بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 سبتمبر 2010

الثلاثاء 28سبتمبر 2010م.






















مبدعة الجنوب فى مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية

نظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية يوم الثلاثاء 28 سبتمبر لقاءً أدبيا بعنوان "منى الشيمى.. مبدعة الجنوب" حيث قدم الناقد الدكتور محمد عبد الحميد دراسة بعنوان (بين الخطاب الأدبى والحكاية التاريخية قراءة فى: مجموعة "من خرم إبرة "، رواية "الكفة الراجحة" للقاصة منى الشيمى)، وألقت الأديبة منى الشيمى شهادة أدبية بعنوان "ترابُ حكاياتي". صرح الأديب منير عتيبة المشرف على المختبر أن منى الشيمى صوت جنوبى مبدع ومتميز من جيل الوسط الذى يحمل على عاتقة الآن التوازن المنشود فى الحركة الإبداعية المصرية، بتواصله الفعال مع الأجيال السابقة واللاحقة، وإن كان هذا الجيل ينتظره الكثير الذى تأخر بسبب الأوضاع الثقافية المتردية، إلا أنه لم يزل يحمل شعلة الأمل بمزيد من الإبداع الجيد، وأن استضافة مختبر السرديات لمنى الشيمى واحتفاءه بها، هو احتفاء بالمرأة المبدعة، وبجيل الوسط، والجنوب المبدع الخصب، والإبداع الجميل.. كل هذا فى شخص وإبداع هذه الروائية والقاصة المبدعة. وأضاف أنه سيتم توزيع نسخ من ملف يتضمن الدراسات والشهادة الأدبية وسيرة ذاتية للمبدعة على حضور اللقاء.
تقول منى الشيمى فى شهادتها الإبداعية أستطيعُ القولَ إني أعيشُ لأروي. أروي على اعتبارِ أني قاصةٌ، وأن ما أرويه قصة. ثمة أناسٌ يعيشون الحياة بكل منمنماتِها، وآخرون يعيشون متلصصين على الآخرين. لا أنكرُ أن الكتابةَ سرقتني من الحياةِ والتفاعل. من التماهي مع اللحظة، فلم أعد سوى متلصصةٍ على خبراتِ الآخرين وحيواتهم. بل ومتلصصةٍ على حياتي في الوقتِ نفسِه، لتُصبحَ في مرحلةٍ لاحقةٍ معيناً إبداعيا. لستُ حزينةً لأني من النوع الآخر، فأنا قادرةٌ على التفاعلِ مع الحياةِ والناسِ ولكن بطريقتي الخاصة، فقد لا أهتمُّ لمذاقِ الطعامِ ولكني أُبدعُ عند وصفِ مذاقهِ في رواية، وقد لا أستمتعُ بالحدثِ بل بكتابتهِ، وربما لا أمتلكُ القدرةَ على الحبِ والعطاءِ مثل أبطالِ قصصي.
ويقول د.محمد عبد الحميد فى دراسته تعد تجربة منى الشيمى القصصية فى مجموعتها " من خرم إبرة " تجربة ثرية ، تمتاز بمجموعة من العناصر ، تعد هى سر ثرائها ، كما أن تَجمُع هذه العناصر فى ضفيرة سردية واحدة واحتشادها بها جميعاً يعد سراً آخر لامتيازها وتفردها ، وهذه العناصر يمكن بعد وضعها تحت مجهر النقد التحليلى حلها إلى مجموعتين : أولاهما عناصر موضوعية ، والثانية فنية تتصل ببعض عناصر السرد القصصى وآليته . ورواية الكفة الراجحة للقاصة منى الشيمى من الروايات التى تثير بعض القضايا والأسئلة ، نظراً للشكل البنائى أو قل هندسة القصة التى خرجت عليها ، ولما تثيره من بعض القضايا المتصلة بحاضرنا السياسى ، وجدلية "الحب والحكم لدى المرأة". فرغم أنها تمتح موضوعها الرئيس من صلب التاريخ الفرعونى القديم ، إلا أنها تصل القديم بالحديث من خلال وحدة القضايا المتصلة بالملك وتداعياته ، وحكم المرأة ومشكلاته فى مجتمع تجذرت فيه الذكورية منذ القديم . كما أنها تثير نفس القضية التى أثارتها من قبل مجموعتها القصصية "من خرم إبرة" ، أعنى الفرق بين الخطاب الأدبى والحكاية التاريخية. كما حفل اللقاء بحضور عدد كبير من مبدعى ومثقفى الإسكندرية ومداخلات الأدباء والشعراء منى عارف، مروة الحمامصى، خالد السروجى، أحمد حميدة، مفرح كريم، د.أحمد قرة، محمود عبد الصمد زكريا.


























مختبر السرديات

ملــف

الأديبة منى الشيمى
مبدعة من الجنوب


إعداد/ منير عتيبة

28 سبتمبر2010م
منى الشيمى.. مبدعة من الجنوب

منى الشيمى صوت جنوبى مبدع ومتميز من جيل الوسط الذى يحمل على عاتقة الآن التوازن المنشود فى الحركة الإبداعية المصرية، بتواصله الفعال مع الأجيال السابقة واللاحقة، وإن كان هذا الجيل ينتظره الكثير الذى تأخر بسبب الأوضاع الثقافية المتردية، إلا أنه لم يزل يحمل شعلة الأمل بمزيد من الإبداع الجيد.
تعبر منى الشيمى فى إبداعها عموما عن المرأة المصرية، ليس شرطا الجنوبية، المثقفة؛ غالبا، فى مجتمع غير صديق للمرأة والرجل على السواء، لكنه أكثر قسوة على المرأة، وأشد تجاهلا أو تحاملا عليها، لكنها غالبا، المبدعة وشخصياتها، لا تستسلم، ولا تضحى بشخصيتها وحلمها الخاص، بل تحفر فى صخر التقاليد المتحجرة، والعقليات الأكثر تحجرا لتجد لها طريقا إلى نور الأمل، كما تهتم اهتماما خاصا بتاريخنا المصرى القديم باعتبار ما نحن فيه الآن على مستويات عديدة هو امتداد بصورة ما لهذا التاريخ، وتهتم أيضا بتطور حركة المجتمع المصرى وما جرى عليها من تغيرات سياسية واجتماعية وأخلاقية واقتصادية معظمها شديد القسوة والعنف.
لكن منى الشيمى وهى تنشغل بقضايا عديدة فى أدبها لا تغفل عن قضايا الإبداع نفسه، تحرص على تجويد إبداعها، وعلى تواصله مع أحدث اتجاهات الإبداع فى مصر والعالم، ليس تقليدا، ولكن تنقية واختيارا بما يتناسب مع الموضوعات التى تتناولها، إذ أنها لا تنسى أن الإبداع قضيتها الأولى، فمن خلاله فقط تستطيع أن تطرح ما يشغلها من قضايا أخرى.
إن استضافة مختبر السرديات لمنى الشيمى واحتفاءه بها، هو احتفاء بالمرأة المبدعة، وبجيل الوسط، والجنوب المبدع الخصب، والإبداع الجميل.. كل هذا فى شخص وإبداع هذه الروائية والقاصة المبدعة.

منير عتيبة- المشرف على مختبر السرديات








منى الشيمى.. سيرة ذاتية
- الاسم/ منى أحمد أحمد عثمان الشيمي
- الاسم الذي أنشر به / منى الشيمي.
- روائية وقاصة مصرية.
- عضو اتحاد كتاب مصر.
- عضو نادي القصة المصري.
صدر لها:
- رواية لون هارب من قوس قزح. المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2003.
- رواية الأراولا. الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2006.
- رواية الكفة الراجحة.، نادي القصة، القاهرة 2008.
- مجموعة قصصية : وإذا انهمر الضوء، دائرة الشارقة للثقافة والإبداع. الإمارات 2009.
- مجموعة قصصية : من خرم إبرة، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 2009.
- مجموعة قصصية : رشح الحنين، دار سندباد للنشر والتوزيع، القاهرة ، أغسطس، 2010.
تحت الطبع:
- رواية بعنوان " مواسم الغياب".
الأنشطة الأخرى:
- المشاركة في عدد من المؤتمرات الأدبية والورش الإبداعية داخل مصر وخارجها.
الجوائز:
- جائزة هيئة قصور الثقافة المركزية تحت سن 35 عن رواية "لون هارب من قوس قزح".
- جائزة نجلاء محرم الأدبية عن قصة "ثوب آخر".
- جائزة إقليم وسط وجنوب الصعيد عن قصة "غبار الطلع".
- جائزة نادي القصة عن رواية "الكفة الراجحة".
- جائزة دبي الثقافية عن المجموعة القصصية "من خرم إبرة".
- جائزة الشارقة للثقافة والإبداع عن مجموعة "وإذا انهمر الضوء".
- جائزة راديو الــ "بي بي سي" عن قصة" صليل الأساور".




ترابُ حكاياتي
شهادة: منى الشيمي

أستطيعُ القولَ إني أعيشُ لأروي. أروي على اعتبارِ أني قاصةٌ، وأن ما أرويه قصة. أنفي بشكلٍ مستمرٍ أنه منبثقٌ من النصِ الغائبِ، أو النصِ الأول. كيف لا أفعل؟ ونحن في مجتمعٍ يجبُ أن نخفي فيه ما يتعلق بنا، كي لا نُصبحَ مادةً لنميمةِ الآخرين. ثمة أناسٌ يعيشون الحياة بكل منمنماتِها، وآخرون يعيشون متلصصين على الآخرين. لا أنكرُ أن الكتابةَ سرقتني من الحياةِ والتفاعل. من التماهي مع اللحظة، فلم أعد سوى متلصصةٍ على خبراتِ الآخرين وحيواتهم. بل ومتلصصةٍ على حياتي في الوقتِ نفسِه، لتُصبحَ في مرحلةٍ لاحقةٍ معيناً إبداعيا. لستُ حزينةً لأني من النوع الآخر، فأنا قادرةٌ على التفاعلِ مع الحياةِ والناسِ ولكن بطريقتي الخاصة، فقد لا أهتمُّ لمذاقِ الطعامِ ولكني أُبدعُ عند وصفِ مذاقهِ في رواية، وقد لا أستمتعُ بالحدثِ بل بكتابتهِ، وربما لا أمتلكُ القدرةَ على الحبِ والعطاءِ مثل أبطالِ قصصي.
حاولتُ أن أكونَ جارةً مثاليةً لجاراتِها. أن أجترَّ معهنَّ ما قمتُ به من أشغالِ البيتِ وتعبِ الأبناء، وأن أغتابَ بصدقٍ أو كذبٍ الجارةَ الغائبة عن الجلسةِ مثلهن، وفشلتُ. ثم حاولتُ أن أَحيكَ ملابسَ الأبناءِ بنفسي، مدّخرةً ما سوف أوفرُهُ لإنفاقهِ في أمورٍ أخرى ضاغطة، وعلى الرغم من أن الملابس الجاهزة راودت أولادي من خلف الفتارين. أقنعتهم بأن ما ستنتجُه يدي يفوقُ الملابسَ الجاهزة جمالا، لكني لم أستطع أن أكونَ خياطةً ماهرة سوى في قصة. حاولتُ أن أتسلى بمشاهدةِ المسلسلاتِ وأفلامِ الأبيض والأسود، مخلفةً ورائي كومةً من قشرِ اللب والفولِ السوداني، لكني كنتُ طوالَ الوقت متيقظةً إلى نقائصِ العملِ الدرامي وثغراتِهِ، فضيعتُ على نفسي متعةَ الاستغراقِ والتقمصِ. لكنّ الكتابةَ قدري. قد لا يحدثُ للإنسانِ ما يستحقه، لكن يحدث له ما يشبهه. ويروقني أن يحدثَ لي ما يشبهني.
لذا ربما أكتبُ كي أخلقَ شخصياتٍ تتفهم جنوحي وأقدر اختلافها.
أو كي أخلقَ شخصياتٍ تمررُ الأفكارَ الخطيرةَ التي لا أقدرُ على قولِها.
أكتبُ - ربما – لأن الحياةَ فقاعةٌ يجبُ أن نصورَها قبل أن تنفجر.
وربما كي أثأرَ من أشخاصٍ جرحوني وليس لي القدرة على تنفيذ ذلك سوى على الورق،أو لأخلّدَ أشخاصا قابلتُهم وأحببتُهم وليس لي مشروعيةُ حبهم، قابلتُهم في زمنٍ كانت فرصُ التصريحِ بحبهم معدومةً.
الأصعبُ أن أخرجَ بعد الانتهاءِ من الكتابةِ لألبسَ شخصيةً من فرط ما ألبستُها من أقنعةٍ لا تعرفني.
وربما أكتبُ كي أتطهرَ بالكتابة. كي أتخففَ من الأثقالِ التي أحملُها على كاهلي، أو كي أخففَ من حدة إدراكي، ومعرفتي بأسبابِ ونتائجَ أيِّ تصرفٍ قد يقع أمامي، كي أخففَ من حدةِ قدرتي على الربطِ بين الأشياءِ التي لا رابطَ مرئياً بينها.
وربما لا أكتبُ .. فالقصة أو الرواية قد تكون مكتوبةً سلفا، وموجودةً في مكانٍ ما بداخلي أو في الخارج، وأنا لا أفعلُ سوى الذهابِ إليها وإحضارِها من مكانها، كما قال نحاتٌ: أنا أذهبُ إلى الصخرةِ وأقشرُ التمثال.

بين الخطاب الأدبى ، والحكاية التاريخية
قراءة فى : مجموعة "من خرم إبرة " ، رواية "الكفة الراجحة" للقاصة / منى الشيمى
دراسة بقلم: د.محمد عبد الحميد خليفة


1. مجموعة " من خرم إبرة "
تعد تجربة منى الشيمى القصصية فى مجموعتها " من خرم إبرة " تجربة ثرية ، تمتاز بمجموعة من العناصر ، تعد هى سر ثرائها ، كما أن تَجمُع هذه العناصر فى ضفيرة سردية واحدة واحتشادها بها جميعاً يعد سراً آخر لامتيازها وتفردها ، وهذه العناصر يمكن بعد وضعها تحت مجهر النقد التحليلى حلها إلى مجموعتين : أولاهما عناصر موضوعية ، والثانية فنية تتصل ببعض عناصر السرد القصصى وآليته .
1. فأولى القضايا الموضوعية ، أن المجموعة برمتها فى قصصها الخمسة عشرة تعالج قضايا الإنسان ، نابشة فى أعماقه ، تستل ذلك الإنسان فى صوره المختلفة وردود فعله العفوية تجاه ما يتعرض له مع الآخر الذى قد تربطه به علاقات اجتماعية ، وهذه السلوكيات العفوية تكشف الإنسان أمام نفسه قبل أن تكشفه أمام الآخر ، وذلك يبدو مثلاً فى قصة " المفتاح " التى أشار عنوانها إلى حالة مفاجئة من تغير العلاقة الاجتماعية بين المرأة وجارتها اللتين تعودتا على ميثاق حب وجوار يتخلله سمر متصل أكد توحدهما ، غير أن – ولسبب تجهله الساردة – يبدأ التحول المفاجئ من الجارة الأخرى ، إذ تتعمد تجنب جارتها والاحتكاك بها على عكس ماكانت العادة بينهما ، هذا الأمر الذى أرَّق المرأة الساردة وأصبحت الدنيا أمامها ضيقة مغلقة ، تهتز أمامها علامات الاستفهام . الأمر نفسه نجده فى قصة " من خرم إبرة " التى تجسد شعورا إنسانيا تمر به أديبة مبتدأة تعلق أملها بأحد كبار النقاد الذى سينشر لها باكورة أعمالها ، ولما أعوزها لقاؤه كان الخيال الذى يرسم للإنسان كيف هذا الآخر ؟ يفكر ويكون هكذا ، إنها تنظر إليه من خيالها الضيق كخرم إبرة ، ترسم له صوراً وتتوقع منه ردود فعل قد لا تتفق مع الواقع المعيش غير المتخيل . وفى قصة " على كف عفريت " تكشف عن مخبوء داخل الإنسان قد يخرج ويتصرف فى شكل سلوك عفوى غير مبرر ، ربما الفضول !، أو رغبة داخل الإنسان فى الاستحواذ على ما فى يد الآخر ، يحدث ذلك عندما تحتال على رصيد صديقتها من هاتفها الجوال وتضعه فى هاتفها ، يساعدها على ذلك قدرة الآلة الحديثة السريعة المطيعة ولكنها لا تعلم كيف فعلت ذلك . وأخيراً قصة " فى منتصف النهار " الذى يتعرض فيه إنسان لسرقة وهو فى غفلة عن الزمان والمكان ، يفاجأ بأن هناك من اقتحم عليه عالمه وخصوصيته ويعربد فى ظلامه وهو غافل ، ثم إذا انكشف الأمر ظهر كمن تعرى أمام الآخرين وثبتت عليه الغفلة وهو فى ذلك الحال يتمنى أن ينكر ما وقع به وبيته من سرقة – رغم حقيقتها – هرباً من مكاشفة نفسه بالواقع . إن الساردة فى هذه القصص وغيرها تلتقط بعناية شديدة الإنسان مكشوفاً أمام نفسه بسلوكه العفوى الذى قد يحار فى تبريره لنفسه وللآخرين . كم هو ضعيف ذلك الإنسان الذى يتظاهر أحياناً بالقوة والقدرة على امتلاك كل الخيوط وهو مع ذلك إنسان يحمل الضعف إلى جانب القوة ، والغفلة إلى جانب اليقظة ، تغيب عنه أشياء فى الوقت الذى يظن فيه علمه بها .
2. غير أن إنساناً بعينه حرصت الساردة على أن تسبر أغواره وتجوب عالمه ، إنه المرأة ، ذلكم المخلوق الذى عملت الطبيعة على تحديد معالمه النفسية ، وأسهمت البيئة الاجتماعية " زماناً ومكاناً " فى تحديد هذه الملامح بصورة جلية نلمسها فى سلوكها ، فلا ندرى أتناقش الساردة قضايا المرأة أم تدافع عنها أم تدينها أم هى كل ذلك معاً ؟. غير أن الواضح فى كل هذا هو جرأتها فى اقتحام عالم المرأة الذى قد يمتلئ بالمتناقضات والأسرار ، ولفتها إلى واقعها فى بيئتنا العربية المحافظة ومشكلاتها ومدى ما تقع فيه أحياناً من ضغوطات اجتماعية ونفسية، وصراع بين جبلتها العاطفية وتفكيرها الذى هو نتاج هذه البيئة الاجتماعية . ولعل قضية فتور العلاقة الزوجية وشعور المرأة وتصرفها إزاء هذا الفتور الذى يضرب أبواباً كثيرة أوصدت على علاقة تبدلت أو قل تحولت مشاعر القابعين خلفها . غير أن اللافت فى هذه القضية تحديداً أن الساردة قد قدمت صوراً ومواقف للقارئ غاية فى الدقة بفضل قدرتها على التعبير باللغة الفنية ذات التعبير الإيحائى عن هذه المشاعر والسلوكيات النسوية دون أن تعلق تعليقاً يعكس موقفها النقدى على هذه السلوكيات وكأنها تضع ذلك كله أمام القارئ – كل قارئ – ليعلق بحسب أيدلوجيته وثقافته ؛ فتستهل مجموعتها بقصة " عند حافة الدفء " التى تجسد لوناً من الحرمان العاطفى الذى تعانى منه الزوجة حينما تشعر بإهمال زوجها لها فتلملم من بعض الحوادث التى وقعت بشقة جارتها لتنسج بخيالها من هذه الحوادث المبعثرة قصة خيانة هذه المرأة الجارة ، لكنها فى الوقت ذاته تصب عليها جام غضبها، لا على أساس من منطق خلقى وإنما حسداً لها لما تعيشه من دفء تعانى منه الساردة التى أولاها زوجها ظهره وغط فى نوم غير مكترث لزوجه التى اقتحمت بعين خيالها الجدران لترى كيف تنعم الأخرى بحرارة الدفء ، وقد طاف بخيالها للحظات أن تكون مكانها وأن يزورها هذا الدفء . إن الساردة تضع أمام القارئ فى صراحة ودون افتعال هذا الحلم فى سياق واقعى قابل للتكرار لدى كثير من النسوة اللاتى يعانين ما عانت شخصية القصة. وتتكرر نفس الحالة فى قصة " ممر بين نافذتين " إذ تلجأ هذه المرأة التى تحكمها تقاليد اجتماعية شرقية إلى العالم الافتراضى تعيشه عبر نافذة الكومبيوتر ولوحة المفاتيح ، تحاول النفاذ أو قل البحث من خلاله عن من يرد إليها أشياءها المبعثرة ، يبث فى أنوثتها الحياة والحرارة من جديد ، إن القصة تجسد حالة تلف أبواب الزوجية الموصدة على صمت مطبق حل محل الحوار الحار ، وبرودة محل حرارة اللقاء الأول الذى ربما بدأ فى ممر فضائى افتراضى بين حاسوبين ( أغمضت عينى فحضرت ، جنية تتسرب من قدر عتيق , تذكرنى بتفاصيل قديمة ، تعيد علىّ ما اهترأ من صور ، دموع الحزن مالحة ، تنساب خطين ، أنبتت شوكاً ليلياً ، تنهار جدران غرفتى لتتكوم على صدرى ، يترك ابتسامته فى حلقة السمر وينسى لسانه عند الأصدقاء ، يتجسد كشتاء عات ، ينثر ندف ثلجه ، أتكفن بصمتى ، ببرودتى ، وأرقبه بصمت ، أنتظر كلمة منه تعيدنى إليه ، يسقط رأسى على صدرى ، ولا ترى نظرتى سوى قدميه ، أفعل له ما يطلب بقلب مكلوم ) [ ص64 ] ، وتحاول المرأة فى هذا الموقف أن تلتمس حلولاً من أى مكان حتى ولو استعارت أو قل أفادت من إحدى المسرحيات التى حكتها لها صديقتها . وفى قصة " على إيقاع البندول " قد تقع المرأة البسيطة فى نفس هذه الحالة التى قد تقع فيها المرأة المثقفة ، وكأن الساردة تعلن وجود ظاهرة لا تقف عند طبقة دون أخرى من النسوة ، غير أن هذه المرة قد تقع فى براثن الخيانة امرأة من قلب البيئة المحافظة التى ربما لم يسعفها فكرها البسيط فى صد هيمنة حاجتها العاطفية الجارفة من أن تكون أسيرة لنظرة جارها التى استحالت لغة النظرات بينهما قيداً أسرها ، وانصاعت لرغبتها قبل رغبته وقد هيأ المكان وغياب الزوج الفرصة لهما ( طلبت منه أن يحضر خرطوم المياه من الداخل ليملأ لها الزير الفارغ ، فزوجها يحضر التموين من البندر هذه الليلة ، وهى غير قادرة على ملء الزير . أولته ظهرها وابتعدت . نفذ ما قالت بحذافيره . علق الخرطوم بحنفية المياه وذهب به إلى المزيرة . عند حائط البيت الغربى وفى مواجهة الزروع . العتمة تجعل من ظله شبحاً غير محدد المعالم . يلازمه أحياناً ويختفى أحياناً أخرى . وقفت وراءه مباشرة فشم رائحة الحطب المحترق تنبعث من مشارفها . نظر إليها . استدارت فترك الخرطوم والمياه تنثال منه إلى الزير وتبعها إلى الداخل . أقفرَ الطريق بعد أن عادت آخر الحيوانات من الحقول، والرجال فى القرية احتموا بالجدران من وطاة برد بدأ يشتد . بابها مشرع . طالعه ارتعاش ضوء فى الداخل . دخل وترك الباب مفتوحاً كما كان . يواجه باب دكانه بالتمام ، الجاموسة بالحوش تحدث صوتاً أليفاً . تلفتت إليه عند دخوله وعادت برأسها إلى وعاء التبن على الأرض . يعرف طريقه جيداً ، على الرغم من أنه لم يدخل من قبل . مال إلى غرفتها المفتوحة على فناء الدار . دخل وأغلق الباب فى صمت . وجدها ممدة تشهر دفئها وطلاوتها فوق السرير ذى الأعمدة ، صر السرير بمجرد أن اعتلاه . احتواها بين ذراعيه ، كأنهما كانا فى انتظار طيلة السنوات السابقة . أغمضت عينيها رأت نجوماً ملونة وبقعاً مضيئة تلمع فى عتمة الإغماض ، ورأى نفسه كحصان برى يسابق الريح . يقف عند النبع . يشرب ، ويشرب . امتلأ الزير على آخره وبدأ يفيض . هب من جوارها بمجرد أن هدأت أنفاسه . ليلحق المياه قبل أن تغرق الدرب . ارتدى جلبابه واقترب منها . ربت على خدها الدافئ ومسد شعرها . أغمضت عينيها وتمطت ، ارتوت ملامحها بأريحية خافية ) ، ولعلك قد لاحظت معى قدرة اللغة الإخبارية والإشارية معاً فى التعبير عن أدق تفاصيل النفس التى جرفتها العاطفة واستبدت بها الرغبة .
وتبقى بقية قصص المجموعة تغوص داخل المرأة تكشف جانباً من جوانب مشكلاتها النفسية والعاطفية وتشير إلى العلاقة بينها وبين الرجل فى شتى مظاهرها وتكرس القصص الكهفية " هو وهى " هذه العلاقة الأزلية فى نموها الأول بين الرجل والمرأة . وتستمر الساردة فى كشف الزوايا المظلمة داخل المرأة الزوجة والأم ، ففى قصة " لما ابتلعت جمرة " تحرص الساردة أن تكتب بمشاعر الأمومة التى تستبد بالمرأة التى لا تستطيع مقاومة هذا الإحساس : هل لنفسها ؟ أم لزوجها المتطلع إلى الذرية ؟ أم لذلك المجتمع القاسى بأسئلته فى وجه كل زوجة تأخر حملها . كذلك فى قصص كهفية نجدها فى " هى (3) " ترصد قضية الحمل من ذكر وأنثى ، وقيمة ذلك فى مجتمع نشأ ذكورياً ، يمثل فيه الرجل قطبه الرئيس .
هكذا حاولت الكاتبة فى هذه المجموعة وبطريق غير مقصودة إثارة قضية الأدب النسوى بما تطرحه من تجارب قصصية تحكى مشاعر المرأة وتحسن التعبير عنها بشجاعة وصدق يعينها على ذلك لغة طيعة وخيال خصب ، واستيعاب شتى الطقوس الشعبية والتقاليد الاجتماعية الموروثة ، وهى فى ذلك تلمح إلى فاعلية البيئة وسطوتها فى تشكيل ملامح المجتمع وتحديد صورة المرأة فيه.
3. وتكشف المجموعة سمة لا بد من تسجيلها إنها تنطوى على فكر أو قل بنية فكرية تتمتع بها الساردة ، تطرح رؤاها الفلسفية من خلال سرد متخيل تنجح فى إشاعة جو أسطورى أو حلمى فانتازى له ، ولعل قصة " من علمك الأسماء كلها ؟ " تكشف مجموعة من الأفكار وتمثل فى الآن ذاته البعد الفكرى للكاتبة ، ومدى ما تؤمن به فى هذه الحياة ، إنها فى هذه القصة تؤكد فى غير موضع منها أن الخوف قرين الجهل ، وهما يختاران للإنسان جحيمه الأرضى ، وأن الإنسان بوسعه أن يكتشف فى نفسه طاقة المعرفة التى يغير بها قدرته فى الحياة ، فقط عليه أن يمارس طقس العبور ساعياً للمعرفة والإدراك ، ففى هذه القصة نجدنا أمام إنسانة كتبت عليها شروط المكان الذى تعيش فيه أن تحرس ذكراً ، وهى فى الأمر نفسه محروسة منه ومن آخرين ، تعذب ، تؤدى أعمالاً، لا تعلم من أمرها أو مما تفعله شيئاً ، وليس من حقها أن تعلم ، أو حتى أن تدرك من نفسها شيئاً ، حالة من القهر الفكرى تسلب الآدمى إدراكه حتى لنفسه فى ضوء دور يؤديه بنمطية وانتظام ، لا يسأل ، لا يعرف ، لا يفكر ، وإلا فأن هناك حراساً يقومون بتعذيبه ورفع تقارير عنه إلى الزعيم ، إنه الخوف الذى تعمد هذا المكان زرعه بالنفوس . خوف وجهل يضمنان لإنسان أن يكون مسيراً كالقطيع ( كان حارساً علىّ كما كنت حارسة عليه ، كل فرد يشى بما يقوم به الآخرون ، الكل حارس / سجين !! لم يحرك ما فعله الذكر فىّ ساكنا ، لم تتساقط بلورات الملح والتى اعتادت أن تسقط من عينىّ فى مثل هذه المواقف ، والتى أذكر أن اسمها دموع ، أذكر اسمها من موقف تم لى قديماً ، فى مكان آخر ، لا يمت لهذا المكان بشبه ، لا أذكر من تفاصيله سوى القليل ، كان لعدم ضيقى / خوفى / حنقى ، أسباب جديدة ، تذكرت فى نفس اللحظة نظرة الحارس ، لمسته شعرى ، تأكيده لى أنى أنثى ، أنثى جميلة . ) ، وما أجمل نور المعرفة وما أجمل الحب الذى ينير العقل فيبدأ فى إدراك الأشياء والتعرف على أسمائها ، والتحرر من الجهل ، ومن الخوف بأن يضبط وهو يفكر ( ما أجمل أن يدرك الفرد معانى الكلمات ، لكل كلمة معنى ، سحر خاف لا يبين إلا لمن أدرك ، لمن ارتقى مدارج التجربة) ، لصالح من إذن يراد من الإنسان أن يكون جاهلاً حتى بنفسه ؟ وهل هناك ضريبة يدفعها ذلك الإنسان إذا أراد أن يدرك ويعلم ؟ أينتظر ، أم يسعى للمعرفة والإنعتاق والتمرد ؟ أسئلة تثيرها القصة بل تثيرها المؤلفة ذاتها التى قاربت أن تكون الساردة نفسها .
4. ويتصل بما سبق قضية الزمن الذى يعنى التغير والتبدل الذين يطرآن على الإنسان ، يدهمانه ويغيران فيه الكثير، إن الكاتبة تقف لترصد هذا الزمن وفعله بالإنسان ، ففى قصة " مصباح قديم " تشير إلى ما يفعله الزمن من تأثير على العلاقات الإنسانية فى ظل طموحات الإنسان التى لا تنتهى ، إذ لم تعد زميلة الدراسة القديمة هى ذاتها الآن ، إذ فعل الزمن فعله فى طموحاتها كصحفية ناجحة . وتناقش فى قصة " فستانى الأزرق " السؤال الذى لا يستطيع أحد ان يتجنبه وهو : ماذا لو ؟ ماذا لو عاد بنا الزمن ؟ هل كنا سنختار ما اخترناه ؟ هل كان بمقدورنا أن نتبنى اختيارا آخر ؟ فالمرأة فى هذه القصة التى سافرت إلى الوراء – حيث أدارت لها الساردة عجلة الزمن إلى الخلف – لتعود إلى قصة حبها الأول التى فشلت لرفض أبيها ، وهى الآن زوجة لآخر وأم لأطفاله ، وتجيد المؤلفة فى أن تجعل من الفستان الأزرق – التى قابلت به حبيبها القديم منذ سنوات – رابطاً بين الزمنين ، إذ هو الآن – أى الفستان الأزرق – تحاول إعادة تكييفه لإبنتها الصغرى . ومع ذلك فإنها فى قصة "عرائس من طين" تحاول أن تقول أن براءة الإنسان وطفولته تظل ممتدة فى الزمن ، لا تختفى بالكلية .
وما دمنا نتحدث عن الزمن فإننا نود أن نؤكد أن الكاتبة كانت فى مجموعتها القصصية تأخذ بتلابيب زمن السرد ، توظفه بالشكل الذى يتناسب ومعالجتها للموضوع والحدث ، ففى قصة " من خرم إبرة " تجعل من حلم اليقظة المتخيل تقنية تجعلها على علم بما يحدث فى مكان آخر فى نفس الزمان ( زمن السرد ) ، وهذه الطريقة جعلت المكان فى يدها منكشفاً ، امَحت فيه المسافات ، [ انثبق شعاع أثيرى من رأسى ليحط على مجلسك ، على بعد أميال ، رأيتك تتحدث إلىّ عبر هاتفك الجوال ، تجلس إلى مكتبك الذى طالما طالعته فى أحاديثك التليفزيونية ، " أنتيكات " خزفية وفخارية تزينه ، مكتبة عملاقة خلفك ، تبدو منها مؤخرات الكتب مذهبة الخطوط ، لوحة لأحد أبواب القاهرة ، حائلة ألوانها ، قلم تلهو أصابعك به ، كلماتك القصيرة ، المعبرة ، تعبر الأسلاك الأرضية الهوائية ؛ لتصلنى ]( ص27 ) ، والنص السابق تتخيله الساردة وتتمكن من خلاله تقديم لوحة وصفية بشتى تفاصيلها لحجرة مكتب ذلك الناقد التى تعلقت الأديبة الشابة بفكره ، منتظرة منه رده على مجموعتها القصصية الأولى لنشرها ، إن الإنسان بمقدوره إذا آمن واهتم بشخصية ما أن يتخيل تفاصيله ، وتفاصيل مكانه الذى يحتويه ، تسهم فى ذلك مجموعة من الأفكار والتصورات التى كونتها له ، فهى إذن ليست لوحة وصفية حيادية وإنما رسمت من وحى الخيال الناطق بالتصور النفسى المسبق . كذلك فى قصة " عند حافة الدفء " إذ استخدمت ذلك الخيال الشخصى تجاوزت به مكانها ( شقتها ) إلى شقة جارتها المجاورة التى يفصل بينها وبين شقتها جدار ، لتطل بعين خيالها متصورة ماذا يحدث بينها وبين من زارها فى تلك الليلة ، حيث حددت حالتها النفسية – فى لون من الإسقاط أو المعادل – ما يحدث هنالك .
وكما رأينا لوناً من ألوان الاسترجاع فى الزمن بنت عليه قصة " فستانى الأزرق " ، فإنها فى قصة " تمزق " تفيد من الاستباق الزمنى المتخيل حيث يتخيل السارد الذى قتل زوجه خطأً ما سيحدث فى الساعات التالية [ أسندت جبهتى إلى الأرض ، وجدتهم يقتحمون البيت ، يندفعون كالشلال من باب الشقة ويهجمون علىّ ، ينهضوننى من جوار جسدها المسجى ، يتبعثرون فى البيت ككرات مطاطية صغيرة لا تستقر بمكان ، يفتشون الأركان ، أنا مستسلم لهم ، أرقب حركاتهم بلا مبالاة ، وصمت ، وجوه كثيرة تطل من باب البيت ، لمحت منها جارى مهندس الكهرباء ، وآخر يفتح معرض للموبيليات فى أول الشارع ، لا أعرف كيف عرف الجميع بموتها، كيف حضرت الشرطة بمجرد تأكدى من لفظها أنفاسها ، رغم أن ابنتى فى حجرتها نائمة ولم تستيقظ على صوت شجارنا ، ولا على صوت صرختى عندما تأكدت من موتها ، ولا على صوت الفوضى التى صاحبت الزحام حتى رفع كبيرهم صوته بأن يكفوا ، أن يغطوا جثتها بملاءة حتى حضور الطبيب الجنائى ، وأن نجلس للتحقيق المبدئى فى حجرة أخرى .
رفعت وجهى ، تأكدت أن ما رأيته لم يكن سوى تصورات لما سوف يحدث فى الساعات التالية ....... ] ( ص94 ) .
5. ومن أهم التقنيات التى بنت عليها المؤلفة معظم قصصها تقنية " المونولوج الداخلى " ، فهذه التقنية التى يلجأ إليها الكاتب نجدها أساسية فى تلكم القصص التى يحاول كاتبها رصد ما يجيش بالنفس الإنسانية القلقة ، المترددة، المتخوفة ، إنه يعكس حالة من عدم الاتزان داخل الأنا الواحدة فى علاقته بالذات أو بالآخر ، والكاتبة يبدو أن لديها قدرة فائقة فى تحليل النفس والتعبير عن شتى الإنفعالات الداخلية، أو قل الصراع السائد، حالة التردد والصراع الداخلى حينما وجد نفسه فجأة ودون قصد قاتلاً زوجه ، وفى قصة " المفتاح " تنجح الساردة فى وصف الحالة النفسية لتلك المرأة التى وقعت أسيرة الأسئلة بعدما هجرتها صديقتها دون إبداء أسباب منطقية ، فتقع فريسة الحيرة القاتلة التى هى كالدبابيس التى أخذت توخزها ، كذلك رأينا جانباً من هذا الأمر فى قصة " من خرم إبرة " التى أشرنا إليها أيضاً منذ قليل . وفى قصة " ممر بين نافذتين " التى تعالج قضية الزوجة المهملة ، نجد فى جزئها الثالث استثماراً جيداً لتقنية الألعاب السينيمائية ، إذ يتوقف السرد ويبدأ المونولوج فى لعبة الصوت والصدى ، وهنا يتدخل السارد العليم بالتعليق [ صوتى الداخلى يحدثنى ، ينفض صديقتى فتخرج من دائرة اهتمامى ، " ربما لو بقى زوجها طويلاً لبكت نفسها، لانكشف أمامها وأهملها ، يجب أن لا يحدث شئ عظيم كى تتحول الحياة إلى النقيض، بل نذهب إلى شيخوختنا بهدوء مقيت ، نكتشف هذا فى غفلة وقد كنا فى الشباب نظنها بعيدة الحدوث " .
تصفق صديقتى أمام وجهى فيطير سرب أفكارى وأعود للإنتباه مجبرة ، وتعود هى لتلاوة المسرحية التى قرأتها أخيراً ] ( ص62 ) . وفى قصة " مصباح قديم " يقوم المونولوج بمحاولة كشف العلاقة بين الأنا والآخر حيث تفكر الساردة فى علاقتها بزميلة دراستها ومدى ما طرأ على علاقتهما من تغير .
6. والمجموعة برمتها تثير فى الذهن إحدى القضايا ذات المستوى النظرى فى الكتابة القصصية عموماً ، إنها قضية التمييز بين ما يسمى : " بالخطاب والحكاية " ، وهى القضية التى أثارها اللساني الفرنسي المعروف إ.بينفنيست EMILE BEN VEN VENISTE (1902 – 1976) ، إذ ميز بين الخطاب والحكاية فى عنصرين أساسين : الزمن والضمير ، فعنده أن الخطاب القصصى لا يقف عند زمن محدد ، حيث يجرى فيه الاسترجاع والاستباق وسائر التقنيات الزمنية ، كما أن الضمير قد يختلف من الخطاب إلى المتكلم إلى الغياب . أما الحكاية التاريخية فغالباً ما يكون زمنها ماضياً ، والضمير غائباً . وعلى هذا ، فإنه يمكننا النظر إلى المجموعة فى أنها تنقسم إلى خطاب قصصى ، وحكاية تاريخية ؛ فالقصص الأربع عشرة الأولى تعد لوناً من ألوان الخطاب القصصى لما استخدم فى بعضها من تقنيات زمنية مستقبلية وحاضرة وماضية ، ولأن ضميرها أيضاً قد تنوع ولم يقتصر على الغياب المحض . أما ما اصطلحت الكاتبة على تسميته " 15 - قصص كهفية " فأجدر بها أن تكون " حكايات كهفية " إذ هى أقرب إلى الحكاية التاريخية – بتعبير إ.بينفنيست السابق – وذلك للزوم زمنها الزمن الماضى ، وبنية عناوينها على ضمير الغياب " هو ، هى " ، إضافة إلى جوها المفعم بالتاريخية البدائية إن صح التعبير .
7. أما لغة القصة فأقول دون تردد إنها أجمل ما فى المجموعة وأكثر عناصرها لفتاً للنظر ، إذ كشفت المجموعة عن أن كاتبتها تمتلك لغة للسرد غاية فى الحيوية ، غنية فى معجمها ، لا يعوزها تعبير أو تركيب تدلل به على موقف أو حالة ، أو ترسم بها شخوصها ، وهى لغة تتسم بالسلامة والجودة الفنية ، تجنح كثيراً إلى اللغة الاستعارية والكنائية للكشف عن أدق الخلجات الإنسانية خاصة النسوية منها دون إفراط وتزيد ، حيث جاءت اللغة الاستعارية فى مكانها حينما يستلزمها الموضوع أو الحدث ، وهى لغة فضلا ً عن جماليتها الخاصة نجد أن ثقافة الأديبة واستيعابها للموروث الشعبى المحلى منه والأسطورى قد أثراها وأغنى أسلوبها وجعلها ذات مذاق مصرى قاهرى ، وصعيدى وبدائى فى آن ، وهذا يظهر فى قصص " المفتاح ، على كف عفريت ، ممر بين نافذتين ، على وتر مشدود ، لما ابتلعت جمرة ، تمزق ، على إيقاع البندول " ، والمطالع لمجموعة قصص كهفية ( الحكايات ) يجد اللغة مفعمة بروح البدائية وطقوسها وإشاعة ذلكم الجو الأسطورى البدائى الذى يفتح شهية دارسى الأنثروبولوجيا الاجتماعية فى البحث عن النماذج الأولى ومدى استمرارها عبر الأزمان المتعاقبة .
وإن كان لى كلمة أخيرة بعد شكر الكاتبة منى الشيمى فإننى كنت أرى أن تبدأ مجموعتها بمجموعة القصص الكهفية لأنها تؤسس بدايات العلاقات الأولى بين هو الرجل ، هى المرأة ، لنرى القصص التالية ومدى استمرار أو انقطاع أو تغير هذه العلاقات فى حاضرنا الراهن .
على أية حال لقد استمتعت أيما متعة بهذه المجموعة التى تغرى بقراءتها مرة أخرى وقراءة غيرها من أعمال الكاتبة التى أتمنى لها كل توفيق فى مستقبلها الأدبى .

2. رواية الكفة الراجحة
رواية الكفة الراجحة للقاصة / منى الشيمى من الروايات التى تثير بعض القضايا والأسئلة ، نظراً للشكل البنائى أو قل هندسة القصة التى خرجت عليها ، ولما تثيره من بعض القضايا المتصلة بحاضرنا السياسى ، وجدلية " الحب والحكم لدى المرأة " . فرغم أنها تمتح موضوعها الرئيس من صلب التاريخ الفرعونى القديم ، إلا أنها تصل القديم بالحديث من خلال وحدة القضايا المتصلة بالملك وتداعياته ، وحكم المرأة ومشكلاته فى مجتمع تجذرت فيه الذكورية منذ القديم . كما أنها تثير نفس القضية التى أثارتها من قبل مجموعتها القصصية "من خرم إبرة" ، أعنى الفرق بين الخطاب الأدبى والحكاية التاريخية ، فهذه الحكاية التاريخية التى أفادت منها من خلال ما وصلنا من برديات ونقوش وتلميحات بعض مؤرخى مصر القديمة ، وخلاصتها أن علاقة ما نشأت ما بين الملكة "حتشبسوت" الملكة الخامسة بالأسرة الثمانى عشرة بمصر الحديثة ، وبين المهندس المصرى الذى أشرف على بناء ديرها البحرى وكان مربياً لابنتها "نفرو رع" ، أعنى " سنن موت " الذى منحته – وكما يقول التاريخ – حوالى ثمانين لقباً ، فإننا نرى الكاتبة تحاول بحيلة الفن السردى إحالة هذه الحكاية التاريخية إلى خطاب سردى عن طريق إضافة نصوص متخيلة لسد ثقوب الحكاية التاريخية القديمة واصطناع نص سردى هو أقرب إلى الخطاب منه إلى الحكاية . وهندسة القصة تقوم على قسمين كل قسم أشبه بقصة مستقلة تضعهما معاً أمام القارئ . ولسوف نحاول إلقاء الضوء جملة على كل منهما :
1. سنن موت :
وهو سرد أشبه بكتابة المذكرات اليومية وتسجيلها فى صورة رسائل تشبه "أدب الاعترافات" ، كتبها "سنن موت" بلغة الغياب حيناً وبلغة الخطاب حيناً آخر إلى " حتشبسوت " . ويشى زمن كتابة الرسالة أو تسجيل المذكرات إلى زمن بداية حبه لها ، غير أن ثمة عبارات تؤكد أنه يقرأ مذكراته لها فيما بعد فى جلسة مكاشفة بينهما ، أفضى فيها بكل شئ لها مكتوباً . وهذه اليوميات تسجل حياته وطبقته الفقيرة ، وعمله منذ الصغر ، واجتهاده للتعلم ، وبزوغ نجمه الباكر ، ونبوغه المبكر فى الرسم والكتابة ، والعمل بالمعبد ، وترقيته إلى أن أصبح الكبير فى معبد آمون . كما تكشف جوانب من حضارة تلك المرحلة (صنع الأحبار والأوراق ، تصميم ملابس الملكة وعطورها ، دقة المقاييس الهندسية لنفاذ ضوء الشمس فى توقيتات معينة على وجه الملكة ، الكتان وقيمته والحرير والعطور) . وهناك قيمة تاريخية حول قصة حكمها وعلاقتها بالكهنة و (حبو سنب الوزير) . وهذه المذكرات أو هذه الرسائل أو اليوميات تنضح جميعاً بذلك الحب الذى نشأ مع الملكة منذ توهجه لأول مرة وتمكنه من نفسه ؛ حب جعل من المحبوبة شعاعا لا يفارق عينه أبدا فى يقظته أو نومه ، يراها فى كل مكان تشرق عليه ، يتشمم عطرها عبر المسافات ، ويتنسم عبيرها وهى فى قصرها . إنه تواصل روحى نفسى وحسى فيزيقى [ دعينى أتحدث إليك فإنك معى ، أمامى ، بضمير المخاطب ، لقد كرهت ضمير الغائب ، تريدننى أن أكتب لك تفاصيل يومى كى تطلعى على ما لا تستطيع عيناك رؤيته ، مالا تستطيعين الوصول إليه ، أستطيع عبور الحواجز إليك ، فلقد وفرت لى أسباب الحركة حتى قدس أقداسك ، تستطيعين المجئ إلى المعبد ، لكن أى حديث خاص ممكن أن نتجاذبه ؟ فحوائط المعبد لها مئات الآذان ، أما شرف حضورك إلى منزلى فاختلاق أسبابه عصية . لقد سجلت يومياتى ، لكن الورق فى زمنى الأول كان أمنية صعبة المنال ، مكافأة لمن يحقق تقدماً ، لمن يسجل براءة تصميم أو اختراع ، لكن أسباب تسجيل يومياتى خافية ، شئ ما دفعنى، كأنى أكتبها لك ، كأنك سوف تطلبين قراءتها أتعلمين شيئا ما علق بى منذ رأيتك أول مرة ، سوف يكون لى معك شأن عظيم : هل تصدقين ؟ لكن مبدأ الأمر عندك ، أول الخيط ، إشارة البدء ، أما يومياتى فقد سطرتها على صفحات ذاكرتى ، بل حزت مرارتها حزوزاً غائرة ، كنت أشكو إليك قسوة الأيام ] ، غير أن المؤلفة لم تذكر على لسان السارد " سنن موت " شيئاً يذكر يؤكد أو ينفى علم " حتشبسوت " بحبه لها ؛ فهذا الجزء كله هو بوح وإفضاء من جانب واحد لاتسمع فيه صوت الآخر " حتشبسوت " ؛ فهل يحادثها ، أو يكتب لها مستحضراً شخصها أمامه على الورق ؟ .
2. حتشبسوت :
أما القصة أو القسم الثانى فيحكى بلغة المتكلم – فى الجزء كله – حديثاً عن تاريخ حياتها منذ أن كانت طفلة يداعبها تاج الحكم ، مؤكدة أن مشكلة الحكم كانت ما تؤرق أباها وتؤرقها ، دفعتها إلى الزواج من أخيها غير الشرعى " تحتمس الثانى " ذلك الصامت المريض باهت الشخصية والملامح ، ثم موته ووقوعها تحت ابتزاز من حولها : الكهنة ، تحوتى ، حبو سنب . ثم تحكى عن " سنن موت " ، إذ تبدو وكأنها أحبته ولا تعرف لماذا ؟ غير أن حبها للملك أعظم وأكبر [ قابلت " سنن موت " فى أيامى الصعبة ، كنت أسير على حافة هاوية ، وشت عيناه بما لم يقله ، ما لم يكن يستطيع قوله ] . وتمر على بعض الشخوص المحركة لأحداث الحكاية التاريخية والقصة بعامة ، فـ " تحوتى " تلك الشخصية المحورية الغامضة ، يحرك خيوط اللعبة من الخلف ، وهو شخصية ذات سطوة فكرية ، أزرعه أخطبوطية لا تستطيع " حتشبسوت " الفكاك من قبضتها . وتلفت القاصة النظر إلى " حتشبسوت " المرأة الضعيفة القوية فى آن ، ما بين قهرها فى عاطفتها وعدم الاقتناع بها ملكة أمام الشعب ، ثم بابنتها " نفرو رع " من بعدها إلا بحيلة من الحيل ، [ ربما يخطط " حبو سنب " لشئ لا أطيقه ، رغم ما أشار على به ووجدته مناسباً . لقد اقترح أن يخرج كهنة معبد الإله " واجيت " على الناس بشئ جديد ، سوف يقولون أن الكاهن حلم أن " آمون " تلبس الملك المتوفى أثناء مضاجعته الملكة ، أن " نفرو رع " من صلب الآلهة ، من صلب " آمون " ، قال " حبو سنب " أن الأمر يجب أن يبدو كأنه حقيقة ، ليبدو حقيقة يجب أن يقتنع القائل ، أن يكافئ، أن يتم الأمر بعيداً عن الملكة ، أن تسمع الملكة القصة وسط الجميع ، كأنها تسمعها لأول مرة ، وتبدى اندهاش المفاجأة الأولى نفسه . ] . فقصة زواجها من أخيها غير الشرعى لضمان الحكم ، تعيد نفسها مع ابنتها وابن " تحتمس الثانى " غير الشرعى ، إنه - تاريخ مفلس - يعيد نفسه .
وهكذا تكشف الرواية برمتها لوناً من استلهام القصة من التاريخ الفرعونى ، مع المحافظة على حدودها التاريخية وخطوط القصة العامة ، كما تكشف أن النص المتخيل إلى جانب النص التاريخى التسجيلى يركز على قصة الحب بين "سنن موت" و"حتشبسوت" . وقد يتوقف سرد القصة الزمنى لينشئ السارد قصة تكشف بعض المشاعر الإنسانية ، مشاعره مثلاً كفقير ينتظر عطية الأغنياء ولو كانت رغيف شعير [أن السعادة التى يشعر بها الملك عندما يقدم رغيفاً لفقير لا تضاهى السعادة التى يشعر بها الفقير أبداً ، لقد قدم الملك الرغيف ونسى ، لم يحفر ملامح الفقير فى مخيلته ، لكن لحظة حصول الفقير على الرغيف لحظة تاريخية فى حياته ، سجلها على جدار ذاكرته بدقة ، رسم الملامح ودون الزمن ، رسخ الإحساس ، عند أول منحنى يقضمه ، ثم ينظر إلى الرغيف ، إلى الفراغ الذى سببه القضم فيه ، يقيس النسبة بين ما أكله وبين الباقى ، بارع الفقير فى حساب النسب] . ومن خلال السرد القصصى فى الرواية (الواقعى منها والمتخيل) أمكن للقاصة مناقشة قضايا يطرحها النص ؛ كانتماء الرجل إلى طبقة دنيا ، وحيلولة ذلك فى الارتباط بامرأة من طبقة الفراعنة والارستقراطية ، كذلك ناقشت مشكلة التحكم والصراع التاريخى الفرعونى على الحكم خاصة حكم المرأة ، كما تلقى الضوء على جدلية المرأة الحاكمة بين ضعف الأنثى وقوة الشخصية الحاكمة ، وفى أثناء ذلك كله تناقش قضية هيمنة السلطة الدينية فى المجتمع منذ القديم وتدخلها السافر فيمن يحكم البلاد ، وتكشف أيضاً عن نفوذ الكهنة والفساد المستشرى بينهم والسرقة المنظمة لخيرات البلاد ، وعلم الحاكم بذلك وتغاضيه عنه ، وأخيراً تكشف علاقة السلطة الدينية بالسلطة السياسية فى الدولة المصرية حينما يضفى الكهنة الشرعية الدينية المقدسة كذباً على حكم الملكة لإرضاء الشعب .
وتبقى الكفة الراجحة ذلك العنوان المثير للأسئلة ؛ فهل نتحدث فى مستوى السرد الثنائى للرواية عن إحدى الكفتين ( سنن موت ، حتشبسوت ) أيهما ترجح فى ميزان السرد ؟ ، أم هل هى كفة محاولة حتشبسوت إغراء الوزير حبوسنب بالمال ، فى مقابل رفضه المال وطلبه كفة القرب من الملكة ؟ ، أم هما كفتا : الحب ، الملك ؟ ، أم أخيراً - وكأن المؤلفة تسأل - : هل كفة الخطاب القصصى أم كفة الحكاية التاريخية ؟ . إنها أربع فرضيات يرشحهن العنوان جميعاً أو واحداً منهن .
على أية حال ينضاف إلى ما سبق : اكتناز الرواية بلغة – سبق أن أشرت إليها – قادرة بيسر ودون تكلف على التعبير عن أدق المشاعر الإنسانية ، والخلجات النفسية ، ورصد وتتبع نمو المشاعر الإنسانية المحايدة منها والعاطفية ، وكشف خبيأها وصراعها الداخلى . وكان المونولوج الداخلى معيناً فى كشف الزوايا الداخلية للنفس الإنسانية ، مركزة مرة أخرى – أى اللغة – فى ملفوظها ومكتوبها عن أهميتها – كمادة سيميائية تشكل طوق نجاة – فى الخلاص من حالة الخوف من التصريح الحر المباشر أوحالة إخفاء المشاعر وإخراسها بالنفس . ويحسب للقاصة وقوعها على مادة تاريخية مصرية تعيد إنتاجها فنياً الأمر الذى يؤكد بروز شخصيتها والتزامها ، تراثها وثقافتها مع استيعاب نادر للموروث الشعبى والتاريخى الفرعونى القديم بدقة مصطلحه ومدلوله ، وكأنها تقدم نصاً يصلح أن يكون رافداً للتفسير الحضارى لمصر الفرعونية ممثلاً فى بناء الأديرة وهندسة هذا البناء إلى جانب الأزياء وأدوات الكتابة وما إلى ذلك من تفاصيل نظم الدولة السياسية والاجتماعية والثقافية وكذا الدينية . أؤكد على هذا لأننا نجد الآن عديداً من كتابنا الشبان الذين يلجأون إلى استلهام أساطير مغايرة ، وتواريخ أخرى عن أساطيرنا وتاريخنا المصرى . إن الكاتبة / منى الشيمى تبرهن على أن الثقافة المصرية تشكل سداها ولحمتها . فلها الشكر ، مع تمنياتنا لها بالتوفيق .

ايقاعات متفردة على مبدعة من الجنوب.. الأديبة " منى الشيمى "
بقلم/ منى عارف

" للبدايات ذكرى لا تنسى " ..
هكذا وجدتنى أدون أولى عباراتها .. أسجلها وما أكثر مفاتيح الدخول إلى عالمها، عالم ملىء بالمتعة البصرية، الإطار الذى تنسج حوله رواياتها تعددت، تشابكت، توغلت مع أحاسيس المرأة.
فعدت من حيث بدأت أتابع قصة قصة .. على مدونة تحمل اسمها، ربما يشبه اسمى اسمها!! آه منها .. امرأة أخرى تفتح للعقل أبواب المتعة، ظلم الرجل للأنثى، وحدتها، شعائر الصمت، والدخول بكل ثقة إلى حاويات أخرى لم تعشها، أو ربما تخيلتها.
من مجموعة " من خرم إبرة " استدرجتنى أن أتابع من بين نافذتين ما الذى يمكن أن يحدث إذا التقيا أسيرىً الوحدة؟ هل ستتشابك مشاعرهما؟ أم ستظل الكلمة المعلقة دائما : هناك رجال لا يقدرون المرأة، أو يلعبون لعبة (سى السيد) كما فى الحياة ؟ أم يعود ذلك الفارس من جديد ينظم لؤلؤة الكلمات عقدا يحيط به عنق البطلة ، وتتحول إلى قارورة تختزل روح كلماته و تعتقها؟
هل نكتب أحيانا لأنفسنا؟ نرسم أبطالنا من نسج خيالنا؟ أم نضيف إلى الواقع ملامح أخرى تمنينا لو صادفتنا؟
الكاتب..أى كاتب يمسك بالقلم يصور عالما إفتراضيا يشبه عالمه الواقعى، وأى جواد جامح يعبث بأسنة الأقلام ويطلقها!؟
يأتى " النص الغائب " .. يملأ ظل البطل كل مساحات الغياب الذى يتربص بنا ليعود أكثر حضورا فى كل سطر من سطورها .. أى مرار هذا؟ هل للخيانة لون؟ .. رائحة؟
صارت القصة أشبه بجرح دامى ، تتساقط دماء البطلة فيه مع رحيله الجائز أيضا .. أتراه رحل عنها بالفعل ؟ أم مازال يسكن خلجاتها ؟
" فر ضوء القمر الذى افترش السرير" .. ما أبدعها بداية تحمل كل روائح أقـلام الرومانسية الخالصة، وبداية أخرى فى النص المذكور "النص الغائب" :
" تجمعت الريح فى مكان بعيد خلف الأسوار تشبه فى تقدمها شالا حريريا رماديا طويلا ".
تلعب بمفردات الضوء ، تنسج إيقاعا شديد التوهج داخل نصها ، تستخدم مفردات بسيطة غير مركبة ، لغة سهلة سلسة ، تفرد من خلال كل تلك الشبكة المستخدمة بعناية كاتب واعى .. أطروحتها " النص الغائب " نصا بديعا بكل مفردات الكلمة .
" كلما ضاقت على أيامى أمسكت بالورقة والقلم " .. تكرار الإعادة والمقدمة يضعه فى نصاب النصوص التجريبية الجديدة ، ويضعنا نحن القراء أمام كاتبة غير تقليدية، تكتب لكى تصف الحالة بكل جوارحها و جوارحنا .. أسعدنى المرور على بعض من نصوصها.

منى الشيمي.. الممسكة بكل الخيوط
بقلم/ مروة الحمامصى


بمجرد قراءتي لعنوان الفصل الأول في رواية الكفة الراجحة والتي أوردتها بعنوان " سنن موت " , تهللت كتابة تاريخية ما أندرها في وقتنا هذا الذي ازدحمت فيه الكتابة بمشاكلنا المعاصرة , وكبلت تلك المشاكل عقلنا وأقلامنا لندور في فلكها , وأنا كدارسة وعاشقة للتاريخ لأول نظرة نجحت الكاتبة مني الشيمي في شد انتباهي لتمزج بمهارة ما أعشقه التاريخ بالأدب , ومنى الشيمي تميزت بأسلوبها الرقيق الحالم ووصفها الذي نجح إلى حد كبير في رسمنا للمكان والجو التاريخي الذي عاشوا فيه , فذكرتني بلوحات الرسامين الغربيين الذين اجتهدوا في رسم لوحات فرعوني لأشخاص وأماكن فنت من آلاف السنين إلا أننا نجد أنفسنا مشدودين لها – برغم من احتوائها على بعض التفاصيل التي لا تتناسب مع هذا الجوالتاريخي إلا أننا نعجب بهم لأنهم في البداية اهتموا بتفاصيلهم .
والكاتبة منى الشيمي تراعي الدقة في كتابتها إلى حد كبير فنجد أن الرواية شملت هوامش لشرح الأسماء والمصطلحات المصرية القديمة , كما أن أسلوبها يجمع بين العصرية والأسلوب الذي يناسب الكتابات التاريخية في الوقت نفسه , وراعت التوازن بينهما , مزجت مع كتابتها القليل من روح السخرية لتشد القارئ وتلفت انتباهه وتنزع عنه الملل.
بصراحة شديدة الكاتبة منى الشيمي وروايتها "الكفة الراجحة" أحييا في نفسي حلم راودني منذ أن بدأت أحاول الكتابة وصدني عنه بعض النقاد , وأنا بسذاجة استجبت لهم .
أما مجموعتها القصصية "من خرم إبرة " , نجدها قد قفزت بنا لتعود لعصرنا الحالي وتعود البطلة التى هي محور الأحداث وهي الساردة في نفس الوقت وأحداث القصص كاملة تقع بناء على روايتها ورؤيتها الشخصية وبناءا على خبرتي المحدودة لا أدري إن كان هذا عيبا أم مقدرة خاصة . وفي رأيي تميزت قصتي "ممر بين نافذتين" بتعبيراتها الجديدة المزدحمة اللافتة للتفكير , أما قصة "من علمك الأسماء كلها" هي في حد ذاتها لافتة للتفكير والتمعن .
وفي النهاية أجد الكاتبة منى الشيمي ممسكة بكل الخيوط لأنها شدت انتباهنا بقراءة ممتعة , بل وترغمنا على القراءة لها أكثر من مرة .












ليست هناك تعليقات: