بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 27 مارس 2011

الثلاثاء 22 مارس 2011م .

























من ثورة الياسمين الى مبدعي الثغر


نظم مختبر السرديات بمكتبة الاسكندرية مساء الثلاثاء الموافق 22 مارس 2011م. ندوة بعنوان قراءات قصصية لثلاثة من مبدعي الاسكندرية , هم محمد العبادي " اللون الطويل لأصدقاء السوق " , محمد الدخاخني "غرفة النوم" , هيثم الوزيري " دكان قديم " , تناول فيها الناقدة التونسية الدكتورة " نجوى الرياحي القسنطيني " هذه الابداعات السكندرية بالنقد والتحليل . وأوضح الأديب منير عتيبة . المشرف على المختبر , أن ندوة أخرى تعقد خلال ابريل المقبل لطرح وجهة نظر الرياحي أما عدد آخر من مبدعي الاسكندرية .

والقصص هي :


اللون الطويل لأصدقاء السوق
قصة: محمد العبادى

(استعمل فقط المقادير الموصى بها للملطف, الكمية المبالغ فيها قد تضر الغسيل)
دليل استخدام غسالة الملابس الأوتوماتيكية
كان أحمد إبراهيم مصطفى واقفا على المحطة المجاورة لمنزله, ينتظر أوتوبيس الصباح ليحمله إلى عمله, حين مر فجأة قطيع فزِع من حيوانات الماموث الضخمة كبيرة الأنف, انطلقوا بأقصى سرعة وقد أعماهم الخوف(*), لم يأبهوا بما يسد طريقهم, داس القطيع بأكمله على أحمد, حول جسده إلى طبقة رقيقة جدا منبسطة على الأرض, بعد مرورهم طار جسده المفرود في الهواء.. تحمله الرياح.

جانب من خطاب التأبين الذي ألقي في ميدان عام رثاءً لأحمد مصطفى:
" إحم.. إحم.. بسم الله.. السيدات والسادة .. الإخوة والأخوات..."
****

يجلس في الميكروباص 15 راكبا:
الراكب رقم 1: طالب ثانوي صناعي.

الراكب رقم 2: موظف بالإدارة المركزية لوزارة التأمينات, لم ينم منذ الليلة الماضية بسبب آلام البواسير.

الراكبة رقم 3: ترتدي بلوزة بيج و جاكيت بني.

الراكب رقم 4: ولد في الإسكندرية عام 1969 حيث نشأ وترعرع في منزل العائلة بمنطقة محرم بك وتلقى تعليمه حتى تخرج من كلية الحقوق سنة 1991 بتقدير عام جيد, قضى فترة تجنيده بسلاح الحدود من 1992 إلى 1995 عاد بعدها إلى مدينته, و استطاع الالتحاق بوظيفة في قسم الشئون القانونية بشركة مطابع محرم, تزوج للمرة الأولى – والأخيرة – سنة 2001 و أنجب طفلين, وسيتوفى في الخامس من يناير 2046 الساعة 5:22 صباحا إثر تعرضه لغيبوبة انخفاض معدل السكر في الدم.

الراكب رقم 5: في جيبه علبة سجائر لم تفتح بعد.

( 9 )

يا حبيبتي ذات العيون الخضراء .. لماذا كلما سرنا معا عبر الشوارع نجد مياه المجاري تحت أقدامنا؟

* * *

حيوانات الماموث الضخمة كبيرة الأنف كانت[ إهداء إلى ر.خ ] تجري بكل رعبها من البلابل الطائرة التي هاجمتها و أخذت تنقرها عبر فرائها السميك, وجلدها السميك أيضا.


****

الراكبة رقم 7: أم: أحمد 12 سنة , و رتاج 9 سنوات.

الراكب رقم 8 : علي.

الراكب رقم 9: أبو أحمد 12 سنة ( ارجع مشكورا للراكبة رقم 7 ).

الراكبة رقم 10: ينظر عبر النافذة بتركيز مبالغ فيه.

*****
يا حبيبتي ذات العيون العسلية .. حذاؤك ذو الكعب العالي يعلمك آلام المشي, ويصيبني بالصداع من دقاته الرتيبة.
الجثة الورقية الرقيقة طارت في الهواء, طارت حتى استقرت في المطبعة, طارت حتى دخلت في ماكينة الطبع, ُطبع عليها من الجانبين, وذهبت مع ورق الجرائد الآخر إلى بيت يقطنه بعض الناس .. حيث أكلوها مع ما يأكلون من ورق الجرائد.



يا حبيبتي ذات العيون الصفراء .. أشعر بالاكتفاء والانتماء والذاتية والتردي والانتفاء, أشعر باليأس و التلهي والاكتمال .. لكن هل .. هل؟...


الراكبة رقم 12: موظفة حسابات بالشركة الشرقية ( إيسترن كومباني ).

الراكبة رقم 13: ترتدي لباس داخلي ( كيلوت ) أسود اللون مقاس XXL.

الراكب رقم 14: مبيض محارة, والده صول بالجيش على المعاش.

الراكب رقم 15 : بالطبع: السائق.

***

يا حبيبتي ذات العيون الملونة.. نسيت كنت عاوز أقول إيه.


------------------------------
(*): الخوف.


*********************

غرفة النوم

قصة : محمد الدخاخنى

أحب أن أنام مبكرا, وحبذا لو أننى أتيت إلى فراشى فى تمام العاشرة مساء, لكننى عادة أنام فى وقت متأخر جدا وذلك لأسباب لا أستطيع الآن البواح بها, ومع أننى دونت هذه الكلمات فى تمام الساعة الخامسة صباحا, إلا أننى قد تذكرت شيئا من تلك الأشياء التى تجعلنى لا أتمكن من تحقيق هذا الحلم, النوم فى تمام الساعة العاشرة مساء, ومنها ترتيب غرفة نومى المطلة من الطابق الثالث عشر على شارع الرَّصَّافة, تلك النافذة التى كلما نظرت منها كل صباح وقعت عينى على " الخديوى سعيد باشا " حال خروجه كل يوم وفى وقت مبكر من باب قصره المطل على ترعة المحمودية ملوحا بالتحية إلى " قباطنة " السفن التجارية القادمة من أوروبا عبر البحر المتوسط مرورا بترعة المحمودية وصولا إلى النيل ومن ثم يقطعون المسافة بينه وبين البحر الأحمر بواسطة الجمال والعربات التى يجرها الخيل, ثم تقع عينى كذلك على السيدة " إنجى هانم " قرينته حال وداعها إليه, والذى شد انتباهى أن وداعها إلى حضرة جنابه كان على استحياء ( من أولئك الذين يمرون أمام القصر أمنين لا يروعهم كلاب ولا حراس مدججون بالسلاح ) وخاصة عندما يظهر وجهها الوضاء من وراء مشربية إحدى الغرف دونما " يشمك ", ثم أرى " عرفان باشا " وهو يخرج من باب بيته الفاخر الذى يشبه القصر الصغير مستقبلا الأمير " عمر طوسون باشا " الذى كان هو الآخر مغادرا بيته الذى لا يقل روعة وفخامة عن بيت الأول, ثم يكون اللقاء بين الثلاثة أمام عربة " حنطور " يستقلونها ويطلق سائقها العنان لجواديها قاطعا الطريق إلى قصر رأس التين ليبدأ " الخديوى " استقبال الملوك والأمراء وغيرهم, وقبيل اختفاءهم عند منحنى ميدان الرَّصَّافة, كانت الأميرة " فايزة " داخل عربة حنطور برفقة وصيفاتها وقد بدت العربة متوجهة ناحية موقع إنشاء المدرسة التى تعهدت بإنشائها وهى مدرسة " الأميرة فايزة الثانوية للبنات " وموقعها مقابل البيت الذى تطل منه غرفة نومى, التقت العربتان, تبادل " الخديوى سعيد " والأميرين معها التحية, والحق أن التحية من ناحية الفريقين كانت مفعمة بالاحترام والإجلال, وعندما توقف ركب الأميرة أمام موقع إنشاء المدرسة تابعتها بنظرات مشوبة بالدهش, الأميرة تتحرك كيفما تشاء دونما " حرس سلاح, أفسحوا الطريق حتى يمر موكب الأميرة الفاضلة دونما يعكر صفو حياتها نفس يخرج من أفواه الرعية معلنا عن الغلاء والبطالة وبيع القطاع العام وتصدير الغاز إلى العدو الصهيونى وكذا الفساد الذى استشرى بأوصال الأمة !!, ونزلت الأميرة من عربة الحنطور ومازالت متوشحة بالـ " يشمك " ووصيفاتها مثلها, ثم تقدمت صوب مهندس الإنشاءات المنوط بالإشراف على بناء المدرسة التى يفصل بينها وبين مدرسة " عرفان الإعدادية للبنات " شارع " عرفان باشا " وهو شارع ممتد يصل ما بين شارع الرَّصَّافة متقاطعا ومتعامدا على شارع " بوالينو " ثم شارع " حسن باشا الإسكندرانى ", الشهيد الغريق, قائد الأسطول المصرى الذى حارب " روسيا سنة 1831ميلادية إبان عودته منتصرا فى حرب " القرم " ثم شارع " محسن باشا ", وعند هذا الملتقى يتوقف " عرفان باشا " معلنا الغضب,

ـ إن المسرحية من الفصل الثان حتى الفصل الثالث كافة أحداثها مأساوية, والأدهى من ذلك أن خشبة المسرح قد اختفت تحت أكوام القمامة, ناهيك عن المخرج والممثلون فقد أصابهم البله, والذى زاد الطين بلة أن الجمهور أصابهم الخرس والصمم والعمى,

ولما كان الهدوء يسود الشارع طرق صوت الأميرة مسامعى وهى تطلب من المهندس أن يكون البناء مشيدا على أحدث النظم العلمية, وأن تتوسطه حديقة ذات أشجار وأزهار, وأن تكون التهوية جيدة ومناسبة لعدد الطالبات اللائى قد يصل تعدادهن فى كل فصل دراسى إلى اثنتى عشرة طالبة, ثم التفتت إلى الوصيفات متنهدة وقد بدت حزينة, عندئذ فهمت أنها تخشى اللعنة التى قد تقع فى يوم من الأيام فوق رؤوس المصريين, غدر الزمن " التغيير إلى الأسوأ " ازدحام الفصل الدراسى بالطالبات اللائى قد يصل تعدادهن إلى قرابة الأربعين طالبة, ثم تقدمت فى صمت صوب عربة الحنطور واستقلتها برفقة وصيفاتها, ومن ثم أطلق السائق لجواديه العنان فظللت أراقب الركب حتى توارى بين الغوغاء ولم يبق له أثرا غير ذكراها التى مازلت أدندنها,

**** ****

كل شئ يجب أن يكون فى مكانه وفى الوضع المناسب, الأشياء يجب أن تكون متوازية لا شئ يتقدم أو يتأخر عن غيره, أمَّا سرير نومى فهو مربط الفرس الذى بالطبع هو أنا, فأنا هذا الفرس, هذا الجواد الذى هو على موعد مع مهرة طالما حلم بها, فالمهرة من الجياد الفرنسية,

ـ عجبا, لمْ لم تكن مُهرة عربية فالجياد العربية ذا شأن عظيم ؟!,

ـ إنها مهرة مختلفة يا صَاح, إنها الإمبراطورة " أوجينى ", بنت بنت عمة " الميسيو فردينان ماتيو مارتن دى ليسبس " مُعلم " الأمير سعيد " عندما كان فى العاشرة من عمره فى الفترة مابين العام 1832 إلى العام 1836 وذلك بأمر من السيد " محمد على باشا " صاحب العرش, ثمَّ هو صديقه العائد من فرنسا فى العام 1854 بعد غياب طويل ليزف إليه التهنئة بمناسبة تعيينه واليا على مصر, ثم مهندسا لمشروع حفر قناة السويس,

ـ تبا لك أيها الجواد السافل, تحلم أن تضاجع الإمبراطورة " أوجينى " ؟!,

ـ ما هذا الصوت الذى داهم صداه غرفة نومى فى مثل هذا الوقت المتأخر من الليل ؟!, يبدو أنك أحمق أو أنك مثل جاهل لم يقرأ التاريخ, ولو أنك قرأته بشئ من الإمعان لأيدتنى وقلت زادك الله فحولة حتى تثأر لنساء المحروسة اللائى اغتـُصِبْنَ إبَّان الحملة الفرنسية بغباء جنودها الأشرار, عندئذ, سيتبين لك الفارق بينى وبين " الخديوى إسماعيل باشا ", أمَا قرأت كيف أنه غادر مصر المحروسة فى رحلة بحرية استغرقت عدة أسابيع قاصدا باريس ليقدم إلى فاتنة قلبه الإمبراطورة " أوجينى " أفخم الهدايا لتتفضل وتنعم عليه بحضورها حفل افتتاح قناة السويس وذلك فى السابع عشر من شهر نوفمبر سنة 1869؟!, ثم أنه من أجل عيونها أمر ببناء القصور والحدائق ودار الأوبرا ليضفى على روح جنابها المزيد من السعادة والسرور عندما تشاهد المسرحية الشهيرة " أوبرا عايدة " التى عهد إلى " الميسيو أوجست مارييت " بتأليف قصتها وأن تكون القصة مُستوحَاة من التراث الفرعونى ؟! أنا لست بأقل من " الخديوى إسماعيل باشا " عندما ترك أكثر من ستة آلاف من عظماء ورجالات أوروبا الذين حضروا مراسم الاحتفال المهيب ثم أخذ بيدها لتشاركه رقصة طويلة طالما حلم بها, ثم أنه ما فتئ يرقص برفقتها ويرقص على أنغام الموسيقى الفرنسية حتى كللا ساعديه وتورمتا قدميه, ولولا الحرب البروسية المنعوتة بالحرب السبعينية التى اندلعت بين فرنسا وألمانيا, لرقصا حتى الصباح على أنغام موسيقى " جوزيبى فيردى " التى قام بتصميمها بناء على طلبه خصيصا لـ " أوبرا عايدة " التى تأخر موعد عرضها بسبب تلك الحرب التى أدت إلى انقطاع طرق المواصلات بين مصر وفرنسا, أنا لست بأقل من " الخديوى إسماعيل باشا " إنه فقط استمتع بالرقص بين أحضانها, أما أنا فالليلة على موعد معها, سأرقص برفقتها وقتا طويلا بغرفى التى رتبتها فصارت أجمل من أفخم قاعة بقصر " التويلرى ", لقد ضبطت توازن الصورة المحببة إلى قلبى, صورة قد كنت رسمتها إليها وقد بدت عارية تماما, رسمتها جالسة القرفصاء فوق جماجم المصريين الفقراء الذين حفروا القناة فكانت دماؤهم وأرواحهم هى نخب الافتتاح ومرق الموائد التى حرم منها من هم أحق بها, وفى الصورة قد منحت ظهرها لعامود من الرخام الأبيض, ومن ثم بسطت ذراعيها إلى الوراء وطوقت العامود, أما نهديها فكانا بارزين وكأنهما مدفعين من مدافع الحملة الفرنسية التى احتلت مصر سنة 1798 بقيادة " نابليون بونابرت ", وخلفية اللوحة نوتة موسيقية تنطق وتريَّاتها وآلاتها النحاسيَّة وطبولها بوقع أقدام الجياد الفرنسية حال دخولها الأزهر الشريف لتتخذه اسطبلا آمنا يُعيذها من دُعاء المشايخ " اللهم ارفع من شأن جوادنا السَّاهر الليلة بغرفته الكائنة بشارع الرَّصَّافة حتى يطأ ظهر المُهرة الفرنسية, اللهم أجعله يثأر لنسائنا, وبناتنا 00 آمين ",

**** ****

وبينما أنا أعيد إلقاء نظرة على الغرفة كى أتأكد أنَّ كل الأشياء صارت كما أشاء, إذا بوقع أنامل رقيقة تعزف بعض النوتات الموسيقية على مصراع الباب فتأكد لى أنها هى فتقدمت صوب الباب بعد أن خلعت معطفى وكنت أحدث نفسى بأننى لست أقل من " الخديوى إسماعيل باشا " ولا بأقل من " الإمبراطور نابليون الثالث " إمبراطور الفرنسيس, بعل الإمبراطورة المُبجلة فكلاهما جوادين عجوزين, وشتان بين الجواد العربى والجواد الفرنسى وما أدراك لو أن الجواد العربى كان جوادا مصريا, وفتحت الباب فدخلت دونما همس ولا كلام, صافحتها ولم أقبل يدها كما هو مكتوب فى دفتر البروتوكولات, لكننى ساعدتها عندما تهيأت لخلع معطفها الذى ألقت به جانبا حالما وقعت عينيها على الصورة ثم رمقتنى بدهاء وتنهدت قائلة :

ـ هكذا ترانى دائما ؟!

ـ وإلا ما رسمتك هكذا,

ـ لا تنسى أننى " إمبراطورة فرنسا ",

ـ فى نظرى 00 أنت جسدها,

ـ وماذا لو صرت أنت جزء من هذا الجسد,

ـ ( هه ) أنا جواد عربى أصيل وأنت مهرة فرنسية مختلطة الأنساب ولست أدرى كيف صرت إمبراطورة فرنسا ؟! والأصيل لا يتوحد إلا مع الأصيل,

عندئذ شخصت برهة فى مقلتىَّ وبعدها لا أدرى كيف أننا تحولنا إلى جسد واحد وبدأنا الرقص ولا يدرى أحدنا أطال الوقت أم قصر إلا أننى مازلت أتذكر شكايتها من مرض عضال قد ألم بساقى جوادها " الإمبراطور " العجوز, وكيف أنه يجب أن ينضم إلى تلك الجياد التى أنهت مهمتها ليكون مصيره القتل رميا بالرصاص, وبينما أنا بين أحضانها وقد ضمتنى إلى صدرها وكانت هائمة لا تفكر إلا فيم سأصنع معها عندما يصيح الديك صيحته ويعرب أن قد حان وقت النشوة, طرقت مسامعنا أصوات جلبة رجال مجهدون ووقع فؤوس تضرب الأرض بما تبقى لديهم من قوة وعزم, وكلمَا توالى وقع الفؤوس تبعها وقع سياط فوق ظهورهم يلى وقع السياط صراخ وتأوهات تنم عن الشعور بالألم والعذاب, كل ذلك كان ينبعث من نافذة غرفتى, لقد تركت النافذة مفتوحة حتى الستائر قد أزحتها جانبا لتنعم هى بضوء القمر الذى كان ساهرا, فهو مثلى تماما لا ينام إلا بعد الخامسة صباحا, مع أن شرطها الأول والأخير ألا يراها أحد كائن ما كان وهى بين أحضانى إلا هذا القمر, إنه بالنسبة إليها كاتم الأسرار, كما أنه بالنسبة إلى مصدر إلهامى, لكنها وبعد برهة من التأمل إلى الديك الذى قفز من ناحيتى ثم وقف بينى وبينها أومأت إلىَّ أن أسدل الستار فعرفت أنها تخشى أن يكون ثمَّة أحد يرانا, وإذا بوقع أقدام جواد يقترب ناحية أولئك الذين يعملون على حفر ترعة المحمودية, وإذا بصاحب الجواد يقترب شيئا فشيئا, ثم انبعث صوت من بين تلك الأصوات التى كادت تعكر صفوها فأطبقت يدها برفق حول رقبة الديك وقالت من بين نواجذها : إنه صوت " الأميرال محرم بك " زوج السيدة " تفيده هانم " إبنة والى مصر,

( فهمست إليها وأنا أحاول إسكات الديك حتى يتأخر عن إطلاق صيحته قائلا : )

ـ إنه الآن محافظ الإسكندرية بعد أن كان محافظا للجيزة وقد كان من قبل قائد للأسطول المصرى,

قالت كلماتها وقلت كلماتى ثم سكتنا برهة ومازال الديك على حالته وإذا بصوت السيد " محرم بك " يطرق مسامعنا مرة أخرى وهو يعمل على تحفيز عمال الحفر على الجد والاجتهاد مبينا إليهم أن الفارس القادم فوق صهوة الجواد هو والى مصر ومؤسس نهضتها الصناعية والعلمية حتى ترسانتها البحرية, لقد جاء ليباشر بنفسه سير العمل, فهو دائم الركض بجواده قاطعا المسافة ما بين الإسكندرية ونهر النيل لا يكل ولا يمل فما ركن إلى القصور الفارهة طرفة عين, وإذا بوقع حوافر الجواد يتوقف مصحوبا بعدة صهلات, ومن ثم ألقى السيد " محمد على باشا " السلام على كافة العمال والمهندسين ثم طالبهم سرعة الانتهاء من حفر ترعة المحمودية ليتم توصيل ماء البحر المتوسط بماء النيل حتى يعم الخير البلاد والعباد, عندئذ ضممتها إلى صدرى ضمة حانية وقلت :

ـ مدينة الإسكندرية ستنضم إلى كبريات الموانئ العالمية, فقاطعتنى قائلة :

ـ وعما قريب ستكون أنت, من أكبر تجار الدخان,

ثم خرجت من بين ذراعى وتوجهت ناحية السرير آخذة برقبة الديك قائلة بدلال :

ـ هيا 00 أرح الديك فقد قرب صياحه .

دكان قديم

قصة: هيثم الوزيرى

على كرسيه كان جالسا أمام باب دكان قديم يحمل لافتة تحاول أن تتحدى غزو الأتربة .. الباب الحديدي للدكان و المفتوح دوما لا يكشف أيا من معالمه .. دائما غارق في ظلام .. أما هو فملامحه وتجاعيد وجهه لا تدل على شئ فلا يعرف منها هل هو شاب هده المرض أم هو عجوز هده مرور الزمن .. عيناه خاويتان كعيني سمكة ..ذراعاه متدليان بجانبه في استرخاء أو ربما في وهن لا يحركهما أبدا فصار وجهه مهبطا للذباب الذي لم يجد له رادعا.. بالرغم من مظهره الرث يتوقف الزبائن بمختلف أعمارهم أمام دكانه ..

-"كيلو دقيق لو سمحت"

ينظر في خواء ولا يرد

-"برشام صداع من فضلك"

ينظر ولا يرد

-"3 متر صوف"

-"ألاقي عندك أغنية للصبر حدود"

-"ما ترد علينا يا أخي بقى"

-"انطق"

-" شاور بإيدك"

-" بص لنا حتى"

يقوم .. يحمل كرسيه..ينسحب إلى الدكان.. يغلق الباب من الداخل .


نقد الدكتورة نجوى الرياحي

ليست هناك تعليقات: