر لعوامل كثيرة أهمها الخيانة وعدم قدرة الأتباع على مواصلة النضال. يبدو الواقع القبلى الممزق المتخلف الذى عاشه وحاربه شامل أشبه بعالمنا العربى والإسلامى اليومى، لذلك حرص عتيبة على تناول حياة شامل بما يلقى الضوء على ما نعيشه الآن. وذلك من خلال رواية أصوات يتحدث فيها من أحاطوا بشامل من الأهل والأصدقاء والمنشقين والأعداء، ليس فقط ليوضحوا جوانب حياته المختلفة، بل ليكون الكاتب محايدا بقدر الإمكان؛ ظاهريا على الأقل، وهو يشير إلى ما سننتهى إليه الآن، كما انتهى شامل من قبل، الهزيمة والأسر وتشتيت شمل شعبه بددا.
ساعد استخدام تقنية رواية الأصوات الكاتب لدراسة شامل وعصره كحالة مشابهة لعصرنا الحالى، دون أن يدع للعاطفة الرخيصة فرصة للتدخل فى مسار الحكى، حيث لم يتحدث شامل عن نفسه فى الرواية التى اتخذت شكل الدائرة المغلقة، بل تحدث عنه من عرفوه من أصدقاء وأعداء، بداية من الفصل الأول (كريمة.. العالم فى حجرة أبى) والتى تصف فيه ابنة شامل حياته فى مدينة رسول الله بعد النفى، وحبه لقضاء أوقاته بمقابر البقيع، حتى الفصل الأخير (كريمة.. مجاور قبة العباس) والتى تغلق به كريمة دائرة الرواية بوصفها لحياة أبيها بالمدينة ووفاته، وعلى مدى فصول الرواية نستمع إلى رأى مريدى الإمام، وأصدقائه، وأعدائه من قومه ومن الروس، وحكاياتهم معه، حيث يبدو لنا شامل رومانتيكيا كبيرا مقارنة بمعاونه الكبير؛ ثم عدوه الكبير بعد ذلك، الحاج مراد الذى كان سياسيا عمليا لا يحلم بأكثر مما يستطيع الحصول عليه من مكاسب قريبة (كتب عنه تولستوى واحدة من أجمل رواياته)، أما شامل فهو يحلم بالمستحيل، توحيد أمة ممزقة، وقيادتها لمحاربة دولة كبيرة جدا هى روسيا، وهنا تتجلى الفكرة الكبرى فى حياة شامل، فكرة النصر النهائى الذى يحقق الأحلام (ومن قال إننى كنت أبحث عن النصر النهائى أو أنتظره؟!) هكذا يقول شامل مؤكدا أن الرومانتيكيين الكبار؛ الحالمين الكبار أو الثوار الكبار، هم من يعملون، ويهبون حياتهم من أجل ما يؤمنون به، حتى ولو كانت كل دلائل الواقع تشير إلى أن ما يسعون إليه لن يتحقق، لذا نجد الكاتب يحرص على تأطير العلاقة بين شامل والأمير عبد القادر الجزائرى، وبينه وبين محمد على باشا، مشيرا إلى موسى بن غسان آخر الشهداء المدافعين عن غرناطة، جميع هؤلاء تجمعهم فكرة واحدة هى ما عبر عنه الأمير عبد القادر الجزائرى فى الرواية (تعلم مقدورك لكنك لا تستطيع تغييره. تذهب بنفسك إلى حتفك لأنك لا تستطيع أن تتخلى عن واجبك) ثم هذا الحوار بين شامل والأمير:
- إننا الآن كالأندلس وقتها يا داغستانى! نفس التفكك والتنابذ والوهن والضعف. وعدونا يضرب بعضنا ببعض ويستقوى بنا علينا. زد على ذلك الفقر والجهل الذى نحن الآن فيه.
- فهى حرب بلا أمل إذا.
- بل جهاد يحدوه أمل لا نهائى يا داغستانى. أمل فى ألا تموت روح أمتنا. أن تبقى الجذوة مشتعلة وإن تحت رماد كثيف.
يربط الكاتب فى روايته بين الأندلس المحتضرة، وحال الشعوب الإسلامية فى أوائل القرن التاسع عشر، وحال أمتنا الآن، فالأسباب واحدة والنتائج واحدة، وإذا لم نستيقظ فورا سنضيع للأبد.
أسد القفقاس هى الرواية الثانية لمنير عتيبة، الذى صدر له من قبل رواية "حكايات آل الغنيمى" وله خمس مجموعات قصصية منشور هى "يا فراخ العالم اتحدوا" "حكايات البيبانى" "الأمير الذى يطارده الموت" "مرج الكحل" "كسر الحزن" بالإضافة إلى كتابين فى النقد الفنى والأدبى هما "اسكندرية مهد السينما المصرية" و"عمر بن الخطاب فى عيون مفكرى العصر" ومجموعة قصصية للأطفال "شقاوة أوشا" ومسرحية للأطفال "تعال نلعب ونقرأ"، كتب الدراما الإذاعية والسيناريو، ويشرف على مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية.

من أجواء الرواية:

[لم أحب المريدين يوما. ولم أحب شامل أبدا.
يحيرنى هؤلاء القوم الذين يحتكرون الإيمان!
إننى مثلهم مسلم. سنى. أعرف ربى ودينى. أؤدى الفروض كلها. فلماذا يعتبرون أنفسهم أفضل منى لمجرد أن خياراتى الدنيوية والسياسية مختلفة عنهم؟!]
الحاج مراد أهم رجال شامل وأهم المنشقين عنه.

[يا لها من مصيبة مفجعة! إن الرجال الذين تناثرت أشلاؤهم هنا كان بمقدورهم فتح بلاد تمتد من اليابان في الشرق إلى أوكرانيا في الغرب!]
جنرال روسى

[شاركته الأسر فى كالوكه. شاركته الرحلة إلى اسطنبول، فمكة، ثم المدينة. وعندما أغادر الدنيا ستكون وصيتى أن أدفن بجواره. الفارس الذى زرعه أبى بداخلى؛ قلب الأسد وجرأة الصقر وبهاء قمر وحنان عصفورى الجبلى.]

شعينات إحدى زوجات شامل

الأحد، 8 مايو 2011

الثلاثاء 29 مارس 2011م.










من اليمين الأستاذ الدكتور فورزي عيسى , الأديب منير عتيبة , الأديبة منى سالم .
أوراق لم تسقط فى مختبر السرديات

نظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية يوم الثلاثاء 29 مارس الساعة السابعة مساء ندوة لمناقشة المجموعة القصصية "أوراق لم تسقط" للأديبة منى سالم، ناقشها كل من الدكتور فوزى عيسى . صرح الأديب منير عتيبة المشرف على المختبر أن الأديبة منى سالم قاصة وروائية سكندرية وإحدى عضوات مختبر السرديات، تهتم أعمالها بالبيئة الشعبية عموما والسكندرية على وجه الخصوص.
من قصص " أوراق لم تسقط " .

فقاقيع و رغاو
******
بدأت أنفاسه تلاحقني , وأنا في خلوتي , أحس بشئ يلامسني , يقشعر جسدي , أحسست بالإجهاد..

لا أدري لماذا تذكرت الرجل العطار الذي كانت عينه ترمقني باشتهاء .. قررت أن آخذ حماما وأدخل للنوم قليلا .د خلت الحمام وبدأت في خلع ملابسي , اقشعر جسمي .. لم أبال بهذا الاحساس . فتحت الدش وبدأ الماء يتساقط على جسدي , أغلقت عيني حتى لا تنزلق رغاوي الصابون فيهما ..دائما تدمع عيناي من دخول هذه الرغاوي فيهما .. لكن في هذه المرة بدأت الرغاوي تنزلق بعيدا عن عيني ..

كانت رغوة تزحف ببطء شديد على جسمي إلى أن أحسست ببروة , دفقات المياه من خلال الدش تنفع بقوة حتى تزيل هذه الرغوة الملتصقة . لم تمت يدي هذه المرة الى اللوفة , بل اكتفيت بالصابونة التي مررتها على شعري , انسالت الرغاوي على جسمي .. مع قطرات الماء الساخنة المندفعة من الدش .

أغلقت الدش , امتدت يدي الى الروب لأضعه على أكتافي , لكنه كاد ينزلق ويسقط في ماء " البانيو " , اقشعر جسمي وأحسست أن عينا تشاهدني ..

كاد الخجل يقتلني , تلفت حولي وأنا أداري أعضائي بيدي ..
ولكن فجأة ضحكت .. بسرعة وأنا أرتدي ملابسي لملمت شعري وجهزت كوب شاي الساخن , وبدأ جسمي يسترخي .. تمددت مع إحساس بالراحة , وبدأ النوم يغزو جفوني .. وفجأة ؟ بدأ الغغطاء يرتفع , وأحسست بشئ يختفي داخل الغطاء .
تظاهرت بالهوء والاستغراق في النوم , ولكن شيئا مايريد أن يتملكني ويعبث بجسمي .. اقشعر جسدي .. بدأت أقاوم ,, انطلق لساني ير الآيات القرآنية , وبأ لي كل شئ من حولي يخيفني قد تبخر .

ولكني عندما صحوت من نومي كان جسمي كله منهكا ..
صادفني في الصباح الرجل العطار سألني ::

- هل ضحكت في الحمام أمس ....؟

*********************

ليلة ذابت فيها الشموع
*******

قبل أن تمتد يدي للمدفأة لأضغط على زرها الأحمر بحثا عن الدفء , انقطعت الكهرباء , ازداد الجو برودة , امتدت يدي وأشعلت شمعة الزفاف الكبيرة , ليتسع حجم الضوء في الغرفة , لم ألحظ سرعة ذوبانها وهطول دموعها , فجأة انطفأت , تحسست المكان للوصول اليها حتى أشعلها مرة أخرى , اكتشفت أن الخيط الذي بداخلها قصير , أخرجت من درجي شمعة " سبوع " , أشعلتها , دوي صوت رنين " الهون " من حولي من دق باب الشقة , فتحت الباب , دخلت ابنتي تحمل في يدها تورتة عيد الميلاد , أطفأت شمعة السبوع الملونة وأشعلت شمعة عيد الميلاد .