بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 مايو 2011

حفريات الأمومة فى (نريد أن نتحدث عن كيفين)ليونيل شرايفر

حفريات الأمومة فى (نريد أن نتحدث عن كيفين)ليونيل شرايفر

قراءة: فاطمة عبد الله

مختبر السرديات بمكتبة الأسكندرية الأربعاء 5-4-2011

فى كتابة تتوسل الرسائل قالبا تتسرب منه الأحداث,أو بالأحرى منمنمات الحدث, تأتينا رواية(نريدأن نتحدث عن كيفين) للروائيةالامريكية ليونيل شرايفر,وبترجمةالشاعرالمصرى مفرح كريم.عارضة لموضوع يبدو صادما للمتلقى, لتعارضه مع ما جبلت عليه النفس – فيما يتصل بالأمومة والبنوة- ولعدم توافقه فى صراحة الكشف عن علاقة الأم بالأمومة, والابن بمسألة البنوة ذاتها,وثقافتناالإنسانية,عموما,والمصرية خاصة.إضافةلعدم تقبل أو استساغة فكرة القتل

والتوسل بشكل الرسائل قالبا لتقديم الحدث المحور/ المفصلى,وللأحداث الداعمة له والمحيطةبه,هذا التوسل ليس جديدا, فقد عرضت به الرواية العظيمة(كرسى الرئاسة) لكارلوس يوفنتيس, والتى كان المبرر فيها لاتخاذ الرسائل وسيلة هو غضب الولايات المتحدة على احدى دول أمريكا اللاتينية, وعقابها بقطع كافة وسائل الاتصال عنها- الكهرباء والانترنت والبريد الجوى- ما اضطر البطلة لاتخاذ الرسائل اليدوية- بشكلها البدائى- وسيلة جاءتنا عبرها الأحداث والرواية. وفى نفس السياق– مع اختلاف التفاصيل والدواعى, تأتى الرسائل بين البطلة ايفا وزوجها المنفصلة عنه- فرانكلين- لتحادثه بشأن ابنهما كيفين,الشخصيةالتى تبدو محورية, وتدورالرسائل حول شأنها, وتداعيات تصرفاتها, وخاصة الجريمة الكبرى التى ارتكبها الابن فى مدرسته, والتى راح ضحيتها سبعة من أصحابه, واثنين من زملاء دراسته, فإن كان الداعى فى كرسى الرئاسة موجبا لاستخدام الرسائل إلا انه غير موجب فى رواية شرايفر, فإن كان المبرر سفر البطلة أو انفصال الزوج فكافة سبل التواصل الأخرى تبدو متاحة, ولكن ليس لى التدخل فيما اتخذته الكاتبة من سبل العرض, لكن ما لفتنى هو التوظيف الفنى للرسائل فى سياق السرد , فلو لم تورد إشارة لكون الكتابة تتخذ الرسائل مركبة – عزيزى فرانكلين...- لتقبلتها كخواطر مسجلة, أو يوميات راصدة ومدونة. لا سيما أن ذاكرة الرسائل لدينا طالما ارتبطت بالشوق وتبادل المشاعر الخاصة فيها وخصوصية الحكى– لوحظ خلو رسائل إيفا لفرانكلين من التشوق, فى مقابل تحميلها لابنها السبب الرئيس فى فشل زيجتها السعيدة, وعليه يفقد إيراد ذلك كمبرر لنفورها من الابن حرارة الإقناع به وقوة الحجة المنبنية عليه, سيما وأن هذا النفور من أم لابنها حد الكراهية, أمرغريب وقد لا يتسق والفطرة الإنسانية فيما له علاقة ووشيجة بغريزة الأمومة, فالسائد إنسانيا, وليس شرقيا فقط ,أن الزوج مبدول والابن مفقود- ولكن الرواية بشكل كبير تستكشف الطبيعة عن طريق تغذية النقاش الذى تورده ايفا/ الأم / البطلة فى الرسائل من ناحية, والذى تولده فى نفوسنا من ناحية أخرى.

ولعل هذا الخلل والاضطراب التى تعرضه الرواية فى علاقة الأم/ايفا بالابن, يدفعنا للبحث فى حفريات تلك الأم , إن جاز لى التعبير, فالحفريات, فى أبسط تعريف لها,هى بقايا آثار الكائنات الحية, والمحفوظة فى الصخور الرسوبية, ولأن هذا الشكل أو النوع من المشاعر غير مألوف على من ينتسبن للأمومة, فانثى العقرب, بما لها من موروثات ترتبط بكونها أشرس الحشرات, تبلغ أمومتها كل مبلغ حين تمنح أبناءها عصارة روحها كأول طعمة حياة لهم, ولتموت الأم بعدها مباشرة, فما بالنا بأم من بنى الإنسان تنفر من ابنها حد الكراهية! هذا ما يدفع للبحث فى حفريات الأمومة لديها, ولدى الكاتبة أيضا, فايفا /المرأة لا تعكس اهتماما ببنات الصديقة كما يبديه فرانكلين/الرجل, وبينما الرجل يسعد بطفلات الجار, ويلاعبهن, ويعكس اهتمامه بهن, ويخاطب زوجته فى رغبته فى طفل, نجد ايفا /المرأة لا تعكس اهتماما ببنات الصديقة, ولا تبدى انعكاسا للسعادة الفطرية للمرأة, إذا ما رغب زوجها فى استولادها أطفاله, ليكونوا قاسما مشتركا بين روحيهما, كما لا تعكس ابتهاجا تلقائيا بما يتوافق والغريزة المجبولة عليها بنات جنسها –لاحظ أن البنات كافة دائما ما يصنعن أو يقتنين عرائس يتخذنها أولادا لهن, وفى ألعابهن الطفولية المبكرة, فالأمومة فطرة والأبوة اكتساب– لكن الوضع هنا معكوس فالرجل يشتهى الأطفال والمرأة تناقش الفكرة!

الكاتبة أيضا, وإن وصفت بالشجاعة لتناولها هذا الشكل غير المألوف من المشاعر الإنسانية, وتضمينه الرواية, حتى يستحيل الهدف من العمل الأدبى, هذه الكاتبة لم تستمع بكونها أنثى - فحسب ما ورد عن سيرتها الذاتية- كانت تسمى مارجريت آن وحين بلغت الخامسة عشر, أوج استمتاع البنت بما تكتشفه مما اعترى جسدها وبالتالى روحها من مظاهر أنوثة طارئة طازجة, وهى فى الخامسة عشر تغير اسمها إلى ليونيل, اسم مذكر يتلبس جسدا وروحا من المفترض أنوثته, لأنها كانت تعتقد أن الرجال يتمتعون بحياة أسهل،ولعل هذا ما أحالنا للتنقيب فى حفريات الأنثى لدى الكاتبة التى اكتشفت, بعد كل تلك السنين من تغيير أنوثة اسمها الي رجل, أن خوفها علي أنوثتها غير مسوغ، فبدأت تنتقي ملابس غاية في الأنوثة، تنورات قصيرة ,وقمصان شفافة .وعلى هذا يمكننا فهم أن شرايفر تكتب وكأنها تسرد سيرة واقعية مفعمة بالخيال الحقيقي, العصي علي التصديق, وتركز فى الروايةعلى الأهمية النسبية للخصائص الفطرية والخبرات الشخصية, التى تسهم في تحديد الشخصية والسلوك ، وبخاصة إمكانية وجود تناقض لدى إيفا نحو الأمومة, والتى بالطبع أثرت على كيفن, وجعلته الوارث للكراهية فيما لا توجد فيه بالفطرة كراهية/إحساس الأم الدائم والمطرد بحب أبنائها, ما أدى لنفوره من المجتمع, وميله للأفعال المتعارضة مع براءة السن, فقط تذكر ما فعله مع الفتاة الصغيرة المصابة بالأكزيما الجلدية, لعل إرجاع تفسير أفعال وتصرفات كيفن إلى أنه انعكاس طبيعى لعلاقة مشوهة بين أمه وبينه, يجعلنا, ولو لبعض الوقت, نتعاطف معه, ونجد له عذرا مقبولا, لبعض الوقت أيضا, فى قيامه بقتل أصحابه وزملاء دراسته, وربما يكون ما نعزو إليه تعاطفنا, هو مدى ما عاناه كيفين من إهمال أمه عاطفيا له, وتكبيله بوزر لم يكن مرتكبه, وهو فشل ايفا/الزوج والموظفة فى حياتها بسبب كيفين, لعل كيفين كان, نتيجة الوضع غير المألوف لمشاعر أمه تجاهه , لعله حاول هو الآخر عكس الوضع المألوف داخله تجاه من مال بالفطرة والاعتياد لهم, فانقلب عليهم ليتخلص من ازدواجية ترهقه : كيف يحب من هم أقل وجوبا للمحبة من أمه, لذلك انقلب عليهم, قتلا ليس لهم فى ظاهر الأمر, وإنما قضاء على رموز للارتباط التلقائى, فى مقابل ارتباط مستحيل مع أمه. إن ليونيل شرايفر في هذا العمل الأدبي أرادت أن تفجر, حسب قولها, الأسطورة التي تقول: "إن كلّ أمّ تحب طفلها بدون شرط ", الفكرة ليس أساسها عن حب أم لطفلها علي حساب تخويف الناس، بل أرادت شرايفر الكتابة عن امرأة, لا تواجه أمومة كما هي مفترضة.

وإن كانت الكاتبة, حين تسلمها جائزة الأورانج عام 2007,ذكرت أنها كانت تعود للأحداث لتقرأها من جديد لتتمكن من إكمال الرواية, فإن انعكاس ذلك يتضح أو يفسر من جهة الالتباس فى جمل كثيرة بالرواية, وهو ما يجعلنا نبحث عن دور كل من الكاتب والمترجم فى دمج القارئ فى الحدث أو إرهاقه فى المتابعة , فرغم تسليمنا بأهمية أن يكون القارئ مشاركا الأديب فى إنتاج الدلالة, إلا أنّا لا نغفل ضرورة أن يدعم الكاتب قارءه بوسائط لغوية وسردية تعينه على تفعيل هذه المشاركة.

وأخيرا الشكر واجب للكاتبة, على جرأة ارتياد مناطق شائكة, كذلك الشكر واجب للمترجم على ما بذله من جهد ملحوظ فى ترجمة رواية يتشارك بترجمته لها مع الكاتبة فى جرأة التقديم, وكذلك لجهده فى ملاحقة لغة الكتابة بلغة ترجمة مناسبة وعاكسه لجو العمل .فالأعمال المترجمة دائما ما تفرض أسئلة : هل الترجمة حرفية, بفتح الحاء, أم حرفية , بكسر الحاء؟ وأين تكمن البلاغة: فى اللغة الوسيطة أم فى الأحداث؟ وحين نجد ملحظا إيجابيا أو سلبيا إلام و إلى من نعزيه؟ غير أن هذا الجهد المبذول إبداعا منِشأ أو مترجما يدفعنا إلى الاحتفاء به, وتثمينه, وتقدير ما إضافه للمكتبة العربية من ذخيرة مضافة, والاحتفاء بما أضافه لمعرفتنا الخاصة من إضافات. كما يحدونى الجهد المشكور للقائمين على المكان لتقديم وافر الشكر والاعتزاز إلى مكان بأهله ينتصر للفن والإبداع لا لغيرهما .

**

ليست هناك تعليقات: