بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 13 مارس 2010

الثلاثاء 12يناير 2010م.



فى مختبر سرديات الإسكندرية
السرد وهموم المبدع ومشروعات 2010 وذاكرة مصر هدية للمبدعين


****************
فى لقاء يوم الثلاثاء 12 يناير 2010 بمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية التحمت هموم المبدع السارد بهموم الوطن والحياة اليومية المعيشة.
ففى فقرة (فى عالم السرد) قدم الناقد شوقى بدر يوسف تعريفا بمصطلح السرد وما طرأ عليه من تطور وما ارتبط به ودار فى فلكه من مصطلحات أخرى. وقرأ الأديب محمد عباس على قصة مختارة للكاتب حجاج أدول ضمن فقرة (قصة اليوم) وهى قصة "أديلا يا جدتى" التى تتناول تطور العلاقة بين طفل أمه شمالية وأبوه نوبى وبين جدته العجوز التى تكره أمه الشمالية، ومن تمر به العلاقة من أطوار إنسانية، حيث تتغلب المحبة فى النهاية لتجمع بين الجدة والأم الشمالية والحفيدة، فى علاقة إنسانية حميمة تتخذ خلفية لها البيئة النوبية وما أصابها من تغيير بعد التهجير.
وفى فقرة (قراءات ونقد) قرأ الأديب رمزى بهى الدين قصة "الخبز والعصا" التى تناولت علاقة عكسية وهى افتقاد الفتاة الصغيرة لحنان ورعاية الأب ومعاناتها من قسوته المتكررة. وقرأ الأديب محمد العبادى قصة "زيارة" التى ربطت بين تدهور العلاقات الإنسانية فى المجتمع وانتشار قيم السوق المادية. وقدمت الأديبة منى عارف فى قصتها "شارع الطاحونة" حالة شفيفة من النوستاليجا والحنين إلى واقع جميل مضى مقارنة بواقع حالى لا تستطيع بطلة القصة التفاعل معه. ومن عالم الشعر قدم الشاعر الشاب أحمد محمد إبراهيم قصته الأولى "قطعة من الشيكولاتة" التى رحب بها أعضاء المختبر باعتبارها قصة أولى بما تحمله من شجاعة الإقدام على التجربة رغم ما فى العمل الأول دائما من مثالب. قدم القراءات النقدية للقصص الأربع الأديبان يحيى فضل سليم ومحمد عطية. وفى المناقشات المفتوحة أكد حضور المحتبر على أهمية الإعلاء من القيمة الأدبية للعمل الأدبى الذى يعالج قضايا الوطن والحياة اليومية، وألا يكون صوت القضايا متغلبا على قيمة الفن.
أعلن الأديب منير عتيبة مدير المختبر عن مشروعات المختبر الأساسية لعام 2010 والتى تتمثل فى أربعة ملفات يهتم كل ملف بأحد المبدعين فى الإسكندرية أو مصر أو العالم العربى أو العالم. ويقوم على الملف منسق هو الباحث الرئيس، يعاونه باحثون آخرون يتفق معهم على الجوانب التى سيتناولها كل منهم لدى المبدع. كما يتم كتابة تعليقات ومداخلات فى حدود صفحتين عن أحد أعمال أو سمات المبدع من قِبل أعضاء المختبر، ويشمل الملف كذلك سيرة ذاتية وببليوجرافيا للمبدع. ويتم تخصيص ندوة لعرض الملف كاملا مع العمل على توزيع نسخ منه على أعضاء المختبر، ونشر محتوياته ورقيا وإلكترونيا. وستكون ملفات 2010 كالتالى: العالم القصصى عند سعيد بكر يشرف عليه محمد عطية محمود، العالم القصصى عند يوسف الشارونى يشرف عليه د.هيثم الحاج على، العالم الروائى عند عبد الرحمن منيف يشرف عليه شوقى بدر يوسف، العالم الروائى عند كازو إيشيجورو تشرف عليه هالة صلاح الدين.
وأعرب منير عتيبة عن شكره للصحافة الورقية والإلكترونية فى مصر والوطن العربى والخارج لاحتفائها بفكرة المختبر ومتابعته. كما قدم الشكر لإدارة الإعلام بالمكتبة ومديرها الدكتور خالد عزب، ممثلة فى الصحفى حسام عبد القادر مستشار إدارة الإعلام الذى حضر لقاء المختبر، لما يقدمونه من دعم للمختبر، ولاستجابتهم السريعة لفكرة إهداء بعض مطبوعات مكتبة الإسكندرية إلى الأدباء والنقاد الذى يقدمون أعمالا فى المختبر، حيث تم إهداء نسخ من مجلة "ذاكرة مصر المعاصر".



قصة آديلا يا جدتي للكاتب حجاج ادول .






قصة: حجاج أدّول
جلستُ على حجر أمام قبر جدتى التى دفنت ليلة أمس. الرمال الجافة على امتداد البصر. خلفى على بعد، البيوت الضيقة متراكمة فى قرية المهجر. قرأت الفاتحة وعيناى تدمعان، ثم ابتسمت. فمن يفكر فى هذه العجوز ولا يبتسم؟ رحمك الله. كم كرهتك يا جدتى من أول زيارة إلى القرية:
جئت مع أبى. حيرتنى الوجوه السمراء. شعرت بالغربة. الكل يحتضن أبى. لم أكن صغيرا جدا ولا كبيرا. حيانى أهل القرية بمجرد رفع الذقن لأعلى فى لا مبالاة. قلبى أحس بعدم رضائهم عنى. أسرعت سيدة فى طول أبى وسمرته الداكنة. ارتمت عليه باكية تلهج بالنوبية. أخذها أبى واقترب منى.
- سلّم على عمتك (عواضة) يا محمد
حملتنى عمتى حملا. ضمتنى بقوة حتى دق قلبها فى صدرى. أحببتها من أول لقاء. دخلنا البيت وخلفنا جمع من رجال ونساء وأطفال. فى الفناء الضيق المستطيل، وتحت الجزء المسقوف بجذوع وجريد النخيل، اتجه الزحام، أبحث وسطهم عن أبى. إلحاح داخلى جعلنى أدور برأسى بعيدا عن الكبار وأنظر ناحية الأطفال. عثرت على العينين اللتين تخترقانى، طفلة تصغرنى بقليل. غضت بصرها خجلا منى.
عند برش الحصير، أبى راكع على ركبتيه، يحتضن جسدا مقددا فى جلباب أسود. أخذتنى عمتى من يدى. أفسح لى أبى فرأيت جدتى لأول مرة. عجوز سمراء، مغضنة الوجه. حادة القسمات، من تحت طرحة بلون وجهها، تنفلت قبضة صوفية مشتعلة الحمرة من شعرها الأكرت المحنَّى. قالت عمتى:
- أمى .. هذا حفيدك (مهمد)
نظرت إلىَّ العجوز بعينيها الضيقتين. بياض عينيها السائح على سواد الحدقتين أصابنى بالغثيان. زامت العجوز وقلبت شفتها السفلى إلى الخارج فى اشمئزاز.
- إم م م م. إنت مهمد؟ ابن الجورباتية؟
ضحك الجميع. حزنت. أعلم معنى كلمة الجورباتيّة. نعت تحقير أو تهوين من كل ما هو غير نوبى. وتقال فى استعلاء وشمم. توترت عندما ضحك أبى محرجا. نظرت إلى جدتى كارها. لولا إحساسى بالضياع وسط هذا الجمع الأسود، لأجبتها بأسوأ من كلمتها، كدت أبكى. شعرت بيد عمتى تربت علىَّ. رفعت عينى إليها. تنظر إلى مشجعة. سقطت على جدتى إثر جذبتها المفاجئة. قبلتنى كأنها تعضنى. زاد غثيانى.
أخذتنى عمتى خارج الدار حيث كان الأطفال يتحدثون عن أبى الذى يرتدى نظارة غامقة وأتى لزيارة أهله بعد أن هجرهم سنين طوالا.
أوقفتنى عمتى أمام الفتاة التى كانت تحتوينى بعينيها
- مهمد، تعرفها؟
هززت رأسى منكرا
- إنها زينب بنت عمك عوض. الله يرحمه
زينب تنظر إلى الرمال صامتة. أراقب وجهها. ضمتنا عمتى إلى جسدها الطويل فقاربنا خصرها.
أعطانى أبى جنيها كاملا على سبيل الترضية قلت فى تهديد وأنا أبكى:
- أمى قالت لك، لا تترك الولد عندهم
- جدتك تريدك، سأعود لأخذك.
لأن الجميع ينادونها (عواضة) كبارا وصغارا، أصبحت أناديها عواضة، فرحة بوجودى تدور بى فى بيوت القرية، وأمام كل نوبى منهم توقفنى وتعطينى درسا كيف أنه شديد القرابة لنا. فهذا جدى لأن جدته ابنة عمة جدى. وهذه جدتى لأن أمها ابنة خالة أخ جدى من الأب. وجدتى تلك هى أصل فرع وحيد من جدنا الكبير مؤسس قبيلتنا. وهذه عمتى لأن.. وهذا عمى لأن.. وبالطبع كل الأطفال أبناء عمومتى لأن ولأن لأن.. وتؤكد أنه ليس بيننا غريب. كلنا أهل وأولاد القبيلة.
بعد أسبوع بدأ كرهى للقرية يتلاشى. تعودت خبزهم (الكابد) وموخيتهم (الإتَّر). ألعب ع الأطفال الذين يتحدثون النوبية والعربية معا. أتشرب بالكلمات النوبية بسرعة، خاصة ألفاظ السباب. نقيم مباريات الكرة فى أى مكان. فالرمال الجافة تحيط بالقرية من كل جانب. بعد اللعب نندفع إلى أقرب بيت ونقتحمه، فكل البيوت مفتوحة الأبواب أو على الأكثر مواربة. نعب المياه من الأزيار الباردة. وفى البداية كنت أنظر لأصحاب البيت فى قلق، ربما غضبوا من اقتحامنا لبيتهم، لكنّى وجدت أن الكل لا يهتم، فالأمر عادى والأطفال أطفال الجميع.
أنا وجدتى لم نتواد. أمقتها. أقول: لو تموت هذه العجوز المتغضنة، سوف أحب هذه القرية. فى جلسة شاى العصر. دخلت زينب فى هدوء كالعادة. أخذتها جدتها وأجلستها بجانبها. تكوِّم أمامها (البقسماط) الذى أتى به أبى. أغار من زينب الهادئة. جدتى تحبها بعمق. فى الليل على السرير المصنوع من جريد النخل. تصر عواضة أن أنام معها. قالت لى:
- مهمد، جدتك تحبك مثلما تحب زينب، لكن تخاف عليها أن يكون مصيرها مثلى.
نظرت إليها مستفسرا. ابتسمت وأغمضت عينيها لتنام.
بعد مباراة الكرة، اقتحمنا بيت العجوز حليمة. رأيت نظراتها مستوضحة كأنها نسيت أن عواضة عرفتنا ببعض. عرفنى لها مرة أخرى صديقى إسماعيل، غمغمت العجوز باحتقار. إم م م م. ثم أشاحت بوجهها.
قلت لعواضة
- أقاربك لا يحبوننى
- من قال ذلك؟
- معظم العجائز يحتقروننى قائلين.. إم م م م.
- لا تهتم
- لأنى أبيض؟
- بعضنا أبيض يا مهمد
- لأن أمى جورباتية؟
- مهمد، اسكت
- لكن أمى أحسن من كل نساء هذه القرية المقشفة. وأحلى منهن.. كلهن. ولو قال لى طفل يا ابن الجورباتية.. سأضربه.
- اضربه.. أنت نوبى أصيل مثلنا يا مهمد.. أبوك نوبى.. وهذه القرية قريتك.. أصلك
رغم أن أهل القرية فطرتهم الابتسام فتلمع أسنانهم. فإنهم فى حزن دائم وسكون يائس. عندهم مصمصة الشفاه حسرة عادة دائمة. حتى لو كان أحدهم وحده، يحدث نفسه ثم يمصمص شفتيه ويعقبها بزفرة ثقيلة تنتهى بالعبارة المعتادة: أستغفر الله العظيم.
الذى حيرنى فى أول زيارة لى، أمران أولهما: كيف لا ينقرض هؤلاء القوم؟ فأمواتهم كثر، والجنازات تترى على الرمال. لا يمر أسبوع إلا ونساؤهم السمر بملابسهن السوداء يسرعن إلى بيت الميت متراصات فى أسى ويبكين ويصرخن فى حدة حارقة ناد بات ابيوو - ابيو. والثانى، كل هذه الجنازات، وجدتى العجوز لا تموت!
جلسة الشاى بالحليب فى الصباح والعصر، طقس مهم، كانت تجتمع فيه الأسرة فى انسجام وود. تشربه فى تلذذ وإدمان، يستغنى النوبى منهم عن الغذاء لكن لا يمكن أن يفوته شاى الصباح أو العصر. وإذا أجبرته الظروف يصاب بالصداع الشديد طوال اليوم، ولن يعوضه أى كوب شاى فى وقت لاحق.
العصر حول براد الشاى. دخلت متأخرا. جلست بينهم. جدتى تصرخ فى عواضة وتتناثر فتات البقسماط من فيها. غضبت عواضة وأجابت جدتى.
- مهمد، ذنب كا-كومّو
فهمت. مهمد ليس له ذنب. فوجئت بزينب تنظر إلى جدتها فى لوم وتعيد قول عواضة بصوتها الرقيق
- إيَّوه، مهمد، ذنب كا-كومّو
قلبت جدتى شفتها السفلى فى اشمئزاز
- إم م م م. فارج. فارج
أى كلامكما فارغ. ثم نظرت إلى بعينيها تلك النظرة التى تثير معدتى وصرخت فى
- أمك جورباتيّة، خطفت أبوك من ناسه.
تركتُ الشاى والبقسماط وخرجت وأنا أسمع احتداد عواضة وزينب على جدتى.
ازددت كرها لجدتى. كنت أنظر إليها أحيانا وهى غافية على برش الحصير، بوجهها الأسمر تشبه زينب، إلا أن صدغيها مشرطين بضربات موسى الفصد. تنام على جانبها الأيمن، دائما طرحتها على وجهها لتحميها من الذباب. بجانبها حذاؤها العجيب. هو من البلاستونيل الأسود. قديم متحجر، كالح فى لون الحديد الصدئ. مشروخ من الأمام كأنه ذو فم كريه. الحذاء سلاحها الخطير. عندما تتسلل الماعز الضامرة إلى البيت المفتوح دوما باحثة عن شئ يؤكل حتى وإن كان ورق الصحف. تقذفها بالحذاء فتخرج عدوا. وكذا الكلب الأغبر، من كثرة القذائف التى تؤلمه، أدرك خطرها. يدخل الفناء وبمجرد أن ترفع جدتى يدها بالحذاء يعوى ألما ويهرب. تركت جدتى يوما حذاءها وسارت حافية لإحدى زيارتها داخل القرية. بمشط قدمى رفعته كأنه كرة وقذفته عاليا. كل مرة يسقط على الأرض مقلوبا أو على جانبه، لكنه سرعان ما يعتدل من نفسه إلى وضعه الطبيعى. أثارنى. أعود لقذفه مرّات ومرّات. لكن الملعون يعود معتدلا والشرخ فى مقدمته يضحك منى. كرهت حتى حذاءها العنيد.
خرجنا من منزل زينب. أمها تداعبنى دائما بود وتطلب منى الغداء معهم. ثم تتعمد أن أجلس بجوار زينب. عواضة تلاحظ، وتلاحظ أنى ملاحظ. تبتسم بوجهها السمح راضية. ونحن عائدون قلت:
- عواضة، زينب ليست سوداء
ابتسمت عواضة وأمسكتنى من أذنى مداعبة:
- مهمد، بلدنا بناتها من كل لون. أسود، أسمر، قمحى، وأبيض أيضا، اللون الذى يعجبك خذه. لكن إياك أن تفعل مثل أبيك وتتزوج جورباتية.
فى الليل وأنا نائم بجوار عواضة تعجبتُ. عواضة قالت إن أمى جورباتية، لكنى لم أغضب منها بل ضحكت.
فى المباراة الحامية. اصطدمت بيونس فوقع أرضا. نظر إلى شذرا وقال:
- ضربة جزاء. الخطأ خطأك يا ابن الجورباتية
قام. تصدع إصبعى عندما لكمته فأعدته راقدا على الرمال، ثم تورمت عينى من لكمة أخيه راضى. إسماعيل دافع عنى. عدت إلى البيت باكيا. علموا بالمعركة من زينب. عواضة تخرج مسرعة وهى تهدد بالويل ناس الآخوين. أول مرة أرى عواضة ثائرة، جدتى أمسكت بكفى ثم جذبت إصبعى المصدوع فأعادته لوضعه. نظرت لعينى ثم قالت:
- إنيكى سليم؟، همد لله!
حكيت لها كيف لعننى يونس بابن الجورباتية، فلعنت جدتى أباه قائلة
- يونس.. ينال أبوه . كمان أخوها راضى ضَرَبِتِكْ؟ ينال أبوه هى كمان.
لم أشعر بالتقزز من عينيها واسترحت فى حضنها.
استيقظت مع الفجر لأبول. وجدت باب البيت مفتوحا. سمعت همهمة جدتى التى جلست على المصلى أمام الباب. جلستُ على العتبة خلفها صامتا. أكملت تسبيحها. رفعت يديها تدعو.. وونور. يارب.. وونور.. يارب. لا تفضحنا.. وونور.. حسن الختام. ثم نظرت إلى الأفق الباهت وهمهمت تغنى موالا نوبيا سمعته بعد ذلك كثيرا.
يا سلااام.. النيل والنخيل.. والشط الطويل.. والشمندورة
يا سلااام.. الجبل والجمل.. وقيراط الأمل.. ونجع بهجورة
تعمقت صداقتى بإسماعيل وبالأخوين يونس وراضى. نلعب حول القرية على رمالها اللامحدودة. نثب فوق القنوات التى تشققت من الجفاف والشمس الحامية. نقطع ثمار الشيطان البرية. نهرسها بأقدامنا الحافية. فتنفجر ثمارها عن مئات من خيوط لقاح تطير فى هدوء وإصرار. يسبوننى ضاحكين بابن الجورباتية. فأدعى الغضب. نتصارع ونسف الرمال ونبلع عرقنا المالح.
عدونا ودخلنا بيت جدتى لنصب المياه. قذف إسماعيل بقية كوز ماء على وجهى وقال :
- اشرب يا ابن الجورباتية.
ونحن نضحك، صرخ اسماعيل فى خضَّة. لمحنا الحذاء الحديدى ينحرف من ظهره عاليا وليرتطم بالجدار ثم يسقط فى الزير الكبير.
- ينال أمك يا ابن دهيبة
جدتى سمعت إسماعيل يسبنى فأرسلت حذاءها إلى ظهره. عدونا خارج البيت ضاحكين. قلت.
- رهان، حذاء جدتى معتدل فى قاع الزير
نتلصص، أربعة رؤوس تطل على الفوهة،. عدنا للضحك. الحذاء العجيب معتدل فى القاع.
سنرسله مع أول مسافر إليكم. رفضت أمى تلك البرقية التى أجابت برقيتها المتعجلة لعودتى. أجبرت أبى على الحضور لأخذى. قالت له جدتى بالعربية على مسمع منى:
- اسمع تنبل. مهمد، صيف بيجى، هى تيجى إندنا. وإلا .. سخطوها جورباتى زى أمه.
عندما ركبنا الأتوبيس. صاحت جدتى .. أديلا مهمد .. أديلا مهمد. وفى القطار سألت أبى.
- لماذا لم تتزوج عواضة؟
أبى كان متوترا.. لم يجب عن سؤالى. بل قال:
- أمى تدعو لك أديلا. أى تعود بالسلامة. وأمك أصلا لا تريدك أن تسافر عند أهلى فى قرية المهجر آه من المرأتين. وكله بسببك.
غضبت منه. أشحت بوجهى وقلت لنفسى: يخاف من أمه ومن أمى. ويلقى بالسبب على أنا. قلبت شفتى فى استهجان .. إم م م م
فى الأجازة التالية، قالت لى فى لوم:
- طول اليوم تلعب مع الأولاد وتترك زينب؟
أجبت عواضة وأنا أنظر إليها فى غطرسة نوبية تعلمتها
- أنا رجل، لا أحب اللعب مع البنات
اغتاظت عواضة وضحكت.
- فارج .. فارج
أسرعت إلى ناصية الشارع، الرجال مجاميع متفرقة، جالسين مستندين على حوائط المنازل، يشاركهم الظل عدد من الماعز عجاف وكلاب هزيلة. جلست على بعد أمتار منهم مع إسماعيل. الرجال يتحاورون فى غضب عن قريتهم هذه وأراضيها الصحراوية التى لم تطرح للآن إلا الزلط والحجارة. يتساءلون عن المياه ومتى تصل لترطب القنوات الأسمنتية المتشققة جفافا. أخرج أبى علبة سجائر، نثر اللفائف على الأصابع الملهوفة فدخنوها فى نهم.
بدأت معاركى مع جدتى صباح اليوم التالى.قبل أن تشتد الشمس، أصرت على أن أحمل صفيحة مثل عواضة وأصحبها وسط مجموعة السيدات والفتيات والأطفال متجهين إلى الترعة الضحلة لجلب الماء العكر لأزيارنا. رفضت. لم تترك جدتى إصرارها بإرسالى، إلا بعد أن تشفعت لى عواضة وترجتها. خرجت جدتى من البيت وحذاؤها تحت إبطها، غاضبة تلعن أصل وفصل كل جورباتى رجيم.
ورغم معارضة أمى، لا يمر أسبوع بعد انتهاء الدراسة إلا وأكون فى القطار متلهفا، استراح أبى، فهو لا يواجه أمى، ترك شوقى إلى البلدة يجبرها على الموافقة. وفى القرية تضمنا عواضة أنا وزينب إلى جسدها حيث وصلنا إلى خصرها، ورويدا رويدا يتلاشى جبل كرهى لجدتى. وأزداد خلطة بأهل القرية الذين يعيشون الفقر والغربة والجدب.
مع السنين، أراضى القرية بعضها زرع وأكثرها مازال قاحلا. فصار زمام القرية كأنه رأس مصاب بمرض الثعلبة. مشعرة من نواح، مجدبة فى الأكثر.
انحرف بنا الاتوبيس الصدئ حول قرية الجبانة ليتجه فى استقامة إلى قرية المهجر. من بعيد شاهدت عواضة تنتظر عند المحطة، أخذتنى فى حضنها. ضحك أبى:
- عواضة تحبين محمد أكثر من حبك لأبيه
همست عواضة فى أذنى
- لولا خجلها لأتت معى تنتظر
ابتسمت، اشتقت إلى زينب. اقتربنا من البيت، جدتى مستندة على الباب، تقف حافية تظلل عينيها العليلتين بيديها من الشمس. تراقبنا ونحن مقبلين، ابتسمت لها. ردت ابتسامتى بقلب شفتيها السفلى فى اشمئزاز.
- إم م م م. ابن الجورباتية!! إنت جت يا همار؟!
ثم أخذتنى فى حضنها الهش وطرفت عينى بشعرها الصوفى المحنىّ.
بدأت أتقبل جدتى على أنها قضاء وقدر. سخطها ولعناتها خصوصاً على أمى لا تقل، بل تزداد. ذهبت إلى بيت عمى المرحوم عوض. الفرحة الشديدة فى وجه زينب وأمها التى اختفت لتعد شراب الليمون، ولتتركنى مع بنتها. زينب امتلأت وازدادت خجلا.
نشرب شاى الصباح. جدتى غليانها زائد. تتحدث مع أبى وعواضة بالنوبية المختلطة بالكلمات العربية، أتابعها لأفهم مجمل حديثها الحاد. جدتى حليمة نزلت سوق الصعايدة لتبيع البيض والدجاج الذى تربيه. وهذا عيب شائن. هى وحيدة وليس لها عائل. ناس البلد جميعا يعتمدون فى معيشتهم على أولادهم الذين يعملون فى الشمال. من حُرِمَ من سند فى الشمال، يربى الدجاج ويبيعه مع البيض ويأكل هو الذل. ربما لا يجد ثمن ملعقة سكر يشرب بها كوباً من الشاى بالحليب.
جدتى ثائرة، الغيوم فى عينيها زادت، تتابع بالنوبية والرذاذ يتطاير من شفتيها.
- لماذا هجَّرونا إلى هذه الخيبة الجافة؟ أين بلدنا القديم؟ أين نيلنا؟ أين نخيلنا أين بيوتنا الفسيحة؟ والساقية؟ وحفلات الزفاف الحافلة بالمأكولات والمشروبات ودقات الدفوف؟ أين أيام الفيضان وأيام الحصاد؟ أين نجعنا.. نجع بهجورة
سيل دموعها يرطب الشقوق فى وجهها الجاف. ثم تنظر إلى أبى فى لوم وأسى:
- نزعــونا من جــذورنا فصرنا كالهيش. ساح أولادنا فى بلاد الله خدَماً يطعمون الأحفاد بقايا الخواجات والبكوات. ونحن هنا رمونا كالماعز فى وادى الجن. أعطونا أرضا لا تزرع إلا نبات الشيطان ذا الثمرة المرة التى تعافها البهائم. قتلونا يا بنى .. الجورباتية قتلونا.
أبى مطرق إلى الأرض. عواضة عيناها مشبعتان بالدموع. أنا حائر أتابع عينى جدتى القبيحتين وهما تطقان بالشــرر. رأتنى أحدق فيها فحولت نظراتها إلى أبى:
- عماتك وخالاتك جائعات يبعن البيض والدجاج مفضوحات.
ثم تابعت قولها بالعربية وهى تنظر إلىْ
- وأنت ياتنبل، تروحى اتجوزى جورباتية؟ إم م م م
لم أعد أكره جدتى. أتقبل لعناتها علىّ وعلى أبى. لكن رغما عنى، الغضب يتملكنى عندما تسب أمى، تبين لى كم تكرهها وتتهمها بأنها سرقت أبى منهم.
حصيلتى من الكلمات النوبية يتراكم. أهل القرية مازالوا يتساقطون تباعا إلى قبور الجبانة وخلفهم عويل إبيوو-إبيو. جدتى مصممة على البقاء. لكن عينيها أصبحتا لا تريان إلا بصعوبة. قذائف حذائها تطيش فبدأت تحدد الهدف عن طريق السمع المرهف. تعارض فكرة علاجها فى الشمال عند ناس الجورباتية. تحكى وتتذكر المرحومة خالتها التى كانت تشكو من نفس الأعراض فى عينيها. وبدأ نور بصرها يخبو حتى أنطفأ تماما. لا تتصور جدتى أن هناك فى الشمال عند من تكرههم علاجا لمرضها. عواضة ترجوها أن تسافر للعلاج لكن جدتى تقاوم وتكرر أنها رغم كل شئ قوية سليمة. تأكل ما تجده ولم تخلع ضرسا ولا سنا. عواضة ألحَّت عليها حتى رضخت بشرط عدم سفر عواضة معها ليبقى منزلها مفتوحا. فإغلاقه لا يريحها.
القلق يحتوى عواضة، طمأنها أبى قائلا:
- لا تقلقى يا عواضة. سأحجز لها فى القطار المكيَّف، سأعالجها عند أحسن الأطباء. لن أبخل على أمى أبدا. ستعود سليمة إن شاء الله.. لا.. لا يا عواضة. أم محمد طيبة ستكون ابنة لأمى. سترعاها مثلك تماما.. صحيح إنها جورباتية.. لكنها طيبة.
الأتوبيس القديم الصدئ ينحرف بحذاء قرية الجبانة. من بعيد مازال شبحا عواضة وزينب يلوحان لجدتى. لا أتصور جدتى فى بيتنا بالإسكندرية. ترى.. هل ستستمر فى سبها لأمى؟ والله هذه العجوز المكرمشة إن سبت أمى فى بيتنا. لن أتركها!
فى القطار أبى على مقعده فى الصف الأيمن. وأنا وجدتى على اليسار. جدتى تسألنى.. هل الشاى عندكم بالحليب؟ ذهب أبى إلى دورة المياه. جدتى تنظر من النافذة كأنها ترى. التفتت إلىَّ فى حدة وسألتنى لأول مرة عن أختى. نسيتُ تحذير أبى، قلت وأنا أشعر بالنعاس:
- زفافها بعد شهرين على واحد جورباتى
صرخت جدتى إبيووو-إبيو. أفزعتنى والركاب. تصلَّبَتْ واقــفة، عرَّت صوفها الأحمر ولوَّحت بطرحتها السوداء نادبــة فى تواصل إبيووو-إبيو، إبيووو-إبيو. تخطتنى وخرجت إلى ممر العربة التى كانت هادئة. بدأت ترقص رقصة الثكلى فى إيقاعية رتيبة تضرب بها أرضية العربة، القطار فى سرعته يطوح بعودها الضامر وطرحتها وعويلها الحزين. تتخبط على صفى المقاعد. الركاب ضحك بعضهم، حزن عليها البعض. فتيات أخذهن الرعب أن تكون مجنونة فانكمشن. وشباب سخر منها. وأنا فى ذهول أراقبها وأرقب باب العربة من حيث سيعود أبى. وصلت جدتى إلى نهاية العربة فاستدارات عائدة وزادت من ضربات قدميها وصريخها. عندما وصلت لمقعدى وتبينتنى، لسعتنى بالطرحة السوداء.
- يوم شؤم.. يوم أبوك جَوِّز أمك
استدارت مستمرة فى رقصتها الذبيحة. أقبل أبى، وقف لحظة مشدوها ثم أسرع إلى جدتى. أخذها فى عنف وأجلسها فى مقعدها وجلس بجوارها وجلست أنا مكانه. جدتى تسب أبى بالنوبية.
- تنبل، تنبل، أنت تزوجت جورباتيَّة وهجرتنا، ابنتك ستتزوج جورباتى وتضيع للأبد. ياسين أخذته جورباتية وترك عواضة تذبل. الجورباتية خلاص.. أخذوا بلدى ونسلى.
انخرطت جدتى فى بكاء مؤلم فبكيت معها ولم أهتم بنظرات أبى التهديدية لإفشائى سرَّ أختى.
التوتر حاد فى بيتنا، أمى المريضة أصلا تعامل جدتى بحذر، وجدتى تتجاهلها فى أنفة. أختى تشبه أمى تماما فى خلقتها ولم تأخذ مثلى شيئا من لون أبى. قاسية فى معاملتها لجدتى. تزدريها وتأسف أن هذه العجوز السوداء جدتها. لا تلقى عليها حتى السلام.
أيام قليلة قبل العملية. ساعدت أمى لتفهم كلام جدتى خاصة إبدال بعض الحروف ببعض وعكس ضمائر المذكر والمؤنث. ازدادت أمى فى محاولتها للتقارب مع جدتى إرضاء لأبى ولى ولأنها ضيفتها. كنت أنا الحارس لجدتى. أهاجم أختى وأهددها إن حاولت السخرية منها، أنظر فى لوم إلى أمى إن نسيتها أو تناستها. يستغربان من تصرفى. كنت أحكى لهما فى غضب عن سبها لنا ولكل جورباتى فى الوجود. فما الذى بدلنى وأصبحت فى صفها هكذا!
ذات مساء سألت أمى جدتى متقربة إليها:
- المياه التى فى عينيك بيضاء وليست زرقاء. لا تقلقى
- مش أبيض، مش أزرج، أهمر .. أهمر.. موية لونه أهمر. دم فى إينى وإين كل نوبية.
ليلة، اشتد المرض على أمى. أبى يقول لأختى لا تبكى إنه مرضها المعتاد، سآخذها إلى الطبيب صباح الغد. تناولت أمى أدويتها ومازالت تتأوه ونحن حولها على السرير. دخلت جدتى وهى تتحسس الجدران. جلست معنا وأختى تتأفف. بعد دقائق وضعت جدتى كفها على رأس أمى. أمرت أبى بالنوبية فأحضر المطلوب فى سرعة. موسى، كحول، ورق جرائد، مسطرة بلاستيكية، قماشة نظيفة. أمى وأختى تتبادلان النظرات الوجلة، ثم جحظ الرعب من عيونهما عندما قلبت جدتى أمى على بطنها بمساعدة أبى. كشفا عن ساقيها. اقتربت جدتى بالموسى. حاولت أختى إمساك جدتى لكن أبى منعها قائلا:
- اتركيها، فهى تعلم ما تفعل
تحسست جدتى لحم أمى وبالموسى فصدت سمانتى ساقيها فى ضربات سريعة. ثم تحولت إلى ظهرها. أمسكت بطرفى المسطرة وجعلتها نصف دائرة تمر بها على ظهر وساقى أمى تستجمع الدماء لأنشفها أنا بالقماشة. تعود الدماء تنز من الجروح ليعاد تنشيفها. غطت جدتى الساقين والظهر بورق الصحف فتشربت بالحمرة سريعا. اقتربت جدتى بالموسى من صدغ أمى الخائرة. صرخت أختى وارتجف قلبى. منعها أبى وقال: كفى. بعد فترة عدلوا أمى التى استسلمت كوسادة متهدلة. سكبت جدتى الكحول على رأس أمى وعنقها وصدرها وبدأت بيديها الخشبيتين تشد لحمها وتعجنه وهى تتلو آيات من كتاب الله. أمى تفتح بصعوبة عينيها الحمراوين. تنظر إلى أبى فى تهديد ولوم على همجية أمه. لم تستطع أختى صبرا فقالت لأبى:
- ابعد هذه العجوز المجنونة عن أمى
أسكتها أبى فى شدة تحمل الرجاء بالهدوء، جدتى لم تنظر إلى أختى لكنها وهى مستمرة فى عجن لحم أمى وطرقعة فروة رأسها بادلت أختى السباب بالسباب.
- اخرس جورباتيَّة همار.. ينال أمك
فى الصباح. استيقظت أمى وقد استردت عافيتها. دخلت عليها وأنا أسحب جدتى. جلسنا بجوارها. قالت جدتى.
- صباح خير جورباتية جرَّى
نظرت أمى إلىّ فقلت:
- جرَّى معناها .. غبى .. عبيط.. خائب. تقريبا
برهة وأمى تنظر إلى جدتى، ثم ضحكت و،احتضنتها وقبلتها. فكان هذا الحضن هو بداية عصر الوفاق بين الغريمتين.
نجحت العملية، استراحت جدتى وبدأت ترى. أصرت على السفر واستعد أبى لتوصيلها رغم إلحاح أمى أن تبقى جدتى لمدة أطول. قالت لى جدتى عن سر لهفتها للسفر. فهى لن تتحمل حضور زفاف أختى على الجورباتى. ثم إن عواضة أوحشتها. فى المحطة. أنا وأمى حول جدتى. أبى ينظر إلينا لا يصدق هذا الحب الذى يجمعنا. أمسكت جدتى بشعرى وهزت رأسى هنا وهناك فى خشونة معتادة منها وقالت:
- مهمد، أنا أحبك يا همار. تعال كل صيف فى البلد. زورينا يا كلب. شوف.. اهنا ناس طيبين.
- سآتى بشرط، آكل اتر وكابد كل يوم.
- موافج
- ألعب بحريتى ليل نهار
- موافج
- لا أملأ الصفائح من الترعة العكرة
- موافج
- لا تسب أمى الجورباتية
نظرت جدتى إلى أمى وهى تبربش ثم قالت فى إصرار
- أهى دَىَ .. مش موافج.
فى الصيف التالى. جدتى غاضبة منى ومن أبى لأننا لم نحضر أمى معنا. تسأل عن صحتها فى ود وتقول لعواضة إن الجورباتية كانت نعم الإبنة ونعم الأخلاق والدين.. عيبها الوحيد .. أنها جورباتية.. إم م م م .
فى الليل عواضة هلوست أكثر من المعتاد وتردد اسم ياسين. فى الصباح استيقظت متأخرة فوجدتنى جالسا أحدق فيها. قالت:
- لماذا تنظر إلى هكذا؟
- من هو ياسين؟
غطت وجهها بيديها لتدارى دموعها. كررت السؤال
- ثالث مرة تسألنى يا مهمد.
- تحلمين به كثيرا وتناديه
- قرأ الفاتحة علىّ وبعد بناء الخزان وغرق أراضينا سافر إلى الشمال ليعود بالرزق ونتزوج .. لا أرسل الرزق، ولا عاد هو.
- لو كنت كبيرا ولست ابن اخيك لتزوجتك بدلا منه
ضحكت عواضة واحتضنتنى.
- ستتزوجنى يا مهمد. ستتزوجنتى يا بنى إن شاء الله
صادقت جدتى. بذرة حب نمت فى صدرى.، كنت أتوق لمناوشاتها. لا أستريح إلا إذا شتمتنى فى جلسة شاى العصر ومعنا عواضة وزينب. قلت لجدتى.
- إذا تزوج نوبى من جورباتية، لماذا تسمون ابنهما (نص بغلة)؟
- أشان جت نُسْ بجلة
- إذن أنا نص بغلة؟
- مزبوت
- مضبوط! ومن فى والدىّ هو البغلة؟
- أمك يا همار
- يا سلام .. ولماذا لا يكون أبـ ...
قبل أن استكمل الكلمة نهضت فزعا واندفعت أجرى، ما كدت انحرف خــارجا من البــاب المفتوح، حتى لحقنى الحذاء الحديدى وارتطم بالجدار، عدت أتلصص برأسى. جدتى وعواضة وزينب فى ضحك عميق.
ارتديت الجلباب السودانى والعمة المتعددة الطوابق المسماة (الكاسير) أحببت كل ما هو جنوبى أتحدث بالنوبية فى ضعف وتهشيم لأجروميتها. لكنى أفهم الكثير من مفرداتها. وجدتنى مع الرجال أشكو مثلهم من أراضينا الجديدة التى تتقيأ الطوب وتخنق فسلات النخيل. ومع جدتى أصبر على شكاويها من البيت الضيق التى تعيش فيه والملتصق ببيوت الجيران. بالنوبية تقول جدتى:
- مهمد، أنا أطلب من ربنا أن أموت فى بلدنا القديم، فى نجع بهجورة. وأدفن على ربوة مدافننا التى تطل على نيلنا ونخيلنا وبيوتنا وزرعنا.. آمين.
لم يبق إلا عامان لأنتهى من الجامعة. لكن زينب جسدها تفجر.
قالت جدتى يوما فى صراحة.
- إم م م م، جورباتى.. أمان دامو. أمان مفيش
- لماذا يا جدتى ؟
- عواضة تجول، زينب مستنى مهمد، أنا خايف مهمد سيبه واتجوز جورباتية زى أبوها وأختها.
فى يوم سفرى للاسكندرية وحدى. كانت جدتى أكثر شجنا وهى تودعنى بدعائها المعهود
- أديلا يا مهمد .. أديلا يا مهمد.
حادثت أمى. صمتت، أختى ثارت ورفضت فى إصرار وتأفف. أبى وافق فى سعادة وقال خيرا ما نويت يا بنى، ثم ترحم على أخيه عوض، وفى الصيف التالى قرأ أبى الفاتحة. أصبحت زينب لى. جدتى احتضنتنى ساعة زمن. لم تتركنى أبتعد عنها طوال نهار كامل. أجلستنى أنا وزينب على برش الحصير بجوارها. تدعو لنا. وفى المغرب عندما حضر إسماعيل مصرا على أخذى معه، لم يهن عليها أن تتركنى بلا سباب:
- روهى يا ولد.. إنت ايوة جورباتى. لكن طيبة والله. روهى مع ساحبك ربنا هليك يانُسْ بجلة.
لم يكن هناك من هو أسعد من عواضة. فزينب امتدادها الطبيعى. هى فيضان جيلى جديد. بعد أن بلغت عواضة التحاريق فى زمن بوار لم تعشه. إذن فأنا خطيب عواضة وابنها فى ذات الوقت. عواضة صغرت سنوات. الفرحة تملؤها. نادتنى ليلة. ياسين. ضحكنا، بكت عواضة ثم عادت تضحك،. تلف لى عِمة الكاسير وتكاد السعادة تقفز من عينيها وهى تقول كم أنا وسيم وأليق بزينب.
الشيخوخة تملكت جدتى. دائما جالسة فى الظل. تسبَّح لخالقها.. وونور وونور. وافقت أبى فى قوله إن جدتى قد قاربت على الرحيل.
عدت إليهم ومعى أمى، كانت أمى قلقة خائفة كأنها ستهبط فى كوكب آخر وسط مخلوقات غريبة. استقبلوها بترحاب وحب. جدتى احتضنتها طويلا. عواضة التى صبغت شعرها بالحناء مثل جدتى فصار مشتعلا حمرة كالنار، فى سرعة صادقت أمى وصارت تلازمها طوال اليوم. اطمأنت أمى وأحبت البلدة بكل فقرها وجدبها، تقبلت لسان جدتى الحاد بمرح.
أيام مرت. وفى جلسة شاى قلت لجدتى أحرضها على إطلاق لسانها:
- أمى طبخت اليوم مالا تستطيع نوبية أن تحلم به.
خجلت أمى، عواضة ابتسمت صامته. جدتى اعتبرت قولى إهانة لعواضة وكل سيدات النوبة. ألقت الملعقة على الصينية فأحدثت ما خيّل لى أنه جرس جولة ملاكمة. أشارت إلى أمى كأنها متهمة بارتــكاب عشــر كبائر ثم نظرت إلىّ
- أمك
- اشمعنى
- أعرف أطبخ ويكة، إعرف أطبخ إتر؟
- لا
- أمك
- . .
- إعرف إخبز كابد؟
- لا
- أمك
- كفى يا جدتى
- اعرف إزرع إعرف إجلع؟
- لا
- أمال أبوك تنبل جوَّزه ليه؟
شاركتنا أمى الضحك. واستراحت جدتى لانتصارها ثم استرسلت لترضية أمى
- مهمد، ولد جرَّى. جابت شتيمة لأبوها وأمها
فى الحال .


فى الشتاء، وصلتنا البرقية ليلا. أغلقنا الشقة وسافرنا ثلاثتنا فى الصباح، عصر اليوم التالى كنا فى حجرة جدتى. من أول أمس قال الطبيب إنها تموت. عيناها مفتوحتان لكن لا ترانا. ترى من هم هناك، والديها وجديها، ابنها عوض، حليمة التى ماتت كمدا. تخاطبهم وتبلغهم فى همس بأنها فى الطريق وستلحق بهم فى ظل دومة جدها. أبى بجوارها يقرأ القرآن الكريم. أمى لا تقل حزناً عن عواضة وزينب. فى الغروب أفاقت جدتى. عرفتنا وأجابت سلامنا فى وهن. اعتدلت. تركت السرير وأصرت على الخروج، بكى والدى وقال إنها حلاوة الروح، دثروها ببطانية. استندت على عواضة وخرجا ونحن وراءهما. برودة الصحراء تنخر العظام. جدتى أبعدت عواضة عنها واتجهت إلى قرص الشمس الدامى الذى تفترش دماؤه الرمال الجافة فيتناغم مع شعرها القانى وقد انسلت من عليه طرحتها السوداء. تسير كأنها تتعلم الخطو. تسحب الأنفاس فى تلذذ. تنادى وتتحدث بالنوبية. وونور.. وونور.. عواضة.. أترين نخيلنا صفوفا صفوفا؟ موسم البلح يا عواضة ونجع بهجورة فى عيد. الخير كثير يا بنت.. سيعود ياسين مطمئنا على رزقه ويتزوجك. وونور .. وونور. نيلنا حلو طيب. الشمندورة مازالت ترقص. دومة جدى تحتها ناس البلد القدامى. أهذا شراع مركب؟ يجيئ إلى؟ عواضة، جاء يوصلنى يا عواضة. تعثرت. حاولت عواضة أن تسندها، أبعدتها وسارت خطوات ويداها للأمام تتعجل ما تــــراه آتيا.. وونور .. وونور.. لم تلحق بها عواضة، سـقطت على وجهـها كـجذع نخلة خاو. اعدلوها. الرمال على الوجه وفى الفم المفتوح. الذرات الصفراء الجافة برقشت حدقتى العينين وابتلت. فارقها السر الألهى. لم تمت حاقدة. وجهها تمثال فرعونى. خاطره متصل بما بعد وجودنا. تحدق فى الأفق وفى الذين تراهم.
تم إعدادها بسرعة، وضعوها على السرير. حملته مع المشيعين. الليل الأسود جثم باردا ثقيلا على الرمال الجافة الصفراء فصبغه بالدكنة القابضة. عويل إبيووو- إبيو يكفَّن كل شىء.
الشمس علت فاشتدت على رأسى. تنهدت وأنا أنهض من أمام القبر أعود إلى قرية المهجر. مرت أيام العزاء الثلاثة. دراستى وعمل أبى يجبراننا على السفر. عواضة ودعت أمى وأبى فى حرارة وبكاء ثم ضمتنى على يمينها وعلى يسارها زينب، أصبحنا فى طولها. وجهانا على جانبى وجهها، دموعها تجرى على خدينا، رغم بكائها يشع منها غلالة رضا وطمأنينة. وبسمة حب تحتيه تترقرق.
الأتوبيس يكركر. أمى عادت لأحضان عواضة وزينب.
قالت لزينب:
- ابنتى، زفافك على محمد إن شاء الله قريب، دخلتكما هنا فى قريتنا. فى بيت الجدة.
من النافذة والأتوبيس يبتعد، طرحة عواضة انزاحت عن رأسها انفجر شعرها الصوفى الأحمر، الغضون وضربات موسى الفصد على جانبى الصدغ. قلت لنفسى.. عمتى هى.. أم جدتى؟
الأتوبيس يسير منتفضا. نلوَّح لهم ويلوِّحن لنا. يبتعدون. ننحرف عند قرية الجبانة. برزت الأجداث. حدقنا فى قبر جدتى. بكت أمى. يكفكف أبى دمعته. وجه جدتى أمامى يتداخل فى وجه عمتى. ابتسمت وطعم الدموع فى فمى.. تمتمت.. أديلا يا جدتى.


**********************************
زيارة

قصة: محمد العبادى

"حالته صعبة قوي يا دكتور ... " ... يتبعها عبر الشارع الأقرب إلى نصف سوق, المحلات تفرش أمامها أكوام من السلع: خضار وفاكهة, لحم مجمد, دجاج و ..." ... من ساعة اللي حصل له .. بقى لا قادر لا يتحرك ولا يتكلم ولا ياكل حتى لوحده ... " ... أهرامات من علب الجبن والمربى تحت لافتات مكتوبة بخط ردئ ( إشتري علبتين نص كيلو وخد هدية ... )" حتى لا مؤاخذه دورة المية بقى بيروحها بطلوع الروح .. لازم حد يسنده ... " ... أسماك البلطي الحية محبوسة في أحواض مليئة بالماء, أكياس الـ... " ... والنبي ما انا عارفه كان مستخبيلنا ده كله فين .. إمبارح جبنا له الدكتور احمد .. أكيد حضرتك عارفه .. ربنا يبارك فيه ... " ... تليفونات محمولة, تليفزيونات, غسالات ... " ... شاب زي الفل ما يتخيرش عن حضرتك كده .. ربنا يبارك فيكوا و يكرمكوا انتوا و ولادي يا رب ..." ... تتركز نظراتها على مفاداة زحام المارة وعربات الكارو, أما هو فيكتفي بتتبع جسدها الممتلئ داخل العباءة ... " كشف عليه وكتب له على محلول و إبر ياخدها في المحلول ..." ... رائحة الجو خليط من رائحة السمك المشوي, دخان الشيشة, روث الأحصنة, الرطوبة, البخور الرخيص, تطغى على الكل رائحة الفلافل ... " ... وقال لنا تعملوا التحاليل دي و تجيبوهالي في العياده أول ما تخلص ... " أشارت بيدها – الممتلئة أيضا – إلى إحدى العمارات الجديدة, بابها الحديدي مغطى بزخارف ساذجة " ... إتفضل من هنا البيت يا دكتور .. إتفضل ".
مختبر السرديات- مكتبة الإسكندرية- 12 يناير2009م


************************************

قطعة من الشيكولاتة

قصة: أحمد محمد إبراهيم


كَانَ ذَلِكَ الصَّوْتُ الهامِسُ فِى هَذا المَيْدانِ الصَّاخِبِ يَزْدادُ مُطَّرِداً فِى أُذُنِى ، يَجْذِبُنِى مِنْ بَعِيدٍ كالمِغْناطِيسِ ، أحْسَسْتُ أنِّى أُمتَصُّ نَحْوَهُ بِشِدَّةٍ ، الْتَمَسْتُ مِنْ رَفِيقِى أنْ يَنْتَظِرَنِى بِضْعَ دَقائِقَ ، انْطَلَقْتُ حَيْثُ تَدْنُو بُقْعَةُ الصَّوْتِ ، مُتكَسِّراً فِى انْطِلاقَتِى ، ..... أخِيراً وَجَدْتُها .زِنْزانَةٌ يَحْرُسُها اثْنانِ مِنَ العَساكِرِ يَبْدُو أنَّها جُعِلَتْ لِجَمْعِ المُشَرَّدِينَ .اسْتَدَرْتُ مُنْدفِعاً إلَى نافِذَةِ الزِّنْزانَةِ مِنَ الخَلْفِ ، مَكانٌ مُوغِلٌ فِى الظُّلْمَةِ ، أسْوَدُ فِى وَسَطِ بَياضِ المَيْدانِ المُتْخَمِ بالأنْوارِ ، وَقَفْتُ عَلَى أنامِلِى ، أطْلَلْتُ لأجِدَ طِفْلَةً صَغِيرَةً بَدَتْ كَأنَّها شَبَحٌ صَغِيرٌ أوْ خَيالُ دُمْيَةٍ .نادَيْتُ عَلَيْها ، اقْتَرَبَتْ مِنَ النَّافِذَةِ ، سَألْتُها :" ما الَّذِى أتَى بِكِ إلَى هُنا يا حَبِيبَتِى ؟! "أجابَتْ وهِىَ تَرْتَعِشُ :" هُمْ رَمَوْنِى وَحْدِى هُنا بَعْدَ أنْ شَكَانِى صاحِبُ المَطْعَمِ أنِّى أشْحَذُ مِنَ السَّائِحِينَ . "اسْتَطْرَدَتْ وَقَدْ تَفَجَّرَ بُرْكانُ نَحِيبِها المَكْتُوم :" واللهِ لَمْ أفْعَلْ هَذا يا عَمَّ ؛ هُوَ ذا الرَّجُلُ الكَبِيرُ نادانِى وأعْطانِى قِطْعَةً مِنَ الشُّكُولاتَةِ وَحاوَلَ أنْ يَبُوسَنِى فِى فَمِى ، هَرَبْتُ مِنْهُ مُسْرِعَةً إلَى الضَّابِطِ ، سابَقَنِى ، سَبقَنِى إلَيْهِ . "لَمْ أُطِلْ مَعَها الحَدِيثَ ، صَمَتْتُ مَلِيّاً ، نادَتْ عَلَىَّ كَثِيراً ، كانَ رَجْعُ نِدائِها الباكِى سِهاماً تَحْرِقُ ، لَكِنْ لَمْ آبَهْ لَها، ثُمَّ مَضَيْتُ جارّاً رِجْلَىَّ إلَى رَفِيقِى.
مختبر السرديات- مكتبة الإسكندرية- 12 يناير2009م


****************************
شارع الطاحونة
قصة: منى عارف
أقطر لي في عيني ما عادت الرؤيا تبهجني
قد يكون العيب في نظرى وقد يكون العطب قد
اصاب القلب وبواصره .. شارع الطاحونة ... فينظر
لي سائق عربة الأجرة في استغراب ..اطلع بينا على
الكورنيش طوالى وأنا راح أدلك عليه ..حر الصيف
لا يمنع الناس من النزول الى الشوارع في اى
وقت صباحا ظهرا أكثر الأمان التى فيها المصطافين
على راحتهم في شارع خالد ابن الوليد تكدست
على الصفين محلات الملابس الجاهزة والمستعملة ..
والباعة المتجولين ومحلات الوجبات تيك اواى
والفطائر والكشرى ... ولازالت رائحة البلطى المشوى
.. تفوح في المكان..الناصية اللى جاية لو سمحت
...ويلفحنى هواء الصيف .. وقفت انظر بدهشة ..
ما هذه العمارات الشاهقةاين اختفت كبائن البنا يا ترى ؟
كانت عبارة عن كبائن خشبية مكونة من طابق واحد
أو بالكاد اثنين بطول الشارع وعرضه تطلى كل صيف
باللون الاخضر والاصفر..درجتين وتراس وها أنت بداخله
تدخل علي غرفتين الأولى مخصصه للنوم بها سرائر كبيرة
الحجم ودواليب شيش ..الثانيه عبارة عن فسحة
بها مائدة للطعام وكنبة تستخدم هى أيضا للنوم كراسي
بحروشمسية ..مطبخ بسيط معلق
به دش حمام أفرنجى ... باب أخر من الخلف ...
وشباك مناولة كنا نأخذ منه ارغفة العيش الشامي
،وطبق الفول المدمس.. والطعمية المحشية الساخنة
في الصبحوبعد العصر.. يجئ بائع التين الشوكى
ويقطع لنا بسكينه الحاد اشهى الفاكهة..فنمد له
بصنية يعطينا كما نشاء اعتدنا الذهاب الي هناك
كل صيف نستأجر كبينة ونتسابق أنا وأخواتى
حفاة الأقدام ..تغمرنا سعادة فائقة نحو البحر
نعبر الكورنيش وفي غمضة عين نغطس في
مياه هذا الشاطئ الفريد من نوعه محاط بصخرة
كبيرة من اليمين وصخورأخرى من اليسار ...
كأنها بحيرة في الجنة ...تتلالا أشعة الشمس على
صفحتها الرقراقة حتى المغيب وينيرها وجه القمر في
المساء ولما يعيينا التعب نريح اجسادنا على الرمل
قد يكون البحر مازال يرمى بأمواجه هناك وأطفال
وأناس يتمتعون بشمسه وضحاه وبالجواربئر مسعود
شاهد علي ممشى العشاق وكنا ننتظر مرور بائع الفريسكا
فنهب على الفور ورائه وافيق على صوت طفلة صغيرة
أنا عايزه من ده يا ماما ..فتنهرها الأم لأ دى حاجات
مش نظيفة وضارة بالصحة هو احنا نعرف حاطين فيه
ايه دلوقت ...ترقرق الدمع في عيني ... ووضعت نظارة
الشمس ومددت يدي : " اعطينى واحدة من فضلك "(مختبر السرديات- مكتبة الإسكندرية- 12 يناير2009م)
*******************************

الخبز والعصا
قصة: رمزى بهى الدين


اتجهت الى بقعة ظل بجوار الجدار الحجرى القديم .. بالقرب من المخبز وقفت .. أسند اليأس ظهرها الى الجدار حذاوها يئن تحت وطأة قدميها .. (انحشرت) فى طابور العيش منذ الصباح الباكر ، وعندما اقتربت من الشباك كان الخبز قد نفد ..!!
نظرت ناحية المخبز: (رغيف العيش بقى مشكلة .. هه ..؟!) .. همهمت وضجيج الشارع يلفها :( إيه يا حليمة ..؟! خايفة..؟ خايفة ترجعى من غير عيش .. هه .. ؟!) ..
تحركتْ يدها اليسرى تزيح خصلة الشعر على جبينها .. نظرتْ إلى يدها اليمنى تطبق على شئ .. تمتمت : (المهم الفلوس موجودة) .. وفتحت يدها: ( آدي الخمسين قرش الورق .. وآدي الريالين الفضة .. وآدي البريزة .. عال .. عال ..).
تطلعت إلى السماء : (ياااه .. الشمس بقت فى وسط السما .. أكيد إحنا قربنا من الضهر..!)
شعرت بغُصَّةٍ فى حلقها .. غُصَّة تكاد تخنقها .. ظلت واقفة تراقب الناس والمارة .. تمنت لو تتحرك .. لو تأخذ طريقها إلى البيت.. لكنها تخشى العودة .. لقد تأخرت كثيراً .. فى حين قال لها والدها : حليمة .. اشترى العيش وارجعى بسرعة و إلا..
راحت تنظر نحو السماء .. أطالت النظر .. بدأت الأصوات من حولها تتلاشى .. أصوات الناس والباعة .. مات الضجيج .. ارتسمت أمامها فى البقعة الزرقاء صورة ..
ترتدى ثياباً جميلة ، ألوانها زاهية .. شعرها مصفف بعناية ، تتهادى فى الشارع ، ذاك الشاب يبتسم لها ( بيبص لي أنا .. بيضحك لي أنا .. أنا جميلة .. بنت خالتى قالتها لي لما كنت فى بيتهم من يومين .. قالت: إنى لو لبست فستانها الجديد .. ها أبقى اجمل بنت فى المدينة ..!! .. إيه .. فيه إيه ..؟!)
كان قد دفعها صبى ، وهو يهرول فى الشارع خلف زميلة .. تناثرت النقود من يدها تحت اقدام المارة .. تناثرت فى الزحام الممتد امامها بلا قرار .. (إيه يا حليمة .. الفلوس ضاعت ..؟! .. فلوس العيش .. أبويا ومراته..!!)
وبدأت تبحث أسفل الأقدام ..(آدى الخمسين قرش أهي .. أوف .. رجلك يا أخى .. وآدى ريال فضة .. وآدى العشرة صاغ .. باقى ريال كمان .. فين هوه .. راح فين الريال.؟!)
واستمرت تبحث بدأب بين أقدام الزحام .. طالت مدة البحث .. لم تعثر على الريال المفقود .. يئست .. شعرت بأحشائها تتمزق .. فانكمشت كقطة فشلت فى اصطياد فأر وتمتمت: ( آه .. العقاب .. العقاب بقى مضاعف ..!!) .. وقفت وأمارات الحيرة تبدو على وجهها الخمرى الجميل .. خُيِّلَ لها انها عادت إلى البيت :
- فين العيش يا بنت ..؟!
ارتبكت .. تلعثمت ..
- الطا .. بور .. الطا .. بور ... العيش .. مفيش . خلص .
- وليه التأخير يا بنت الدايخة ؟!
أمسك بعصاه الممددة بجواره وأكمل : وفين الفلوس ..؟
الف..لوس.. ال.. فلوس أهى .. بس فيه .. فيه ريال ضاع مني.
فصرخ:
- الله .. الله يبقى لا عيش ولا فلوس وكمان تتأخرى الساعات الطويلة دى ..؟! .. تعالى هنا .. يابنت الكلب .
الدموع تنهمر من عينيها :
- يا ابويا .. أنا وقفت فى الطابور بدرى .. لكن .. لكن العيش .. العيش خلص .. قبل ما أوصل الشباك..!!
- عفواً يا آنسة..!!
اقتحمت أذنها تلك الكلمات .. نظرت فرأت شاباً وسيماً يمر بجوارها ، كان قد اصطدم بكتفها فاعتذر .. ( ال ااه .. الله كلام رقيق .. يا ااه .. كلام كله حنان ..!!) .. قالت ذلك فيما كان الشاب لا يزال يرمقها بنظراته كأنما يرثى لحالها .. تمنت فى تلك اللحظات لو توجه له التحية .. لكنها لم تستطع العثور على الكلمات المناسبة ..!!
تعود وتحدث نفسها : (آه .. لو أقدر أهرب من عقاب أبويا وتأنيب مراته .. آه لو أقدر أحرق العصاية الملعونة دى .. أو حتى أسرقها .. لكن لا .. لا .. دا هى عكازه ..!!).
تشعر وكأن دبيب النمل يسرى فى ساقيها..(كل يوم على دا الحال يا حليمة .. العيش وطابور العيش..!) قالت ذلك وهي تتراجع الى بقعة الظل ثانية. وقفت وراحت تتفحص ملابسها التى ترتديها ..(إيه يا حليمة .. هدومك مالها عملت كده..؟! .. يا ااه .. إنتِ لابساها من إمتى..؟ .. هى كان لونها إيه..؟!).. تعود صورة ذلك الشاب الذى اصطدم بكتفها .. تعود صورته إلى رأسها ، تعاود النظر الى النقود فى يدها .. وهى تقول: (آه لو يرجع تانى ..)
وراحت تتحسس كتفها بيدها ، صدرت من داخلها تنهيده طويلة ، بعدها عادت صورة والدها المكفهرة المزمجرة .. عادت لتقتحم رأسها .. نظرت ناحية الشمس وهى تقول :(إحنا بقينا بعد الضهر .. زادت العقوبة أكيد يا حليمة..!!)
وجهها الخمري يشع خوفاً ، عيناها الزرقاوان قلقتان .. تنظر الى الناس والسيارات التى تمر عبر الشارع تحمل أبدان البشر الناعمة وهى تنسل الى جوارها.. (إيه اللى ها يكون ياترى لو الناس دى كلها جمعت المبالغ اللى بيصرفوها .. أو نصها .. أو حتى ربعها .. ووهبوها لي .. هه ..؟!) قالت ذلك وهى تبتسم وأضافت : أكيد أبويا ها يغَّير معاملته معايا وساعتها يمكن يقول لي : يا ابنتى الحلوة جاء (فلان) وطلب يدك .. وتقاطعه:
- لا .. لا مابفكرش فى الجواز دلوقت ..!!
- لكنه يابنيتى .. رجل متعلم .. ومركزه محترم.
- وليكن .. وليكن .. أنا مش ها تجوز إلا من .. إلا من (دكتوور)..!!
علت ثغرها الجميل ابتسامة وردية شفافه .. لكنها سرعان ما بدأت تتلاشى حتى اختفت تماماً .. (العيش .. الفلوس .. الوقت .. التاخير .. أبويا .. ومراته ..!!) تصارعت الصور فى رأسها .. تداخلت .. أختلطت .. تباعدت .. اقتربت .. انقلبت .. واعتدلت .. وراحت تدق رأسها دقاً .. ومضت بخطوات كليلة وهى تحدث نفسها : أرجع البيت ؟! أوف العصا ..!!
*******مختبر السرديات- مكتبة الإسكندرية- 12 يناير2009م








الثلاثاء 29 ديسمبر 2009م.



الأديب منيرعتيبة








مكتبة الإسكندرية تتبنى إقامة "مختبر السرديات" لدعم الإبداع السكندرى



*************
أعلن الدكتور خالد عزب مدير الإعلام بمكتبة الإسكندرية عن إنشاء "مختبر السرديات" بمكتبة الإسكندرية بهدف إقامة جسر للتواصل بين مكتبة الإسكندرية ومبدعى المدينة، ودعم الحركة الإبداعية والنقدية بالإسكندرية. سوف يبدأ المختبر فى الثلاثاء 29 ديسمبر الجارى بمركز المؤتمرات، على أن يعقد بشكل دورى فى الثلاثاء من كل أسبوع ويشرف عليه الأديب والروائى منير عتيبة عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو مجلس إدارة اتحاد كتاب الإنترنت العرب، ويهدف المختبر إلى إنشاء وتنظيم وتدعيم حركة نقدية فاعلة مرتكزة على الحركة الإبداعية، بحيث يخرج التيار السردى الإبداعى نقاده من بين أعضائه، ومد جسور المعرفة بين التيار الإبداعى النقدى السكندرى وبين المبدعين والنقاد فى جميع أنحاء مصر، والوطن العربى، وكذلك التواصل مع أحدث الإبداعات العالمية فى مجال السرد، وإنشاء وتنظيم وتدعيم حركة ترجمة لهذا التيار الإبداعى النقدى.
مضيفاً أن الانضمام للمختبر مفتوح لجميع المهتمين بمجال السرد من جميع الأعمار، سواء كانوا يمارسون العملية الإبداعية أو النقدية أو الترجمة أو لا يمارسون أيا من هذه الأنشطة لكنهم يتذوقون هذه الأعمال، وسوف يتضمن قراءات قصصية حرة مع التعليق عليها من الحضور، والمساعدة فى نشر بعض الإبداعات الجيدة على الإنترنت وورقيا.
وسوف يحرص المختبر كل فترة على استضافة بعض المبدعين والنقاد من خارج الإسكندرية للقاء أعضاء المختبر وجمهوره.

*********************


مبدعو الإسكندرية يدشنون مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية
******************
من أجل إقامة جسر للتواصل بين مكتبة الإسكندرية ومبدعى المدينة، ودعم الحركة الإبداعية والنقدية بالإسكندرية أعلن الدكتور خالد عزب مدير الإعلام بمكتبة الإسكندرية عن إنشاء "مختبر السرديات" بمكتبة الإسكندرية. ليكون نافذة جديدة من أجل أدباء الإسكندرية وكتابها، وليفتح بابا جديدا للمبدعين الشباب، وسوف يتم عقده بشكل دورى فى الثلاثاء من كل أسبوع ويشرف عليه الأديب والروائى منير عتيبة عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو مجلس إدارة اتحاد كتاب الإنترنت العرب.
ويضيف عزب أن الانضمام للمختبر مفتوح لجميع المهتمين بمجال السرد من جميع الأعمار، سواء كانوا يمارسون العملية الإبداعية أو النقدية أو الترجمة أو لا يمارسون أيا من هذه الأنشطة لكنهم يتذوقون هذه الأعمال، وسوف يتضمن قراءات قصصية حرة مع التعليق عليها من الحضور، والمساعدة فى نشر بعض الإبداعات الجيدة على الإنترنت وورقيا، كما سوف يحرص المختبر كل فترة على استضافة بعض المبدعين والنقاد من خارج الإسكندرية للقاء أعضاء المختبر وجمهوره.
وقد عقدت أولى ندوات المختبر يوم الثلاثاء 29 ديسمبر الماضى وحضرها عدد كبير من المبدعين السكندرين.
ويقول الأديب والروائى منير عتيبة مدير المختبر وهو عضو اتحاد كتاب مصر وعضو الهيئة الإدارية باتحاد كتاب الإنترنت العرب أن المختبر يهدف إلى إنشاء وتنظيم وتدعيم حركة نقدية فاعلة مرتكزة على الحركة الإبداعية، بحيث يخرج التيار السردى الإبداعى نقاده من بين أعضائه، ومد جسور المعرفة بين التيار الإبداعى النقدى السكندرى وبين المبدعين والنقاد فى جميع أنحاء مصر، والوطن العربى، وكذلك التواصل مع أحدث الإبداعات العالمية فى مجال السرد، وإنشاء وتنظيم وتدعيم حركة ترجمة لهذا التيار الإبداعى النقدى، وكذلك لم شمل التجمعات التجمعات السكندرية المهتمة بالسرد من ورش ومنتديات وندوات بقصور الثقافة وغيرها، لا ليلغيها ولكن ليجعلها تلتقى معا، مما يصنع تيارا سرديا سكندريا لا ينفى خصوصية المبدع الفرد، أو التجمع المحدد، ولكنه يكون كقوس قزح الذى يجمع كل ألوان الطيف السردى معا، إضافة إلى مد جسور المعرفة بين التيار الإبداعى النقدى السكندرى وبين المبدعين والنقاد فى جميع أنحاء مصر، والوطن العربى، ومد جسور التعاون بين المختبر والمراكز الثقافية الأجنبية فى الإسكندرية وخارجها، التواصل مع أحدث الإبداعات العالمية فى مجال السرد، ثم إنشاء وتنظيم وتدعيم حركة ترجمة لهذا التيار الإبداعى النقدى.
مضيفاً أن العمل على اكتشاف المواهب الجديدة وإيجاد صيغ تواصل فعال بينهما وبين أجيال الأساتذة من الأهداف الهامة للمختبر والذى حضره فى أول لقاء 31 مبدعا سكندريا من أجيال واتجاهات أدبية مختلفة، أعلن فيه الجميع سعادتهم بتبنى مكتبة الإسكندرية لهذا المختبر ومؤكدين أن دور المكتبة يزداد تفاعلاً يوما بعد يوم مع المجتمع المصرى بشتى اتجاهاته وأفكاره، وأن تنظيم مثل هذا المختبر هو نتيجة طبيعية لهذا التفاعل.
ويقول عتيبة أن اللقاء الأول للمختبر كان بمثابة وضع الأفكار الأساسية والاتفاق على آليات إدارة المختبر، حيث تم عرض الأهداف الأساسية للمختبر، وآلية العمل التى يراها مناسبة لإدارته، ثم تحدث عدد من المبدعين تعقيبا وتطويرا وإضافة للأفكار التى طرحت.
حيث أكد الأديب الكبير أحمد حميدة على ضرورة التزام المبدعين السكندريين بدعم المختبر بتواجدهم وتفاعلهم مع فكرته بما يحقق لهم حضورا وإفادة من خصوصية ومكانة مكتبة الإسكندرية. وطالبت الأديبة والفنانة التشكيلية سهير شكرى وضع فكرة إحياء أعمال الأجيال السابقة فى برنامج المختبر. كما طلبت الأديبة منى عارف مد جسور التعاون بين المختبر والمراكز الثقافية الأجنبية بالإسكندرية. وأشار د.عبد البارى خطاب إلى ضرورة الاهتمام بالنقد ومدارسه. كما تحدث الأديب الكبير سعيد سالم مدعما فكرة المؤتمر فى العمل على خلق تيار إبداعى ونقدى سكندرى. وأكد الأديب الكبير حجاج أدول على أهمية انتهاج مبدأ الصراحة المطلقة فى عرض الآراء فى النصوص الإبداعية التى ستطرح فى المختبر دون مجاملات ودون الإساءة الشخصية، وأكد على شعوره بمسئولية جيله تجاه الأجيال الصاعدة، وحبذ فكرة التعاون مع المراكز الثقافية الأجنبية، منوها إلى ضرورة تكاتف الجميع ليكون المختبر إضافة نوعية إلى الحركة الأدبية السكندرية وليس مجرد إضافة كمية.
أما الناقد الكبير شوقى بدر يوسف فقد أشار إلى أن مجرد اسم مختبر السرديات بداية لعمل منظم وعميق، وأنه المختبر الثالث فى العالم العربى بعد مختبر المغرب ومختبر الإسماعيلية، وأكد أن إتاحة المكتبة يوما أسبوعيا لمثقفى الإسكندرية هى فرصة ذهبية لابد من دعمها للخروج بعمل مميز يليق بنا وبالمكتبة، وقدم بعض الأفكار التى يمكن أن توضع فى برنامج المختبر كأن تصدر عن المختبر مجلة متخصصة فى السرد. وقال الأديب الشاب حسام حسن محمد إنه يحلم بروح جديدة تقضى على تهميش المثقف المصرى وتفعل دوره وتدعم التواصل بين الأجيال، وذلك لتحسين الأوضاع الحالية فى هذه النقاط بالذات. أما الأديب يحيى فضل سليم فقد أكد أن اللقاء الأول للمختبر يبشر بنجاحه وتحقيق ما أنشئ من أجله، وذلك للعدد الكبير والمتنوع من الحضور، ولخصوصية المكان وأهميته، كما عضد فكرة إنشاء مجلة للمختبر، وأشار لأهمية تجميع كل المثقفين السكندريين فى المختبر والعمل فى الوقت نفسه على التفاعل مع من هم خارج الإسكندرية سواء فى مصر أو الوطن العربى أو العالم الخارجى. وأكدت الأديبة منى سالم أن المختبر بداية طيبة لتغيير هذه الفكرة فى الأذهان وكذلك لتلاقى الأجيال الإبداعية المختلفة. ووافقها فى الرأى الأديب الكبير مصطفى نصر مؤكدا أن المختبر سيكون بداية لتفاعل حقيقى بين المبدع السكندرى ومكتبة الإسكندرية، كما أشار إلى أهمية استخدام مصطلح السرد لقدرته على جمع أكثر من نوع أدبى، مشيرا إلى الحملة التى يتبناها البعض بموت القصة القصيرة مؤكدا أنها زوبعة فى فنجان، وكذلك أهمية أن يخرج المختبر نقادا يقودون الحركة الإبداعية السكندرية. وأخيرا طلب الأديب الشربينى المهندس أن يكون شعار المختبر هو يحيا الاختلاف مع تقبل جميع الآراء بمودة وألفة أدبية وتواصل إبداعى وإنسانى، وأهمية التسجيل والتوثيق للتجارب الإبداعية والنقدية السكندرية.
حضر المختبر أيضا من مبدعى ونقاد الإسكندرية من الأجيال المختلفة د.نادية محمد البرعى، محمد عطية محمود، رمزى بهى الدين، محمد السيد عوض، أيمن صادق، نرمين زغلول إبراهيم، أحمد عصمت، سعيدة نور الدين، آية رجب محمد، رشاد بلال، محمد متولى العبادى، أحمد محمد إبراهيم، شيماء شعبان، سناء أحمد، مصطفى عبد اللطيف، صلاح بكر، شيماء سالم، سارة فتحى الصاوى، لميس محمود السيد.
وحول ما يمكن أن يقدمه المختبر فى الفترة القادمة يقول منير عتيبة أن هناك العديد من الأفكار والطموحات التى يزمع المختبر تنفيذها خلال الفترة القادمة منها مشروع "المبدع الأستاذ" والذى يهدف إلى اكتشاف المواهب الجديدة ورعايتها، وتحقيق التواصل والارتباط العميق بين جيل المبدعين الأساتذة وبين جيل البراعم الموهوبة، وتحقيق التواصل بين الشباب وبين المكتبة متمثلة فى مختبر السرديات، وذلك من خلال الإعلان عن مسابقة أدبية فى مجال القصة القصيرة للشباب والفتيات تحت سن العشرين، فى الصحف وعلى شبكة الإنترنت وبواسطة ملصقات فى المكتبة وفى أماكن التجمع الشبابية وخصوصا مراكز الشباب والمدارس الثانوية والمعاهد الدراسية، ثم يتم تلقى الأعمال المتقدمة للمسابقة وإعطاء رقم لكل عمل، ويتم عرض الأعمال على لجنة من جيل الوسط تعمل وفقا لتقييم منضبط يتم وضع جدول به لاحقا، وذلك لتصعيد الأعمال الجيدة، وبعدها يتم عرض الأعمال التى تم تصعيدها على مبدعين من جيل الأساتذة حسب المحافظات التى يعيش فيها المبدعون الصغار ليختار كل أستاذ البرعم الذى يراه موهبة مبشرة، ويتم عمل حفل تكريم لمن تم اختيارهم، وفى الحفل توزع شهادات تقدير، ويتم إعلان الأستاذ الخاص بكل تلميذ، وعلى كل أستاذ (حسب اتفاق مسبق) أن يتبنى الموهبة التى اختارها لمدة عام، يوجهه توجيها كاملا لم يجب أن يقرأه، يناقشه فيما قرأه، يتابع ما يكتبه، يوجهه (أى ورشة خاصة بينهما). وفى نهاية العام يقدم كل أستاذ مقالا عن تلميذه يوضح فيه ما قدمه للتلميذ، وما حدث لتلميذه من تطور، مع نماذج لأعمال التلميذ بعد التدريب، ويتم نشر المقالات ونماذج الأعمال، بالإضافة إلى العمل الأول لكل تلميذ والذى كان سببا فى اختياره، وذلك فى كتاب (أو ملف حسب الإمكانيات). ويتم تكرار المسابقة سنويا، مما يجعلها تعمل على تراكم أجيال من المبدعين المثقفين المتواصلين مع الأساتذة بشكل منهجى.
ومن المشاريع المزمع تنفيذها أيضا فى المختبر هى مشروع "العالم القصصى عند (فلان)" وهو عبارة عن دراسات للعالم القصصى لمبدعى الإسكندرية فى الأجيال المختلفة، وكذلك مشروع الحركة النقدية السكندرية فى النصف الثانى من القرن العشرين (أجيال النقد فى الإسكندرية): دراسات للاتجاهات النقدية لنقاد الإسكندرية فى الأجيال المختلفة.
ومن أهم الضيوف التى سيستضيفهم المختبر خلال الفترة القادمة هو الأديب الأردنى صبحى الفحماوى وذلك فى لقاء يوم الثلاثاء 26 يناير 2010م، صاحب رواية "الإسكندرية 2050" ويناقشه كل من النقاد: شوقى بدر يوسف- أحمد فضل شبلول- محمد عطية.


مبدعو الإسكندرية يدشنون مختبر السرديات بالمكتبة
*************
عقد 31 مبدعا سكندريا من أجيال واتجاهات أدبية مختلفة أولى لقاءات مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية وذلك يوم الثلاثاء 29 ديسمبر 2009 من الساعة السابعة إلى الساعة التاسعة مساءً.
كان اللقاء الأول للمختبر بمثابة وضع الأفكار الأساسية والاتفاق على آليات إدارة المختبر، حيث عرض الأديب منير عتيبة مدير المختبر الأهداف الأساسية للمختبر، وآلية العمل التى يراها مناسبة لإدارته، مؤكدا على أن أهم أهداف المختبر تتمثل فى تجميع شتات التجمعات السكندرية المهتمة بالسرد من ورش ومنتديات وندوات بقصور الثقافة وغيرها، لا ليلغيها ولكن ليجعلها تلتقى معا، مما يصنع تيارا سرديا سكندريا لا ينفى خصوصية المبدع الفرد، أو التجمع المحدد، ولكنه يكون كقوس قزح الذى يجمع كل ألوان الطيف السردى معا. وإنشاء وتنظيم وتدعيم حركة نقدية فاعلة مرتكزة على الحركة الإبداعية، بحيث يخرج التيار السردى الإبداعى نقاده من بين أعضائه. ومد جسور المعرفة بين التيار الإبداعى النقدى السكندرى وبين المبدعين والنقاد فى جميع أنحاء مصر، والوطن العربى. والتواصل مع أحدث الإبداعات العالمية فى مجال السرد. وإنشاء وتنظيم وتدعيم حركة ترجمة لهذا التيار الإبداعى النقدى.
ثم تحدث عدد من المبدعين تعقيبا وتطويرا وإضافة للأفكار التى طرحت.
حيث أكد الأديب الكبير أحمد حميدة على ضرورة التزام المبدعين السكندريين بدعم المختبر بتواجدهم وتفاعلهم مع فكرته بما يحقق لهم حضورا وإفادة من خصوصية ومكانة مكتبة الإسكندرية. وطلبت الأديبة والفنانة التشكيلية سهير شكرى وضع فكرة إحياء أعمال الأجيال السابقة فى برنامج المختبر. كما طلبت الأديبة منى عارف مد جسور التعاون بين المختبر والمراكز الثقافية الأجنبية بالإسكندرية. وأشار د.عبد البارى خطاب إلى ضرورة الاهتمام بالنقد ومدارسه. كما تحدث الأديب الكبير سعيد سالم مدعما فكرة المؤتمر فى العمل على خلق تيار إبداعى ونقدى سكندرى. وأكد الأديب الكبير حجاج أدول على أهمية انتهاج مبدأ الصراحة المطلقة فى عرض الآراء فى النصوص الإبداعية التى ستطرح فى المختبر دون مجاملات ودون الإساءة الشخصية، وأكد على شعوره بمسئولية جيله تجاه الأجيال الصاعدة، وحبذ فكرة التعاون مع المراكز الثقافية الأجنبية، منوها إلى ضرورة تكاتف الجميع ليكون المختبر إضافة نوعية إلى الحركة الأدبية السكندرية وليس مجرد إضافة كمية. أما الناقد الكبير شوقى بدر يوسف فقد أشار إلى أن مجرد اسم مختبر السرديات بداية لعمل منظم وعميق، وأنه المختبر الثالث فى العالم العربى بعد مختبر المغرب ومختبر الإسماعيلية، وأكد أن إتاحة المكتبة يوما أسبوعيا لمثقفى الإسكندرية هى فرصة ذهبية لابد من دعمها للخروج بعمل مميز يليق بنا وبالمكتبة، وقدم بعض الأفكار التى يمكن أن توضع فى برنامج المختبر كأن تصدر عن المختبر مجلة متخصصة فى السرد. وقال الأديب الشاب حسام حسن محمد إنه يحلم بروح جديدة تقضى على تهميش المثقف المصرى وتفعل دوره وتدعم التواصل بين الأجيال، وذلك لتحسين الأوضاع الحالية فى هذه النقاط بالذات. أما الأديب يحيى فضل سليم فقد أكد أن اللقاء الأول للمختبر يبشر بنجاحه وتحقيق ما أنشئ من أجله، وذلك للعدد الكبير والمتنوع من الحضور، ولخصوصية المكان وأهميته، كما عضد فكرة إنشاء مجلة للمختبر، وأشار لأهمية تجميع كل المثقفين السكندريين فى المختبر والعمل فى الوقت نفسه على التفاعل مع من هم خارج الإسكندرية سواء فى مصر أو الوطن العربى أو العالم الخارجى. وأكدت الأديبة منى سالم أنها كانت ترى أن مكتبة الإسكندرية لا تفيد المبدع السكندرى وأن المختبر هو بداية طيبة لتغيير هذه الفكرة فى الأذهان وكذلك لتلاقى الأجيال الإبداعية المختلفة. وأكد الأديب الكبير مصطفى نصر أيضا على فكرة تهميش المبدعين السكندريين من نشاطات المكتبة وأن المختبر سيكون بداية لتفاعل حقيقى بين المبدع السكندرى ومكتبة الإسكندرية، كما أشار إلى أهمية استخدام مصطلح السرد لقدرته على جمع أكثر من نوع أدبى، مشيرا إلى الحملة التى يتبناها البعض بموت القصة القصيرة مؤكدا أنها زوبعة فى فنجان، وكذلك أهمية أن يخرج المختبر نقادا يقودون الحركة الإبداعية السكندرية. وأخيرا طلب الأديب الشربينى المهندس أن يكون شعار المختبر هو يحيا الاختلاف مع تقبل جميع الآراء بمودة وألفة أدبية وتواصل إبداعى وإنسانى، وأهمية التسجيل والتوثيق للتجارب الإبداعية والنقدية السكندرية.
حضر المختبر أيضا من مبدعى ونقاد الإسكندرية من الأجيال المختلفة د.نادية محمد البرعى، محمد عطية محمود، رمزى بهى الدين، محمد السيد عوض، أيمن صادق، نرمين زغلول إبراهيم، أحمد عصمت، سعيدة نور الدين، آية رجب محمد، رشاد بلال، محمد متولى العبادى، أحمد محمد إبراهيم، شيماء شعبان، سناء أحمد، مصطفى عبد اللطيف، صلاح بكر، شيماء سالم، سارة فتحى الصاوى، لميس محمود السيد.