بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 31 ديسمبر 2010

الثلاثاء 19 أكتوبر 2010م.

/y">



مختبر السرديات
ملــف

الأديب التونسى الكبير
د.صلاح الدين بوجاه


إعداد/ منير عتيبة

19 أكتوبر2010م


صلاح الدين بوجاه
(سيرة ذاتيّة)
- مولود في القيروان .تونس1956
- متزوج له 4 أبناء
- زاول تعلمه فى القيروان حتى الباكالوريا آداب 1975.
- انتمى إلى الجامعة التونسية، فى كلية الأداب 9 أفريل، حيث حصل على الأستاذية 1979
- ثم شهادة الكفاءة فى البحث 1983.
- ثم شهادة التعمق فى البحث 1987.
- متحصل على دكتوراه الدولة في الادب العربي (وجوه الائتلاف - والاختلاف بين الرواية التونسية والرواية المكتوبة بالفرنسية في تونس) سنة 2004.
- عميد سابق بكلية الاداب بالقيروان.
- كاتب تونسي يسهم في الحركة الثقافية العربية منذ بداية السبعينات. معروف في المشرق العربي بإسهاماته النقدية والقصصية والروائية.
- صدرت أعماله في كل من تونس وبيروت والقاهرة ودمشق واللاذقية وطرابلس، وشارك في عدد من لجان التحكيم مشرقا ومغربا .
- عضو اتحاد الكتاب التونسيين وعضو اتحاد الكتاب العرب .ينتمي الى الجامعة التونسية منذ منتصف الثمانينات.
- رئيس إتحاد الكتاب التونسيين2005/2008
- عضو الجمعية المغربية الفرنسية للاداب المكتوبة بالفرنسية.
- عضو هيئة تحرير مجلة الحياة الثقافية.
- يقدم عديد البرامج في الاذاعة والتلفزة.
- حاصل على الجائزة الوطنية للاداب 2003.
- حاصل على الصنف الأول من وسام الإستحقاق الثقافي
من أعماله المنشورة
في المجال النقدي:
- الأسطورة في الرواية الواقعية.بيروت .1990 ، المؤسسة الجامعية للنشر.
- الجوهر والعرض في الرواية الواقعية .بيروت، 1992 المؤسسة الجامعية للنشر
- مقالة في الروائية .بيروت، 1994 المؤسسة الجامعية للنشر
- كيف أثبت هذا الكلام؟.تونس. 2004( على نفقة المؤلف).
- وجوه الائتلاف ووجوه الإختلاف، دار الجنوب، كلية الأداب بالقيروان 2006.
- الصعود إلى الجذورفى الحضارتين العربية والغربية- ماسكيلياني 2009.
في المجال الابداعي:
- مدونة الاعترافات.سيراس.تونس.1985 .
- التاج والخنجر والجسد.القاهرة دار الصباح .1992
- النخاس.تونس.1995 دار الجنوب للنشر.
- السيرك.بيروت. 1997 دار الآداب.
- سهل الغرباء.تونس.سيراس 1999-القاهرةالمجلس الأعلى للثقافة 2000
- لا شيء يحدث الان.تونس 2002-القاهرة المجلس الأعلى للثقافة2002.
- سبع صبايا، تونس2004
- لون الروح، تونس 2008، القاهرة 2009.
في المجال العام
في الشأن العام 2008، مؤسسة الحرية للنشر.
في التعريب
- أم كلثوم، تأليف حمادي بن حماد، تعريب صلاح الدين بوجاه1997
- العولمة والتنوع الثقافي، تأليف أرمون ماتلارد 2001، وفيه يتوق المؤلف إلى بلورة موقف أوروبا من أمريكا.
- تونس، طبيعة وثقافة، تأليف الهادي مهني2004 وبشير حليم 2004 وهو كتاب تمت صياغته فى أسلوب شاعري لطيف.
- ظهيرة في الصحراء2007، تأليف مصطفي التليلي، الكاتب التونسي المقيم فى أمريكا.
من مخطوطاته:
- وجوه (بورتريات)
- حمام الزغبار (رواية)
- مداخل إلى أدب بوجاه

صلاح الدين بوجاه
ببليوجرافيا
اعداد/شوقى بدر يوسف

نبذه عن حياته
· ولد عام 1956 فى فضاء قيروانى ما .. بين سيدى فرحات والحضراوين
· ورث عن والده حب المدونات القديمة
· جامعى – قسم اللغة والآداب العربية – كلية الآداب بالقيروان
· يعالج النقد الأدبى منذ نهاية السبعينيات
· ظهرت أولى رواياته " مدونة الإعترافات والأسرار " عام 1985
مؤلفاته
· مدونة الإعترافات والأسرار ( رواية ) ، تونس ، 1985
· التاج والخنجر والجسد ( رواية ) ، دار سعاد الصباح للنشر ، القاهرة ، 1992
· النخاس ( رواية ) ، دارالجنوب للنشر ، تونس ، 1995
· راضية والسيرك ( رواية ) ، بيروت ، 1997
· سهل الغرباء ( مجموعة قصصية ) ، سلسلة آفاق الكتابة ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة ، 1999(القصص: عربة الموتى – مطاردة – بيت للغرباء – الصغيرات فى المركب – المهرج – العجوزان – المشتى فوق الجبل – دادمة – طار الأرواح – أيامى الأخيرة – سبيل لا تؤدى إلى غاية – زرنيخ).
· لا شئ يحدث الآن ( قصص ) ، الشركة التونسية للنشر ، تونس ، 2002( القصص: البالوعة – مخدع للحلازين – حارس البيت القديم – مقهى المتقاعدين – ما أعسر المشى على قدم واحدة – رعونة لا تكفى لغسل الروح – الكفيفان– أوانى لا يغسل كل شئ – المصعد – الفئران تحجم عن قضم المعنى – المرأة التى تدبغ ظهور الرجال – روح تائهة تطلب ملاذا).
أعماله النقدية
· فى الواقعية الروائية.. الشئ بين الجوهر والعرض، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1993
· فى الواقعية الروائية.. الشئ بين الوظيفة والرمز، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1993
· مقالة فى الروائية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1994
الدراسات التى نشرت عن إبداعه الروائى والقصصى فى فصول من الكتب
· (مظاهر التأصيل فى الرواية التونسية .. صلاح الدين بو جاه وحدوة الأعترافات والأسراء / أختيار التراث : فوزى الزولى ) ، ملتقى الروائيين العرب الأول – شهادات ودراسات – مهرجان قابس الدولى بتونس ، دار الحوار للنشر والتوزيع ، دمشق ، 1993
· ( قصة " زرنيخ " ) ، ظلال تونسية .. 38 قصة قصيرة من الأدب العربى التونسى ، اختارها وقدم لها عبد الرحمن مجيد الربيعى ، وكالة الصحافة ، القاهرة ، 2000 ص 145
· ( صلاح الدين بوجاه .. التواطؤ المبهم والتوازانات الهشة ) ، اباطيل صالحة للنظر فى القصة العربية والرواية ، د.عبير سلامة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2004 ص 135
الدراسات والمقالات والحوارات التى نشرت عن إبداعه فى الدوريات
· استلهام الموروث فى الرواية العربية " صلاح الدين بوجاه نموذجا " ، د . عبد الله أبو هيف ، الموقف الأدبى ، دمشق ، ع 353
· السطوح ( رواية ) صلاح الدين بو جاه ، المحرر ، اخبار الأدب ، القاهرة ، ع 278 ، 8111998 ص 14
· الروائى والناقد التونسى د . صلاح الدين بو جاه ل " العالم " : هذا هو عصر الرواية وهناك قلة من الشعراء وكثرة من الروائيين ( حوار ) ، وحيد تاجا ، العالم ، باريس ، ع 647 ، 14111998 ص 46
· الروائى التونسى صلاح الدين بوجاه : مع الكتابة دوما فى مجاهل اللاشعور والغموض والسر ( حوار ) ، احمد الشهاوى ، نصف الدنيا ، ع 492 س 10 ، 1871999
· صلاح الدين بوجاه ومجموعة " سهل الغرباء " ، د . ياسين فاعور ، الأسبوع الأدبى ، دمشق ، ع 706 ، 29/4/2000
· لا شئ يحدث الآن ( قصص ) ، المحرر ، بيان الكتب ، الشارقة ، ع 227 ، 9/9/2002
· مع الروائى التونسى صلاح الدين بو جاه ( حوار ) ، ماجد السامرائى ، الآداب ، بيروت ، سبتمبر 2003
· الكتابة والخوف والحرية .. " نحو تصور للكتابة الروائية اليوم " ( شهادة ) ، صلاح الدين بوجاه ، عمّان ، عمّان ، ع 101 ، نوفمبر 2003 ص 40
· رواية الواقعية اللغوية عند صلاح الدين بو جاه ، د . محمود طرشونة ، عمّان ، عمّان ، ع 103 ، كانون ثانى 2004 ص 22
· رواية "النخاس" لصلاح الدين بوجاه، نبيل سليمان، الحياة الثقافية ، تونس ، ع 151 س 29 ، يناير 2004 ص 132
· رواية " النخاس " بين تراث الحكى وحداثة النص الروائى ، شوقى بدر يوسف ، الحياة الثقافية ، تونس ، ع 156 ، يونيو 2004 ص 129
· النخاس وروايات المتوسط ، مصطفى عبد الله ، الصدى ، الشارقة
· استفتاء حول الروائيين النقاد .. د . صلاح الدين بوجاه ، إعداد كمال الرياحى ، عمّان ، عمّان ، ع 110 ، آب 2004 ص 5
· حكاية نخاس الحكايا أو قصة الكاتب صلاح الدين بوجاه ( حوار ) كمال الرياحى ، عمّان ، عمّان ، ع 113 ، تشرين الثانى 2004 ص 4
· أسئلة الأصالة والحداثة فى المشروع السردى لصلاح الدين بوجاه ، عمار عونى ، القدس العربى ، لندن ، 30/8/2005
· رواية التجريب فى تونس : رهاناتها وآفاقها .. " النخاس " لصلاح الدين بو جاه ، د . محمد الباردى ، عمّان ، عمّان، ع 126 ، كانون الأول 2005 ص 74
· التاج والخنجر والجسد .. رواية تنظر فى ذاتها ، د . محمود طرشونة ، عمّان ، عمّان ، ع 127 ، كانون الثانى 2006 ص 44
· رواية " النخاس " بين تراث الحكى وحداثة النص الروائى ، شوقى بدر يوسف ، الثقافة الجديدة ، القاهرة ، ع 188 ، مارس 2006 ص 84
· حوار مع الروائى صلاح الدين بوجاه : ليست لدينا نظريات مستقلة وينتهى بنا المطاف للتعامل مع الفكر الآخر ، حاوره رزان نعيم المغربى ، ج الجماهيرية ، 26/5/2006 N
· لا توجد نظريات جاهزة لتطبق على أى عمل إبداعى ( حوار ) ، رزان نعيم المغربى ، الجماهيرية ، طرابلس ، 29/30 ربيع آخر 1426
· مع الروائى التونسى صلاح الدين بو جاه .. حكاية النخاس ( حوار ) ، كمال الرياحى ، موقع دون كيشوت ، الأنترنت ، 2/9/2006
بعيدا في مضارب البشاعة بحثا عن المعنى
في لـون الــرّوح
بقلم/ أ.د. نجوى الرياحي - تــــونس
على سبيل التّقديم
لم تقطع بعض الكتابات الإبداعية العربية الشعريّة والنثريّة وهي تحثّ الخطى في مسالك التّجريب ، مع ما يمكن أن نسمّيه الحسّ أو الوعي الجمعيّ. فالمبدع يخرج اليوم وهو يصوغ نصّه، إلى نسقيّة في التشكيل وإنتاج الدلالة تؤطّر تصوّره للإبداع ووظيفته وتؤطّر في الآن نفسه رؤيته للواقع وحركة الجماعة ووضع الإنسان عامّة فيه. وهو تحوّل في الكتابة الإبداعيّة يوافق كما هو معلوم تحوّلات جمّة محلّية وعالميّة تمّت على أصعدة السّياسة والثّقافة والاجتماع والدّين. فأتاحت لقضايا الهويّة والحرّية والإرهاب والعنف والاستبداد الاجتماعي والسّياسي والدّيني. أولويّة الحضور بل والبروز في نصوص لم تضمر فيها مع ذلك أبعاد الفنّ والتّخييل ومهارات الصّياغة والتشّكيل.
ويمكننا أن نذكر من هذه النّصوص رواية لون الرّوح
[1] للكاتب التّونسي صلاح الدّين بوجاه[2]. ففي هذه الرّواية الحائزة على جائزة كومار الذهبي لسنة 2007، بدا أنّ الكاتب وهو يرسم صورة للإنسان في أكثر حالاته ضعفا وأكثر أوضاعه بشاعة، يوازي في ضرب من الجدل المضمر بين مقتضيات الفنّ والتّخييل من جهة،ومن جهة أخرى قضايا واقعيّة وتاريخيّة تطال الشّعوب والمجتمعات وقضايا وجوديّة تطال الإنسان الأعزل وقد تعقّدت حياته وتعثّر مصيره.
وربّما يسرع البعض حرصا على التّعريف برواية لون الرّوح ورغبة في اختصار المسافات إليها واختراق مغالقها، إلى تصنيفها ضمن نسق في الكتابة واقعيّ تسجيليّ أكثر منه نقديّ.
والحقّ أنّ في الرّواية ما يغري بذلك فعلا من إشارات صريحة إلى الأوضاع العربيّة والعالميّة مثل اجتياح العراق واستفحال قوى الإرهاب والتطرّف والاحتلال الإسرائيلي... وغير ذلك ممّا يقرّب نصّ الرّواية إلى مرآة مقعّرة للواقع.
وكأنّما يزيد كاتب الرّواية نفسه بقول له من خارجها ، في إقرار الرّواية على ذلك. والقول وارد في رسالة منه موجّهة إلى الرّّئيس الأمريكي باراك حسين أوباما
[3] عنوانها بالكامل :" الرّوح لا لون لها. رسالة إلى أوباما: متى يتطابق خطابكم مع ما يعتمل في صدور النّاس !؟". فخطاب الرّسالة الدّاعي كما يشير عنوانها إلى أن توافق نوايا السّاسة نوايا شعوبهم، خطاب سياسيّ ذو ملمح شاعريّ.وليس ذلك لأنّ صاحبه توسّل في كتابته بديع اللفظ وحسن الصّياغة بل لأنّه جعل الرّوح مركزا لكلامه وخلاصا للبشر ساسة وشعوبا.
ففي رسالة بوجاه إلى أوباما حديث عن " الممارسات المتطرّفة على الإطلاق سواء تأتّت عن اليهوديّة أو المسيحيّة أو الإسلام"، وعن ضرورة أن تتّحد هذه الأطراف الثّلاثة في محاربة التطرّف بإسم التّاريخ الجامع بينها . وهو كما يقول بوجاه " تاريخ الرّوح... والرّوح لا تحمل إلاّ لونا واحدا مفعما بالصّفاء والشّفافيّة". ممّا يعني أنّ خطاب بوجاه إلى أوباما التّالي زمنا لكتابة الرّواية، يهجس بمشاغلها وموضوعاتها وقد ذكرنا بعضها. ويعلن بدءا بعنوان الرّسالة ونهاية بها أنّ الرّوح وهي الجامع بين المسلم والمسيحيّ واليهوديّ،لا لون لها أو ذات لون واحد. وقد كان بوجاه إفتتح روايته بسؤال عن لون الرّوح وبحث فيه. فكأنّه وقد جعل لرسالته ملمحا شاعريّا محوره الرّوح، جعل لروايته ملمحا تحليليّا فصاغ الأسئلة عن الرّوح ولونها وانتهى إلى إجابة قاطعة أعلنتها رسالته واختتمت بها. وبوجاه نفسه لا يقطع أواصر رسالته بنصّه الرّوائي فجاء على لسانه في نصّ الرّسالة " ويحيلني هذا على رواية نشرتها خلال السّنة الماضية تحمل عنوان"لون الرّوح" فأشرت فيها إلى أنّ روح اليهودي وروح المسيحي وروح المسلم جميعا ذات لون واحد... رغم ما يشيعه المتعصّبون من فهم خاطئ".
ومن رأينا أنّ هذه الرّواية بسبب من بنيتها الدّلالية والفنّية وبسبب من صلتها بالرّسالة، أشبه في ما انتاب كيان النّص الإبداعي العربي من أدواء من أسبابها الإمعان في التّغريب والإفراط في التّجريب، بدعوة إلى أن نردّ للكتابة صدمتها بالواقع. صدمتها بالواقع بصفتها أدبا، بحيث تكون الكتابة نفسها عبارة وصياغة وفكرة في قبضة الإرهاب والرّعب والتّلصّص. فالنّص الذي يسوق إلينا الحياة ممعنة عفوية وبساطة وصراحة يوغل بنا على خلاف ما يحسب صاحبه في مغاور جهلنا وغربتنا. في حين يجتثّ النّص إذا حاكى من الواقع فوضاه وتعقّده، سكوننا. وهو ما يعني عندنا أنّ ولوج رواية لون الرّوح يقتضي التجرّد من التّصنيفات الأنواعيّة والمذهبيّة علّنا نفسح لأسئلة النّص مجالا فتفعل فينا.
I- الرّواية في مسالك المعنى واللاّمعنى
ورواية لون الرّوح
[4]التي لا يتيسّر تلخيصها كما سيتّضح،تجمّع فئات بشرية متباينة، في إطار من العراء والمراقبة إلى حدود التلصّص والعنف والبشاعة والقهر والتّعذيب.
ففي منطقة " على الحدود الشرقيّة" على مسافة قريبة من الاحتلال الصّهيوني ،كان ثمّة فندق "واسع مثل حيّ كبير" (ص31). وهو من فنادق القرية السّاحليّة الشّاهقة يقصده كما جاء في نصّ الرّواية السيّاح القادمون " من أوروبا ومن البلد المجاور" (ص43) الذي تسم رجاله "سمة صغيرة جدّا في اللّباس، غطاء صغير للرّأس" (ص43). وكان ثمّة سجن في قلعة قديمة تحيط بها الصّحراء من كلّ جانب ويساق إليه الخلق " من أنحاء البلاد البعيدة، بلادنا، والبلاد الأخرى القريبة... لا فرق بين شرق وغرب" (ص82).
وكانت في الفندق تنشط عيون الرّقباء " القادرة على الاكتشاف، بل الرّاغبة فيه، المتشبّثة بأدقّ جزئيّاته" (ص34) وقد زوّدوا بالكاميرات وأجهزة الإنصات توقّعا للشرّ من جهات ومنظمات يصفونها بالإرهابية والمتطرّفة ويعتبرونها "مثل الشياطين" (ص33) ذات قدرة رهيبة على التخريب. وفي السّجن ينشط السجّانون للتّنكيل بالخارجين من أبناء البلد أو " من الأوروبيين" (ص73)،على الأعراف العامّة.
بحيث يوفد الإنسان هنا وهنالك في الفندق وفي السّجن ومن أيّ موقع يحلّ ، على شرّ وفضاعة وبؤس كبير، موفدا تكتمل دوائره في نصّ الرّواية بوقائع الإحتلال والحروب الطّائفيّة وما ينجرّ عن التعصّب والتطرّف بأصنافه من عنف.
فالرّواية تكشف عن متاهة كابوسيّة مخيفة يعيش فيها الإنسان العربيّ وكذلك الصّهيونيّ والأوروبيّ فتضيق عنده فسحة الأمل مرّة حتّى يدرك أنّه " لا يوجد خلاص" (ص157) وتبرق عنده مرّة أخرى أشعّة الأمل " نجمة ... في توهّجها الخفيف غير المنظور" (ص157). وهو ما يفسّر أنّه بين الوضع الكابوسيّ والآخر، كان السّؤال عن سبل الخلاص موصولا بالسّؤال عن " لون الرّوح فيما وراء السّحنة البادية" (ص31) يتكرّر عبر الرّواية كلّها أشبه في ذلك بلولب يدور حول الأشياء ويدور حول نفسه.
بحيث يدرك قارئ الرواية أن بوجاه يصوغ فيها جدلا مركّبا بين أوضاع وسلوكات وكأنّه يقابل بين الشّيء والآخر أو يعدّل النّظرة إلى بعض ما يحدث ويصحّح مسار البعض الآخر. فإن كان العربيّ يلقى من العذاب ألوانا بتكليف من القوى السّياسية المحلّية والعالميّة وهي "المناطق العليا، التي ننظر إليها ولا نقوى على إطالة التحديق" (ص34)، فإنّ الأوروبيّ والإسرائيليّ كما جاء في الرّواية محاصران هما الآخران مشكوك في فكرهما وسلوكهما. وإن كان هذان يراقبان خفية بحيث لا يخدش شعورهما، فإنّ معاداتهما تعلن كذلك صراحة وتشتدّ عقوبتهما وتحتدّ مطاردتهما. ويجسّد ذلك في نصّ الرّواية تجميع بعض الأوروبيّين في فضاء النّزل والفسحة والاستجمام وبعضهم الآخر في فضاء السّجن والتّعذيب.
وهو ما قد يؤول إذا قابلنا بينه وبين الواقع الذي تلحّ الرّواية على ضبابيّته والتباس الأمور فيه، إمّا بالدّعوة الضمنيّة إلى ضرورة أن تعدّل مسارات الشّك والمطاردة فتحوّل باتجاه الأوروبي والإسرائيلي وإمّا بالتنبيه إلى أنّ معاناة الإنسان عامّة وواحدة أينما كان موقعه ومهما اختلفت جنسيّته وتباينت ألوانه. وقد جاء دعما للرّأيين معا على لسان الرّاوي " تغيّر شعوري بالنّقص إزاء الأوروبيين كثيرا حين اكتشفت أنّهم أيضا يدخلون هذه السّجون الكثيرة ، عبر أنحاء الدّنيا" (ص82).
هذا هو موضوع الرّواية أنسقنا فيه إلى بعض التأويل بحيث لا يفهم أنّ في الرّواية ملمح بساطة وسهولة وتسجيليّة. ذلك أنّ الظّاهر من الرّواية أنّ موضوعها مطابق فعلا لمعلوم وربّما حتّى لمقروء حول الأوضاع العربيّة والعالميّة. والأحداث في الرّواية واقعيّة موصولة بما جرى ويجري فلا تعسر على القارئ منذ القراءة الأولى الإحاطة بمضامينها وأبعادها الكلّية وحتّى الجزئيّة ولا يعسر عليه المقاربة بين فصول الرّواية وإدراك العلاقة بينها.ولا تقوم لهذا القارئ بصورة عامّة وهو يقرأ النّص ويفكّ معانيه، إشارات ورموز ومجازات ومناصّات تستغلق على الفهم.
ومثل هذه الظاهرة التي قد يستنكف بعض من روّضت ذائقتهم الفنّية مهارات السّرد الحديثة والعصريّة بمعنى المتطرّفة حداثة وجدّة،يخرج بها بوجاه في الظّاهر عمّا قيل من أنّ القارئ ينشط لبعثرة النّص الأدبي وإعادة تركيبه واختراق مغالقه ومواطن صمته تجلية للمعنى وكشفا لأبعاده، حتى لكأنّ هذا القارئ يعيد بناء الخطاب فيتخلّق النّص على يديه.
وقد يتبادر إلى الذّهن من ذلك أنّ رواية لون الرّوح لا تجانب الواقع فتسوق التجربة المعيشة عفوا وتتبدّى في شكل مشهد فرجويّ متّسع أمام القارئ في نسق من الكشف بل من التّعرية والفضح. وذلك خاصّة أنّ المشاهد فيها تتوالى مبئّرة ومنقولة من قبل مجموعة من الرّجال زوّدوا بأحدث آلات التجسّس وتخفّوا في بنايات وسيارات يراقبون منها نزلاء الفندق ويتلصّصون على أدقّ حالاتهم وحركاتهم بل " يجتهدون في تلصّصهم، ويتفانون في التّسلّل إلى غرف النّزلاء" (ص41).
والحقّ أن ذلك تكرّسه فعلا في نصّ الرّواية جملة من التّعليقات الصّريحة من قبل الرّاوي بخصوص إجراءات الكتابة الإبداعيّة ومشروع الرّواية ومالها من دور ووظيفة. فممّا جاء في لون الرّوح أنّ " الإحساس بالرّواية يختلف تماما عن الإحساس بالشّعر، لذلك فإنّ هذا المجتمع الفضفاض يمكن أن يكون مجتمعا روائيّا، لكنّه – بأيّة حال من الأحوال- لا يمكن أن يكون مجتمعا شعريّا !" (ص103).وهو ما يشير إلى إقرار بوجاه الواضح بقدرة الرّواية أكثر من الشّعر على الإحاطة بتفاصيل المجتمع وتحوّلاته وما يصيب أركانه وبنياته من اضطراب وفوضى. وهو ما يبرّر الحديث في نصّ الرّواية عن الشّهادة على ما يحدث (ص 63 و82) والتّأكيد على صدقيّته " ليس هذا خيالا ولا حول ولا قوّة إلا ّ باللّه. ما أنا إلاّ مجرّد واصف لهذه المشاهد التي تطرأ على شاشات العالم" (ص145). بحيث يتّضح جليّا أنّ بوجاه في روايته موضوع بحثنا هذا، يعود صراحة إلى سؤال المعنى ومشروعية الإحالة. وهو أمر يضعنا بين ملمحين في الكتابة الرّوائيّة. واحد كلاسيكيّ للبعد التّعبيريّ الإخباريّ إلى حدود التّسجيلية فيه شأن والآخر حديث للبعد التّخييلي فيه الشّأن الأكبر.
والصّلة بالبعد الأوّل المرجعي واضحة شبه مرسومة على سطح النّص الروائي تجسّدها كما ذكرنا قصديّتا الشّهادة على العصر والتّسجيل لأحواله. وتجسّدها خاصّة كثرة في الوصف يعدّد عبرها الرّاوي المشاهد ويقف عند أصغر تفاصيلها وأدقّها. وهو أمر بقدر ما يشير إلى محوريّة الوصف في لون الرّوح تقنية في محاكاة الواقع وتمثيله وتشخيصه، ينبّه إلى دور الوصف في التّوسيع من مساحة التّخييل والدّفع بمسار القصّة من مرحلة إلى أخرى. فالعين المبئّرة كانت تفحص مرئيّاتها متحوّلة من فضاء إلى آخر فتتوالى المنظورات والرّؤى مسلكا دالاّ على معطيات المجتمع والسّياسة تنساق معه المعاني والدّلالات.
وهو ما يصلنا بالبعد الثّاني الحداثي في لون الرّوح. فالوصف صانع للرواية. والطّريقة في مراكمته مرّة وفي توزيعه وتقطيعه أخرى، تشكّل معانيها وتكشف عن أبعادها. هذا طبعا إلى جانب مواصفات أخرى، في البناء والنّظم، تبرز أنّ بوجاه إنّما يصوغ نصّا على صورة الواقع تشتّتا واضطرابا والتباسا في الرّؤى وبشاعة في الوضع. يقول الرّواي:" هذا هو العالم الجديد الذي نحيا فيه مزيج مشوّه من نفايات الأزمنة، مخلوط أغلبها بما يعلق في الذّاكرة ، من شتات لا معنى له" (ص163).
لذلك يجتمع للون الرّوح أمران: أوّلهما تسميات صريحة للإرهاب والتطرّف الدّيني والسّياسي وما يتّصل بهما من الفساد والاعتقال والاستبداد و"القتل ، العداء المستفحل بين جميع الفئات" (ص89) والحروب الطّائفية والاحتلال الصّهيوني والقضيّة الفلسطينيّة.
وثانيهما إحالات على ذلك كلّه عبر منطق في بناء النّص وحبك الأحداث ووصف الشّخصيّات والفضاءات. الأمر الذي يبرز أنّ بوجاه وإن أخبر عن أحوال العصر، فلم تكن غايته الإخبار حقيقة بقدر ما كانت غايته إثارة انفعال القارئ بالواقع وحيرته به.
هكذا فهمنا الأمر وأدركنا منه أنّ الصّهر في رواية لون الرّوح بين شرطي الإحالة وجماليّة الإيحاء، إتاحة لأن ينشط الوعي الجمعيّ من صلب التشكّل النصّي أساسا. فالبعد التّخييليّ أساسيّ في هذه الرّواية. وليس ذلك لأنّها تقوم به فكرة ونظما وحدثا ووصفا فحسب، بل كذلك لأنّ المتكلّم في هذه الرّواية لم ينفكّ يؤكّد ثنايا النّص على نسبيّة ما يروي واحتماليّته. وهو أمر يدحض إذا اعتبرنا هذا المتكلّم لسانا للكاتب، اليقين السّرديّ وأوهام الصّدق في العمل الرّوائيّ عامّة.فالمتكلّم يقرّ صلب النّص الرّوائي بصعوبة الإحاطة بالأحداث والوقائع معترفا بمحدوديّة وصفه لها (ص33) ويصف حيرته وشروده وكثرة استيهاماته مقرّا بعجزه عن الفصل بين الحلم وما يعيشه حقيقة داعيا القارئ صراحة إلى أن لا يسلّم بقوله ولا يحمل "دعاويه" كما يقول محمل الجدّ" فقد تمازج عندي الحلم والواقع وغدوت كثير الشّرود، وكثرت استيهاماتي... لذلك غدوت حذرا جدّا في عرض ما يمرّ بذهني. رجائي أن لا تحمل الدّعاوي التي تصدر عنّي على محمل الجدّ" (ص81)
وهذا وغيره من التّعاليق الكاشفة عن وعي نظريّ نقديّ حداثيّ مداخل للإبداع، أبرز أنّ عفويّة التّجربة ومباشرتها لم يمثّلا نسغا لهذا النّص الرّوائي،وأفسح المجال لكثير من مهارات السّرد وفنّياته.ومن هذه المهارات والفنّيات ما اتّصل بالحكاية والأحداث والشّخصيات والفضاءات.
فخطّ الحكاية الّرئيسي ضبابي يعسر معه تبيّن مفاصل لها ومراحل. ولذلك في نظرنا سببان: الأوّل لضمور مكوّن الحكاية أصلا في النّص، علامة على هشاشة التّجربة الإنسانيّة وقلّة تأثيرها من جهة، وانفلاتها من كلّ منطق وضابط من جهة أخرى. يقول الرّاوي " الأحداث تسير بلا ضابط، حجر من هنا، حصاة من جهة الأخرى ]كذا[ ، قطعة خشب من مكان آخر... وإذا بالوجود قد بات عامرا" (ص103).
والثاني لضمور العلاقات بين الشّخصيّات أو غيابها أصلا،بحيث لا تتولّد من هذه العلاقات مسارات حدثيّة دافعة إلى التّشابك والتعقّد على مستوى السّرد وإلى الاستكشاف والفعل على مستوى القصّة المرويّة. وهو ما يفسّر أنّ الشّخصيّات الحاضرة على مستوى النّص الرّوائي مقحمة على كثرتها، ضمن دائرة مغلقة مفرغة تحدّد أركانها وقواعدها أطراف غائبة ولكن فاعلة.
وهي ظاهرة لا تشير في رواية بوجاه إلى ضمور سمة البطولة فحسب، بل كذلك إلى ضرب من الفوضى وانقلاب الموازين ترجمت عنها كما يقول الرّواي:" أمور شتّى لا يفهمها أحد" (ص160). فالحاضر من الشّخصيّات على مستوى النّص، مغيّب على مستوى الفعل، والغائب منها على مستوى النّص، فاعل مؤثّر على مستوى الفعل. إضافة إلى أنّ الرّاوي للأحداث الأشبه بعين مشرّعة على الواقع الكابوسيّ المقيت، منشطر إلى الوجه ونقيضه:وجه "المذنب المسهم في صبغ الواقع قتامة وإن بتكليف من الأطراف الغائبة المسيّرة، ووجه المنفعل بذلك الواقع المشفق على ضحاياه. فهو من أعوان المراقبة يعمل تحت إمرته فريق ديدنه الشّك في كلّ شيء وكّل أحد وانتهاك الأستار وكشف المخابئ وإشهار الأعوار والفضائح. فإذا زار الرّاوي السّجن استنكر فيما يرى قائلا:" ما جدوى أن ينبثق هذا الكائن فيتخصّص في الصّلب والتّنكيل باسم العدل" (ص168). وهو التباس في الوضع وفي الموقف مقصود فيما نرى، إشارة إلى أنّ الزّمن الذي احتوى الوقائع والشّخصيّات لا يدرك في إطار من التّماسك والوضوح والمنطق.
ولهذا لم تدرك العين وهي المشرّعة على العالم، الكائنات والأشياء إلاّ بشكل متقطّع وفوضويّ وبدا المسار السّردي في الرّواية منكفئا على نفسه وشبه ثابت. فالفضاءات الرّئيسيّة على تنوّعها متشابهة محكومة كلّها بمياسم التّشتّت والفوضى والمحاصرة والقهر. والأحداث على قلّتها يتداخل في بعضها الواقع والحلم والاستيهام ويتكرّر بعضها الآخر في رتابة ملحوظة دلالة على أنّ التّحوّل عن الوضع السّائد والخلاص منه يستعصيان. وهو حال تكشف عنه على مستوى الخطاب عبارات كثيرة من قبيل: "وضع الانتظار" ( ص62). "لا يحدث شيء" (ص64). "هذا الانتظار القاتل" (ص67). "الانتظار والخوف والتّحسّب" (75). "لا شيء يحدث، لا شيء يعلن، لا شيء يتبدّل" (ص110). "التوجّس– الحيطة والانتباه" (ص110). "الارتقاب- الانتظار" ( ص155و157)
ذاك ما وقّّع فعلا بنية الرّواية لغة وفنّا ودلالة، في إشارة إلى أنّ الرّؤية تغيم وتتشتّت ومسالك الخلاص تضيق بقدر ما تحتدّ القتامة ويشتدّ البؤس. وهو ما يرفع في نظرنا رواية لون الرّوح إلى مرتبة الّسؤال. السّؤال عن المعنى وما يكون في مقامه في زمن لكلّ طائفة من طوائفه وفئة من فئاته رأي وموقف.
فهذه الرّواية التي ألقت بمجموعة من البشر في إطار مغلق ومضيّق. ثمّ سلّطت على بعضهم وهم عرايا الكاميرات والمناظير والتلسكوبات وأدوات التنصّت ورصدت لدى بعضهم الآخر النّوازع والخفايا، أبرزت أنّ فضح الوجود العراء من كلّ غطاء مادّي وثقافيّ، يسير أمّا الإمساك بجوهر الوجود وفحوى المعنى فيه، فصعب. لذلك يطول تلصّص الأعوان ورجال الحماية ويحتدّ بصرهم عبر أحدث الأجهزة فيرون من البشر أعضاءهم مجزّأة وحتّى مقطّعة ويدركون منها كلّ " المواطن المسترابة" (ص32)... ويظلّ إلى ذلك البحث عن معنى ما يحدث قائما محيّرا بل ودافعا على الخوف.
على هذه الخلفيّة تقول رواية لون الرّوح،وضع الإنسان والواقع التّاريخي. ومن هنالك،ندرك أنّ هذه الرّواية الزّاخرة موصوفات وتعاليق وأخبارا، لا تقترح لهذه كلّها معنى بل تبحث عنه وفيه.
هذا وجه، والوجه الآخر الذي ينشط له الذّهن أكثر، أنّ الرّواية لا تبحث عن المعنى بقدر ما تخضعه لمحاكمة تبرّرها تجربة الإنسان اليوم في الإذلال والقهر والبشاعة. وقد عمدت الرّواية في محاكمتها المعنى ونعيها ضياع ما اتّصل منه بالحياة والهويّة والكرامة البشريّة والحرّية الشّخصيّة، إلى خطّة في رسم الشّخصيّات والفضاءات وتوزيع الأدوار بينها بحيث تفرغ هذه كلّها من المعنى ومعدّلات القيمة وتتشابك وتتلازم حتّى كأن لا فكاك للواحد من الآخر وشرّه.
II- مسالك المعنى ... مسالك الرّوح
الشّخصيات في لون الرّوح مجموعات ثلاث، تضمّ المجموعة الأولى رجالا مكلّفين بمراقبة البشر وسجنهم وتعذيبهم.وهم رجال موسومون في ما ذكرت الرّواية بالحرص الشّديد من جهة على خدمة أعرافهم وهم" السّادة المسؤولون في العاصمة الكبرى" (ص76) ومن جهة أخرى على إرضاء نزواتهم الشّخصيّة وإثبات سلطتهم وقدرتهم. لذلك يلزم هؤلاء الرّجال مخابئ سرّية يراقبون منها الآخرين ويضمنون فوق ذلك لأنفسهم البعد اللاّزم للتسلّط والنّفوذ.
أمّا المجموعة الثانية والثالثة من الشّخصيّات، فتضمّ شتاتا من الغرباء المتنافرين لا رابط بينهم ولا علاقة. كان بعضهم ممّن جمّعوا في فندق تسلّط عليه المراقبة المشدّدة، محايدين لا اهتمام لهم بشيء ولا رؤية لهم ولا معرفة بما يحدث ولا بموقعهم منه ووضعهم فيه. في حين كان البعض الآخر ممّن جمّع في سجن القلعة، أصحاب موقف ورؤية يسامون العذاب مقابل وعيهم بأوضاعهم ورفضهم ما لم يوافق سنن الحقّ ولم يحفظ للإنسان قيمته وكرامته.
وقد اتّضح من سمة الوعي هذه والموقف المترتّب عنها في رواية لون الرّوح، أنّ قضيّة المعرفة والفعل الموصول بها، عامل أساسيّ في توزيع الشّخصيّات إلى مجموعات ثلاث وفي التّفريق بينها خاصّة. فالمعرفة بسوء الوضع الفردي والجماعي، المحلّي والعالمي وحدها ساقت بعضهم إلى محافل "إبليس" تعذيبا وتنكيلا " "حفلات تقليم الأظافر" تقلع خلالها أظافر اليدين والقدمين... "حفلات الجنس" شاملة، يشارك فيها الذّكور، والإناث، وخشب المطبخ والعصيّ الحديدية... يتمّ إجلاس الضّيوف فوق قوارير مهشّمة ..." (ص125). في حين جعل الجهل بذلك الوضع رجالا ونساء يستجمّون بأذهان خلت من كلّ همّ وغمّ وفي غفلة عمّا هم عرضة له من مراقبة مشدّدة.
وهو أمر أدركه بصورة خاصّة كما يتّضح في لون الرّوح رجال السّلطة وأصحاب القرار، فكلّفوا أعوانهم باقتناص المعلومة أينما كانت تلصّصا وتجسّسا وهزءا بالحرمات وانتهاكا للمستور واختراقا للحميميّ المكنون.
ولا بدّ من التنبيه هنا إلى أنّ فعل التلصّص بصفاته هذه، كان محورا في الرّواية باعتباره ممارسة بوليسيّة قمعيّة تمكّن الأكثر معرفة من السّيادة على الآخرين والتّحكم في مصائرهم. وكان ذلك من العوامل التي جعلت السّلطة السّياسية الغائبة على مستوى الخطاب والأعوان التّابعين لها، أكثر حضورا وفعلا في سياق القصّة من مجموع الشّخصيّات الأخرى. وجعلت خاصّة الفضاءات المكانيّة مهيّئة بصورة مخصوصة بحيث تضمن للممتلكين المعرفة وآليّاتها المتنفّذين بفضلها، المسافة الكفيلة بإثبات اختلافهم وتفوّقهم.
من ثمّة أهميّة المكان ودوره في لون الرّوح- مقارنة بالمكوّنات الأخرى في الرّواية– في الإشارة إلى مجموعة من الدّلالات والرّموز يكشف الوقوف عندها أنّ ملامح المكان في لون الرّوح، ملامح للعصر أوضاعا ووقائع وللإنسان فيه. ممّا يفسّر كثرة التعليقات صلب النّص على المرحلة التاريخيّة واستتباعاتها الحاليّة من ذلك القول"لقد جاؤوا من أسبانيا، تركيا، اليمن، سوريا... كلّ الشوارع مكتظّة باليهود الدياسبورا، الذين جمعوا شملهم بعد ألفي عام قائلين لبعضهم البعض: هاي أتذكروننا؟" (ص110).
وفي لون الرّوح، يبرز بصورة رئيسيّة فضاءان لايمنع اختلافهما في الظاهر التقاءهما وتشابههما من جهة الفعل في الشّخصيات والكشف عن أوضاعها وعن أحوال العصر. وهذان الفضاءان هما فندق وسجن هيّئا من قبل أطراف سياسة لغايات مخصوصة أدركها المساجين وغفل عنها نزلاء الفندق.
أمّا السّجن وهو الفضاء المغلق القائم في بقعة تترامى من حولها الصّحراء، فكان إطارا ومرجعا للفضائح والرّعب ولأشدّ ما يمكن أن يلحق بالإنسان من ألوان العنف والتّنكيل.
والمنحى في الرواية هنا- وهي لا تنفرد به- أنّ السّجن وما يتّصل به من سراديب وأقبية و"أقفاص فردية كالحة" (ص45)، من أركان السّياسة العربية والعالمية. فهو عندها أشبه بمؤسّسة وظيفتها الحفاظ على مصالحها ودوام سلطتها.
وأمّا الفندق وهو عند الوافدين إليه محلّ للاستجمام والرّاحة من "رقص وفرح وعبث" (ص38) ، فقد خرج في إطار عامّ سمته انقلاب الموازين وانحرافها، إلى فضاء تستّر على ممارسات تنتهك خصوصيّة الإنسان وكرامته.
وربّما كان اختيار الفندق في الرّواية مجالا لمثل هذه الممارسات، مناسبا. باعتبار أنّ هذا الفضاء الأبعد بصورة عامّة عن مآو أخرى يسكن فيها وإليها الإنسان، فضاء متغيّر ومتحوّل بالنسبة إلى ساكنيه. بالإضافة إلى أنّه أدعى إذ لا يسهم ساكنه في تهيئته وتشكيله، إلى الانفصال عنه وأدعى خاصّة إلى صعوبة خلق علاقات معه تصل ساكنه وما يحدث له فيه، بتصوّرات ومفاهيم وقيم وعلامات على ما مضى من العمر.
وهذه معطيات مقصودة في سياق الرّواية فيما نرى، إذ ليس أيسر لتجريد الإنسان من جدارته ومن قيمته وخصوصيّته، من وضعه في مثل هذا الفضاء الخلو من الذّاكرة والتلصّص عليه حين يكون عاريا من الثّياب وحين يقضي حاجاته الحميمية والبيولوجية.
فقد كان المتلصّصون على نزلاء الفندق بدعوى حمايتهم من الإرهاب لا يرون فيهم سوى كيانات مادّية بيولوجية تثير الفضول والهزء والشّفقة.وهي كما سنرى من الأساليب في ذلّ الإنسان ونزع علامات خصوصيّته وتفرّده. الأمر الذي يجعل الفندق في الرّواية شبيها وهو المفترض مكان نزول واستجمام وأمن، بالسّجن لا نستجلي منه للإنسان سوى صور مشوّهة بشعة. وقد سمّي الفندق بـ" فندق ابليس" (ص46) تماما كما سمّي السّجن بـ "قلعة إبليس" (ص45). وعمدت الرّواية إلى عدم الإبانة عن ملامح الفضاء المعماريّة وهندسته في حين أبانت عمّا يجعل الفضاء مجسّدا حجما وموقعا للقوّة والمراقبة والرّدع.
ولمّا كنّا نعتقد أنّ تبسّط رواية لون الرّوح في معاناة السّجين قد عرضت له نصوص إبداعيّة كثيرة ألحّ أصحابها مثل بوجاه على سعي السجّانين إلى إعادة " تخليق الكائن الأمثل"(ص123) الموسوم ولاء وطاعة، فقد رأينا أن نركّز النّظر على ما بلغ الإنسان في فضاء الفندق تخصيصا من مهانة أخلّته من المعنى والقيمة.
والطّرق في تشخيص ذلك بهذا الفندق المنطوي في نظر أعوان المراقبة على خطر مهدّد، كثيرة كان التلصّص أبرزها.
والتلصّص الفردي والجماعي كما تعرضه الرواية مهنة منظّمة يشغلها إطار هرميّ يتكوّن من فرق على رأسها محافظ وقائد عمليّات ومدير مكتب. وهؤلاء يستخدمون في تلصّصهم كلّ الحيل كأن يتسلّق أحدهم شجرة أو يقرفص خلف جدار أو يختفي تحت نبتة أو يتدلّى مع حبال التنظيف أو يختفي في سيارة أو يتنكّر في ثوب خادم أو زيّ سائح " و ينظر من خلال الشّقوق الكامنة في كلّ مكان" (ص40).
ويستخدم المشتغلون بالتلصّص إضافة إلى"العين ثمّ الأذن" (ص55) السّعاة وعاملات التّنظيف والخدم وتجهيزات وكاميرات ومناظير مقرّبة وتلسكوبات وآلات التقاط عن بعد ولاقطات صوت وأسطول من سيارات الجيب وغيرها.
وقد بدا واضحا من نصّ الرّواية أنّ التلصّص على النزلاء وما وظّف فيه من أجهزة، إنّما كان موصولا بعاملين سياسي ولعبيّ شبقيّ:
فالعامل الأوّل ، وقد سبق الحديث عنه يكشف أنّ تشديد الأعوان في المراقبة إنّما هو طاعة لأنظمة سياسية تستمدّ وجودها وتماسكها من منظومة المراقبة والتجسّس أساسا توقّعا للخطر من كلّ جانب وتحسّبا لما يحدث واستباقا لردود الفعل. وهو ما يفسّر اتساع شبكة التلصّص واتساع نفوذها "عرب وغير عرب من" البلد الجار القريب البعيد"... يبتدعون أساليب مبتكرة في كلّ يوم جديد بل في كلّ لحظة" (ص42).
وقد عمد الرّاوي في لون الرّوح مزيدا في الكشف عن ذلك، إلى صياغة أجواء من الحصار والمطاردة في الفندق وما يجاوره، فكانت أعين الرّقباء فاحصة مدقّقة تقلّب كلّ شبر من الأرض بحثا " عن أيّ شكل مريب من أشكال الحياة أو الجماد" (ص70). وتنساق إلى تخيّل ما لا ترى حرصا على اختراق الآفاق وكذلك نتيجة شعور بحالة قلق وربّما حتّى خوف ف"إحساس بالانكشاف وغياب الأمن يتحكّم في رجال الحماية، الأعوان خائفون مثل شجرة في البرّية تتقاذفها الرّياح" (ص32).
على أنّ مثل هذا الشّعور بالقلق والخوف الذي لم تتردّد الرواية في وصله بلحظات مكثّفة من الانتظار والتّوقّع، لم يحفز وحده على التّلصّص. فقد كان للعامل الثاني اللّعبي الشبقيّ أيّما دور في ذلك. وصورته أنّ تلصّص أعوان المراقبة على النزلاء تجاوز الطاعة لصنّاع القرار، إلى فرجة شاغل أصحابها استراق المتعة وتحقيق اللّذة عن وعي وتصميم. يقول أحدهم " الجسد لعبة الأحلام، الجدّ نفسه لعبة ، بل أبهى لعبة بين يدي هذا الكائن التّائه في صحراء اليمين والباطل" (ص44). فقد كان المراقبون مرابطين في الفندق مشدودين إلى شاشاتهم يطول انتظارهم وتثقل الرّتابة ساعاتهم ويعبث الملل بأعصابهم، فلا يجدون للتّخفيف من ذلك غير كسر حصون السّتر يرفعها نزلاء الفندق حول ما يأتون من أفعال في غرفهم.
فالتّلصّص صيغة معادلة لضرب من اللّعب محوره حميميّة الجسد ولا تحدّه قواعد أو ضوابط. من ثمّة انسياق المراقبين فيه إلى الهزء من النزلاء والسّخرية من أوضاعهم، كأن يركّزوا الكاميرا على " شيخ في السّبعين بصدد غسل ما بين وركيه المتفتّحين، وقد تهدّل لحم فخذيه الأملسين واستدارت نتوءات ركبتيه، وتقوّس ظهره الأحدب" (ص64).
وقد جاء في الرّواية أنّ المتلصّصين رجال مطلبهم المتعة الجنسية وتحقيق النّشوة. لذلك كانت النّساء أكثر من الرّجال طرائد لهم" البحث في خفاياهن يبدو ألذ وأطيب" (ص60). فهو الطريق إلى ما سمّاه أحد المتلصّصين "أوج المتعة المسترابة " (ص59).
فالنّظر إلى المرأة من منظار حسّي شبقيّ واضح هنا. وهو بقدر ما يوزاي في نظرنا بين عملية المراقبة وحالة من الضعف النّفساني المرضيّ، يكشف عن نزعة عدوانية إلى التسلّط وإثبات القوّة. ذلك أنّ المراقبين وهم يشاهدون المرأة عراء من الثياب تستلقي على أريكة أو تستحمّ أو تتعطّر ، يعيشون فعلا حالات فردية وجماعيّة من الهيجان الجنسيّ انفعالا للأجساد وانتصابا وامتدادا وانتشاء والتذاذا.يقول أحدهم في ذلك" تعرّت تماما... تستلقي فوق الأريكة البيضاء وهي تنظر إلى الفراغ... دون أن تدري أنّ العين- في سقف الغرفة- تراقب أدقّ حركاتها، ترسل مشاهد ملهوفة – عبر أسلاك حياديّة باردة- نحو السّيارة الرّابضة في السّاحة خلف الفندق.حيث تجمّع متلصّصون ، سال لعابهم مثل كلاب نازلة من المرتفع بحثا عن رائحة الجيف..." (ص60-61)
فالعين لدى الرّقباء آلة للمتعة ومجلبة للّذة قادتهم إلى مكامن السّر لدى المرأة حدّة في النّظر وتبئيرا في زواياه تجاوزا الرّغبة في المعرفة والملاحظة إلى الرّغبة في الفضح. وهي الرّغبة الأصل في كثرة المشاهد الموصولة بالحسّ والجنس في رواية لون الرّوح. فهذه الرّغبة في الفضح برّرها من جهة تلصّص الأعوان في إطار خفيّ منغلق وليليّ مظلم غالبا تستثار فيه مكبوتاتهم الدّفينة وتنشط غرائزهم. وبرّرها من جهة أخرى حرص من الأعوان على إثبات القدرة وسعة النّفوذ والتميّز. وهو حرص موصول في رأينا برواسب نفسيّة وثقافية تقرن بين القوّة والفحولة وكما جاء في الرّواية " المتلصّصون يتوهّمون بطولة، مثل الرجولة" (ص126).من ثمّة اختيارهم التّركيز على المرأة أساسا فبانتهاك حميميّتها وأسرارها يطمئنون رجالا ديدنهم القسوة والغلظة والجرأة.
والأنوثة من ذلك مسخّرة بصفتها عند المتلصّصين قيمة بيولوجية مادّية للعبث بما للكائن عامّة رجلا أو امرأة من قيمة وجدانيّة وثقافيّة. وهو ما يفسّر اختيار الفندق مجالا للتلصّص وإثبات النّفوذ. فما ذكرناه حول عجز الإنسان في فضاء غريب متحوّل كما هو الفندق عن اصطناع علامات خصوصيّة تكشف عن قيمته وتصله بمفاهيم له وتصوّرات، يجعل كأنّ الفندق منطقة نفوذ للسّاسة وأعوانهم يحشر الوافد إليه ضمن منظومة لهم مفهوميّة وقيميّة وسلوكيّة أسّها الولاء والطّاعة ويعمد الأعوان في نطاقها إلى تدجينه وترويضه. فالدّاخل إلى الفندق موضوع بالضّرورة في إطار يسمح بالتعرّف على أدقّ ملامحه وهو منفذ يقود إلى التحكّم فيه وشبه امتلاكه. بل إنّ الوافد إلى الفندق يبدو أشبه في سياق الرّواية بالأسير لا حضور له ولا فعل إلاّ بقدر امتداد مساحة الفندق من جهة ونظر الأعوان من جهة أخرى.
وأن يقيّد المرء بفضاء لا وجود له فيه إلاّ عبر ما تراه أعين الآخرين، أمر له أكثر من دلالة ورمز في رواية لون الرّوح. فنزلاء الفندق لا يظهرون إلاّ عبر تجلّيات حسّية مباشرة عامّة وبدئيّة بالأساس:"أركان الأجسام السّمينة ... ما بين الأوراك. الشّعر الأصهب "(ص58) "منبت الصّدر، استدارة الظّهر ، ميلاد العانة قبل التمهّل عند ربلة السّاق" (ص59) ... فهم عرايا مبصرون ومعرّفون عبر تفاصيل الجسد ومساحاته وأجزائه الصّغرى وكأنّ الكائن نتاج ممارسة عدوانيّة يجّزّأ وتفكّك وحدته حتّى تسهل الإحاطة به والسّيطرة عليه.والممارسة العدوانيّة المنكشفة عبر البصر، تتّخذ لدى أعوان المراقبة داخل الفندق وجهين موصولين ببعضهما.
الوجه الأوّل صورته شدّ الإنسان إلى أوضاع حسّية هشّة بقدر ما تكشف ضعفه، تلحّ على أوجه الشّبه بينه وبين غيره من الكائنات. ونعني هنا الجانب البيولوجي الغريزي فيه. لذلك كان العون من أعوان المراقبة " يتلصّص على النّاس في مراحيضهم" (ص66) ويقتنص ممّا تعرضه الكاميرا " فظائع الجسد" (ص 40). فإذا التقى بغيره من الأعوان " كان ذهانهم يصوّر لهم كلّ ما هو غير ممكن. فيتباهون باكتشاف النّقائص، ويعملون على البحث منذ العورات"(ص49).بحيث يختزل نزيل الفندق في بعد بيولوجي نفعي مادّي يقلّص من شأنه ويشوّه من صورته أمام صورة لرقيب متجبّر يشرف على تفاصيله ويدرك منها مواطن هشاشته.
الوجه الثاني للممارسة العدوانية الموصولة بفعل النّظر والمراقبة، صورتها تجريد ذلك الكائن وقد اختزل في بعد غريزيّ، من الأبعاد الرّمزيّة والثّقافيّة. وفضاء الفندق في سياق الرّواية يهيّئ لذلك من جهة تحوّله وعدم إسهام السّاكن في تهيئته كما أسلفنا القول، بحيث يصعب أن تقوم له مع هذا الفضاء أواصر وجدان ويصعب أن يصطنع له في هذا الفضاء مياسم على شخصه ومعالم على فكره وذاكرته.
فالفندق كما بدا النّزلاء فيه فضاء اللّحظات الرّاهنة مسدودة آفاقها على عوالم الغد. لهذا لا ينكشف النّزلاء في الرّواية كلّها عبر آمال لهم أو أحلام أو حتّى آلام. ولا ينكشفون عبر ما يثبت صلة الإنسان عامّة بالثّقافة والتّاريخ. فلا إبانة عن تصوّرات لهم ومفاهيم ولا عن ملبسهم ولا عن علاقاتهم فيما بينهم ولا حتّى عبر ما يمكن أن يهيّئه الفندق عامّة من لقاءات ومحاورات في حفلات ومنتزهات أو تسلية تجوّز الفرح والحلم والخيال.
وقد بدا واضحا من ذلك أنّ إقرار الإنسان المراقب في الفندق على هذه الصّورة، مقصود لرسم طبيعة الإنسان في ظلّ أنظمة حاكمة حملته ضحيّة وجلاّدا، على ضروب من التغيّر كشفت عن الحيوان الكامن فيه غريزة وعدوانيّة. ولذلك كان الرّاوي النّاقل لأوضاع النّزلاء في الفندق الكاشف عن وضعيّاتهم بدوره من الأعوان المتلصّصين. وكان هؤلاء على ما يأتون من بشائع "بسطاء... عاجزين، منكفئين على أنفسهم في موكب الدّيمقراطية السّائرة لا تلوي على شيء !" (ص66).
ولا يخفى أنّ الرّاوي المتلصّص على النّزلاء خدمة لأصحاب الشّأن وانتشاء بالتلصّص ذاته، قد فضح من شأنه وشأن غيره من الأعوان. وهو ما يمكن اعتباره من علامات انقلاب الأشياء وضياع الحقائق، إذ كيف لمن يصنع بؤس غيره أن يشفق عليه؟ ولم يتماهى الجلاّد والضّحيّة ؟ وكيف السّبيل إلى التّفريق بينهما؟.
وربّما فهمنا من الرّواية أنّ حالة الاندحار النّفسي والأخلاقي والفكري نتيجة لظروف القهر والمطاردة، هي التي تلقي بالإنسان في متاهات المجهول وتطمس ذاتيّته وتزعزع ثوابته وتمحو معالمه ومياسمه. فإذا بالنّاس أشبه وهم داخل الفندق في إطار من الشّر والتلصّص والانحطاط، بكيانات باهتة لا ذاكرة لها ولا تاريخ ، مصمتة معطّبة لا فعالية لها تعبيريّة أو سلوكيّة ولا قدرة لها على التّأثير في الفضاء والأشياء من حولها.
وإن كان وجود النّزلاء في فضاء لا يملكونه ولا يسمونه بملامحهم الخاصّة، سببا في أنّهم لا يسيطرون عليه ولا يؤثّرون فيه وفي ساكنيه. إلاّ أنّ جهل النّزلاء بأوضاعهم في الفندق وعدم تبيّنهم مقاماتهم فيه عامل محدّد من عوامل وقوعهم خارج دائرة الفعل والتأثير. ممّا يثبت مرّة أخرى أن رواية لون الرّوح تضع المعرفة وقضيّة الوعي بالواقع وحيثيّاته موضعا مركزيّا تتّحدّد في ضوئه المسالك إلى الفعل وردّ الفعل.
ومن رأينا، أنّ وضع بوجاه قضيّة المعرفة والوعي محلّ سؤال في روايته هذه، إنّما يقصد منه التّنبيه بشكل ملحّ وصادم أيضا، إلى ضياع المعنى: معنى ما يحدث ومعنى الأشياء من حولنا ومعنى الإنسان فينا ف" هذا الذي يحدث هنا لا معنى له" (ص158). و"المغلوبون أصبحوا يعتقدون أنّ هذه الحالة طبيعيّة وأنّ النّظر إلى الدّاخل أفضل كثيرا. فالمستقبل غير معروف، بلا معنى له ! ]كذا[" ( ص 93).
وما جاء في الرّواية ممّا ذكرناه سابقا عن تعرية الإنسان من ثيابه واختزاله في تجلّ حسّي مادّي مكرور تثقله الحاجات البيولوجية، وعن جعله أشبه بأبكم لا ينطق عن فكر أو شعور، يشير إلى أنّ أحداثا محلّية وعالميّة أفرغت جوهر الوجود الإنسانيّ من كلّ معنى صاغته عبر الحقب حضارات وثقافات شتّى.
وقد كانت السّلطة السّياسية باعتبارها كما جاء في الرّواية آلة للتّجسّس والقهر والاعتقال، السّبب في ضياع المعنى.فوجوه التلصّص تشديدا للمراقبة، وأساليب التّعذيب ردعا لحرّية الفكر والتّعبير، هي وجوه لحصر المعنى وتحديده بل وطمسه منعا لما يبشّر به المعنى على اختلاف أنماطه من تعدّد وتنوّع. وهي ممارسة وافقتها في سياق النّص الرّوائي هيمنة السّلطة وأعوانها على الفندق، ووافقها حرصهما على أن لا يقوم شيء خارج ما يبيحانه وما يرسمانه من حدود.
بمثل ذلك يتّضح لنا أمران في رواية لون الرّوح، أوّلهما أنّ المعنى وجه آخر من وجوه الحياة حيويّة وحرّية وتعدّدا وتنوّعا وخصوبة في النّفس والفكر والوجدان. وثانيهما أنّ خلق إطار من الحصار والبشاعة والقمع وحشر المعنى ضمنه، طمس لذلك المعنى وتهميش له ولرموزه وعلاماته. وهو ما يفسّر الحديث في الرّواية عن انغراس الإنسان وقد بلغ" قمّة الحضارة" (ص91)، في أغوار الحزن والخيبة والخوف والحقد ( ص113-114) و الحديث عن غياب بوادر الخير في حياة "تغلب عليها البطالة وقلّة الكسب... وهي يمكن أن تختتم بتفجير لا معنى له، ولا لون له في أيّة لحظة" (ص108).
والإنسان عامّة مرموزا إليه في سياق الرّواية بنزلاء الفندق ومساجين القلعة والرّاوي المشفق عليهما والمسهم في صناعة فجيعتهما في الآن نفسه، إنسان مقهور، مستلب، موزّع بين وضعين وعالمين لا يميّز أفضلهما ولا يدرك المسلك إليه. من ثمّة الحديث في الرّواية عن الجماعات الإسلامية المتطرّفة تعلن في حزم امتلاكها اليقين، والحديث كذلك عن جمعيّة" دون كيشوت" وهي "حركة مرتجلة" تشهر العبث أمام " تفاهة الحياة" واليأس من الخلاص (ص107).
وبين الجزم بامتلاك الحقيقة والمعرفة الكليّة من جهة، واليأس من امتلاكهما من جهة أخرى، لم تنفكّ رواية صلاح الدين بوجاه منذ صفحاتها الأولى تردّد السّؤال حول لون الرّوح.وهو لون يقول عنه الراوي إنّه على صلة بـ " ضمائر النّاس وأسرارهم" (ص31)
ونجده موصولا في سياق الرّواية بعمليّة بحث ملحّة عن خلاص للإنسان أينما كان وكيفما كان.
والسّؤال عن الرّوح ولونها، سؤال من وجهين في ما نرى: وجه يعلّم على الطّرق إلى الخلاص من وضع كابوسيّ فضحت الرّواية قتامته وبؤسه. ووجه يوحي بصعوبة إدراك لون الرّوح ومن ثمّة صعوبة الخلاص.
ولعلّ بوجاه قصد إلى الوجهين أو لعلّه قصد إلى الوجه الواحد منهما فانفضح الوجه الثاني عبر ذلك. ذلك أنّ البحث عن لون الرّوح في إطار من القمع والعراء المادّي والثّقافي الموسوم بهما الإنسان، إشارة إلى أنّ خلاصه في تجلية الرّوح وتحريرها من إكراهات الجسد والحسّ ومن عبء المعيش اليومي وضغوطه ممّا شدّت السّلط السّياسية الإنسان إليه.
هذا أمر والأمر الآخر أنّ الرّوح بصفتها جوهرا خفيّا،انفتاح كلّي على دوائر المطلق والغامض وانفلات كلّي من نفوذ السّلطة وضوابطها في الرّقابة والتّعيين والتّحديد.
وتكون الرّوح من ذلك خلاصا للإنسان من شرّ السّلطة ومن شرّ نفسه كذلك فهي مواجهة ثنائيّة لما أثقل الإنسان من قيود الواقع والحسّ من جهة، وما أرهقه من ويلات السّلطة من جهة ثانية.
وتكون الرّوح إضافة إلى ذلك وفي سياق ما أوحت إلينا به رواية لون الرّوح هي المعنى. فهو كامن فيها أو هو كما اتّضح في أوّل الرّواية يعود إليها إذا انجلى لونها. ذلك أنّها وقد قامت في مواجهة السّلطة وما تختزله من قمع وتحديد وأحاديّة في الرّؤية والتصوّر والقول، تنفتح على آفاق من التّرميز والتعدّد في المعنى لا تبيحها السلّطة.
وربّما كان هذا ما يفسّر أنّ التّغطية اللغوية المقصود منها عبر الرّواية حصر معنى الرّوح وتحديده، انتهت إلى انفلات ذلك المعنى وعسر تحديده وتعيينه. فممّا جاء في ذلك عن الرّوح " أنّه من الصّعب البتّ في شأنها، فهي من أمر الرّب هذا ما يمكن التّصريح به" (ص156).
وهذه وغيرها من فرضيّات صيغت في تعريف الرّوح، إنّما تدعم ما ذكرناه من أنّها وهي الواقعة في منطقة عصيّة على الرّؤية والتّحديد، تحيل على حال فاتحة على التعدّد والتمثيل والرّمز وتضفي على خاماتها كما جاء في الرّواية " ضبابا كثيفا من الإيحاءات" (ص158).
ولمّا كان خلاص الإنسان متوقّفا على مدى نجاحه في إدراك تلك الحال وتلبّسها، تمّ التوسّط لمعرفة الرّوح باللّون"ما هو لون الرّوح يا ترى؟" (ص151). فاللّون بصفته ضربا من التّعيين مثل الأشكال والأحجام، يمكن أن يتوسّل به لتجسيد معنى من المعاني. الأمر الذي يصل مرّة أخرى بين الرّوح ولونها من جهة، والمعنى من جهة أخرى. ويبرّر بالتّالي لحرقة البحث عن الرّوح ولونها في زمن ضياع المعنى وإخلاء جوهر الإنسانيّة منه ف"وهج الرّوح يجعل الحياة ممكنة مهما يكن من أمر، نلتفّ عليها، نتركها جانبا ونتخطّاها باحثين عن أمل آخر يمكن أن يمثّل زاد المرحلة !" ( ص 174).
ويمكن الملاحظة هنا، أنّ تعليق خلاص الإنسان من بؤس الواقع وقتامته باستعادته الجوهر والأصل فيه، هو منحى في الرؤية والتصوّر ميتافيزيقي ووجودي. وهو منحى تدعمه في رواية لون الرّوح دعوة أخرى في سبيل خلاص الإنسان، إلى أن يعود إلى الخلاء وبكر المواقع باعتبار أنّ " الخلاء بذرة وجود جديد" (ص38) والموقع البكر أصل للإنسان وموطن له أوّل محصّن عمّا انتهت إليه الحضارة من أوضاع سبّبت بؤس الإنسان واستلابه. وعودة الإنسان إلى تلك البقاع البدئيّة هو إنفصال عن واقع يرهقه " واستعادة لطور جديد من الصّفاء" (ص179).
هذا هو المسلك إلى الخلاص كما جاء في رواية لون الرّوح.
وقد اعتبرنا أنّ اقتراح العودة إلى جوهر الرّوح والمواقع البكر ردّا على بؤس الواقع وتعقّده، من قبيل الحلول الميتافيزيقيّة والفلسفيّة والوجوديّة باعتبار ما يترتّب عنهما في نظرنا من انفصال بين الإنسان وخصوصيّته التّاريخيّة والحضارية. ففي ارتداده إلى جوهر الرّوح فيه وانعزاله عن مطارح الحضارة،خروج من طائلة التّاريخ والثّقافة والتطوّر.
وربّما أدرك بوجاه على اقتراحه مثل ذلك، أنّ القطع مع الواقع على قسوته، أشبه بحلّ سحريّ صعب تحقيقه. من ثمّة إشاراته إلى صعوبة تحديد لون الرّوح وإلى ضرورة الفصل بين الرّوح واللّون. يقول " النّاس في هذه الأنحاء يبحثون عن لون الرّوح، لكن لا أحد في إمكانه تحديد ملامحه" (ص166) "ولون الرّوح، قد يتحوّل نحو اليمين، قد يتّخذ طريق الشّمال حينا آخر، لكنّه في حالاته كلّها لا يصبح من قبيل ما يمكن الإمساك به" (ص 183). فالتّوسّط باللّون لتحديد الرّوح ومعرفتها وإدراك جوهرها، أمر محكوم بالفشل من الأوّل. وذلك لاختلاف طبيعة كلّ من اللّون والرّوح. فهو من تمثلات الثّقافة وصنائعها وهي من منطقة مجرّدة لإبطالها تمثّل وتحديد ولا ينفع تلوينها في الكشف عن جوهرها ومعناها. وقد ورد مصداقا لذلك في الرّواية ، أنّ "اللّون منفصل تماما عن الرّوح" (ص151).
وربّما فهمنا من ذلك أنّ الخروج الفعليّ من دائرة الفراغ والحصار والقمع والإرهاب، لا يكون إلاّ بالعودة إلى جوهر الرّوح بعيدا عن الحدود والمعايير والتّصانيف وبعيدا خاصّة عن الضّوابط الحضاريّة والتّمثّلات الثّقافيّة بما فيها اللّون: اللّون بإعتباره صفة وهيئة من جهة، وسمة على العرق والملّة والدّين من جهة أخرى. وربّما فهمنا من ذلك أيضا أنّ خلاص الإنسان عامة من بؤسه صعب واسترداده اعتباره وتوازنه صعب. أمر تفسّره طبيعة الواقع المرسوم في الرّواية وشدّة فعاليّة ما يفرض على الإنسان فيه من مظاهر قمع ومهانة وحصر وتشريد تجعله أشبه وإن سعى، بهامش من الهوامش الفاقدة للمعنى. وليس من المفارقة في نظرنا، أن توحي رواية لون الرّوح بالفهمين أو التصوّرين. فالطّرح الوجوديّ لمأساة الإنسان العربيّ وغير العربيّ في الرّواية واضح. وإلحاحها على قتامة حياته وتوزّعه فيها بين المعرفة والجهل والوعي والغفلة والأمل واليأس والفعل والقعود عنه، واضح كذلك. والرّواية بمثل ذلك لا تحيل في نظرنا على حال من اليأس وانسداد السّبل، بقدر ما تحيل على حال من السّؤال والرّغبة في المعرفة. لذلك اعتبرنا منذ شروعنا في مقاربة رواية لون الرّوح، أنّ البحث عن المعنى، معنى الإنسان والحياة والكرامة والهويّة ... موضوع أساسيّ فيها. من ثمّة تمحورها حول الرّوح بصفتها من المجاهل السرّية التي وإن لم يدرك جوهرها، فإنّ البحث عنها يجدّد الرّؤية ويحفز على الوعي والأمل والسّعي والفعل.
خاتمة:
"كيف نتعلّق بآمال أخرى ممكنة؟" سؤال جوهري في رواية لون الرّوح لصلاح الدّين بوجاه وإن ورد في خاتمتها، فإنّ أسئلة كثيرة شحن بها النّص ترجمت عنه بأكثر من معنى: ما الرّوح؟ كيف ندركها؟ ما لونها؟ ما العلاقة بين الرّوح واللّون؟ كيف الخلاص؟ ألا من بارقة أمل لكائن ضعيف مفلس هو الإنسان على وجه الأرض؟.
وموضوع الرواية الأساس ، هو الإنسان وقد خلا من الرّوح أو كاد. فحشر في إطار من التلصّص على أخصّ خصوصيّاته ومن القهر والتعذيب. وبدت دائرة الفراغ والحصار واليأس من حوله كابوسيّة ثابتة متّسعة كأن لا حدود لها ولا نهاية. وانجرّ عنها يقين بفراغ الوجود من المعنى، معنى الإنسان ومعنى وجوده ومعنى هويّته وكرامته... إلاّ أنّ السّبيل إلى الخلاص من ذلك كلّه في رواية لون الرّوح، يتحدّد من هناك... من حيث انفضح الشّر وانكشفت خيوطه. فإذا به سبيل موصول بالمعنى وحده.المعنى الذي تحمله العبارة في نصّ إبداعي سرديّ بالخصوص.كما ورد في الرّواية ، والمعنى الذي يختمر في الذّهن والمعنى الذي يعتمل في الوجدان. فعبر المعاني وحدها تنجلي ركامات الجهل وانحرافات الوعي ونزقات النّفس.
هكذا فهم بوجاه بصفته كاتبا روائيا الأمر. فهمه على ذلك النّحو اعتقادا منه في رأينا أنّ الكلمة إذا عانقت مشارف السّؤال، تمسّكت بتلابيب المعنى. لذلك اعتبرنا أنّ ما زخرت به الرّواية من مشاهد تعذيب ومشاهد أخرى قد يعتبرها بعضهم إيروتيكيّة فاحشة، قصدت إلى صدمة القارئ وإثارة انفعاله بالنّص من جهة، وبالواقع من جهة أخرى.
وهل من اليسير أن تصدمنا رواية من الجهتين؟. فالصّدمة في حدّ ذاتها مبعث على السؤال والبحث عن إجابة له.لذلك يعسر أن تقرأ رواية لون الرّوح ولا تنساق معها إلى السّؤال عن الإنسان ووضعه. وهو سؤال قد يطوّح بك بعيدا أو يلقي بك فيما اختاره بوجاه جوابا. فترى رأيه من أنّ العودة إلى جوهر الرّوح وصفاء النّفس مسلك إلى الخلاص أو تنتفض فيك بذرة الشّك والتمرّد فترى استحالة أن يخرج الإنسان عن شروط الحضارة والتاريخ والثقافة والعرق. ويظلّ السّؤال قائما " كيف تتعلّق بآمال أخرى ممكنة؟"... كيف؟.
لون الروح لصلاح بوجاه وسرديات الموقف العبثي


بقلم/ أ.د. السعيد الورقي
صلاح الدين بوجاه، كاتب تونسي من جيل الثمانينات، ولد بقيروان تونس عام 1956م، وحصل على دكتوراه في الآداب. كتب أكثر من سبعة مؤلفات قصصية منها: مدونة الاعتراف 1985م، التاج والخنجر والجسد 1992م، النخاس 1995م، السيرك 1997م، سهل الغرباء 1999م، لاشئ يحدث الآن 2002م، لون الروح 2009م .
وصلاح بوجاه كما يظهر في أعماله ومن خلالها كاتب مثقف ثقافة شمولية تجمع بين التراث والمعاصرة، وهو بهذا مجال خصب لأصحاب نظرية التناص للكشف عن التفاعل الثقافي المتعدد في أعماله، كما أنه أيضا ميدان رحب لأصحاب النقد الثقافي المنشغلين بالأنساق المضمرة في النص، وأيضا تمكن أعماله أصحاب نظرية التلقي من دراسة نصوصه دراسة مثمرة من خلال محاور التلقي لدراسة النص، وفق أفق الكاتب ووفق أفق القارئ الناقد، ووفق استراتيجية النص .
لكنا خارج هذه الدوائر النقدية تهمنا في المقام الأول دراسة سر سحر الحكي في هذه الأعمال المثيرة للجدل والمناقشة لما فيها من غرائبية وضبابية تجريبية، وبم فيها من مزج متلاحم بين الواقع والفانتازيا وبين المنطقي والعبثي.
العوالم التي يقدمها صلاح بوجاه في أعماله القصصية والروائية عوالم تتحرك في مناخات كابوسية تحيلك إلى عوالم كافكا التي تدخلك من بوابة الواقع إلى عجائبية غريبة هي مزيج من السحر والشعر والطفولة والصوفية، وتحريك الواقع نحو هتك الأسرار وتعرية الإنسان أمام ذاته وذلك بالسعي إلى إحداث تشويش في النظام القائم للواقع وللحياة في محاولة لخلق نظام جديد، يعني الولادة الجديدة، لاستئناف الخلق. خاصة وأن أعمال بوجاه كلها تبدأ من واقع محدد ليتسع فضاء النص لكل المسائل الوجودية الكبرى، خاصة الحياة الموت وما يرتبط بهما من ثنائيات أخرى مثل البداية والنهاية واللذة والألم.
*********
تنفتح أعمال بوجاه على بعضها بصورة ملحوظة لتؤكد أن الأدب والفن معرض للخيارات الإنسانية، وهو لهذا يضم الاجتماعي والسياسي والثقافي والفكري والوجودي .
هكذا دارت أعماله حول الإنسان وتجربته الروحية العميقة، هذه التجربة التي تكونت نتيجة خبراته الثقافية بأبعادها المختلفة.
فقدم الإنسان في عالم متأزم مكتظ بالآلام وعوامل القهر والإحباط في موضعه الاجتماعي، فالواقعي، فالإنساني، فالوجودي، وهو ما تأكد في روايته التي صدرت مؤخرا بعنوان "لون الروح".
**********
تقدم الرواية – لون الروح – عالما غريبا أقرب إلى العوالم الكابوسية على الرغم من مفردات الواقع التي تحيلك الى واقع محدد المعالم تشير ملامحه إلى وقائع الرواية التي تدور أحداثها في منطقة ما في شبه جزيرة سيناء، ما بين الفنادق السياحية وإحدى القلاع التي أعدت لتكون معتقلا وسجنا.
وتتحرك هذه الوقائع في واقع آخر كابوسي عجائبي، مسكون بالهواجس والانفعالات في لحظة من الفوضى الغريبة والمدهشة.. عالم من المفردات الاستفزازية لوقائع قائمة في منطقة ضبابية، فتأتي المعالم والمفردات سابحة في اللون الرمادي، تراها ولكنك لا تستطيع أن تقبض عليها.
الواقع محدد الوقائع، يتحدث عن مجتمع بلا هوية .. أجناس شتى من البشر وثقافات متباينة، يمارسون حياتهم اليومية تحت هاجس من الحذر المترقب والخوف المقلق. في هذا الواقع نرى الحياة مستويين. يعيش في المستوى الأول المهاجرون الذين قدموا من أنحاء العالم موعودين بالجنة التي لم يجدوها سوى جحيم من عذابات القلق والحذر المتخوف. وفي المستوى الثاني يعيش أصحاب الأرض حياة ملعونة في قسوتها الظالمة.
الفريقان يعيشان عداوتهم في شبه توافق يومي، يأكلون ويشربون ويموتون ويلعنون قدرهم.. حياة قلقة حذرة عدوانية عدائية لمجموعة من البشر تجمعهم الكراهية التي يأكلون ويعيشون عليها ويتقاتلون في ظلها..
حياة غريبة، وواقع مهين للإنسان، فالمنتصر مهزوم بخوفه وتوقعاته، والمهزوم المنكسر مهزوم بضعفه وتخاذله. وهذا هو الواقع الذي حدد السرد بعض معالمه في مفرداته، فيراه السرد واقعا قائما على الكراهية والعداوة والتربص والحذر.. واقعا بلا أمل وبلا قيمة فغدت الممارسات الحياتية واقعا من الفوضى العبثية.
***********
على أن السرد في أبعاده التأويلية لا يقف بالرؤية عند هذا المستوى الدلالي، عندما يتجاوز هذا البعد إلى ما هو أعمق وأبعد وأدل.
فقد أصبح الإنسان المعاصر في واقعه الإنساني يحيا هذه الفوضى العبثية، محاطا بغلاف من الكراهية اللاعنة الملعونة التي جعلت منه مرتابا كارها لكل شئ وحاقدا على كل من حوله، بعد أن فقد حس التواصل الإنساني وأصبح يحيا في جزيرة معزولة لنفسه وبنفسه وهو ما أحال الفضاء السردي إلى حال من الفوضى التي تنبع من فوضى حياتنا وحياة أمثالنا في بلادنا وفي غيرها من البلاد. هكذا يصوغ النص نزقه الوجداني في تعدي الحقيقي والمجازي، وهو ما يساعد من ناحية أخرى على أن يكون النص انعكاسا للإحباط الذي يستشري في الذات العربية، خاصة وأن الكاتب طرح أكثر من مرة تصورات لمشروع قومي عربي.
ويطرح عنوان الرواية إشكالية مستفزة، فالعين الساردة والتي تبدو وكأنها غير بشرية تسعى للوصول إلى لون الروح من خلال معرفة الحقائق والدخول في حياة الناس واستكشاف دواخلهم، فكأنها بهذا تسعى إلى خلق عاطفة من خلال اللغة كما تسعى أيضا من ناحية أخرى إلى تحويل المشاعر إلى ذاكرة بصرية جعلت من السرد بناءا تشكيليا من الخيال التصوري القائم على الحدس.
وهو عنوان من ناحية أخرى غائم ومضلل لما يتضمنه من اقتران لا يخضع للتماثل أو التباين فكل طرف من طرفيه كيان بذاته ولذاته والجمع بينهما بالإضافة كون من العبث والفوضى المضطربة وهو ما أكده السرد بعد ذلك.
كذلك نرى في هذا العنوان المضلل صورة ارتدادية لعمى البصيرة الكامن في الوعي الزائف وفي عتمة النفس وغموضها، وهو ما أكده السرد بعد ذلك في حالة الفوضى التي تكشف حياتنا والتي تمثل هذه الحياة وتشكلها حيث ينتهك الإنسان، وتنتهك خصوصياته جسدا وعقلا وروحا.
ولتقديم هذه الفوضى العبثية استخدم الكاتب هنا وفي أعماله الأخرى ما يمكن أن نسميه منطق التعاكس في السرد، وهو ما بدا منذ عتبات النص، فالوحدات اللغوية لا تستدعي –كما هو الحال في الأبنية السردية– متممات أو متعلقات أو متعاكسات، وإنما تحيل كل وحدة إلى أخرى بعيدة عنها تماما، وقد تكتفي بذاتها لتكون نسيجا خاصا بها فلا تحميل على أية وحدة أخرى، وهو ما أشرنا إليه في العلاقة بين اللون وهو مدرك بصري والروح وهو خيال حدسي، وتصبح العلاقة بينهما باعتبارهما وحدتين لغويتين متجاورتين، علاقة عبثية تعكس عبثية الواقع والحياة والوجود الذي كون الفضاء السردي.
كل الناس يتلصصون على كل الناس. رجال وصبايا ومتع فضفاضة تحدث مثلما يحدث في الأحلام. صنيع صامت يمارسه الكل ضد الكل. خلق كثير لا عمل لهم إلا توهم الانتهاكات الجديدة. النساء أيضا يمارسن جاذبيتهن بأساليب شتى تتراوح بين لفت النظر والصراخ، الرجال يقعون في الفخ الأصيل الذي فمه مفتوح مثل صوت عظيم في أرض النبوءات الفضفاضة ومتاهة البغي والظلم في الصحراء الهاربة من ردهات الكتب السماوية.
هكذا يتحرك السرد في فوضى الخيال البصري وقد امتل بالشخصيات الكثيرة ذات الأنواع والأقسام والوظائف والمفردات الكثيرة المبعثرة التي قد تتلاقى في تناقض أو متممات وقد لا تتلاقى وهو الأعم.
هذا النسيج السردي هو بلا شك الأنسب لرصد مثل هذا الواقع العجيب المتناقض غير المعقول في شكله العام، عالم على الرغم من تصور الإحاطة به ورصده إلا أنه يؤكد في النهاية أننا نحيا واقعا لا نملك فيه شيئا سوى العجز.
ومع أنك من السهل أن تجد في صياغة هذا العالم وتشكيله من خلال سرد الخيال البصري مجموعة من الروافد الثقافية من الخيال الشعبي والخيال الأسطوري وعبثية أمثال كافكا وهرمان هسه صاحب "ذئب البراري"، إلا أنك مع هذا لا تستطيع أمام أعمال صلاح بوجاه، إلا أن تؤكد أنها أعمال متمايزة ذات شخصية متفردة في المشروع الحداثي للسرد العربي، وهو ما أكده الكاتب نفسه في حديث له حيث يقول: "أن علينا أن نكتب رواية مختلفة في كل مرة نمسك فيها بالقلم".
وبسبب هذه الحدة والاختلاف ملكت أعمال صلاح بوجاه سر سحر الحكي، ففي هذه الفوضى العبثية تتحرك الحياة والأشياء والبشر في سرد ماهر يحرض على التمسك بالجوهر في حركته غير المرئية داخل حركة الزمان والمكان ليغيرك إلى أصل الكون، الذي هو في حقيقته العجيب والمدهش والسحري والغرائبي، الذي يغدو في زمن الفوضى والانسحاب والغربة عالما من الفوضى العبثية.

لون الروح والنخاس.. روايتان لصلاح الدين بوجاه
بقلم/ مصطفى عبد الله
1- لون الروح ودرس الجسد

صلاح الدين بوجاه مبدع تونسي صاحب مشروع روائي حقيقى متطور من عمل إلى عمل: أسلوبا، وبنية، وموضوعات، رغم كثرة الاختلافات بين نماذجه الأولى في الثمانينيات، ونماذجه الأخيرة في بداية هذه الألفية.
ولعل السمة الغالبة على سرده تتمثل في الالتزام بالجملة العربية التي لا صنعة فيها، ولا أثر للمحلية أيضا؛ وهذا هو ما جعل نصوصه تنتشر شرقا وغربا، وهو ليس وليد الحيز التونسي، بقدر ما يمثل بحق نتاج الثقافة العربية الحديثة، بما لها وما عليها من خيارات لغوية وروائية، وخاصة فى ذلك المجال الواسع الذي يجعلها قادرة على محاورة الرواية العالمية.
ونحن لا نعد الخصوصية من الشبهات، بل لعلنا نقتضيها في مستوى المعاني والدلالات، بيد أننا نميل إلى البحث عن التزام كتابنا بالعربية مصدرا رائقا ومجالا ثريا لأعمالهم الجديدة.
ومع روايته الثالثة (النخاس)- التي تحمست لتقديم طبعتها المصرية بدراسة عنوانها (النخاس.. وروايات المتوسط)- أحدث بوجاه تحولا صريحا في كتابة نصه الجديد، فبعد (المدونة) و(التاج الخنجر والجسد)، تفتح (النخاس) مسارا غنيا للسرد في تونس.
وهي تبدو وثيقة الصلة بالنصوص العربية القديمة، وبالنصوص الغربية المعاصرة في آن واحد فهي عربية ومعاصرة من حيث دلالاتها، رغم "أن أمرها إلى فوضى"، مثلما يعلن صديقنا الشاعر المنصف الوهايبي في مقدمة طبعة (دار الجنوب) في تونس. ومن الطريف أن نثبت هنا تصدير بوجاه لروايته بمقولة ابن النديم: "هذا فهرست جميع الأمم، من العرب والعجم.. وأخبار مصنفيهم وأنسابهم.. وأماكن بلدانهم، ومناقبهم ومثالبهم، منذ ابتداء كل علم". حتى أن الوهايبي يعلن بعد ذلك مباشرة: "في (النخاس) شتات من تيه الصحاري والاستيهامات والأحلام.. وفي (النخاس) تضافر عناصر وأمشاج وصور متدخلة متناسقة متناظرة متشابكة ضاربة في التاريخ القديم، وسيرة صلاح الدين بوجاه، وفي سيرة كثيرين مما عرف.. ولكن تحكمها مواثيق أسلوب وسرد تملى عليها نظاما مخصوصا مظهرا وتلوينا".
فبوجاه في هذه الرواية الثالثة يبدو غير مخلص للمنطلقات التي بشر بها في روايته الأولى (المدونة)، لكنه على العكس من ذلك يبدو وفيا جدا لأهدافه القصوى التي تظهر جلية في أعماله الموالية.
فهو مثل (الزَّجاج) الذي يرد ذكره في تجاويف الرواية من أعلم أهل زمانه بضروب المرايا طولا وقصرا واستدارة وتجويفا وتقعيرا ودمجا وإرباكا واعتدالا وتعرجا وتخطفا للصور وتهميشا للهيئات والأوصاف.
فكأنه بهذا يبدو قادرا على إطلاق الروح الحبيسة في الشكل.. استكشافا للخبايا والدقائق، فنكاد نبصر البحر، هذا (اليم المتوسط) الذي كان يلقب ببحر الروم ثم استعاره العرب حينا من الدهر، ونكاد نرى العرب والترك والبربر والإسبان والقبط والفرنسيين والطليان والزنج والفينيقيين.
ولعل من أطرف ما في الرواية تداخل الأساليب في تضاعيفها، حتى أن كاتبنا ليكاد ينطق الجن والملائكة من خلال بنية ملحمية تستدعي أجناس المتوسط وثقافاته وأساطيره واستيهاماته ضمن تركيبة واحدة.
وضمن هذا السياق تبدو روايته التالية (راضية والسيرك) الصادرة في بيروت عن دار الآداب مكرسة بحث بوجاه عن شكل روائي جديد، من خلال استعارة "بنية البيت العربي"، حيث يتخذ شكل السقيفة الأولى، والسقيفة الثانية، ووسط الدار، والمجلس الكبير، والصغير، المقاصير، وسواها.
هكذا نكون إزاء زمن آخر جديد، وفصول أخرى، من تجاوز المعتاد.. عنب وتين، وعسل وشراب مصفى وستر وظلام وصمت! هذه هي ملامح الشكل والدلالات التي رغب بوجاه في استحضارها في روايته الرابعة؛ إننا إزاء أمكنة متعددة وحركة دائرية.. وإذا المعرفة طلاسم وأوهام.
وروايته (سبع صبايا) التي صدرت قبل عامين تؤكد أنه قد فضل الخروج على كل ما ثبت من قواعد واستقر من نواميس، وهي تأتي لتزكية هذا المعنى، فهي، مثل سابقاتها، تختبر إمكانات العربية، وتُوقظ الأساطير القديمة في الكلمات، وتبحث عن طقوس سردية محددة تعبر عن ممارسة المبدع للعالم. هي تُفتتح بإقبال الشيخ راجح على الصبية يلقنها- مثلما هو الأمر في الملاحم القديمة- درس الجسد؛ فإذا بالفتاة تكتشف- إضافة إلى ذلك- درس العالم وأسراره، هكذا يبدو فعل الافتراع فعل كشف واستكشاف.. فكا لحروف العالم!
أما روايته (لون الروح) التي حضرت فى تونس فى أبريل الماضى حفل تسلمه جائزة كومار الذهبى عنها، فتعد من أهم وحدات هذا المشروع الذي ما فتئ يتسع حينا بعد حين. وفي تقديرنا؛إنها حقا تُحيل على "ذلك الجرح الذي لم يندمل، أو لم يطب، داخل النفس" مثلما يقول الروائي الكبير خيري شلبي. ذلك أن الرواية بكاملها تُحيل عبر لعبتها السردية على المواطن المظلمة داخل النفس البشرية، من استطاع تشمم روائح الأرصفة والقطران، وأحواض المدن والموانئ، وقاذورات البراميل، ورائحة الزيت العطنة في بيوت المؤن.. وشتى هذه العفونات!
وفي تقديرنا إن هذا العمل لافت للنظر على أكثر من صعيد فهو رواية ذات بنية دائرية تعود إلى مكان انطلاقها مع بداية كل فصل، ونرغب في أن نُشير هنا إلى المقدمة التي كتبها الناقد التونسي عادل خضر، ونشرت في طبعة دار الجنوب، مؤكدا أنها رواية ذات طابع "بانبتيكي" وهي لفظة أجنبية، أو فلنقل إنها قائمة على رؤية شاملة، ولعل هذه البنية تقوم في أصلها على تصميم السجن الكامل، الذي ابتدعه الحقوقي والمفكر البريطاني جرمي بنثام، الذى يتكون من دائرة كبيرة من الزنزانات رصفت حول برج مركزي تشغله عين الرقيب الذي يتتبع كل المساجين دون أن يراه أحد، وقد استخدم هذا النموذج أيضا داخل بعض مستشفيات الأمراض العقلية لمراقبة المجانين، وفي المصانع لمراقبة العمال، وفي المدارس لمراقبة التلاميذ.
هذا مدار الأمر.. عين مراقبة تكاد تكون "غير بشرية" من حيث أنها آلية قوية قادرة على معرفة الدقائق ودخول حياة الناس، واستكشاف دخائل كل النزلاء في فندق فخم من فنادق الدرجة الأولى، بحثا عن استكشاف عمليات إرهابية.
والمتأمل لرواية بوجاه يكشف أن أحداثها تدور هنا في مصر في فندق داخل سيناء على مبعدة كيلومترات قليلة من الكيان الإسرائيلي.
تُصيبني القشعريرة حين أذكر أنني قد شاركت في رحلة بوجاه إلى العريش، ولاحظت أنه يدقق في أسئلته عن الطيور والمياه والرمال والنباتات والأشجار، لأنه كان يدرك أنها هي التي تصنع المكان.
بعد العريش مباشرة وُلد هذا العمل الروائي الرائق الذي يُلقي أسئلة حارقة على الذات العربية والغربية المعاصرة.
ولكن.. ما لون الروح؟!.. الروح لا لون لها، رغم ادعاءات المرجفين، وخاصة حين تُمح كل المشاهد من الذاكرة ليبقى مشهدان متراكبان.. أولهما مشهد هؤلاء الذين ألصقوا بآذانهم أجهزة هواتفهم النقالة مستفهمين عن لون الروح..! أما الثاني.. فيُمكن توهمه.. ملمحا حاضرا بقوة، نابعا من ذلك الجوار الحارق مع الكيان الإسرائيلي، وهذه مسألة أخرى مهمة جدا في رواية (لون الروح) التي سمحت لصلاح الدين بوجاه بمواصلة مشروعه الروائي في تؤدة وثبات.. وهو يجد في طريقه إلى المستقبل.
2- النخاس.. ثلاثة نقاد وروايات المتوسط
أ- بوجاه ومرآة النقد: "النخاس"..،نقاد ثلاثة
تعد رواية "النخاس" للروائي التونسي المتميز صلاح الدين بوجاه، واحدة من الروايات التي وصلت إلى ذروة الاغتراف من التراث السردي القديم، ومحاولة إعادة تشكيله في ضوء معطيات جمالية وأسلوبية ودلالية تعبر عن التراسل بين الماضي والحاضر، من خلال صهر فنيات السرد القديم بجماليات الإبداع الروائي المعاصر، بحيث لم ينبت الوعي الروائي الحديث عن شجرة نسبه البكر الكامن في أوليات الحكي لدى القدماء، حين تراسلت لديهم فنون الشعر والمشهد الحواري، إلى جوار صناعة الخبر و المقامة، لتكون هذه الفنون في كليتها العميقة نزعة إنسانية تصب في مجر أوسع يعبر عن مبدأ راسخ يشير إلى أهمية السرد.
ومن هذا المنطلق الذي يصل بين الماضي والحاضر، بواسطة استرفاد الجوانب الحية في تجربة السردية العربية القديمة، نبتت أفكار بوجاه التي تصوغ وعياً جديداً لسرد مغاير، يستلهم قصص العرب ورواياتهم وأخبارهم وأيامهم وخيالاتهم وبطولاتهم لينسج من جملتها مدونته الرواية، ويصوغ من خلالها مفاهيمه الروائية الخاصة حول الرواية اللغوية أو رواية الواقعة اللغوية، والتي تستند إلى وعى عميق بمكونات الماضي القادرة على الحضور وإعادة التوظيف.
وإذا كان التشديد على التمازج بين فن السرد القديم والرواية الحديثة على هذا النحو من البروز في تجربة صلاح الدين بوجاه الروائية على الصعيدين النظري والإبداعي فلن تكون مغادرة هذا الملمح أو تجاهلها من قبل مرايا النقد الروائي، ومن هنا وجهت الكتابة النظرية والإبداعية الخطاب النقدي الدارس له نحو العصب المركزي الذي تصب فيه البؤرة المركزية لخلاصة تجربته الروائية، ولعل تتبع مرايا النقد العاكسة لعناصر رؤيته كما تبدت في ذراها من خلال رواية " النخاس " ما يكشف عن تقارب الفضاءات النقدية وتقاطعها إزاء عناصر محددة تمثل نقاط إجماع بين نقاده على أهميتها في تشكيل هذا التقارب مع التراث السردي إن العودة إلى تقديم منصف الوهايبي للرواية ودراسة د. عبد الله أبو هيف عن استلهام التراث السردي في روايات بوجاه، بجانب دراسة د. صبري حافظ عن الرواية والتي بعنوان (متاهة اللغة، مرآة الرواية) ، جميعاً تكشف عن تجاوب بين أفق التوقعات النقدي، وتقارب في توصيف العناصر المكونة لضفيرة السرد في " النخاس "، وتغرينا عمليات التلاقي بين هؤلاء النقاد في التقاط الملامح المائزه للرواية بتتبعها لدي كل ناقد منهم.
في تقديمه " النخاس " يلمح منصف الوهايبي صلة الرواية بشجرة نسبها العريقة التي تنبع من تربة التراث الإبداعي العربي الثرية، وفنونه البواحه دائماً بعبق الماضي فما تتدثر الرواية به من سمات التفريغ من الأصول و التعريج عن الفروع وإدراك التشعيب غايته، يمثل وشيجة عجيبة تقربها إلى فن " التوريق العربي " أو ما اصطلح عليه مؤرخو الفن الأوربي بلفظة الأرابيسك، ففي (النخاس) أشتات من الأمشاج والصور المستمدة من التاريخ وسيره، تتقاطع مع سيرة بوجاه ذاته، ومن ثم يفجر السرد الروائي مكنونات الشكل القديم ويطلق روحه الحبيسة ليكشف خباياها، فى مزيج غرائبي يكتظ بالشخوص والعوالم العجيبة، تضرب فى أرض الواقع بسهم وتشارف الحلم والرؤيا من خلال التركيز على صورة البحر الأبيض المتوسط، وبنية الترحال التي تجمع فى مسيرتها أشتات الأمم والحضارات المتاخمة له ماضيا وحاضرا : فإلى جوار العرب نرى الترك والبربر والأسبان والقبط والفرنسيين والطليان والزنج.
ويؤكد الوهايبى أنه بواسطة هذا التمازج العجيب بين شكلين : قديم وجديد يداور أحدهما الآخر، أي العربي القديم والجديد الذي طورته الرواية الأوربية، يخدم الشكل الروائي فى محصلته النهائية متخيلا ينبني على التعدد والتداخل بين الأجناس وتحقيق قدر كبير من الكثافة، فهي تسمى الأشياء وتعددها في اللحظة ذاتها، غيرأن هذا الاحتشاد ينطلق من وعي الكاتب بلعبته الروائية التي يؤدها ببراعة، فلا نجد صوتاً نشازاً أو لحناً ناتئاً بين أمشاج النصوص والأصداء (فالمجردات والمحسوسات جميعاً لا تتدافع ولا تتزاحم قدر ما يفتح بعضها على بعض وينهض بعضها لبعض)، فلا قداسة مزعومة للغة الفصحى، وإنما تداخل لغوي يجمع بين عربية رصينة وأخرى عامية، إلى جوار نسيج مصنوع بحرفية من برج من اللغات فرنسية وإيطالية وسواهما…
على أن المبني لا ينفصل عن المعني فهذا التعدد يقود إلى حركة لا تبتغي التوقف ولا تقبل السكونية، تعطي طرفاً من القول وتفتح باباً واسعاً لتعدد لا يحد في تنوع معاينة التي لا تقبل الاختزال.
وفي دراسته التي تحمل عنوان استلهام التراث السردي في الرواية العربية والتي تتخذ من روايات صلاح الدين بوجاه نموذجاً، يؤكد د. عبد الله أبو هيف على أهمية رواية " النخاس " في مجال استنباش التراث السردي العربي القديم، وهذا ما يظهر جلياً منذ عتبات النص ومداخله.
إن تصدير الرواية بمقولة ابن سينا المأخوذة (من الإشارات والتنبيهات) تنقلها إلى كمال الوهم وأقصي أمداء التخييل من خلال عالم أشبه بمغامرة شائقة سردياً ولغوياً، بداية من عتباتها (العنوان ، الإهداء ، الكلمات المفتاحية، التذييل المسمي أطراف النص).
عنوان الرواية لا يحمل في طياته كما يذكر أبو هيف تلك المعاني التي أسندها إليه بوجاه، فالنخاس يشير إلى بائع الدواب ويتسع المعني ليشير إلى بائع الرقيق، لكن بوجاه أضاف للكلمة معان جديدة يدخل فيها (ولوج جراح الآخرين وشرح صدورهم والنظر في دخيلة أمرهم)، ويدخل فيها أيضاً المقايضة جليلها وحقيرها وضروب المداورة والتجوال، ويتحول النخاس بحركة هذه المعاني إلى حلزون تائه يزحف في دنيا الناس يكشف الخطايا في أسواقهم وبهذا المعني ينقطع معني النخاس عن مراده اللغوي المباشر المذموم ليعبر عن معان إيجابية دالة على الرحالة الذي يدرك بواطن الأشياء.
ولا تتخلق رواية "النخاس" في بنائها الروائي إلا وهي تضع نفسها في خضم أثير تحوم فيه داخل متاهات السرد وغوايته الغامضة والتي تكشف عن توق إلى الدخول في لعبة الكشف عما يحدث في الأبعاد العيانية الظاهرة أو الداخلية فيما وراء الأنفس، ولعل استخدام فعل (تداوره) الملتصق دوماً بحالة السفر نحو استلام الجائزة، والذي يكشف أبو هيف عن دوره بدقة تتبعه لوروده المتواتر على طول الرواية، ما يدل على توغل الرواية صوب التعدد وصراع التأويلات ويدخلها في تضافر الأشكال السردية يقول د. أبو هيف " إن فعل المداورة يغني معانيه وتأويلاته مثال لبناء الرواية التي تنوع أشكال سردها من الخبر إلى الحكاية إلى السيرة إلى المقال إلى النزوع إلى الشعر، فتضافر الأشكال جميعها في ذلك التشكيل الفريد لانهيارات السرد وضبطه في الوقت نفسه"
وعلى مستوى علاقة السرد الروائي المتخيل بالأبعاد المرجعية نجد أن بوجاه في " النخاس " مثلما يناهضه لمرجع بالتخييل فإنه كذلك يناهضه التخييل بالإيهام حينا وبالمبالغة في المحاكاة أحياناً أخر، وهو ما يظهر في عناوين فصول الرواية، كما يتجلى كذلك في التداخل المقنن بين المبني الواقعي والأستعاري ، فالوحدات القصصية لها طبيعة منطقية ذات ترتيب واع، بالإضافة إلى وجود نسق من التنضيد داخل الخطاب الروائي تفصح عنه فاعليات التناص مع نصوص وإشارات ثقافية، إلى جوار تحول الكتابة إلى فضاء فنتازي بواسطة انصهار اللغة والمخادعة السردية والمرجعية وإظهار الراوي في بؤرة.
ويعرج بنا الناقد المصري صبري حافظ على اهتمام الرواية العربية الحديثة بإدارة حوار مع التراث النثري العربي، مما يرهف قدرتها على التعامل مع متغيرات العصر وتبدلات الحساسية الأدبية، ويطرح في اللحظة نفسها بنية روائية جديدة تكتسب بها الرواية العربية خصوصيتها وفي هذا الأفق جاءت رواية "النخاس" لبوجاه لتجسد على صعيد أولي طموح كاتبها لتطوير أداته الروائية بعد روايته الأولي (مدونة الاعترافات والأسرار)، كذلك لتؤكد على مذهبه الذي اصطلح على تسميته بالواقعة اللغوية" وهي واقعية ذات مستويات ثلاث كما يؤكد د.صبري حافظ ، أول هذه المستويات.
- تصوير مباشر للواقع العربي الأعجف الخارجي قديمه وحديثه
- بناء واقع روائي داخلي صرف يحيل على ذاته، ملتمساً جل عناصره من بناه الداخلية بل ورموزه التي لا فك لسننها إلا صدوراً عنها وعودة إليها.
- إقامة واقع لغوي محض يعبر عن واقع لغتنا التي نهوى ونعشق، هذه التي تسكننا ألماً جميلاً ونسغاً حلالاً، يروي كرمة غدنا غوصاً من تربة ماضينا.
ولقد ظل هذا الطموح يداور بوجاه حيناً ويغدو عصياً في بعض الأحيان إلى أن تحولت مراوداته لهذا الطموح إلي واقع في روايته " النخاس"
وتتسم ( النخاس ) بقدرة روائية تمزج بين الوهم بالتسجيل، والواقع بالخيال وأشكال السرد التراثية القديمة ببنية السرد المعاصر، كل ذلك يقيم قواعد اللعبة النصية المخاتلة، عبر متاهة نصية ممتعة يستحيل معها تلخيص الرواية، فالرواية لا تعتمد في رأي د. صبري حافظ على مسار الحدث على الرغم من مسيرته الشيقة ولا ثراء الشخصيات على الرغم من خصوبتهما، بل على التراكب والتناسخ وتراسل الدلالات.
مبدأ التناسخ ذات الأصول الهندية والذي يري أن كل صورة ما هي إلا تجل لصور سابقة، هو مبدأ عمل الأحداث والشخصيات في عالم الرواية فالرواية تؤكد على أن لكل شئ بعده التاريخي، وأن تراكم طبقات الخبرات والمعارف يمكنا من استيعاب الأشياء والجزئيات والشخصيات والتصورات.
ويتوقف د. صبري عند دلالة التصديرين الاستلهلاليين، والذي يتقاطع فيهما بوجاه مع قول لابن النديم من كتاب "الفهرست" وآخر لابن سينا من "الإشارات والتنبيهات" وهما يمثلان مفتاح قراءة للرواية، وهذا ما يتضح في دلالاتهما على شمول التجربة وإلى تحول جميع الأمم والأزمنة، بالإضافة إلى منهج التجاور الذي يسفر عن نفسه في بنية العبارة المقطعة، حيث تتجاور الأخبار والأنساب والأماكن والمناقب والمثالب مما يؤدى إلى توليد علاقات جديدة وتفجير العلاقات التقليدية كذلك الولع بالتركيز والاقتصاد، والمبدأ الجمالي الذي يعي أهمية الكمال كمصدر الكمال وأن مصدر هذا الجمال هو كمال الوهم.
ويلتفت الناقد أيضاً إلى دور عناوين الفصول في تقديم بعد إرشادي للقراءة، يوهم ويذكر بعناوين النصوص القصصية التراثية القديمة، وتنهض هذه العناوين بعدة وظائف أولها إجهاض التوقع واستباق الحدث، بجانب التقليل من التشويق دون الإجهاز عليه، وثالثها إرهاف من حدة الجدل التناصي مع النصوص القديمة، وأخرها دورها في الإيحاء باستقلالية كل فصل.
والحكي ينطوي كما يري د. صبري حافظ على مبدأ الغواية الجاذبة نحو السفر والترحال والوهم الذي يباطنه ظن بالحصول على جائزة، الرواية تقص رحلة الكاتب تاج الدين فرحات البحرية على سفينة " الكابو – بلا " السوداء إلى جنوه، حيث تلقي دعوة من هيئة جائزة (مينالدو) الأدبية لزيارة البلاد الإيطالية، ولكنه مدعو إلى لحضور حفل الإعلان عن الفائز بالجائزة لا حصوله هو عليها، (فثمة تعلق بوهم وتعلة، منذ بداية الدعوة، إذ إن غايتها ملفعة بالأسرار والترجي وإن كان مقصدها الجغرافي واضحاً وهو جنوه).
على أن هذه الرحلة المجسدة داخل الرواية من خلال ارتباطها بدلالات السفينة والمؤلف/ البطل، تشير إلى أبد الرحلة ولانهائيتها كما يقول د. صبري، فالسفينة تشكل استعادة دالة على كوكبنا الأرض، وربما تشير أيضاً إلى قارتنا الأفريقية؟ أو إلى المؤلف – صلاح الدين بوجاه نفسه؟ وحيرة هذه الأسئلة التي تتنازع فيما بينها في تشكيل دلالة الرواية تخلق قدراً من الالتباس لتوسع أفق دلالات الرحلة. (فالرحلة في هذه الرواية هي الرحلة الأفقية والرأسية معاً، أي رحلة الغوص في البحر وتكبد مشاق عباب الغمر، ورحلة الغوص في قيعان النفس البشرية وطبقات التواريخ المطمورة ومستويات اللغة المتراكبة في آن واحد"
إن السفينة في الرواية تمثل صورة مصغرة للعالم الخارجي ونجح بوجاه في أن يجعل منها نواة مركزية للعالم الروائي، بواسطة تجسيده خصوصية السفينة وعموميتها معاً بتلك الطريقة الشاعرية، التي تنسج خيوطاً محكمة لشبكة من العلاقات والأحداث.
إن تتبع مسارات الآراء النقدية السابقة، لهؤلاء النقاد الثلاثة ، على الرغم من اختلاف المنطلقات النظرية لكل منهم، ليكشف عن وجود عناصر أساسية وسمات تعبيرية، لا يمكن أن تتجاوزها العين الناقدة الخبيرة لفن السرد العربي الحديث، فمن خلال تحاور الرؤى حول "النخاس" تبرز أهمية العنوان الروائي والعناوين الداخلية للفصول وبنية العبارة السردية المخاتلة واستخدام الموروث السردي القديم فى بعد إشاري مغاير، كل ذلك يسهم فى صناعة فصل روائي متعدد الدلالات والرؤى، يغوص فى الأوجاع الفردية ويجعل منهما تجربة إنسانية لها صفة الشمول.
ولا شك أن هذه القراءات الثلاث لتكشف كذلك على قدرة الإبداع الأدبي أن يحرك استجابات جمالية متعددة بحسب المنطلق المحرك للتلقي، لكن هذا التعدد لا يعبر عن الخلاف الجذري، بقدر ما يولد أفق جامع وفضاء مشترك للقراءة، إن كل أدب يتسم بالاستمرار والديمومة لا شك يوكل فى كل منا إحساس ما ويستدعى تجربة ماضية لنا خاصة بكل فرد، لكنه كذلك يستطيع أن يجعلنا جميعا نتقارب فى أبعاد معينة، من خلال نقطة التقاء مشتركة، ومن هنا كان الدرس النقدي حول "النخاس" معبرا عن قدرتها على مزج الخاص بالعام، والفردي بالجماعي، ككل إبداع عظيم، يرجى له فى لحظة ما بالدوام، وبالكشف المستمر عن خبايا التجربة الإنسانية.
"النخاس".. وروايات المتوسط
أجد أن مناقشة رواية ( النخاس ) هنا في الإسكندرية ، داخل قصر الكلمة ، في حضور مؤلفها الروائي العربي الكبير صلاح الدين بوجاه بين مبدعي الثغر، وكبار نقاده فرصة لتبني مشروع إبداعي ضخم حول روايات البحر المتوسط.. هذا الحوض المائي الكبير الذي شهد ميلاد الحضارات في فلسطين ومصر واليونان و نهضتها في إيطاليا و فرنسا و تميزها في الشمال الإفريقي و الأندلس.
وربما يكون هذا المشروع نواة لحوار من نوع جديد ، لنا مع الآخر ، الذي نشاركه هذه المرة شريان الحياة المائي، ونهر الإبداع الروائي.
وقد أغرتني هذه الرواية بإعادة قراءتها و تقديمها في طبعتها الشعبية في مصر لعدة أسباب ، أولها أنها تنتمي إلى كاتب قيرواني استطاع أن يضع بصمة واضحة في تاريخ الرواية العربية في تونس ، حتى أنه أصبح ثاني الأسماء التي تقفز إلى الذهن عندما يرد الحديث عن الرواية التونسية بعد الرائد الكبير محمود المسعدي ، الذي قدمه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين للمشرق كله عندما نشرت روايته الشهيرة (السد) ، و كذا لكونها رواية مربكة مريبة ، تأخذ بقارئها في بعض مساربها ، فإذا ما اطمأن و أسلس القياد طوحت به بعيدا حتى يضيع منه المعني فيدخل بيداء الغموض .
وهذا هو الانطباع الأول الذي يقابل قارئ ( النخاس ) ، هذه الرواية المداورة ، فيزج به في منطق اللهاث و التقصى .. اللهاث خلف أحداثها المتعاقبة الشيقة ، و تقصى مضامينها التي تغوص في تربة الأسئلة الوجودية الكبرى من ناحية، وفي استفهامات العالم اليوم من ناحية ثانية .
وربما يكمن هنا ثراء هذا النص الذي يثير قضايا الموت و الميلاد و المتعة و الألم و البداية و النهاية إثارته للصراع الغريب المتقد بين الحضارات ، حتى يتحول البحر في الرواية من بؤرة صدام بين الشرق و الغرب و الشمال و الجنوب ، فيكون الأداة و الرمز في آن واحد .
ولأن حوض المتوسط ملتقى لحضارات و ثقافات عدة ،فإن ( النخاس ) تستدرج أجناسا و شعوبا ، منها الإيطالي و الإسباني والفرنسي والتركي واليوناني والمصري : القبطي والمسلم ،فضلا عن التونسي طبعا ، فتستدرج بذلك مناخات متعددة تغني الرواية ، وتمدها بثراء فريد ، وتتخطى بنا أحادية الأسلوب و الأغراض للخوض في حوار حول جنس الرواية ذاتها .
و لعل هذه الوجهة في الفهم هي التي أغرت الناقد الدكتور صبري حافظ بالإشارة إلى أن روايات صلاح الدين بوجاه قد أنشأت حوارا جديدا مع الرواية في المشرق العربي .
و ضمن هذه الوجهة نضع ( النخاس ) التي تدعونا إلى قراءات متجددة كثيرة للوقوف على خفايا بنيتها ، و مجاهل قضاياها .. و متعة أسلوبها ، و هي وجهات في الفهم و التأويل يلخصها الشاعر التونسي منصف الوهايبي بقوله :
"تبدو الرواية على وشيجة عجيبة بفن الترويق العربي ، أو ما اصطفى له مؤرخو الفن الأوروبي لفظة " أرابيسك " ، حيث يسم التفريع الأصول ،كما يسم التعريج الفروع ، و يدرك التشعيب غايته .. قبل أن تنكفئ الحكايات على ذاتها مثلما في (ألف ليلة و ليلة)" .
لهذا نكرر على أننا إزاء أسلوب ساحر ، ونص سردي مريب ، و إثارة عجيبة للمعاني و الأغراض .. تدفعنا جميعها إلى التوقف عند نص نزعم أنه من النصوص المؤسسة لمرحلة جديدة في الإبداع الروائي العربي .
لهذا فإننا لا ندعو إلى قراءة هذه الرواية فحسب ، إنما تأملها ، و مقاربتها المقاربة النقدية الضرورية ، و مقارنتها بالجديد المصري و العربي.. و وضعها ضمن مسارات إبداعن الروائي الحديث .
هكذا تدرك استفهامات الرواية الكثيرة أفقها الفعلي ، و هي الساعية إلى تجاوز الواقع التونسي أو المغاربي بصفة عامة إلى إثارة مسائل إقليمية حارقة ، هي " قضايا البحر المتوسط " على وجه الحقيقة ، وعلى وجه الإطلاق قضايا تونس و مصر وغيرهما من البلدان العربية .
تاج الدين فرحات، غابريللو كافينالي ، لورا ، الراقصة ليلى ، وجرجس .. جميعها شخصيات يمكن أن نقول في شأنها ما قال الكاتب في (النخاس ) : " تاج الدين نخاس كاتب أبدا ، حلزون تائه زاحف في دنيا الناس كاشف خفاياهم شارح صدروهم ، حلزون يحمل قوقعة عذابه فوق ظهره ، صدره كونه من الشموس و النار و الثلج و الخوف و الخامات النفيسة و قصور الحكام و فحش آخر الليل ، و الحياء و العفة ، و المخطوطات النادرة و أولياء الله الصالحين .
هذا كله شجعني في هذا التمهيد على استجماع عناصر حيرتي و أنا أقرأ رواية أعجبتني كثيرا في مراوغاتها الممتعة ، و دعتني إلى الإسهام في التفكير الكوني الذي يثار الآن حول مسألة الحوار العالمي، وإسهام العرب في الجدل الحضاري القائم، وسالف إسهاماتهم في حضارة الأمس واليوم.
وكم احتلت هذه الرواية حيزا من مناقشاتي مع بوجاه كلما التقينا هناك في تونس أوهنا في مصر، وقد أكد لي أن شخصيات النخاس لا ظل لها على أرض الواقع ، و إنما هي تجسيد لحضارات متبانية، بل ومتصارعة فيما مضي في حوض هذا البحر. ولكنها تتجسد في سفينة تبحر من تونس إلى إيطالية، وكأنها تعلة للانعطاف على لعبة كبرى ..
ومن يبحث عن القيروان مجسدة داخل ( النخاس ) سيرهقه البحث ، فصلاح الدين بوجاه يؤكد أن المدينة لا تعدو أن تكون مجرد خلفية مكانية و زمانية ، و هو حتى عندما يقرر أن يكتب عن القيروان أو يدونها في رواية أخرى مثل (السيرك) مثلا فإنه يقدمها كمحصلة لقراءته في المدينة العربية بشكل عام.
فهل ننعطف في الختام على موقف الناقد العراقي ماجد السامرائي الذي أكد :" حين تسأل الروائي صلاح الدين بوجاه أن يقص عليك رحلته مع الكتابة تجده يبدأ مع "الراوي عن نفسه" ليخبرك بأن الرغبة في الكتابة ولدت عنده منذ طفولته الأولى ؟ أم ندعى إلى أن نهتف مع بوجاه نفسه : ماذا يفعل الكاتب في النهاية غير محاولة تشويش المثل و الحقائق قصد إعادة تنظيمها؟!".
الغرباء يلوحون في السهل المقفر
قراءة في "سهل الغرباء"، لصلاح الدين بوجاه
دراسة قدمها محمد عطية محمود





السبت، 25 ديسمبر 2010

تهنئة

مختبر السرديات يتم عامه الأول , كل عام والمختبر وجميع الأعضاء بألف خير .

جدول مختبر السرديات لشهرى يناير وفبراير 2011م .

الثلاثاء 4 يناير مناقشة رواية "فوق الأحمر تحت البنفسجى" للأديب خالد السروجى يشارك فيها الدكتور مصطفى الضبع
----------------------------------------------------------------------
الثلاثاء 11 يناير أديب وأربع نقاد. مع الأديب سعيد سالم- رشاد بلال- د.عبدالبارىخطاب منى عارف - كوثر ملاخ "تونس"
-------------------------------------------------------------------------

الثلاثاء 18 يناير مناقشة مجموعة "أشجان الرحيل" " للأديبة منى عارف , يشارك فيها د.حسام عقل- محمد العبادى


------------------------------------------------------------------------

الثلاثاء 15 فبراير مناقشة رواية "زيوس يجب أن يموت" للأديب أحمد الملوانى يشارك فيها د.عبير سلامة – يحيي فضل سليم .
-----------------------------------------------------------------

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

عبد الاله عبد القادر في سطور


هو كاتب ومخرج مسرحي عراقي يحمل درجة الدكتوراه في الدراسات المسرحية، وهو يقيم حاليًا في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 1980،وهو المدير التنفيذي لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، قام بكتابة وإخراج العديد من المسرحيات، كما قام بكتابة العديد من الروايات، ومنها "رحيل النوارس" عام 1992، و"الجهجهون" عام 2005. وقد ترجمت العديد من أعماله إلى لغات أجنبية. نُشر فى العديد من دور النشر العربية،منها , دار الجليل فى سوريا، ودار المدى ودار العين التي نشرت لهالمجموعات القصصية "عازف الساكسفون , مدينة بلا ألوان , نجمة ماركيز, ساحل الكوس .








الخميس 16ديسمبر 2010م.



" آفاق الرواية والمسرحية في العراق، أضواء على الأدب العراقي"
***********
أقام مختبر السرديات يوم الخميس الموافق 16 ديسمبر ندوة بعنوان "شموس القمر.. بين احتراق القلب وشموع الأمل , للكاتب العراقي عبد الاله عبد القادر والتي مزج فيها هموم اليوم مع آمال الغد ليتحدث عن تجربته مع المسرح العراقي ويمر بنا سريعا على الثقافة العراقية التي رأى أن لا أحد سوف يتفهمها الا بعد معرفة التاريخ العراقي , لأن الثقافة العراقية مستهدفة للتقليل من أهميتها حيث أنها تشكل الهوية الأساسية للعراق .
فالثقافة العراقية تعرضت للتهميش بعد سقوط بغداد في 2003م, بل أن المثقفين تعرضوا للتشريد وتعرضت المخطوطات للحرق والنهب ودمرت كثير من المناطق الأثرية , في حين أن بلاد الرافدين منبع لحضارة عظيمة قدمت أول ملحمة عرفها البشر الا وهي ملحمة جلجامش .
وقد تعرضت العراق طوال تاريخها الى 44 احتلالا عسكريا آخرها ماتعرضت له في 2003م, ومع ذلك فكانت العراق عبر تاريخها الزاخر ورغم الصعاب ظهر لنافترات زاهية نبغ فيها سيباويه والخليل بن أحمد والفراهيدي وغيرهم , وازدهرت الثقافة في التاريخ المعاصر , فكانوا يقولون :" القاهرة تكتب و بغداد تقرأ " ,فكان العراق يعيش مناخا ثقافيا آمنا , وكما قال سعد الله ونوس في مسرحية " رأس المملوك جابر " : "ان أهل بغداد لا يريدون سوى الخبز والأمان " .

ثم انتقل عبد القادر الى بداية الرواية القصة القصيرة في العراق و وذلك عندما كتب عبد الحق فاضل أول قصة قصيرة له وكانت بعنوان " مجنونتان " وقد تناولها علي جواد القاهر بالنقد وذلك عام 1939م. ثم جاء ذو النون أيوب ليقدم روايته الأولى " الدكتور ابراهيم " لتكون أول رواية عراقيةعام 1948م , ثم كتب بعد ذلك " السيد والأرض والماء " , وتناول أيضا علي جواد النقد لأعمال ذو النون واشتد عليه في النقد كما فعل مع عبد الحق فاضل نظرا لتشرب علي جواد بالثقافة الغربية والأدب الغربي , فكان لايعجبه أي أديب عربي مهما كان مبدعا , بالرغم من أن الأعمال السابقة كانت جيدة . ثم جاءت الخمسينات وتميز فيها عبد الملك نوري، ومهدي عيسى الصقر، ومحمود عبد الوهاب والذي فاز بجائزة الآداب للقصة القصيرة عام 1953 على مستوى الوطن العربي عن مجلة الآداب عن قصته "القطار الصاعد إلى بغداد"، وشاكر جابر بروايته الأولى "الأيام المضيئة" عام 1955.

وفي فترة الستينيات، فقد شهدت تأثرًا كبيرًا بالروائيين الغربيين، كما تحول كُتّاب القصة إلى روائيين, ومن أبرز كتابات تلك الفترة رواية "النخلة والجيران" للكاتب غائب طُعمه فرحان، وقدمها عام ، وقد شكّل ظهورتلك الرواية ا نقلّه نوعيه في الرواية العربيةنظرا لتميزها ، ثم جاء بعدها روايات عراقية عديدة على نفس النهج المتطور, منها: "رجلان على السلالم" لمنير عبد الأمير، و"رجل فاته القطار" لمحمد النقدي.

أما فترة السبعينيات فقد تطوربقيادة خمسة روائيين، هم: عبد الرحمن الربيعي، وموفق خضر، وفاضل عزاوي، وبرهان الخطيب، وغائب طُعمه. وباتقالنا فترة الثمانينيات نجد أنها مثلت بوادر الكارثة الجماعية للأدب العراقي؛ حيث بدأ العراق يدخل فى حروب عديدة لم تنتهي حتى الآن, فرأى أن الدولة ساعدت على إفساد الدور الفكري والأدبي بتكريس كل الوسائل للحرب، فخصصت الجوائز المادية الكبيرة لأدب الحرب؛ وبدأت الحكومة آنذاك بإعلاء كل الفنون الأدبية المتعلقة بالحرب رغم رداءتها وعدم إتقانها فى بعض الأحيان، فكانت الروايات عبارة عن إعادة ساذجة للأفلام الأمريكية التى تصور الجندي الأمريكي بالمحرر والفاتح؛ فانعكس ذلك على الروايات العراقية بتأويل تلك الأفلام، وكان من أشهر ما كتب وقتها في هذا السياق رواية "قادسية صدام".ولفت عبد الإله عبد القادر إلى أنه وسط ذلك الركام من الروايات المخصصة لخدمة فكر الحرب، ظهرت روايات لكُتّاب شباب كانت تمثل الإنسانية والواقع الحياتي؛ مثل روايات الكاتبة بتول الخضيري، والتى أنتجت روايتين ترجمتا لعدة لغات؛ هما: "غايب" و"كم بدت السماء قريبة".

وعندما تناول عبد القادر المسرح العراقي تناول بعديه ، الأول تاريخي قديم، والآخر حديث، حيث بدأ المسرح العربي مع بداية المئوية الثانية للهجرة، عندما بدأ العراقيون بكتابة أول مناحة عن الإمام الحسين، بعد استشهاد الحسين بحوالى 40 عامًا، أي حوالى عام 101 هجرية. أما عن البُعد الحديث والمعاصر، فالمسرح العراقي والذي بدأ عام 1893، متزامنًا في ذلك مع بداية المسرح في مصر وفي حلب، وساعد على انتشار المسرح آنذاك, الحملات التبشيرية والمدارس النظامية.وأضاف أن البداية العلمية للمسرح العراقي جاءت بقدوم الفنان جورج أبيض إلى بغداد، ليقدم مسرحيته الشهيرة "أوديب ملكًا"، كما قام بتكوين أول فرقة مسرحية في العراق مع الممثل حقي الشبلي، الذي قام بتأسيس معهد الفنون الجميلة في منتصف الأربعينات، والذى تطور بعدها ليصبح 7 معاهد متفرقة في أنحاء البلاد, ثم أقيمت أكاديميات الفنون المسرحية في الجامعات المختلفة في العراق، والتي تخرج منها العديد من المسرحيين العراقيين، والذين سافروا بعدها لدراسة المسرح في أمريكا وروسيا وباريس، ليؤسسوا بعد عودتهم جيلاً مسرحًيا متطورًا وعلى مستوى فني كبير.ولكنه رأى أنه بالرغم من التطور المسرحي فى العراق، إلا أن المسرح العراقي لا يزال متخلفًا عن المسرح المصري بحوالى 40 عامًا. وذلك لأن المسرح الغنائي لم يكن قد دخل بين فنون المسرح العراقي، متأثرًا في ذلك بمسرح سيد درويش فى مصر. وأشار إلى وجود مجموعة متميزة من الكتاب المسرحيين العراقيين، منهم: عادل كاظم، ونور الدين فارس، ونعمان عاشور، وقاسم محمد، الذي يعد من أشهر المسرحيين العراقيين؛ حيث يعتبر صاحب منهاج مسرحي متفرد، فكان يسافر سنويًا فى أرجاء العالم لعقد ورش مسرحية، كما كان يكتب ويخرج العديد من المسرحيات لأدب الطفل.

وأضاف أن أول تجربة له لعمل مسرحية غنائية كانأول عروضا في 10 يوليو فى عام 1959، وبلغ عدد أعضائها 250 فردًا، وعرضت المسرحية على مسرح قاعة الخلد في بغداد، ونالت نجاحًا ورواجًا واسعًا،والتي بدأت بفكرة بين الشباب المتحمس وكان منهم عبد القادرفنشأة المسرحية بدأت بالدين لشراء القماش وأجور الممثلين وتأجير الأوتوبيسات حتى الطعام لأفراد الفرقة , ونظرا لطبيعة المجتمع العراقي المحافظ فقدمت الاعلانات في التليفزين لطلب راقصين للفرقة من شباب المدارس الثانوية والجامعات , ثم جمعت الفرقة وذهبت للمسئولين في بغداد وعلى رأسهم محمد سعيد الصحاف الذى وافق على اقامة الفرقة وزكاها أمام لجنة اختبارهاليبدأ المشوار المسرحي , ثم تم تقديم المسرحية الثانية عام 1960، والمسرحية الثالثة وهي "العروسة بهية" عام 1970م, وان كانوا في تلك الفترةمتأثرين بكتابات نجيب سرور فبالطبع تعرضوا للمساءلة .

وعن فترة حكم صدام حسين، أوضح أن بداياته شهدت تقدمًا وتطورًا في العديد من المجالات، فالمسرح العراقي، على سبيل المثال، كان يمتلك في أواخر الستينيات 12 فرقة مسرحية تابعة لمسرح الدولة، كما شهد الأدب العراقى ازدهارًا واسعًا وقتها، ولكن بدخول فترة الثمانينيات تغير الحال وتدهورت الثقافة العراقية إلى الآن. ولكن عبد القادر يملأه أمل كبير في بعث العراق مرة أخرى كطائر العنقاء ليسترد مكانته وان كان سيستغرق هذا بعض الوقت .

عبد الاله عبد القادر في سطور .

الثلاثاء 14ديسمبر 2010م.



طارق الطيب في مختبر السرديات
**********

عقد مختبر السرديات يوم الثلاثاء الموافق 14 ديسمبر 2010م لقاء مع الأديب السوداني طارق الطيب لمناقشة رواية "مدن بلا النخيل" , وقد ساهمت الناقدة فاطمة عبد الله
بدراسة نقدية عن الرواية أبدعت كعادتها في ابراز الموروث الشعبي وتأثيره على أبطال الرواية خاصة بطلها الرئيسي حمزة وحبيبته حياة والذي تضطره الظروف المالية لهجر بيئته الأصلية ووطنه في السوان والعيش في بورسعيد والعمل بتجارة الشنطة , وقدمت الشاعرة أمينة عبد الله دراسة بعنوان " لمبة جاز " وتناولت ي الاخرى أحداث الرواية وتأثير الهجرة على بطل الرواية , وشارك في المناقشات نخبة من مثقفي الاسكندرية ومنهم الكاتب أمد حميدة وأحمد الملواني ورشاد فضل وماهر جرجس ومنى عارف ومنى طه .

أما طارق الطيب فقد فتح صدره وبدأ يحكي عن مشوار حياته الذي تضمن بالطبع رواية مدن بلا نخيل فهو من أب سوداني وأم مصرية ولد في حي عين شمس بالقاهرة – وان سجل على أنه مواليد باب الشعرية – وعن شغف بالقراءة فقد ولد لأب مالك لمجموعات دار الهلال التي كان يضع عليها اسمه فيظنها طارق أنها من تأليف والده , ثم بدأت رحلته مع الحكي في المدرسة وهو طفل في المرحلة الابتدائية عندما كان يقص على ابن معلمته المشاغب الذي تحول لطفل هادئ الطباع منصت له , ثم مارس الشعر نتيجة لاحساس بعاطفة تجاه ابنة الجيران في سن المراهقة , وتأتي رحلته للسودان لمدة 12 يوم وهو في سن العشرين والتي انطبعت في ذاكرته واستوحى منها روايته الأولى " مدن بلا نخيل " , ثم يستكمل الطيب دراسته الجامعية بكلية التجارة ليصطدم بالواقع ويصدم على حقيقة أنه سوداني الجنسية والتالي فمصاريف دراسته العليا تكون خارجة عن طاقته , فيسافر للعراق لمدة عام ويمر بظروف صعبة ويرجع خالي الوفاض وذلك في بداية الثمانينات والحرب العراقية الايرانية على أشدها . ثم يراسل عدة جامعات حتى يحصل على منحة كاملة من النمسا ليصدم مرة أخرى بحاجز اللغة , ويعمل في جريدة كموزع من الخامسة صباحا حتى التاسعة والنصف مساءا , حتى يهتدي أحد أصدقائه لفكرة أن يدرس اللغة العربية وبهذه الطريقة قابل زرجته النمساوية التي كانت تعد أطروحتها عن البرنامج العام للاذاعة المصرية , ثم استقرت أحواله وأكمل دراسته العليا في الاقتصاد واستقر في النمسا وألف الروايات و القصص القصيرة حتى أن احدى مجموعاته القصصية درست باحدى المدن هناك كمقرر دراسي , وكتب ايضا الشعر
ونال وسام الجمهورية النمساوية , واعتبر النمسا وطنه الثالث لأنه مكث فيها نصف عمره وفيها تزوج وانجب وعمل وكتب ونشر له , وبرغم من أن الطيب يكتب أدبه بالعربية الا أن كتبه نشرت لمعظم اللغات الأوروبية .

الاثنين، 20 ديسمبر 2010

العربي بن جلون


العربي بن جلون في سطور :
ولد في فاس - المغرب 1947م
أصدر صحيفة "الطفل" أكتوبر1971م أحرز على جائزة اليونسكو عن "قاسم أمين وتحرير المرأة"عام 1975 نال الجائزة الأولى للعرض الثقافي في المهرجان المغاربي الأول لمسرح الطفل عام1990. عمل مدرساً، ومديراً مجلة "كتابات" الفكرية الإبداعية، ومجلة الطفل "سامي"عام 1990.
- عضو جمعية النقد الأدبي باتحاد الكتاب العرب بسورية منذ عام 1992.
- عضو اتحاد كتاب المغرب عام 1982.
من مؤلفاته التي اهتمت معظمها بالطفل ودور نشرها وأعوام تأليفها :
تيار الوعي في الأدب المغربي المعاصر. (دراسات نقدية): اتحاد الكتاب العرب- بسورية 1983.
أدب الأطفال في المغرب. (دراسات نقدية): الرسالة بالرباط 1985.
النص المفتوح. (قراءات في الأدب المغربي الحديث): مطبعة المعارف بالرباط 1986.
أبعاد النص. (قراءات في الأدب المغربي الحديث): مطبعة الرسالة بالرباط 1986.
جدال وسجال.(محاضرات، حوارات، دراسات....) مطبعة المعارف بالرباط 1986.
سفر في نهار الذاكرة (نص أتوبيوغرافي): دار الفرقان للنشر الحديث بالدار البيضاء 1987.
شعر الأطفال (دراسات مشتركة)، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة 1988.
أدبيات الطفل المغربي (ببليوغرافية): مطبعة المعارف بالرباط 1991.
تضاريس الكتابة (قراءات في الأدب المغربي): نداكم للصحافة والاتصال بالرباط 1997.
قصص من عالم الحيوان: دار الثقافة بالدار البيضاء 1986.
قصص تربوية للأطفال: مطبعة المعارف بالرباط 1986-1987.
قصص طريفة للأطفال: مطبعة المعارف بالرباط 1986-1987.
أنغام الطفولة (شعر)، مطبعة المعارف بالرباط 1986- 1987.
قصتي الجميلة: مكتبة المدارس بالدار البيضاء 1988.
أقرأ وألون (لوحات شعرية- فنية)- مكتبة المدارس بالدار البيضاء 1988.
أحكي لكم يا أطفال، مطبعة عكاظ 1988.
فكر معي (قصص)، مطبعة عكاظ بالرباط 1989.
ثلاث مسرحيات للأطفال، مطبعة بابل بالرباط 1989.
قصص الطفل السعيد: مطبعة المعارف بالرباط 1990.
قصص لولدي: مطبعة المعارف بالرباط 1990.
قصص الطفل النبيه: مطبعة المعارف بالرباط 1993.
الكنز (نص مسرحي) البوكيلي للطباعة والنشر بالقنيطرة 1994.
قصص لكل الأطفال (بالفرنسية) : مطبعة المعارف بالرباط 1995.
قصص علمية للأطفال (السلسلة الأولى): مطبعة الفردوس بالرباط 1995.
قصص سامي وليلى: مطبعة المعارف بالرباط 1996.
قصص علمية للأطفال (السلسلة الثانية): مطبعة أمير مانور بالقنيطرة 1996- 1997.
قصص الكتكوت: نشر أنتركراف - بالرباط 1997.
قصص عالمي الجميل: دار الثقافة بالدار البيضاء 1997.
حكايات من ذهب (قصص شعرية): المطبعة السريعة بالقنيطرة 1998.
حتى الشجر يغني (قصائد) : المطبعة السريعة بالقنيطرة 1998.
ابن بطوطة معنا: مطبعة أمر مانور بالقنيطرة 1998.

الثلاثاء 7 ديسمبر 2010م.














الأديب المغربي العربي بن جلون و "القصة المغربية بين التأسيس والتجنيس"
أقام مختبر السرديات بمكتبة الاسكندرية يوم الثلاثاء 7 ديسمبرندوة بعنوان " القصة المغربية بين التأسيس والتجنيس فيها الأديب المغربي "العربي بن جلون " .
وقد بدأ فيها ابن جلون حديث عن معرفته الطيبة بأعضاء المختبر مثل الأديب منير عتيبة , الناقد شوقي بدريوسف , الكاتب أحمد حميدة . الكاتبة منى عارف .
وعادت به الذكريات الى رحلت الأولى لمصر عام 1969م, ولاحظ التغيرات الكثيرةالمعمارية التي طرأت على الاسكندرية .
وتحدث عن الأطفال وتجربته في الكتابة عن الطفل , وعن أحوال الأطفال التي حكمت عليهم الظروف بالعمل وترك المدرسة وجهلهم بأحوال المجتمع , فحاول عن طريق منظمة البحث عن هوية مشتركة التثقيف الذاتي للأطفال الذين لم يتابعوا دراستهم في المدارس لحكومية أو الخاصة لتعريفهم بأبسط القوانين التي تحكم الأزواج , أرباب العمل , ..
حيث لوحظ أن 90بالمائة من القضايا التي تنظر فيا المحاكم في الوطن العربي لا تحتاج الى محامين , لأنها قضايا بسيطة تبنى على المعرفة القانونية , تنمية المعارف الانتخابية , ...
ثم تحدث عن ريادة المشرق العربي بحضارت الفرعونية , العراقية , .. وملتقياته الثقافية القديمة مثل سوق عكاظ , ثم الخمول الذي انتعش بعد الحملة الفرنسية ومحمد علي وبعثاته وتأخر المغرب العربي بعض الشئ عن المشرق نظرا لاختلاف لهجاته.
وتناول فضل المغاربة على المشرق وتميزهم عند مجيئهم للشرق وخاصة مصر ومنهم الكثير من علماء الدين مثل العارف بالله سيدي أحمد البدوي صاحب الضريح الشهير بمدينة طنطا .
وتحدث أيضا عن حال الثقاقة العربية ,أحوال المثقفين العرب والصعوبات التي يواجهها السوق المغربي نتيجة لانصراف دور النشر من المشرق العربي لتصدير منتجاتها له , أو بيعها بأسعار مبالغ فيها .