بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

الثلاثاء 2 نوفمبر 2010م.

مبدعون سكندريون وناقد شاب فى مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية

نظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية يوم الثلاثاء 2 نوفمبر لقاءً أدبيا بعنوان "مبدعون سكندريون وناقد شاب" حيث قدم الناقد السكندرى الشاب محمد عمر قراءة نقدية فى عدد من قصص مبدعى الإسكندرية هم؛ آمال الشاذلى "المساحيق"، أسماء الشيخ "تداخلات صاخبة"، محمد عباس على "جنازة جسدى"، محمود حسن "بقايا حكايات لما جرى"، مروة الحمامصى "مثلثات ملونة".، صرح الأديب منير عتيبة المشرف على المختبر أن تنظيم هذه الندوة يأتى فى إطار حرص المختبر على اكتشاف أصوات نقدية جيدة بمدينة الإسكندرية ودعم الجاد منها.
فى تعلقه على قصة آمال الشاذلى "المساحيق" يقول الناقد الشاب محمد عمر تعتمد القاصة على المفارقة القصصية ، وكما تعمل المساحيق على تغيير الدلالة الحقيقية للشكل، يوضح النص الفجوة بين الدال والمدلول، الشكل الزائف ومدلوله الحقيقى من خلال تصوير مشهد من الحياة الاجتماعية وثمة رمزية تجدها بين ثنايا النص تحيل إلى الأنساق المجتمعية السائدة. وعن قصة أسماء الشيخ "تداخلات صاخبة" يقول تعمد القاصة أسماء الشيخ إلى اللعب بالعلاقة بين الراوى والمروى له عن طريق خلق ما يعرف بـ"القارئ فى النص"،مروى له افتراضى، يعابث الراوى، يتهمه بالقسوة، والتعاسة، وينتقده.. "أتسمعنى أيها الراوى التعيس" "قاسيا أنت أيها الراوى" ، هذا القارئ هو مروى له ويعتبر مجرد أداة بلاغية ووسيلة للسيطرة على استجابة القارئ الحقيقى الذى يظل خارج النص، وتكثيف تلك الاستجابة، مما يعود علينا نحن القراء الحقيقيين بالمتعة والنفع. ويرى أن محمد عباس على استخدم فى قصته "جنازة جسدى" أسلوب القصة المجازية ( الأليجورى)، وهى شكل متخصص من السرد الرمزى، وتنحو الأعمال التى تستخدم هذا الأسلوب إلى أن تكون قصصا تعليمية أو تهكمية مثل "رحلاث جليفر" لجوناثان سويفت و"مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل، ولكن فى هذه القصة تحدث المراوحة بين اليقين والشك، ويحاول الكاتب إضفاء نوع غريب من الصدق على واقعة خيالية: رجل قادم من جنازة جسده، يعيش روحا بلا جسد، لكنه ينتظر حتى يتأكد من الزوجة التى تحمل تضمينا معينا بوصفها حاملة اليقينيات، إلى أن يقابل أعرابيا فى الصحراء-وهى تيمة أليجورية تتكرر كثيرا- فيخبره أنه لم يدفن جسده بل روحه. ويرى أن محمود حسن فى قصته "بقايا حكايات لما جرى" أضفى على الانتقال الزمنى مظهرا طبيعيا بوصفه من عمل الذاكرة، عن طريق تقديمه لتيار وعى شخصيته الرئيسية، لكن المونولوج يأخذ شكل مساءلة للذاكرة من جانب الراوى الذى يتحدث بضمير المخاطب و ينثقى من الذاكرة ما يريد، وينتقل من مرحلة من المراحل الحياتية إلى مرحلة أخرى . الراوى هنا يعرف القصة بأكملها. وأخيرا يقول الناقد السكندرى الشاب محمد عمر عن قصة مروة الحمامصى "مثلثات ملونة" تسعى الكاتبة – عن قصد أو دون قصد- إلى تفكيك عملية التلقى لدى القارئ، بوضعه أمام فرضية النص ، ودفعه من خلال السرد إلى قبولها، فيدخل إلى عالم النص والكاتبة بمحض إرادته الحرة ، جو النص السريالى لا يحده المنطق الذى يسود حياتنا الواعية، وسريالية النص تجعل الاستعارة تصبح هى الواقع، وتطمس عالم العقل والإدراك العام، و يشبه النص عالم الحلم حيث يعمل اللاوعى على كشف الرغبات والمخاوف الدفينة على هيئة صور حية وسياق سردى، لكنه جاء مبثسرا على نحو ما.
أما القصص ونقدها بالتفصيل :
تداخلات صاخبة
قصة: أسماء الشيخ

يستند "هو" على القصور الذاتي للزمن. يتحرك لا إراديا لمروره. فمثلا عندما تحتم على الشمس البقاء مرتفعة تحديدا فوق شرفته بالدور الخامس ؛ ترك فرشته الساخنة ليكمل نومه فوق مقاعد أكثر برودة من المشروع للمكتب للمشروع مجددا.........
في الثانية ظهرا يقف مضبوطا في الموقف بفعل توازن قوتين .....الزمن الدافع لأحداثه والجاذبية التي تلصقه أرضا. فلو تخلى الزمن عنه لسقط ولو رحلت عنه الجاذبية لطار.......
* * *
حسن لا يمتلك منبه ولا نتيجة. يتعرف على موعد استيقاظه من تلون سقف الحجرة بألوان غسيل الجيران التي تعكسها الشمس. أما يومه فيحدده نوع القميص المكوي إلى جواره. الطريف أن الجمع في عمله يضبط ساعاته على وصوله وعلى الخمس دقائق تأخير الملازمين له ؛ لكنه غير مهتم فليلوم المدير الشمس أو الجيران يوم غسيل الأبيض.
* * *
مرحبا.......أتسمعنى أيها الراوي التعيس؟. أنا لا أفهمك. أجدك معقدا بشكل مرهق. تهت في دورانات جملك. تحاول أن تكتب أدبا بشكل علمي؛ وغفلت أبسط نقطة علمية متفق عليها.... وهي أن أسرع طريق بين نقطتين الخط المستقيم وعليه اختصارا لحبر قلمك ولوقتي.....حسن خامل وكسول يقضي يومه نائما مستسلما للأحداث غير مبال لها..... و انتهينا.....ما علاقة هذه البساطة بالزمن والقصور الذاتي والشمس المحتم عليها البقاء عالية؟؟؟؟
* * *
من جميع ال "هو" الذين يتحركون لا إراديا اخترت حسن ...ويمكنني أن أطلق على هذا الاختيار " إحياء بالتسمية" ....
فعندما تجلس في ساعة صفاء على التجارية؛ تتذكر رتابة الحياة؛ تنفثها دخانا من شيشتك التفاحة ؛ ستلمع في ذهنك صورة رَجُلي ال " هو" معتمدا على الزمن الدائر يحركه دون رغبة أو اختيار. سيؤلمك كم الأيام التي أجبرتك فيها الشمس على الاستيقاظ لأنها عالية في السماء؛ في الفراغ البارد . تغار منك في فرشتك الساخنة التي استمدت دفئها من دفء جسدك النابض.....لكن "هو" في الجملة ميت بلا شهادة ميلاد أو رقم قومي. أما "حسن" كاسم آدمي ....حيُ ينبض.
قد يكون اسمك حسن أو لا ؛ لكنك بعد أن تنهي الشيشة وتأخذ خلاصتها ستقول بملء فمك ....هو حسن وأنا حسن ....وأنا حسن.
* * *
إحياء بالتسمية.....يا أيها الراوي الحكيم تحية...... تبدو لي حزينا مدعي. اتبعني من فضلك فوق الصراط المستقيم لتصل.ما حدث أن الاصطلاح أعجبك فلا تلف بجملك القصصية حول عقلي . واكتب مقالا عن الأبطال وأسمائهم ؛ وعن الآخرين " اللى ماتسموش" ولتثبت فيهم نظرية الحياة من عدمها....لأنك أرهقتني فعلا.
* * *
حسن يستيقظ ليلا تتسع حدقته ؛ وتعيد ترتيب المشهد . لا يرتدي ليلا القمصان المكوية ؛ فقط معطف جلدي على لحمه مباشرة يغلقه لذقنه ويخرج. وفيه يستمع لفرق ساخطة تغني للفقر والفقراء . تُنَغّم كلماتها جيتارات غالية الثمن. يتمايل وتمتلىء لحظته بجوع الفقراء وبالموسيقى العالية. يفكر في الله وأسمعه.....
مساء الخير يا الله.....وهبتني نبضا وأذن. أما أمي فأعطتني اسما . لو نسيت أمي تسميتي لما استطاع حسام أن يناديني الآن . لقال " يااااااااااا...." و لرد عليه أى " يا " غيري ؛ ولاسترحت حينها من لزوجته. سامحك الله يا أمي .....رددت على سؤاله عن الحال بالحمد ورد حسام ب"عايش". أ ..كُل من اسمه حسام "عايش"؟... أ....كُل من اسمته أمه حسن حيُ؟ أيختلف الأمر لو أبوه هو من أسماه؟ سيبدو الاسم أكثر جدية لو اختاره رجل. للرجل دوافع عقلانية وللنساء العاطفية بشكل حصري...خاصة الأم بعد الولادة....
مضغوطة أمي بولدين قبلي لذا أرادتني بنتا. خذلتها فلم تعترض نظرت لي مستسلمة بعد إنهاك الطلقات الدافعة ؛ وقالت " حسنا ...لا بأس" فصرت أنا حسن ولو جاءت بولد آخر بعدي لأسمته " لا بأس" لكنها هرمت ككل الأشياء......
* * *
قاسيا أنت أيها الراوي ومولعا بالسببية. تحكي لنا عن هرم أمه كهرم الأشياء ؛ نصيحة لا تنطق بكبر أنثى في وجودها؛ لأنك لن تحتمل غضب السنين المصبوب عليك . تُعلل رغبة الأم في بنت.....لكن صدقني أمتع رغباتنا غير المبررة ؛ ربما أرادتها وحسب. و الآن أخبرني أتدعه يُحَيّي الله بتحية الجاهلية؟ فلتترك الله عاليا في سمائه ولتنهي أولا أوجاع حسن اللامتناهية. تنساق وراء زياراته المتكررة لجراج الجزويت ؛ لعلمك لا أكثر..... أحبه أيضا وأمتنع أحيانا عن الذهاب .... فلتخبره أن الجزويت ليس مكانه الأمثل ليموت فيه.....

قراءة نقدية بقلم/ محمد عمر
تعمد القاصة أسماء الشيخ إلى اللعب بالعلاقة بين الراوى والمروى له عن طريق خلق ما يعرف ب "القارئ فى النص"،مروى له افتراضى، يعابث الراوى، يتهمه بالقسوة، والتعاسة، وينتقده.. " أتسمعنى أيها الراوى التعيس" "قاسيا أنت أيها الراوى" ، هذا القارئ هو مروى له ويعتبر مجرد أداة بلاغية ووسيلة للسيطرة على استجابة القارئ الحقيقى الذى يظل خارج النص، وتكثيف تلك الاستجابة، مما يعود علينا نحن القراء الحقيقيين بالمتعة والنفع.
تتضافر مع هذة التقنية تيمة "استباق الانتقاد" وهى من خواص الكتابة عن الكتابة أو الكتابة عن عملية الخلق الفنى ذاتها وما يصاحبها من صعوبة، حيث تستبق القاصة النقد الذى قد يوجه إليهامن قبل القراء "أجدك معقدا بشكل مرهق"، "تهت فى دورانات جملك"، " لا تلف بجملك القصصية حول عقلى" .. وسيلتها فى ذلك: القارئ المفترض داخل نصها..
تبرز الكاتبة فى قصتها الهوة بين الفن والحياة، تلك الهوة التى تسعى الواقعية إلى الإيهام بإخفائها. وتبين أن العمل القصصى بناء لفظى أكثر منه شريحة من الحياة، لغة النص جمالية وذاتية فى آن ومستولدة من لغة العلم التى تتسم بالعموم والتجريدية، الأشياء فى النص تكتسى بالحياة وبوجودها الخاص، نجحت أسماء الشيخ فى أن تصنع اصطلاحها الشعرى الخاص بها من مفردات مشاع وتجريدية وخالية من الإيقاع والنغمة الشعرية.


(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 2 نوفمبر 2010)
********************************
المساحيق
قصة: آمال الشاذلى

تحت سطوة الشمس الحارقة ؛ أفرغ العمال الناقلتين العملاقتين من أحشائهما أمام عقارنا المنسى ، و قد هالنى فخامة الأثاث وذوقه الرفيع .
لذا شددت على أفراد عائلتى بعدم التقرب أو التودد من أفراد تلك العائلة، لأحفظ على أسرتى نعمة الرضا بما قسمه الله لنا؛ و كذلك أحمى نفوسهم من التطلع لما قسمه للآخرين .
***************
طرقت المرأة الوافدة بابنا؛ اقتحم أريج عطرها أنفى ؛ نهلت عيناى من سمرتها التى تسر العين ... روحها سحابة ندية متسحبة فى طلاوة مظللة النفس برذاذ سحرها، افترشت البشاشة وجهى على غير العادة ! انطلق لسانى بعبارات الترحيب........ ؛ و بصوت أخذتنى نبراته المنغمة ؛ سألتنى عن "المدام ". صحت على زوجتى دون أن أبرح مكانى وقد أدهشها الود والترقق المصاحبان لصوتى.. مما شجعها على الاحتفاء بالمرأة... همست لزوجتى ببعض العبارات ... احمّر وجهها؛ انتابنى الحرج ولكن هيهات أن يزحزحنى عن موضعى!
اختفت زوجتى من ذلك المشهد ثم عادت حاملة؛ قنينة زيت .. سكر .. أرز بل و لحم أيضاً! الأغرب فى الأمر أننى لم أبد أدنى اندهاش أو امتعاض.... رضاء تام !!!! مضت جارتنا تاركة أريج عطرها يبرطع فى فراغات أنوفنا ولم أنس أن أعيد على أفراد أسرتى ما سبق وأن قررت "لا اختلاط ".
**********
فى اليوم التالى زارتنا زهرة يانعة لا تقل رقة وعذوبة عن أمها؛ هللت أساريرى لرؤيتها؛ هتفت على ابنتى التى لم تستطع أن تخفى ارتباكها من أمرى؛ رحبت بها ثم اختليا بأحد الأركان؛ تهامسا .. مرت دقائق وقفلت الحسناء عائدة قابضة على أفضل ما لدى ابنتى من ثياب !!!! وبنبرات رخوة "لا اختلاط " .
****************
أثناء صعودنا وهبوطنا درج العقار المتهالك تتقابل الوجوه باسمة راضية وهذا أجمل ما يميز تلك العائلة، ذلك البشر الذى تفيض به وجوهها والسحر المتدفق من أفواهها خاصة الأب الذى لم أستطع أن أرفض له سؤالا كلما مال على أذنى هامساً بأدب جم "ولو عشرة جنيهات" .
صارت زوجتى لا ينزلق لها لقمة إلا وكان للمرأة نصيب منها، تولى ابنى صيانة سيارات أفراد العائلة مغموراً بابتسامة الأبنة الندية، أصبح سكان العقار يتبارون فيما بينهم من أجل إسداء الخدمات والعطايا!!!

قراءة نقدية بقلم/ محمد عمر
تعتمد القاصة على المفارقة القصصية ، وكما تعمل المساحيق على تغيير الدلالة الحقيقية للشكل، يوضح النص الفجوة بين الدال والمدلول، الشكل الزائف ومدلوله الحقيقى من خلال تصوير مشهد من الحياة الاجتماعية وثمة رمزية ثجدها بين ثنايا النص تحيل إلى الأنساق المجتمعية السائدة.

(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 2 نوفمبر 2010)
**************************************
جنازة جسدى

قصة: محمد عباس على

عاشر يا ابن أدم مهما تعاشر ..هكذا قلت لنفسى بعد أن قفلت راجعا من آخر مراسم دفن جثتى ..لم يكن حزنا ما بى ، فالأحزان ما عادت تؤثر كالسابق علّى، لكنها العشرة والمعرفة الطويلة ، وأحداثا مرت وأحداثا عاصرناها معا فى الخيال ، وتمنينا أن لو تحققت ..أشياء كثيرة سرت أفكر فيها ، وأنا أعاود التساؤل المرة تلو الأخرى ، عن كيفية الحياة الجديدة التى سأحياها بلا جسد ، وكيف تكون؟ على الأرض أم فى السماء ؟ وإن كنت الآن أسير وأتحرك، وأمضى قاصدا منزلى الكائن هناك على أطراف الصحراء ، حيث أخترت أن أقيم بعيدا عن ضوضاء المدينة ، وقلبها الذى أصبح معتما ..الروح على ما أعرف لا تسير ، بل تطير أو نحو ذلك .. وهى خفيفة ..أخبرتنا الأخبار عنها أنها لطيفة .. دخلت الجسد غصبا وتغادره غصبا .. لكننى لم يحدث لى أى من هؤلاء ! فأى الأرواح أنا، شقى أم سعيد ؟.. ارتطمت قدماى بحجر .. تألمت .. زاد عجبى ..هل الأرواح تتألم للمسة حجر ؟..أكملت سيرى قاصدا أن أعود إلى البيت ، فأقصص روايتى على زوجتى ، وأسمع منها المفيد ، فهى رغم أنها تعليم متوسط وأنا تعليم فوق العالى بقليل أستمع لرأيها ، وأنفذه فورا ، ليس لخوفى منها ، ولا هو تحيز لها ، ولا قلة شخصية منى فأنا شخصيتى قوية جدا بشهادتها - شهادة زوجتى - ولكنه تعود تعودته منذ سنين ..إذا ألّم شىء بى عدت إليها فأعطتنى المفيد ، وهكذا.. أكملت السير .. رأيت أعرابيا قادما على البعد.. قلت لن يرانى وهذا شىء طيب .. هؤلاء الناس لم يعد لديهم ما كان لهم طوال دهور طوال.. خاصة أيام الرسالة الأولى.. جاورنى الرجل ..قال :-
- السلام عليك
قلت متعجبا :-
- أنت ترانى ؟
قال بهدوء واثق :-
- نعم
قلت:-
- كيف ؟ ..أنا عائد لتوى من جنازة جسدى فكيف ترانى ؟
تبسم الرجل العجوز عن فم أثرم ابتسامة هى إلى البكاء أقرب وقال :- ..يا بنى أنت لم تدفن جسدك بل روحك
اهتزت المرئيات أمام عينى.. ورأيت وجهه يصير وجوها عديدة تحدق بى.. تحاصرنى.. تحصرنى فى زاوية تحت نظراتها ، لا أملك معها الا أن أصلب مقلتى على براح وجهه ، منتظرا المزيد ..قال:-
- ما أراه الأن أمامى جسد بلا روح
تذكرت الحجر ..وسيرى على قدمّى وتساؤلى ..و..قلت لنفسى لن أصدق ما قال الا حينما أعود الى البيت وأستوثق من زوجتى.

قراءة نقدية بقلم/ محمد عمر
استخدم الكاتب أسلوب القصة المجازية ( الأليجورى)، وهى شكل متخصص من السرد الرمزى، وتنحو الأعمال التى تستخدم هذا الأسلوب إلى أن تكون قصصا تعليمية أو تهكمية مثل "رحلاث جليفر" لجوناثان سويفت و"مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل، ولكن فى هذه القصة تحدث المراوحة بين اليقين والشك، ويحاول الكاتب إضفاء نوع غريب من الصدق على واقعة خيالية: رجل قادم من جنازة جسده، يعيش روحا بلا جسد، لكنه ينتظر حتى يتأكد من الزوجة التى تحمل تضمينا معينا بوصفها حاملة اليقينيات، إلى أن يقابل أعرابيا فى الصحراء-وهى تيمة أليجورية تتكرر كثيرا- فيخبره أنه لم يدفن جسده بل روحه.
يعلى النص من قيمة الشك، حيث يولد الشك التساؤل: " هل الأرواح تتألم للمسة حجر؟" .. ويطرح النص ثنائية اليقيني\الميثافيزيقي فى إطار لا يخلو من التهكمية.
وتنتهى القصة بقرار من البطل" لن أصدق ما قال حثى أعود إلى البيت و أستوثق من زوجتى" حيث يبقى اليقين وحلاوته مراد الإنسان فى نهاية الطريق مهما كان بعيدا ومهما راوغته الحقيقة .

(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 2 نوفمبر 2010)
********************************
مثلثات ملونة
قصة: مروة الحمامصى

مثلثات بيضاء تجاورها أخرى بنفسجية , رؤوسها كأسنان حادة تغرس في حلقها , تئد دموعا كادت تفر من عينيها , تخنق شهقات أكثر ما تفزعها فيها , أن تسمعها أمها النائمة بجوارها.
كأنها خزانة ملابس في سيرك , آمنت بذلك من لحظة دخولها المنزل , منذ سويعات , فوجدت أمها قد طلت خزانة الملابس باللونين الأبيض والبنفسجي , ولطخت معه ملابسها ووجهها , تعللت بأنها فعلت ذلك قتلا للملل والوحدة , بعد سفر أولادها للعمل كل في جهة , حسدتهم بل حقدت عليهم . أغمضت عينيها حتى انتصر عليها النوم .

عادت من عملها تحلم بالطعام والراحة , صدمتها مرة أخرى رائحة الطلاء , كانت أمها قد طلت هذه المرة باقي أثاث الغرفة , الفراش والمكتبة والخزانة الصغيرة وحتى الباب . كلفتها هذه المرة بإعداد الغداء وتنظيف الفوضى التي حدثت . في تلك الليلة تسامرت مع الدموع دون أن تحس بها أمها .

عادت لصخب عملها وزحام الناس في مكتب البريد , علمت بقرب زواج إحدى الزميلات وسفرها مع زوجها , أثناء رحلة العودة تمنت لو تتزوج وتترك البيت بل تسافر لمكان لا تطالها فيه يد أمها أو تسمع صوتها الآمر يصيح فيها , يكفيها مكالمة تليفونية كل ثلاثة أيام، لا بل كل أسبوع , لن تزورها إلا مرة واحدة كل عام يكفيها أسبوعان، لا بل أسبوع واحد .
لاح البيت أمامها , حاولت استجماع شجاعتها والتصريح بأن الحجرة أصبحت لا تطاق . تراجعت بعد أن تذكرت أنها لمحت بذلك أول يوم فأخذت نصيبها وزيادة من التوبيخ واللوم والصوت العالي .
دخلت المنزل فوجدت المثلثات الملونة , والأم تزداد ابتهاجا تقف أمام كل حائط وكل قطعة أثاث , وتمدح ما فعلته .

تسربت الألوان إلى باقي شقق البناية , تظهر الألوان والمثلثات على أبواب الشقق الأخرى , فتمر بجانبها بحذر .

انتقلت أيضا إلى ما بين الشقق , فتصعد السلم وتهبطه دون توقف . مدخل البناية أيضا تصيبه العدوى .

في الأفق تلوح بناية ثم أخرى بنفس الألوان والمثلثات . في العمل قاموا بأعمال الطلاء فتكررت العملية .
في التليفزيون ديكورات البرامج والمسلسلات والأفلام أصبحت كذلك ,

الميادين العامة , مكاتبات العمل , خلفية جهاز الحاسب الآلي ,الختم في يد زملائها , محلات الملابس ,... تماشوا مع أحدث صيحة .
طوفان اجتاح كل ما حولها , حتى أذيع الخبر بتغيير علم البلاد لمثلثات بيضاء وبنفسجية .

أثناء عودتها من العمل كانت إحدى السيارات المدهونة بالألوان الرسمية جاءت مسرعة , فاضطرت للصعود بسرعة على الرصيف , فاصطدمت بدون قصد بالحائط , انغرزت رأس مثلث أبيض في ذراعها فأدمى.

قراءة نقدية بقلم/ محمد عمر
تسعى الكاتبة – عن قصد أو دون قصد- إلى تفكيك عملية التلقى لدى القارئ، بوضعه أمام فرضية النص ، ودفعه من خلال السرد إلى قبولها، فيدخل إلى عالم النص والكاتبة بمحض إرادته الحرة ، جو النص السريالى لا يحده المنطق الذى يسود حياتنا الواعية، وسريالية النص تجعل الاستعارة تصبح هى الواقع، وتطمس عالم العقل والإدراك العام، ويشبه النص عالم الحلم حيث يعمل اللاوعى على كشف الرغبات والمخاوف الدفينة على هيئة صور حية وسياق سردى، لكنه جاء مبتسرا على نحو ما.
وقد تكون العلاقة المتوترة بين الأم وابنتها هى التى تدفع الراوى إلى هذا الخلط بين الصور القاسية والمتنافرة وبين الصور العادية والطبيعية.
وبنية التوتر فى العلاقة بين الأم وابنتها قد يكون مرجعها قلق الأم، وقيامها بالدور الذكورى فى المنزل، أو عدم قدرة الابنة على التوحد مع الأم، التوحد بمعناه الفرويدى: التحول على مضض إلى الأم بعد الفشل فى إغراء الأب، وقيامها بدورها الأنثوى.
تصلح حالة التوتر أو النفور لدى الابنة كمدخل لعمل اللاوعى فى تحويل المخاوف والرغبات إلى سياق النص السريالى.


(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 2 نوفمبر 2010)
**************************
بقايا حكايات لما جرى

قصة: محمود حسن

افترشت أرض البيت، أمسكت ثمار الخرشوف تجرد عنها أوراقها، من على مقعدك بقيت تراقبها بنصف انتباه ، وتذكرت جلستك بجوارها صغيراً، تعطيك ثمرة، تطلب منك نزع الأوراق عنها، وتغريك بأكل الطرف الأبيض في الورقة المنزوعة، كدت أن تـُذكرها بهذا، لكنك لم تجد رغبة حقيقية أن تفعل، فصَمًّت.
أصغر أخوتك كانت تجلس قريباً، طلبت أمك منها المساعدة، رفضت، تكلمت أمك غاضبة عن " البنت الشاطرة"، "عمايل البيت"، "الجواز"، أبوك بقي صامتاً، وأنت سرحت في كلماتهم، شعرت لوهلة أنها كلمات غريبة عنك، وأن مفردات كهذه لا تنتمي لعالمك، احسست بشيء من حزن، لمحت أمك شرودك بنصف عين، لكنها تشاغلت عنك بالخرشوف، تمتمت بكلمات لم تتبينها، وأبوك ظل صامتاً.
كعادتكم حملقتم في مؤخرة الموظفة الجديدة حين مرت، جارك في المكتب مازح آخر وقال " دي بقى مسيحية، مش حينفع تحبها زي اللي فاتوا"، ضحكتم ، ضحك هو أيضاً، لكنك حين لمحته بعد لحظات بطرف عينك وجدته واجماً، أنحنيت على جارك تقول إن الكلمة أوجعت صاحبنا، أشاح برأسه وقال" أحسن .. أصل ده رومانسي حقير، وممكن يحبها فعلاً " .. "أنت ناسي بيعمل أيه مع كل بنت " ، هززت رأسك موافقاً ، ورد هو بتعقل مصطنع " ما ينفعش الواحد يبقى سايب نفسه للعواطف "، وأنت رددت " آه .. كل حاجة بالعقل "، لكنك بعد قليل أبتسمت نصف ابتسامة باهتة، وقلت لنفسك وأين كان عقلك يا أبو عقل؟؟، كنت حين تريد العودة إلى بيتك تركب إلى محرم بك، لم تكن تسكن هناك، لكنك كنت تأمل أن تصادفها مرة في المواصلات أو عند بيتها، وكالعادة لا تلقاها، وتعود خائباً تمشي حزيناً في "أمير البحر"، وتقطع "أمبروزو" بأكملها سيراً، متجهاً إلى بيتك في "كابو"، وفي المرات التي تراك فيها أمك من جلستها في البلكونة قادماً من ناحية فيلات " فيني" كانت تقول لك " جاي من ناحية الفلل ليه " فترد "أبداً كنت بتمشى "، وهي تنظر نحوك بريبة وتقول " هوا اللي بيتمشى يتمشى ناحية عزبة الصفيح ؟؟ ".
هل تنتهي ؟ لا لم تكن تنتهي، تكرر هذا كل يوم دون أن تستسلم يوماً واحداً، ..نظرت لجارك في المكتب وقلت .. " صح .. أوسخ حاجة إنك تسيب نفسك لعواطفك" ، تعجب قليلاً لأن الحوار أنتهى بينكما منذ زمن، هز رأسه موافقاً ثم عاد لعمله.هل تذكر يوم خطبتها؟؟ يوم وقفت تحت بيتها تلمح الأنوار الملونة تضيئ وتنطفئ، تتأمل وجوه اقاربها ومظاهرهم المتأنقة ،.. هل بكيت يومها ؟؟ لا لم تبك .. سببت "ميتين" أبوها في سرك ألف مرة، ونعتها بكل النعوت المشككة في شرفها، ومضيت عائداً لبيتك من ناحية عزبة الصفيح، لماذا لم تبك ؟؟ ربما لو كنت بكيت لكنت نسيتها، لكنك لم تفعل.. وكان هذا خطأً فادحاً.
قلبك كان يطرب كلما سمعت الناس تردد كلاماً عن العلاقات ومشاكلها، عن خطوبات لا تستمر، وحكايات حب مبهرة تذبل سريعاً وتنتهي إلى فشل مهين، كان الأمل يضيء بداخلك حينها، كنت ترى في فشلهم نجاحاً لك، وظللت وكما ينبغي لأحمق نموذجي تنتظر هذا النبأ طويلاً، تخدع نفسك وتقول أنك تأمل أن تتشفى فيها، تتخيل صورتها تأتيك باكية ترجو صفحك والعودة إلى رحابك، تأخذك الجلالة وتقول وأنت تتكأ على الحروف في غيظ "وساعتها حديها بالجذمة القديمة"، لكنك أبداً لم ترد التشفي، بعد السنوات التي مرت بدا لك هذا واضحاً، الآن تدرك أنك من أعماقك... من نقطة عميقة جداً بداخلك كنت تتمنى عودتها، وتعيش على أمل أن تصلح الأقدار خطأها، ظللت معلقاً بأمل لا يملك مبررات للبقاء، لم ينقطع تقريباًَ إلا حين رأيتها مصادفة في "كرموز" عند "الساعة"، مبتهجة، تفرد قمصان النوم المبتذلة على الطاولة عند البائع، وأمها واقفة تفاصله وتكاد تشتبك معه، ساعتها فقط أدركت أن الزفاف على بعد أيام،.. وأدركت كم كنت "عبيطاً".هي قالت لك .. "أوضتين وصالة يبقى مش حتجوز"، فتنازل أبوك عن الشقة الإيجار قديم التي ورثها، أخذت القرشين من صاحب البيت، وضعت على المبلغ تحويشة عمرك ودرت على سماسرة الأرض تبحث عن شقة ثلاث أوض وصالة، وكلما وجدت واحدة، كانت تحبطك بـ " لا " كبيرة، قوية وقاطعة، وتدور أنت مرة أخرى تبحث راضخاً، سنة بأكملها ظللت تبحث، وأمك تتحسر عليك حيناً وتجلدك بلسانها أحياناً، في النهاية كان الذي كان، أكتشفت بعدها أن " السكينة كانت سارقاك " كما قالت أمك، وحين أشتريت شقة أخيراً لم تكن سوى حجرتان وصالة، والمقاول وكأنه كان يعرف سرك حين قال لك " لو كنت جيت من ست شهور بس كنا بنبيع أقل بعشر تلاف جنيه ".. وأنت قلت في سرك " عشرتلاف جنيه يا بنت الكلب "، سمعها أبوك ساعتها ، ألتفت لك لكنه لم يتكلم وظل صامتاً.بكى الولد الصغير في "الميكروباص" أمامك، أمه ظلت تهدهده لكنه لم يسكت، مددت يدك ووضعتها بين أصابعه، أطبق عليها ، وصمت ينظر نحوك داهشاً، سحبت أصبعك من قبضته ومسحت قطرات الدمع الباقية على خده الطري، امتلكك شجن فظيع وسألت نفسك .. كم عمرك الآن ؟؟ ، لو كنت تزوجت أيامها لكان أبنك أكبر منه، من كل الفتيات التي امتلأت بهن حياتك أخترت هذه تحديداً، أمك كانت تقول عليها " البـت أم ضب "، وأختك كرهتها "لله في لله"، وأنت تعاركت معهم وخاصمتهم زمناً من أجلها، لماذا لم تتزوج بعدها ؟؟، صادفت فتيات رائعات حقاً، وكانت أمك تحضر صوراً لقريبات وجارات وبنات صديقات، تعرضهن عليك ، وتقول لك " نقي عروسة "، ترفض ، فترد عليك غاضبة " هزمتك البت يا خايب ،.. هزمتك حقاً ؟؟ لا لم تهزمك .. ربما أفقدتك رغبتك على الحب، إقدامك على مزيد منه، أخافتك من تجربة جديدة تخرج منها صفراً.. وماذا تكون الهزيمة غير ذلك ؟؟ دعنا نسمي الأشياء بأسمائها، .. "هزمتك البت" ، لا تكابر .في الجنازة.. بكيت كثيراً، بكيت كما لم تبك من قبل، كنت تحتاج للبكاء حقاً، وكانت هذه فرصة طيبة لأن تفعل .. أبوك كان صامتاً ومحمولاً على النعش.

قراءة نقدية بقلم/ محمد عمر
عن طريق الانتقال الزمنى يتجنب السرد تصوير الحياة كمجرد شئ يقع يتبعه شئ آخر، ويسمح لنا بالربط بين أحداث منفصلة متباعدة عن طريف السببية والسخرية، فإن نقلة زمنية إلى الوراء يمكنها أن تغير فهمنا لحدث يقع بعد ذلك و هذه أداة معروفة فى السينما عن طريق الفلاش باك.
وقد أضفى القاص محمود حسن على الانتقال الزمنى مظهرا طبيعيا بوصفه من عمل الذاكرة، عن طريق تقديمه لتيار وعى شخصيته الرئيسية، لكن المونولوج يأخذ شكل مساءلة للذاكرة من جانب الراوى الذى يتحدث بضمير المخاطب و ينتقى من الذاكرة ما يريد، وينتقل من مرحلة من المراحل الحياتية إلى مرحلة أخرى . الراوى هنا يعرف القصة بأكملها.. لكن هل هو نفسه البطل؟....
استخدام ضمير المخاطب بدلا من المتكلم يخلق أثرا حقيقيا للمتلقى ، هنا تبرز غواية الحكى، والواقعى منه بالذات: غوايته للمتلقى ، وإحساسه أنه أمام حياة كاملة ، تتلاشى الهوة بين الفن والواقع، وغوايته للكاتب فيبتعد عن أى غواية أخرى .
الجمل الحوارية بالغة الدلالة و محققة لمبدأ قوة الإقناع الذى تحدث عنه ماريو بارجاس يوسا ، جاءت العامية موفقة للغاية، ليست مجرد رتوش تحيط بالعمل ، بل محملة بعلائقها الاجتماعية الخاصة بها .
قصة عن الحب الخائب، مدى سطوته، ومساءلته للذاكرة، الحب فى زمن الشقق التى غلت كثيرا، ومحاولة من النص لمعرفة كنه الحب وعبقرية البكاء .
(مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية 2 نوفمبر 2010)

ليست هناك تعليقات: