بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 14 مايو 2011

منير عتيبة يلتقى أسد القفقاس!


فى روايته الجديدة "أسد القفقاس" الصادرة عن دار الكتاب العربى ببيروت يخوض الكاتب المصرى منير عتيبة مغامرة متعددة الأبعاد، فتاريخيا يذهب بروايته إلى فترة تاريخية قليلة هى الأعمال الروائية المعاصرة التى تدور أحداثها فيها، وجغرافيا ينتقل إلى منطقة تندر جدا الأعمال الروائية التى تدور فى أجوائها، غالبا هى الرواية العربية الأولى التى تدور أحداثها فى بلاد القوقاز، فى بلاد الداغستان والشيشان فى نهاية القرن الثامن عشر وثلاثة أرباع القرن التاسع عشر، كما أنه يستخدم تقنية رواية الأصوات، وهى تقنية لا تستخدم كثيرا فى الروايات التاريخية، أما على المستوى الأعمق؛ قيبدو أن الكاتب يحاول أن يقف فى تلك المنطقة الجغرافية البعيدة وفى تلك الفترة التاريخية الأكثر بعدا، لكى يستطيع رؤية واقعنا الآن بصورة أوضح وأكثر عمقا، وهو ما تحسه أثناء قراءة فصول الرواية، حيث ابتعد الكاتب جدا ليكون أكثر قربا وأكثر قدرة على الفهم.
تتناول الرواية حياة الإمام شامل بن ذكاو إمام المريدين فى الشيشان وداغستان، المولود سنة 1799م، وتتلمذه على يد الشيخ سعيد الهركانى أكبر علماء عصره، ثم أخذه الطريقة الصوفية النقشبندية؛ التى كانت تحمل لواء العلم والجهاد فى كل بلاد القوقاز، على يد الشيخ محمد أفندى اليراغى النقشبندى الذى أجازه، وجهاده ضد الروس طيلة 25 عاما، ووقوعه أسيرا فى قبضة القيصر اسكندر الثانى، إلى وفاته سنة 1871 فى المدينة المنورة ودفنه بجوار قبة العباس رضى الله عنه عم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. لم يكن شامل مجرد زعيم عصابة جبلى كما يحاول أعداؤه أن يصوروه، كان حاكما يعمل فى ظروف غير مؤاتية فى سبيل وحدة القفقاس، وهو شخصية خلافية جدا، هو المجاهد الصوفى الإسلامى الكبير، وهو خارج على القانون وإرهابى. هو سادس الخلفاء الراشدين، وهو متسلط باسم الدين. حارب الروس لمدة ربع قرن، حقق انتصارات مبهرة بقوات قليلة، بنى دولة، ثم وقع فى الأسر لعوامل كثيرة أهمها الخيانة وعدم قدرة الأتباع على مواصلة النضال. يبدو الواقع القبلى الممزق المتخلف الذى عاشه وحاربه شامل أشبه بعالمنا العربى والإسلامى اليومى، لذلك حرص عتيبة على تناول حياة شامل بما يلقى الضوء على ما نعيشه الآن. وذلك من خلال رواية أصوات يتحدث فيها من أحاطوا بشامل من الأهل والأصدقاء والمنشقين والأعداء، ليس فقط ليوضحوا جوانب حياته المختلفة، بل ليكون الكاتب محايدا بقدر الإمكان؛ ظاهريا على الأقل، وهو يشير إلى ما سننتهى إليه الآن، كما انتهى شامل من قبل، الهزيمة والأسر وتشتيت شمل شعبه بددا.
ساعد استخدام تقنية رواية الأصوات الكاتب لدراسة شامل وعصره كحالة مشابهة لعصرنا الحالى، دون أن يدع للعاطفة الرخيصة فرصة للتدخل فى مسار الحكى، حيث لم يتحدث شامل عن نفسه فى الرواية التى اتخذت شكل الدائرة المغلقة، بل تحدث عنه من عرفوه من أصدقاء وأعداء، بداية من الفصل الأول (كريمة.. العالم فى حجرة أبى) والتى تصف فيه ابنة شامل حياته فى مدينة رسول الله بعد النفى، وحبه لقضاء أوقاته بمقابر البقيع، حتى الفصل الأخير (كريمة.. مجاور قبة العباس) والتى تغلق به كريمة دائرة الرواية بوصفها لحياة أبيها بالمدينة ووفاته، وعلى مدى فصول الرواية نستمع إلى رأى مريدى الإمام، وأصدقائه، وأعدائه من قومه ومن الروس، وحكاياتهم معه، حيث يبدو لنا شامل رومانتيكيا كبيرا مقارنة بمعاونه الكبير؛ ثم عدوه الكبير بعد ذلك، الحاج مراد الذى كان سياسيا عمليا لا يحلم بأكثر مما يستطيع الحصول عليه من مكاسب قريبة (كتب عنه تولستوى واحدة من أجمل رواياته)، أما شامل فهو يحلم بالمستحيل، توحيد أمة ممزقة، وقيادتها لمحاربة دولة كبيرة جدا هى روسيا، وهنا تتجلى الفكرة الكبرى فى حياة شامل، فكرة النصر النهائى الذى يحقق الأحلام (ومن قال إننى كنت أبحث عن النصر النهائى أو أنتظره؟!) هكذا يقول شامل مؤكدا أن الرومانتيكيين الكبار؛ الحالمين الكبار أو الثوار الكبار، هم من يعملون، ويهبون حياتهم من أجل ما يؤمنون به، حتى ولو كانت كل دلائل الواقع تشير إلى أن ما يسعون إليه لن يتحقق، لذا نجد الكاتب يحرص على تأطير العلاقة بين شامل والأمير عبد القادر الجزائرى، وبينه وبين محمد على باشا، مشيرا إلى موسى بن غسان آخر الشهداء المدافعين عن غرناطة، جميع هؤلاء تجمعهم فكرة واحدة هى ما عبر عنه الأمير عبد القادر الجزائرى فى الرواية (تعلم مقدورك لكنك لا تستطيع تغييره. تذهب بنفسك إلى حتفك لأنك لا تستطيع أن تتخلى عن واجبك) ثم هذا الحوار بين شامل والأمير:
- إننا الآن كالأندلس وقتها يا داغستانى! نفس التفكك والتنابذ والوهن والضعف. وعدونا يضرب بعضنا ببعض ويستقوى بنا علينا. زد على ذلك الفقر والجهل الذى نحن الآن فيه.
- فهى حرب بلا أمل إذا.
- بل جهاد يحدوه أمل لا نهائى يا داغستانى. أمل فى ألا تموت روح أمتنا. أن تبقى الجذوة مشتعلة وإن تحت رماد كثيف.
يربط الكاتب فى روايته بين الأندلس المحتضرة، وحال الشعوب الإسلامية فى أوائل القرن التاسع عشر، وحال أمتنا الآن، فالأسباب واحدة والنتائج واحدة، وإذا لم نستيقظ فورا سنضيع للأبد.
أسد القفقاس هى الرواية الثانية لمنير عتيبة، الذى صدر له من قبل رواية "حكايات آل الغنيمى" وله خمس مجموعات قصصية منشور هى "يا فراخ العالم اتحدوا" "حكايات البيبانى" "الأمير الذى يطارده الموت" "مرج الكحل" "كسر الحزن" بالإضافة إلى كتابين فى النقد الفنى والأدبى هما "اسكندرية مهد السينما المصرية" و"عمر بن الخطاب فى عيون مفكرى العصر" ومجموعة قصصية للأطفال "شقاوة أوشا" ومسرحية للأطفال "تعال نلعب ونقرأ"، كتب الدراما الإذاعية والسيناريو، ويشرف على مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية.

من أجواء الرواية:

[لم أحب المريدين يوما. ولم أحب شامل أبدا.
يحيرنى هؤلاء القوم الذين يحتكرون الإيمان!
إننى مثلهم مسلم. سنى. أعرف ربى ودينى. أؤدى الفروض كلها. فلماذا يعتبرون أنفسهم أفضل منى لمجرد أن خياراتى الدنيوية والسياسية مختلفة عنهم؟!]
الحاج مراد أهم رجال شامل وأهم المنشقين عنه.

[يا لها من مصيبة مفجعة! إن الرجال الذين تناثرت أشلاؤهم هنا كان بمقدورهم فتح بلاد تمتد من اليابان في الشرق إلى أوكرانيا في الغرب!]
جنرال روسى

[شاركته الأسر فى كالوكه. شاركته الرحلة إلى اسطنبول، فمكة، ثم المدينة. وعندما أغادر الدنيا ستكون وصيتى أن أدفن بجواره. الفارس الذى زرعه أبى بداخلى؛ قلب الأسد وجرأة الصقر وبهاء قمر وحنان عصفورى الجبلى.]

شعينات إحدى زوجات شامل

ليست هناك تعليقات: